البرنامج النووي الإيراني

(FILE) A file photograph dated 18 November 2005 shows the nuclear enrichment plant of Natanz in central Iran. Media reports state on 12 January 2014 that an agreement to freeze Iran's nuclear programme will come into force on 20 January 2014. EPA/ABEDIN TAHERKENAREH *** Local Caption *** 50721061
إحدى واجهات منشأة نطنز النووية المقامة في مكان محصن جنوب العاصمة الإيرانية طهران (الأوروبية)
مشروع إيراني لامتلاك الطاقة النووية، بدأ العمل فيه قبل الثورة الإيرانية ثم تصاعدت وتيرته مطلع الألفية الثالثة، مما أثار قلق الغرب الذي يتهم إيران بالسعي لحيازة السلاح النووي.

أولا: النشأة والمسار
بدأت قصة البرنامج النووي الإيراني أواسط سبعينيات القرن العشرين، عندما دشن الشاه السابق محمد رضا البهلوي مشروعه الطموح للطاقة النووية ليكون دعامة لإرساء ما كان يصفه بـ"الحضارة الإيرانية الكبرى" التي تعتبر التكنولوجيا النووية أحد أركانها الأساسية.

وقد كانت الولايات المتحدة في أوائل السبعينيات هي السبّاقة بالتلويح بجَزرة الطاقة الكهرونووية للشاه، بعد أن كانت وهبت بلاده مفاعلا للأبحاث تم الانتهاء من تشييده وتشغيله في جامعة طهران عام 1967.

إذ عرضت واشنطن على طهران بناء ما بين خمسة وسبعة مفاعلات كهرونووية، لكن الكلفة العالية للمفاعلات الأميركية جعلت الشاه يفضل عرض الشركة الألمانية "كرافتورك يونيون سيمنس"، فكلّفها بالبدء في بناء مفاعلين كهرونوويين في مدينة بوشهر جنوبي البلاد، وبدأ العمل فيهما عام 1974.

اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 حين كان المفاعل الأول قد أنجزت نسبة 85% من بنائه، وكان من المخطط له أن يبدأ إنتاج القدرة الكهرونووية عام 1981. توقف الألمان عن إكمال بناء مفاعليْ بوشهر فتباطأ العمل فيهما بعد استتباب الثورة الإيرانية إلى أن تصاعدت حدة القتال أثناء الحرب العراقية الإيرانية فقام العراق بقصف المفاعلين عام 1987.

بحثت إيران الثورة عن بلد يكمل لها ما بدأه الخبراء الألمان، وبما أن الثورة الإسلامية ناصبت الغرب العداء وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنه لم تقبل أي دولة غربية أن تقوم بإكمال المشروع النووي الإيراني، إلا الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان يرى في إيران حليفا جديدا وجاهزا يمكن أن يضيفه إلى حلفائه في العالم الثالث.

وإذا كان الحصول على سلاح نووي خيارا وطنيا يحتاج في الأساس إلى قرار سياسي -وهو ما لم تفصح عنه إيران رسميا- فإن ما قامت به طهران في التسعينيات يرجّح احتمال أن قرارها السياسي كان قد اتُّخِذ إما بعد تدمير العراق لمفاعليْ بوشهر 1987، أو بعد حرب الخليج الأولى والتدمير الشامل للمنشآت النووية العراقية بالقصف الأميركي أو بلجان التفتيش الدولية 1991.

وعلى كل حال، قررت إيران المباشرة في سلوك الخيارين النوويين العسكريين في ذات الوقت، أي الحصول على "البلوتونيوم" الذي صنعت منه القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة ناغازاكي اليابانية عام 1945، وعلى "اليورانيوم العسكري" الذي صنعت منه القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.

من الناحية الفنية، تمكنت طهران من التعاقد مع الاتحاد السوفياتي عام 1995 على تحوير المفاعلين الألمانيين المدمرين إلى النوع المعتمد في الاتحاد السوفياتي، ورأت في هذا التعاقد فرصة لإعادة الحياة إلى برنامجها النووي "السلمي".

وهكذا باشرت إيران منذ عام 1996 بناء منشأة لإنتاج الماء الثقيل في مدينة آراك (وسط إيران)، وقد بدأ إنتاجه هناك عام 2006 بعد أن كشفت المعارضة الإيرانية النقاب عنه عام 2002. كما بدأت إيران عام 2004 إنشاء مفاعل من تصميمها بقدرة 40 ميغاواتاً بالقرب من هذه المنشأة يعتمد في تشغيله على الماء الثقيل واليورانيوم الطبيعي المتوفر في إيران.

وهذا النوع من المفاعلات وبهذه القدرة يصلح لإنتاج البلوتونيوم بالكميات المطلوبة للسلاح النووي، وهو من نفس نوع وقدرة كل من المفاعل الفرنسي في ديمونة الذي يزود إسرائيل بقنابلها النووية، والمفاعل الكندي الذي مكّن الهند من الحصول على سلاحها النووي، والمفاعل الباكستاني في "خوشاب".

إن حجّة إيران التقنية في اختيارها لهذا النوع من المفاعلات هي أنه سيستخدم للأبحاث العلمية ولإنتاج النظائر المُشعّة للأغراض الطبية والزراعية، إضافة إلى أنه يعمل باليورانيوم الطبيعي المتوفر في إيران.

إن قدرة هذا المفاعل (40 ميغاواتا) كبيرة نسبياً إن كان الغرض منه هو ما تقوله إيران (إذ إن قدرة 10 ميغاواتات قد تكون كافية لهذه الأغراض)، في حين أنها عملت ونجحت في تجاوز مشكلة توفّر الوقود النووي بسيطرتها على عملية تخصيب اليورانيوم.

ومن هنا استفادت إيران بذكاء من تجربة العراق القاسية، وذلك بالتصويب نحو تقنية الطرد المركزي التي لها مميزات عن باقي طرق التخصيب، وأهمها بالنسبة لإيران سهولة إخفاء منشآتها في أبنية يصعب الكشف عنها من الجو، إضافة لامتلاكها أقوى سبب لثقتها بقدرتها على الاستمرار في برنامجها النووي العسكري بأمان، ألا وهو فقدان عنصر الجواسيس في كادرها النووي.

وعلى الصعيد السياسي، بذل الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني -المعروف باتجاهاته القومية- في فترته الرئاسية جهودا حثيثة لإكمال المشروع النووي، وكذلك المتعاقبون على الحكم من بعده، مؤكدين أن هذه الجهود مكرسة للحصول على التكنولوجيا النووية لكن "لأغراض سلمية فقط".

إلا أن الجهود الإيرانية لحيازة التقنية النووية جوبهت بعراقيل عدة سياسية واقتصادية وأمنية، فالولايات المتحدة الأميركية دأبت منذ مطلع الألفية الثالثة على انتقاد النظام الإيراني متهمة إياه بالسعي لحيازة السلاح النووي. خاصة أن واشنطن ليست مرتاحة للدور الإيراني بأفغانستان ومنطقة الخليج والعراق، ولا لدعمها الحركات الإسلامية المقاومة لإسرائيل بفلسطين ولبنان.

وبدأت إثارة المخاوف الدولية من البرنامج النووي الإيراني بإصدار مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم 12 سبتمبر/أيلول 2003 قرارا يلزم إيران بـ"الوقف الفوري الكامل" لكافة نشاطاتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، وبتوقيع البروتوكول الإضافي الخاص بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والسماح الفوري بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية "دون قيد أو شرط".

وقد سبقت هذا القرارَ محاولاتٌ عدة قامت بها الوكالة الدولية بعد أن حصلت على معلومات من الولايات المتحدة الأميركية تفيد بأن إيران تمتلك -علاوة على منشأة بوشهر النووية التقليدية- منشأتين أخريين في مدينتيْ "أراك" و"نطنز" (وسط إيران)، وأنها تقوم بعملية تخصيب اليورانيوم في المنشأة الأخيرة.

وبعد الضجة التي أثيرت حول هذه القضية آنذاك، زار رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقتها محمد البرادعي إيران في شهر فبراير/شباط 2004 لبحث هذا الأمر، وكان قبيل ذلك هدد بنقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي إن لم تمتثل طهران لمطالب المجتمع الدولي.

وتلت زيارة البرادعي لطهران مجموعة زيارات قام بها خبراء آخرون ومفتشون تابعون للوكالة الدولية إلى إيران، كانوا يأخذون خلالها عينات من جميع المواقع النووية الهامة للتحقق من عدم وجود أنشطة نووية لم تُعلنها طهران من قبل.

لكن الأهم من كل ذلك هو الزيارة التي قام بها مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الأمنية والسياسية حينها خافيير سولانا إلى طهران قبل صدور قرار الوكالة، حيث أعلن للصحفيين -بحضور وزير الخارجية الإيراني آنذاك كمال خرازي- أن إيران ستسمع "أخبارا سيئة" إذا لم توقع على البروتوكول الإضافي الصادر في عام 1997.

وكانت "الأخبار السيئة" هي القرار الذي أصدرته الوكالة وأجمعت الأوساط الإيرانية على أنه إنذار حادّ وتحدّ سافر للنظام الحاكم في إيران لم يواجَه بمثله منذ قيامه عام 1979، إذ لا مجال للمناورة كما كان في الأزمات السابقة ولا مفر له من القبول أو الرفض للشروط المطروحة من مجلس حكام الوكالة.

وفي رد رسمي على قرار الوكالة الدولية، أعلن رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة النووية غلام رضا آغا زاده في الاجتماع السابع والأربعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا يوم 15 سبتمبر/أيلول 2003 أن إيران ستواصل التعاون مع الوكالة الدولية وأنها ستبت بشأن القرار الصادر، بينما طالبت الأوساط الإيرانية المحافظة بالوقوف برفض توقيع البروتوكول الإضافي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2003 قام وزراء خارجية أكبر ثلاث دول أوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) بزيارة مشتركة لطهران حصلوا فيها على موافقة إيران على توقيع البروتوكول الإضافي الذي يسمح بتفتيش منشآتها النووية، وعلى وقف عمليات تخصيب اليورانيوم التي تعد الخطوة الأولى نحو امتلاك السلاح النووي.

وكان ثمن التنازل الإيراني اعتراف الاتحاد الأوروبي بحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، ووعده إياها بدفع العلاقات الاقتصادية والسياسية بينهما، بينما راجت تكهنات بأن إيران تحتاج لعشرة أشهر فقط لتبني قنبلتها النووية، والصفقة مع الأوروبيين تعطيها هذا الوقت لأنها لم تحدد موعد توقيع البروتوكول الإضافي، وما يحتاجه من تصديق البرلمان الإيراني ومرشد الثورة.

وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2003 اتخذ أعضاء مجلس الحكام التابع للوكالة الدولية قرارا بالإجماع يدين إيران لتطويرها برنامجا نوويا سريا على مدى حوالي 20 عاما، وتقول واشنطن إنه يخفي وراءه طموحات لتصنيع أسلحة نووية. غير أن القرار لم ينص على إحالة المسألة في حينها إلى مجلس الأمن.

وفي سبتمبر/أيلول 2004 أصدرت الوكالة الدولية قرارا آخر يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية الضرورية للحصول على القنبلة النووية.

لكن من الناحية الواقعية، ازداد تصلب الموقف الإيراني في الملف النووي بدءا باستئناف تخصيب اليورانيوم في أصفهان في أغسطس/آب 2005، ووصولا إلى إعلان طهران في أبريل/نيسان 2006 نجاحها في عمليات التخصيب بنسبة 3.5% الصالحة لأغراض سلمية، والبعيدة عن الأغراض العسكرية التي تتطلب نسبة تخصيب تزيد على 90%.

وفي 4 فبراير/شباط 2006 أحالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي بعد أن حظي مشروع قرار بهذا الشأن بموافقة 27 عضوا في الوكالة، ومعارضة ثلاث دول، وامتناع خمس دول عن التصويت. ومنح القرار مهلة شهر قبل أي تحرك للأمم المتحدة ضد إيران وذلك لإتاحة وقت للجهود الدبلوماسية.

وفي يوم 30 مارس/آذار 2006 وافق مجلس الأمن بكامل أعضائه الخمسة عشر على "بيان" بشأن سبل الحد من طموحات إيران النووية، بعد تقديم تنازلات لكل من موسكو وبكين تتعلق بحذف فقرة كانت تشير إلى أن عدم امتثال إيران للمطالب لمنع الأسلحة النووية "يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين"، ولم يكن البيان ملزما كما أنه لم يتضمن تهديدات بفرض عقوبات على إيران.

وفي 23 ديسمبر/كانون الأول 2006 أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1737 الأول من نوعه، والذي يمنع أي دولة من تسليم إيران أو بيعها أي معدات أو تجهيزات أو تكنولوجيا يمكن أن تساعدها في نشاطات نووية وبالستية، بالإضافة إلى تجميد أصول عشر شركات و12 شخصا لهم علاقة بالبرامج.

ويفرض القرار عقوبات اقتصادية وتجارية في مجالات محددة تتصل بتخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، وبمشاريع مرتبطة بمفاعلات المياه الثقيلة وتطوير الصواريخ البالستية، ويقضي بأن يراجع المجلس ملف إيران في ضوء تقرير من وكالة الطاقة الذرية يرفع في غضون 60 يوما.

وفي قرار آخر أصدره في 24 مارس/آذار2007 برقم 1747 قال مجلس الأمن إنه "يساوره القلق إزاء مخاطر الانتشار التي يطرحها البرنامج النووي الإيراني"، وهو ما جعل طهران تخشى من نقل الملف النووي من مؤسسة الطاقة الذرية إلى وزارة الدفاع، لما يعنيه ذلك من وصول التفتيش والرقابة إلى مشاريعها العسكرية، خاصة برنامجها الصاروخي وأنظمة صادراتها للأسلحة التقليدية.

وفي مارس/آذار 2010 أعلنت طهران -على لسان رئيس هيئتها للطاقة الذرية علي أكبر صالحي- أنها مستعدة لتسليم 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب فورا مقابل حصولها على وقود لتشغيل مفاعل أبحاثها الطبية في طهران، مشترطة أن يتم التبادل بإشراف كامل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية داخل إيران خلال 24 ساعة، وليس خارجها كما تقترح خطة للوكالة.

وحتى مايو/أيار 2012 ظلت التلميحات الإيرانية تشير فقط إلى إمكانية تجميد عمليات تخصيب اليورانيوم لمستوى 20% الذي أعلنت الوصول إليه أوائل عام 2010، مع الاحتفاظ بالحق في التخصيب لمستوى 3.5% الذي يستخدم عادة وقودا في محطات الطاقة النووية، على أن تحصل طهران على احتياجاتها التكنولوجية الأخرى من الدول المعنية بتسوية ملفها النووي.

وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران زادت بشكل كبير من إنتاجها لليورانيوم بدرجة نقاوة 20% بدلا من درجة نقاوة 3.5% لليورانيوم، وهو ما يعدّ مؤشرا على الاقتراب من حالة اليورانيوم المنتج بنقاوة 90% والذي يستخدم وقودا لإنتاج السلاح النووي.

وفي المقابل، تقول طهران إنها تسعى لاستخدام ما تملكه من مخزون اليورانيوم لأغراض تزويد المفاعلات بالوقود اللازم من أجل أغراض تتعلق بالأبحاث الطبية.

وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013 وقّعت إيران ومجموعة "5+1" (التي تضمُّ الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) -بعد عدة جولات تفاوضية- اتفاقا مؤقتا في جنيف تضمن خطة عمل مشتركة، التزمت خلالها طهران بعدم تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من نسبة 5%.

كما قضت الخطة بأن تُخفّض طهران بشكل كبير وتيرة تطوير برنامجها النووي، وأن تسمح لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مواقعها النووية المحورية، وفي المقابل وافق الغرب على تخفيف العقوبات الاقتصادية جزئيا، والإفراج لإيران عما يقارب 700 مليون دولار شهريا من ودائعها بالبنوك الغربية. ووُصف الاتفاق بأنه خطوة أولى يجب التوصل بعدها لاتفاقية شاملة.

ونص الاتفاق على أن يتم بدء تطبيقه في يناير/كانون الثاني 2014 للتوصل إلى اتفاق شامل خلال ستة أشهر من نفس السنة، وهو ما لم يقع في موعده فتم التمديد حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ومرة ثانية حتى يوليو/تموز 2015.

وفي 2 أبريل/نيسان 2015 توصلت طهران والدول الست الكبرى في مدينة لوزان السويسرية إلى "اتفاق إطار" سيقود إلى حل نهائي لملف البرنامج النووي الإيراني، يتوقع أن يتوصل الطرفان إليه بحلول نهاية يونيو/حزيران 2015.

ومن شأن هذا الاتفاق الإطاري أن يكبح تقدم هذا البرنامج لعشر سنوات على الأقل، وهي خطوة نحو توقيع اتفاق نهائي قد يُنهي 12 عاما من سياسة حافة الهاوية والتهديدات والمواجهة بين إيران والغرب.

ولا تزال هناك حاجة إلى الاتفاق على تفاصيل كثيرة بين الجانبين، ويقول دبلوماسيون كانوا قريبين من المفاوضات الأخيرة إن الاتفاق هش ولا يمكن استبعاد انهيار كافة التفاهمات التي تم التوصل إليها، ويعتقد خبراء أن التوصل إلى اتفاق نهائي سيكون أصعب كثيرا مما حدث في اتفاق الإطار.

ثانيا: أطراف الأزمة
1- النظام الإيراني
تنفي الأنظمة الإيرانية المتعاقبة أن لديها أي نية للحصول على مواد لإنتاج قنبلة نووية، أو أنها تسعى لامتلاك الخبرة والوسائل لتصنيع قنبلة نووية، وتقول إنها تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية فقط تتعلق بالأبحاث الطبية وتوفير الطاقة الكهرونووية لتنمية المجالات المدنية.

وتشدد هذه الأنظمة على أن الشعب الإيراني له الحق بمقتضى القوانين الدولية في الحصول على التقنية النووية السلمية، وتؤكد أنه يناهض استخدام وإنتاج السلاح النووي لأنه يتعارض مع عقيدته الدينية وفتاوى مراجعه التقليدية وفتوى قائد الثورة الإسلامية، وأن إيران قادرة بالاتكال على ثقافتها وقوتها التقليدية على صد أي عدوان عليها، دون أن تحتاج إلى السلاح النووي.

واستبعدت إيران على الدوام إغلاق أي من مواقعها النووية أو التخلي عن تخصيب اليورانيوم، قائلة إن أنشطتها النووية شفافة، وقد قدمت بشأنها وثائق تحتوي أكثر من ألف صفحة. كما أن مواقعها النووية تخضع باستمرار لمراقبة الكاميرات التابعة للوكالة الدولية، والمفتشون الدوليون يقومون بزيارات مستمرة لمواقعها النووية، ويقدمون التقارير حول المراحل المختلفة لأنشطتها النووية.

2- القوى الدولية
تتعدد الأطراف الدولية المعنية بالملف النووي الإيراني، وإذا تجاوزنا الهيئات الدولية المكلفة فنيا بمراقبة وتفتيش وضبط هذا البرنامج مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي، فإننا نجد في مقدمة الأطراف الدولية المنخرطة في الأزمة الإيرانية دولتين مهمتين لا تكادان تضيعان أي فرصة تسنح لإثارة هذا الملف في كل المناسبات، هما الولايات المتحدة وإسرائيل.

ويرى الإسرائيليون في البرنامج النووي الإيراني كسرا لاحتكارهم القوة النووية بالمنطقة في وقت السلم، وخطرا وجوديا عليهم في وقت الحرب. فهم يقرؤونه إذن قراءة عسكرية بالأساس، ويطالبون على الدوام بـ"تفكيك" هذا البرنامج بالكامل كما حصل مع البرنامجين النووييْن في العراق وليبيا.

أما الأميركيون فيدركون أن البرنامج النووي الإيراني لا يشكل خطرا عسكريا على الولايات المتحدة، وإنما يقرؤونه برؤية إستراتيجية أوسع وأبعد مدى من المخاطر العسكرية المباشرة، فيرون أنه سيغير المعادلة الإستراتيجية السائدة اليوم في الخليج والشرق الأوسط تغييرا عميقا، يسحب البساط من تحت العملاق الأميركي المخيم بظلاله على المنطقة منذ سبعة عقود.

وقد عمدت الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية إلى استنزاف البرنامج النووي الإيراني تدريجيا من الداخل عبر تفريغه من الكوادر البشرية الإيرانية المتخصصة في التكنولوجيا النووية من علماء وفنيين، سواء من خلال التصفية الجسدية أو عبر الاختطاف والتهجير إلى خارج إيران، خاصة بعد إطلاق البيت الأبيض في عام 2005 برنامجا سريا يُسمى "تصفية الأدمغة" بهدف لتقويض برنامج إيران النووي.

وفي ذات المسعى، تأتي الحرب الإلكترونية التي تشنها تل أبيب وواشنطن ضد القدرات النووية والصاروخية الإيرانية من خلال الفيروسات الإلكترونية التي تنشر عبر الحواسيب المستخدمة في البرنامجين النووي والصاروخي لطهران مثل الفيروس الإلكتروني الشهير "ستاكس نت"، وهي الحرب التي أصابت أجهزة الطرد المركزي الإيرانية عام 2010 بأعطال حقيقية اعترفت بها طهران.

ثالثا: مكونات البرنامج
1- إستراتيجية البرنامج
يرى محللون أن إيران تحلم بالنموذج الروسي القائم على إنتاج الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية، ومن ثم توفير النفط والغاز للتصدير الخارجي للحصول على العملات الصعبة التي تمكنها من بناء اقتصاد ما بعد عصر النفط.

ولا تتوفر معلومات دقيقة كافية عن أهم المواقع النووية الإيرانية، الأمر الذي اعتبرته تقارير غربية (بعضها أميركي) من أكبر المصاعب التي قد تواجه أي عمل عسكري لتدمير البرنامج النووي الإيراني.

وترجع التقارير ذلك إلى أن الإيرانيين تعلموا جيدا من درس العراق واستهداف مفاعله "أوزيراك"، ولم يضعوا كل أسرارهم النووية في سلة واحدة واتبعوا نظرية "الإبرة والقش"، على أساس أن هناك مواقع نووية مفترضة لكنها موزعة على امتداد المساحة الشاسعة للبلاد، إضافة لأنفاق تحت الأرض تخفي مواقع لبرامج حساسة، وبعضها لا يسمح بدخوله إلا لقلة من المسؤولين الإيرانيين.

ولما ذكرت تقارير إعلامية غربية أن مسؤولا كبيرا -كان ضمن الوفد الإيراني المفاوض بشأن البرنامج النووي الإيراني 2005- قد انشق عن النظام الإيراني، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن مسؤول أمني كبير قوله "إذا صح ذلك فلن أقول سوى شيء واحد، وهو أن هذا الشخص المفترض عرف شيئا وغابت عنه أشياء".

وعلى الرغم من أن إيران كانت قد أعلنت قبل عدة سنوات أنها تهدف إلى توفير 20% فقط من الطاقة الكهربائية مما يعني حاجتها إلى مفاعلين نوويين بحجم بوشهر، فإنها عادت بعد ذلك وصرحت لقناة الجزيرة -على لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد- بأنها ستحتاج إلى بناء عشرين مفاعلاً تتوزع جغرافياً على كافة أنحاء البلاد.

أما على صعيد الوصول إلى السلاح النووي، فقد كان الاعتقاد السائد لدى دوائر الاستخبارات الأميركية -عندما تولى الرئيس الأميركي باراك أوباما مهامه الرئاسية مطلع 2009- أن لدى إيران مخزونا من اليورانيوم المخصب يكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة. وفي نهاية 2011، انتهت التقديرات الأميركية إلى القول بأن في حوزة إيران من هذا اليورانيوم ما يكفي لصنع أربع قنابل نووية كحد أدنى.

وقد كشفت دراسة أعدتها شبكة الجزيرة الفضائية وبثت مضمونها يوم 17 يناير/كانون الأول 2015 أن إيران أصبحت تقنيا قادرة على إنتاج 25 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 90%، مما يجعلها قريبة من امتلاك سلاح نووي، إذ تكفي هذه الكمية لإنتاج قنبلة نووية خلال فترة تقدر بنحو ثلاثة أشهر.

واعتمدت الدراسة -التي تحقق منها باحثون في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية- على آخر تقرير تصدره الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني، وقامت بدراسة قدرة مفاعل نطنز لتخصيب اليورانيوم الذي يحتوي على أكثر من تسعة آلاف ومائة جهاز طرد مركزي مغذى باليورانيوم من الجيل الأول.

وإذا تمكنت طهران من إعادة ترتيب أجهزة الطرد المركزي في مجموعة تسلسلية أخرى وأدخلت وقود المفاعلات النووية بدلا من اليورانيوم الطبيعي، فسيصبح بإمكانها إنتاج الكمية الكافية لصناعة قنبلة خلال ثلاثة أشهر فقط، وذلك بعدما احتاجت إلى سنوات لبناء المفاعلات.

ومع ذلك، فقد يتطلب إنتاج السلاح عمليا بضع سنوات لأن إيران لم تقم بذلك سابقا، كما أن طهران لن تكتفي بصنع قنبلة واحدة.

ومن الناحية الاقتصادية، تفرض الحاجة الإيرانية في مجال الطاقة إدامة البرنامج النووي، فقد أشارت دراسة لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية إلى أن إيران تحتاج في 2021 إلى تأمين ما يعادل 12.5% من احتياجاتها من الكهرباء بالطاقة النووية، وهو ما يجعل إدامة المشروع النووي الإيراني مسألة في غاية الحساسية من الناحية الاقتصادية، فضلا عن جوانبه السياسية.

إذ تشير التقارير الإيرانية إلى أن 60 حقلا نفطيا كبيرا في إيران صارت قديمة وأصابها التآكل، وهناك 57 حقلا تحتاج إلى صيانة، وتؤكد تقارير عدة أن 80% من الحقول النفطية الإيرانية دخلت النصف الثاني من عمرها، وأنها تفقد سنويا من 8-13% من قدرتها على توليد النفط، وتحتاج هذه العملية إلى مدى زمني يصل إلى 15 عاما، وكلفة تصل إلى 40 مليار دولار.

2- هيكلية البرنامج
من المعروف أن امتلاك برنامج نووي عسكري يتطلب إتقان ثلاثة أمور أساسية هي: تخصيب اليورانيوم بنسب عالية ذاتيا، والقدرة على صناعة رأس نووي، وإنتاج وسائل تحمل هذا الرأس أي الصاروخ القادر على حمله. ومن الناحية البنيوية والفنية يتشكل البرنامج النووي الإيراني من المكونات التالية:

 المنشآت النووية
تتوزع المواقع النووية في إيران بين أربعة أفرع رئيسية هي: مراكز البحث، ومواقع التخصيب، والمفاعلات النووية، ومناجم اليورانيوم.

مراكز الأبحاث النووية: وأبرزها: مركز جورغان، ومركز جابر بن حيان للأبحاث والتحويل، ومركز درمند لأبحاث فيزياء البلازما، ومركز جامعة شريف للبحوث النووية، ومركز بوناب للبحث والتطوير، ومركز معلم كالايه للبحوث النووية.

مواقع تخصيب اليورانيوم: ومن أهمها: مركز رامانده ولشكر آباد، ومنشأة نطنز، وموقع دارخوين المشتبه في أنه معد للتخصيب، ومركز أردكان لتنقية خام اليورانيوم. ولإيران منجمان لليورانيوم هما منجم سغند ومنجم زاريغان.

3تبعات البرنامج
أ- العقوبات الاقتصادية
لم يعد في طهران مجال لإنكار الأثر الذي تركته العقوبات على الاقتصاد الإيراني، وتكاد لا تخلو تصريحات لمسؤول إيراني من ربط إنجاح المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي برفع العقوبات، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي منذ 2006 عدة قرارات فرضت حزمة من العقوبات الاقتصادية والمالية على إيران، مما أدى لخسارتها اقتصاديا نحو 200 مليار دولار خلال 2012-2015.

وإضافة إلى عقوبات مجلس الأمن، فقد فرضت دول مثل الولايات المتحدة واليابان وأستراليا عقوبات أحادية على إيران، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي شملت عقوباته ضدها مثلا حظر تمويل الصفقات مع طهران، وحظر الاستثمار في الصناعات النفطية الإيرانية، وحظر تأمين ناقلات النفط الإيرانية، وحظر التجارة مع إيران في مجال الأحجار والمعادن الثمينة.

ويقول تقرير اقتصادي للبنك الدولي صدر عام 2014 إن العقوبات الصارمة المفروضة على صادرات النفط الإيرانية وبعض القطاعات الرئيسة كصناعة السيارات ومعاملات البنوك الدولية والمحلية، قادت بشكل مؤثر إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 5.8% في عام 2012-2013، و1.7% في عام 2013-2014.

أما صادرات النفط فقد انخفضت إلى 1.1 مليون برميل يوميا، أي نصف الكمية التي كانت تُصدرها طهران قبل عقوبات عام 2012 التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وكان تخفيف العقوبات في إطار خطة العمل المشتركة (اتفاق جنيف النووي المؤقت) في نوفمبر/تشرين الثاني من 2013 قد مكَّن إيران من زيادة صادراتها النفطية تدريجيا، حيث ارتفع عدد براميل النفط المصدرة إلى الصين من 250 ألفا يوميا إلى 540 ألف برميل، ليصل مجموع صادرات النفط الإيراني إلى 1.21 مليون برميل في اليوم خلال يونيو/حزيران 2014.

ولا يزال الاقتصاد الإيراني يُواجه نسبة تضخم عالية، ونسب بطالة مرتفعة بلغت 10.4% حسب مصادر إيرانية رسمية، ولكن جهات غير رسمية تقدر النسبة بما يقارب 20%.

ب- التهديدات العسكرية
دأبت إسرائيل والولايات المتحدة على إصدار تهديدات دورية بإمكانية توجيه ضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية إن لم تستجب إيران للمطالب الغربية بضرورة وضع برنامجها تحت الرقابة الدولية المباشرة، بما يمكّن من منع تحوله من الأغراض السلمية إلى المجال العسكري.

ويكاد الخبراء الإستراتيجيون يُجمعون على أن نجاح أي ضربة إجهاضية ضد البرنامج النووي الإيراني يتوقف على أربعة شروط هي:

– توفر معلومات دقيقة عن مواقع المفاعلات النووية الإيرانية، وهذا أمر تتكفل به فرق التفتيش الدولية عادة، كما أن الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية والأميركية المصممة لغايات التجسس تزود بمعلومات مهمة في هذا الشأن.

– القرب المكاني الضامن لوصول الطيران العسكري إلى الأهداف داخل إيران وضربها والرجوع إلى القواعد، وهذا يثير إشكالا للإسرائيليين الذين يبعدون عن المفاعلات الإيرانية حوالي 1500 كيلومتر، لكن مصاعب المسافة يمكن التغلب عليها بالانطلاق من إحدى الدول المجاورة لإيران.

– القدرة على مفاجأة السلاح الجوي الإيراني، وإلا فإن الطيران المهاجِم قد يتعرض نظريا للإسقاط، كما يمكن إبعاد بعض المواد والتجهيزات عن منطقة الخطر إذا لم تحصل مفاجأة، لكن سلاح الطيران والدفاع الجوي في إيران متخلفان جدا بالمقارنة مع القوة الأميركية والإسرائيلية.

– غطاء سياسي عالمي، وهذا غير متوفر الآن لكن من الوارد أن يتوفر مستقبلا بيسر، فالمظلة الدولية الوحيدة التي تحتمي بها إيران اليوم هي روسيا والصين، وهما حليفان لا يمكن الوثوق بهما في ساعات الحرج، ولديهما من المصالح المتبادلة مع واشنطن وأوروبا ما يصلح لمقايضات من وراء ستار في شأن إيران.

ويبقى العائق الجدي الذي قد يحول دون وقوع أو نجاح ضربة إجهاضية ضد المنشآت النووية الإيرانية محصورا في أمرين اثنين:

– أن المواقع النووية الإيرانية متعددة، حيث يقدر عددها الآن بـ19 موقعا، وهي متباعدة في المكان على مساحة الدولة الإيرانية، كما أن بعض هذه المواقع مبني تحت الأرض ومحصن تحصينا قويا.

فإذا قررت إسرائيل أو الولايات المتحدة أو هما معا ضرب المنشآت الإيرانية فلن يكون الأمر ضربة واحدة، بل حملة جوية شاملة قد تستمر يومين أو ثلاثة أيام على مدار الساعة، بحكم تعدد المنشآت الإيرانية وتباعدها، وهو ما يُنهي عنصر المفاجأة مع أول ضربة ويمكِّن الإيرانيين من تنظيم دفاعاتهم واستنقاذ ما يمكن إنقاذه.

– أن ردود الفعل الإيرانية مؤكدة وباهظة الثمن، ويخشى الإسرائيليون على وجه التحديد من صواريخ "فجر" التي زودت بها إيران حزب الله والتي تؤرق سكان شمال إسرائيل، وصواريخ "شهاب" الإيرانية البعيدة المدى لأنها قادرة على الوصول إلى المدن الإسرائيلية، كما أن إيران اختبرت صاروخا يتجاوز مداه المسافة بين إيران وأوروبا، تحت غطاء إطلاق أقمار اصطناعية.

فإذا أدى قصف إسرائيل للمواقع النووية الإيرانية إلى تسرب إشعاعي، فإن استعمال الإيرانيين للسلاح الكيميائي ضد إسرائيل يصبح أمرا مؤكدا، وهو ما يرعب الإسرائيليين.

ومن ردود الفعل الإيرانية الممكنة ضد إسرائيل ضرب المصالح الإسرائيلية عبر العالم من خلال الجماعات الموالية لإيران.

4- اتفاق الإطار المبدئي
بعد مفاوضات شاقة استمرت حوالي 18 شهرا، توصلت إيران والدول الكبرى يوم 2 أبريل/نيسان 2015 في مدينة لوزان السويسرية إلى اتفاق لوزان لحل ملف البرنامج النووي الإيراني.

ويهدف الاتفاق إلى كبح تقدم البرنامج لمدة عشر سنوات -على الأقل- بتعليق أكثر من ثلثي قدرات التخصيب الإيرانية مقابل رفع العقوبات الغربية على طهران، بعد 12 عاما من التهديدات المتبادلة بين الطرفين.

المصدر : الجزيرة

إعلان