ناغازاكي.. أنشأها البرتغاليون ودمرها الأميركيون
ناغازاكي مدينة يابانية، أنشأها البرتغاليون في القرن الـ16 الميلادي لتكون ميناء تجاريا، وازدهرت حتى صارت أهم نقاط التبادل التجاري بشرق آسيا. اقترن ذكرها في التاريخ المعاصر بقصفها بقنبلة نووية ألقتها الولايات المتحدة نهاية الحرب العالمية الثانية، مما دفع اليابان إلى الاستسلام.
الموقع
تقع ناغازاكي في أقصى الجنوب الياباني على جزيرة "كيوشو" التي تعتبر أهم حواضرها. وتمتد المدينة داخل البحر على شكل شبه جزيرة متميزة، وتبلغ مساحتها 400 كلم2.
يسود في منطقة ناغازاكي مناخ شبه مداري رطب ومعتدل في مختلف فترات السنة، فخلال الشتاء تبقى درجات الحرارة فوق سبع درجات مئوية، وفي الصيف لا تتعدى أقصاها في العادة 28 درجة.
السكان
يُقدر عدد سكان ناغازاكي بنحو 445 ألف نسمة (إحصائيات 2009)، وبالتالي فإن معدل الكثافة السكانية فيها يناهز 1100 شخص في الكيلومتر المربع الواحد.
التاريخ
ارتبطت نشأة ناغازاكي بحادثة عرضية هي جنوح سفينة برتغالية -مع بدايات الاستكشافات الجغرافية الكبرى والحملات الاستعمارية التي رافقتها- إلى سواحل ولاية "كاكوشيما" عام 1543م. وترتب على هذه الحادثة استقرار عدد من ركاب هذه السفينة في المنطقة، وكان بينهم مستكشفون ومنصّرون.
أقام البرتغاليون في المنطقة ميناء تجاريا تحول مع ازدهاره إلى أحد أهم مراكز المبادلات التجارية في شرق آسيا، وقامت حوله مدينة ناغازاكي عام 1571، وتشكل سكانها الأولون من التجار والحمالين والبحارة.
كما توافدت عليها أعداد كبيرة من المنصرين تمكنت من إدخال فئات واسعة من السكان المحليين في المسيحية، مما أثار قلق السلطات الإمبراطورية اليابانية التي ردت عام 1587 بإطلاق حملة أمنية وعسكرية واسعة لاستئصال التنصير من المنطقة.
وفي عام 1597، صلبت السلطات الإمبراطورية 26 مبشرا وسط ناغازاكي تعبيرا عن حزمها في مواجهة المد المسيحي القادم من وراء البحار، ومهدت هذه الواقعة لتمرد مسيحيي الجنوب الذين كان عددهم قد بلغ حينها أكثر من 40 ألفا.
استمرت المواجهة إلى العقد الرابع من القرن السابع عشر. وقبل ذلك، قررت السلطات عام 1614 ترحيل جميع المنصرين وإرجاع ناغازاكي إلى النفوذ الإمبراطوري، لكن القرار استثنى التجار البرتغاليين مما حافظ على الازدهار الاقتصادي للمنطقة.
وبعد ذلك، أطلقت السلطات الإمبراطورية حملة اضطهاد كبيرة للمسيحيين، فتفجرت حركة تمرد واسعة تمكنت من تعبئة أكثر من 40 ألف مقاتل، رد عليها الإمبراطور بإرسال 120 ألف عسكري من أقوى وحداته العسكرية لقمعها.
استمرت المواجهة بين الفريقين عقودا ولم تتمكن السلطات الإمبراطورية من حسمها إلا في العام 1637، إذ أخضعت حركة التمرد بالكامل وحُظرت المسيحية نهائيا في كل أنحاء اليابان، وطويت بذلك صفحة من تاريخ المسيحية في شرق آسيا عُرفت بقرن المسيحية في اليابان.
في العقود اللاحقة، استقر الهولنديون في ناغازاكي، ولم يخل وجودهم من الصراع مع السلطات الإمبراطورية التي حظرت في عدة مناسباتٍ المنشورات والكتب التي يستوردونها خشية انبعاث الحركة التنصيرية من جديد. وأثناء هذه الفترة تحولت ناغازاكي إلى واحدة من أهم القواعد العسكرية في جنوب اليابان.
قنبلة ذرية
وفي الحقبة المعاصرة، ارتبط ذكر ناغازاكي بالمأساة التي حلت بها حين قصفها الجيش الأميركي يوم 9 أغسطس/آب 1945 بقنبلة ذرية، بعد ثلاثة أيام من إلقاء قنبلة أولى على مدينة هيروشيما.
دفعت القنبلتان اليابان إلى الاستسلام بعدما أحدثتا دمارا واسعا وخسائر بشرية هائلة تجاوزت أكثر من 200 ألف قتيل ومئات الآلاف من المصابين، وشكلتا الحالة الوحيدة التي استُخدم فيها السلاح النووي خارج نطاق التجريب. وبعد انتهاء الحرب خضعت المدينة لعملية إعادة إعمار شاملة، تضمنت بالخصوص إقامة نصب تذكارية تشكل اليوم أهم المعالم السياحية للمدينة.
ورثت منطقة ناغازاكي من حقبة الحرب العالمية الثانية وجودا عسكريا أميركيا دائما تجسد في قواعد عسكرية لا ينفك السكان يتظاهرون ضدها في كل مناسبة وطنية، وأحيانا تُؤجج "تجاوزاتٌ" يرتكبها عسكريون أميركيون بحق الأهالي غضبَ الرأي العام المحلي، وتُعيد إلى الواجهة مطالباته القديمة برحيل القواعد الأميركية عن البلاد.