ردع العدوان.. عملية عسكرية أسقطت حكم آل الأسد في 12 يوما

"ردع العدوان"، عملية عسكرية أطلقتها فصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال غربي سوريا يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وشكّلت من أجلها ما يسمى "إدارة العمليات العسكرية"، وقالت إنها تهدف إلى توجيه "ضربة استباقية لقوات النظام السوري"، وتعدّ أول اختراق لخطوط التماس بين الطرفين في محافظة إدلب منذ الاتفاق "التركي الروسي" لوقف إطلاق النار في مارس/آذار 2020.
وجاءت العملية في وقت شهدت فيه مناطق ريف حلب الغربي اشتباكات وقصفا عنيفا متبادلا بين الجيش السوري والمليشيات الإيرانية من جهة، والمعارضة السورية في الشمال من جهة أخرى، في ظل تصعيد الجيش قصفه للمناطق المدنية.
وفي اليوم الـ12 من المعركة، أعلنت المعارضة السورية سيطرتها على العاصمة دمشق، وإسقاطها حكم عائلة الأسد الذي استمر لأكثر من 50 عاما. وذكرت الصحف الغربية أن الأسد غادر البلاد مع أسرته قبل وصول المعارضة إلى العاصمة.
أهداف العملية
وأعلن أهداف العملية العسكرية الناطق باسم "غرفة عمليات الفتح المبين" حسن عبد الغني، قائلا إنها تتجلى في:
- كسر مخططات العدو عبر توجيه ضربة استباقية مدروسة لمواقع مليشياته.
- الدفاع عن المدنيين في وجه تهديد حشود النظام العسكرية أمنَ المناطق المحررة.
- إعادة المهجّرين إلى ديارهم.
- إبعاد نفوذ النظام والمليشيات عن مناطق سيطرة المعارضة بشمال غربي سوريا، والحد من استهدافهم المتكرر لتلك المناطق بالقصف المدفعي والصاروخي.

إدارة العمليات العسكرية
أطلقت الفصائل المنتشرة في محافظة إدلب -المنضوية سابقا تحت ما يعرف بغرفة عمليات "فتح المبين"- ابتداء عملية "ردع العدوان"، وشكلت من أجلها ما يسمى "إدارة العمليات العسكرية" التي ضمت مجموعات من الحزب التركستاني وكلا من:
- هيئة تحرير الشام: الفصيل الأبرز والأكبر فيها، وهي تكتل عسكري من فصائل مسلحة سورية، تكوّن من اندماج 5 فصائل، وأعلن عن إنشائه في 2017 بعد انطلاق مفاوضات أستانا بين الحكومة السورية والمعارضة، بمشاركة روسية تركية إيرانية، وهي ترفض هذه المفاوضات وتعدّها جزءا من "المؤامرة على الثورة السورية".
- الجبهة الوطنية للتحرير: وهي اتحاد بين مجموعة من فصائل المعارضة السورية المسلحة في محافظة إدلب أعلن عنه في أغسطس/آب 2018، بالتزامن مع تهديدات الجيش بالهجوم على هذه المنطقة.
- حركة أحرار الشام: أعلن عن إنشائها عام 2011، وهي تصف نفسها بأنها "حركة إسلامية إصلاحية تجديدية شاملة، وإحدى الفصائل المنضوية والمندمجة ضمن الجبهة الإسلامية". وتقول إنها "تكوين عسكري، سياسي، اجتماعي، إسلامي شامل، يهدف إلى إسقاط نظام الأسد وبناء دولة إسلامية".
أحد كبار المستشارين في "الحرس الثوري الإيراني".. مقتل المستشار الإيراني "كيومرث بورهاشمي" المعروف بـ "الحاج هاشم"، خلال المعارك في ريف #حلب pic.twitter.com/cje3XiLOxb
— الجزيرة سوريا (@AJA_Syria) November 28, 2024
أبرز المحطات
في اليوم الثاني من العملية (28 نوفمبر/تشرين الثاني)، أعلنت المعارضة السورية سيطرتها على مقرّ الفوج 46، وبلدة خان العسل الإستراتيجية وعشرات البلدات والقرى الأخرى، مما أدى إلى قطع الطريق الدولي "حلب دمشق"، كما هاجمت مطار النيرب شرقي حلب حيث تتمركز فصائل موالية لإيران.
وأعلنت وكالة تسنيم الإيرانية عن مقتل أحد كبار المستشارين الإيرانيين القيادي في الحرس الثوري العميد كيومارس بورهاشمي، المعروف بالحاج هاشم، في حلب في أثناء هجوم شنّه مسلحو المعارضة السورية.
وحسب الحرس الثوري، فإن القيادي الإيراني هو أحد "المستشارين العسكريين في العراق وسوريا"، وكان من قدامى الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).
وقال مصدر عسكري سوري إن تقدم فصائل المعارضة المسلحة ساعدها في التمركز على مسافة 10 كيلومترات تقريبا من وسط مدينة حلب، وعلى بعد كيلومترات قليلة من بلدتي نُبّل والزهراء اللتين تعدّان خط دفاع عن المدينة، وتتمركز فيهما مجموعات مسلحة موالية لإيران.
وفي اليوم الثالث (29 نوفمبر/تشرين الثاني)، أعلنت المعارضة السورية دخول أول أحياء مدينة حلب، وأكدت سيطرتها على عشرات البلدات والقرى بعد معارك ضارية مع الجيش السوري وحلفائه استغرقت 36 ساعة.
وأضافت أن مقاتليها سيطروا على مركز البحوث العملية في حلب الجديدة، وباتت تبعد عن وسط المدينة كيلومترين فقط. كذلك أعلنت المعارضة سيطرتها على بلدة كفر حلب الإستراتيجية غربي المدينة، وعلى مواقع إستراتيجية في ريف إدلب الجنوبي الشرقي.
ونقلت وكالة الأناضول عن مصادر أمنية قولها إن الجيش الوطني السوري أطلق عملية "فجر الحرية" يومها من أجل إفشال مخططات تنظيم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لإنشاء ممر بين مدينة تل رفعت وشمال شرق سوريا.
وأعلنت الحكومة السورية في ذلك اليوم وصول تعزيزاتها التي أرسلتها إلى مدينة حلب، وقالت وزارة الدفاع السورية إن قواتها تتصدى للهجوم، وإنها كبّدت القوات المهاجمة خسائر كبيرة في العتاد والأرواح.
وتحدثت المعارضة عن مقتل أكثر من 200 عنصر وإصابة مئات آخرين من الجيش السوري، إضافة إلى أسر ما لا يقل عن 20 عنصرا، والاستيلاء على دبابات ومدرعات، بينما أفادت تقارير بأن الفصائل المسلحة تكبّدت بدورها أكثر من 100 قتيل.
وقالت المعارضة السورية إنها استطاعت السيطرة على قلعة حلب والجامع الأموي في المحافظة، ومبنى محافظة حلب والقصر البلدي ومقر قيادة الشرطة، ومدينة سراقب الإستراتيجية في إدلب حيث يتقاطع طريق حلب-دمشق الدولي وطريق اللاذقية-حلب الدولي.
وفي نهاية اليوم أعلنت المعارضة فرض حظر تجول في المدينة حتى صباح اليوم التالي "حفاظا على سلامة المدنيين". وقال مراسل الجزيرة إن المعارضة دخلت حلب "دون إطلاق رصاصة واحدة ولم تواجهها أي مقاومة".
من جهة أخرى، أفاد مراسل الجزيرة أن مقاتلات الجيش السوري قصفت حي حلب الجديدة بمدينة حلب. وأعلنت السلطات السورية إغلاق مطار حلب وإلغاء جميع الرحلات.
ونقلت رويترز عن 3 مصادر بالجيش السوري قولها إن الجيش أغلق الطرق الرئيسية المؤدية من وإلى مدينة حلب بعد أن صدرت تعليمات للقوات باتباع أوامر "انسحاب آمن" من الأحياء التي اجتاحها المسلحون.
وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها الجوية قضت على 200 مسلح في محافظتي حلب وإدلب خلال يوم واحد، وأن الوضع في المحافظتين يتفاقم، وأن القوات الروسية تقدم الدعم للجيش السوري في مواجهة هذه التشكيلات.
وفي اليومين الرابع والخامس (30 نوفمبر/تشرين الثاني والأول من ديسمبر/كانون الأول)، تمكنت إدارة العمليات المشتركة من السيطرة على قطع عسكرية كبيرة في ضواحي حلب الغربية وجنوب غرب حلب، مثل الأكاديمية العسكرية، ومدرسة المدفعية، ومطار كويرس الحربي والكلية الجوية الموجودة فيه.
وإضافة إلى معامل الدفاع قرب السفيرة، وقاعدة جبل عزان التي كانت مرتكزا مهما للحرس الثوري الإيراني والفصائل المتحالفة معه، مثل حزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية، وفق المعلومات التي حصل عليها موقع الجزيرة نت من قيادات ميدانية.
وأصبحت حلب، خارج سيطرة النظام السوري للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية، باستثناء الأحياء الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فيما شن النظام مع روسيا غارات جوية غلى إدلب تسببت بمقتل مدنيين وإصابة العشرات.
وفي اليوم السادس (الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2024) قالت منظمة "الخوذ البيضاء" الإنسانية إن ما لا يقل عن 25 شخصا قتلوا في شمال غرب سوريا في غارات جوية نفذتها الحكومة السورية وروسيا.
ووسعت المعارضة السورية عملياتها لتشمل محافظة حماة، وتركزت المواجهات يومها في منطقة جبل عابدين المرتفعة التي تعتبر الخط الدفاع الأهم عن مدينة حماة. في حين أفاد مراسل الجزيرة باندلاع اشتباكات وصفت بالعنيفة بمحور الجبين، وتل ملح، والجلمة في ريف حماة الشمالي الغربي، مع تحليق مكثف للطائرات الحربية السورية والروسية.
وفي اليوم السابع (الثالث من ديسمبر/كانون الأول) أعلنت إدارة العمليات سيطرتها على حلفايا ومعردس وطيبة الإمام ومستودعات السلاح في منطقة خطاب بريف حماة الشمالي وعلى اللواء 87 قرب المدينة، إضافة إلى استمرار قواتها في التقدم على أكثر من محور بأرياف حماة وسط انهيارات كبيرة في صفوف قوات النظام.
وشنّت مسيّرات أميركية ضربات بدير الزور في سياق دعم عمليات قوات سوريا الديمقراطية وضد ما أسمته تهديدات لقاعدة الفرات العسكرية الأميركية.
وفي اليوم الثامن (الرابع من ديسمبر/كانون الأول) أعلنت قوات المعارضة السورية أنها سيطرت على معظم مدينة حماة بعد أن سيطرت على المزيد من البلدات والمواقع العسكرية في ريفها الشمالي، في حين أكدت وزارة الدفاع السورية أن قواتها أعادت انتشارها خارج المدينة حفاظا على أرواح المدنيين وعدم زجهم في المعارك.
وفي اليوم التاسع (الخامس من ديسمبر/كانون الأول) أعلنت إدارة العمليات العسكرية سيطرتها على كامل مدينة حماة، ومطار حماة العسكري وسجن حماة المركزي -الذي حررت مساجينه- ومبنى قيادة الشرطة، في حين أعلن الجيش السوري إعادة انتشاره وتموضعه خارج المدينة.
وفي اليوم العاشر (السادس من ديسمبر/كانون الأول) واصلت قوات المعارضة السورية تقدمها باتجاه محافظة حمص، بالتوازي مع سيطرتها على مدينتي الرستن وتلبيسة اللتين تعدّان بوابتي حمص الشماليتين، وكان ثوار في الرستن قد استبقوا وصول فصائل المعارضة إليها، فهاجموا مواقع للجيش تمهيدا لدخولها.
بيد أن الطيران الحربي السوري والروسي حاول إبطاء حركة قوات المعارضة، فقصف جسر الرستن في ريف حمص الشمالي، وشنّ عددا من الغارات على المدينة، كما تعرّض محيطها لقصف مدفعي بعد إعلان المعارضة المسلحة سيطرتها عليها.
وأرسلت قوات النظام السوري تعزيزات إلى مواقع حول حمص، ونفّذت عمليات وصفتها وكالة "سانا" بأنها نوعية باتجاه الدار الكبيرة وتلبيسة والرستن بريف حمص، بتغطية من الطيران الروسي.
لكن إدارة العمليات العسكرية، أكدت سيطرتها على آخر قرية على تخوم مدينة حمص، ووجهت "النداء الأخير" لقوات النظام في المدينة للانشقاق الجماعي والتوجه نحو حماة.
وفي اليوم نفسه، أعلنت فصائل من المعارضة السورية تأسيس "غرفة عمليات الجنوب"، في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء جنوبي سوريا، وقالت إنها حاصرت درعا وقطعت طرق الإمداد عن قوات النظام داخلها، وسيطرت على معبر نصيب الحدودي، في وقت أعلنت فيه وزارة الداخلية الأردنية إغلاق معبر جابر الحدودي المقابل لمعبر نصيب، بسبب الظروف الأمنية.
واستطاعت غرفة عمليات الجنوب السيطرة على 80% من محافظة درعا، وعدد من المناطق الحيوية في محافظة السويداء، منها مبنى قيادة الشرطة وسجن، وغنمت 5 دبابات، وأعلنت فرض منع تجوال في المدينة لمدة 24 ساعة، كما انشق عن قوات النظام 250 عسكريا.
وفي شرق سوريا، سلّم النظام السوري مركز محافظة دير الزور لقوات سوريا الديمقراطية، بعد أن سحب قواته المنتشرة في المحافظة، كما انسحب من مطار دير الزور العسكري وسلمه لها أيضا، وذلك بالتزامن مع اقتراب فصائل المعارضة من مدينة حمص.
وأكدت قوات سوريا الديمقراطية انتشار عناصرها في مدينة دير الزور وغرب الفرات بعد انسحاب الجيش السوري منها، ونقلت وكالة رويترز -عن مصدرين عسكريين سوريين- أن معبر البوكمال الحدودي مع العراق سيطرت عليه قوات "قسد".
وفي اليوم الـ11 (السابع من ديسمبر/كانون الأول) أعلنت المعارضة أنها استطاعت "تحرير" 4 مدن في 24 ساعة، وهي درعا والقنيطرة والسويداء، ومدينة حمص بالكامل بالإضافة إلى مدن أخرى في المحافظة، وسيطرتها على سجن حمص المركزي، وإخراج أكثر من 3500 سجين منه.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر في المعارضة السورية المسلحة قولها إن العشرات من مركبات الجيش السوري غادرت حمص، وانسحبت قوات النظام من فرع الأمن السياسي في المدينة، في حين غادر قادة في الجيش والأمن بمروحيات من قاعدة الشعيرات العسكرية بريف حمص إلى الساحل.
وأعلنت المعارضة فجر اليوم الـ12 (الثامن من ديسمبر/كانون الأول) بدء توغلها في العاصمة دمشق، مع انسحاب عناصر النظام السوري من محاور عدة.
واستطاعت المعارضة إطلاق سراح سجناء من سجن مدينة النبك ومن سجن صيدنايا بريف دمشق، وبعدها سيطرت على مبنى الإذاعة والتلفزيون، وبدأت مآذن جوامع دمشق تصدح بالتكبيرات والتهليلات، مع دخول قوات المعارضة إلى وسط المدينة وانسحاب ضباط وعناصر النظام من مقر وزارة الدفاع وقيادة الأركان في العاصمة.
وحوالي الساعة السادسة فجرا، أعلنت المعارضة السورية أنها أسقطت الرئيس بشار الأسد.