محافظة السويداء.. معقل الدروز في سوريا

محافظة السويداء، تقع جنوبي غرب سوريا، مركزها السويداء كبرى مدن منطقة حوران وجبل العرب. وتعد متحفا مفتوحا للمعالم والآثار التاريخية التي يعود بعضها إلى العصر الحجري، وسميت "روما الصغيرة" لانتشار الآثار الرومانية والنبطية والبيزنطية واليونانية التي تتوزع على قراها ومدنها الرئيسية ومنها "شهبا" و"صلخد".
تشتهر بزراعة العنب والتفاح، وينتمي معظم سكانها لطائفة الدروز، مع وجود أقلية مسيحية. وقد عرفت بنضالها، إذ كانت آخر من هزم الاستعمار الفرنسي، ومنها انطلقت الثورة السورية الكبرى بقيادة السلطان باشا الأطرش.
وشهدت المحافظة، الأول من سبتمبر/أيلول 2023، احتشاد مئات المحتجين جنوب سوريا مطالبين بتنحي الرئيس بشار الأسد بعد ما يقرب من أسبوعين من المظاهرات احتجاجا على سوء الأحوال المعيشية، لكنها تحولت مجددا إلى دعوات للتغيير السياسي.
الموقع
تقع السويداء جنوبي غرب سوريا، وتبعد مدينتها الرئيسية السويداء عن العاصمة دمشق نحو 128 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي، وتقع على سلسلة مرتفعات صخرية ترتفع عن مستوى سطح البحر أكثر من ألف متر.
ويحدها من الشمال حوض دمشق (بحيرة رسوبية) ومن الجنوب الأردن، ومن الشرق مرتفع الرطبة في العراق ومحافظة ريف دمشق، ومن الغرب سهول حوران ومحافظة درعا.
الجغرافيا
والسويداء على ارتفاع 1020 مترا فوق سطح البحر، وتبلغ مساحتها 5550 كيلومترا مربعا، وتمتد 120 كيلومترا من الشمال إلى الجنوب، و66 كيلومترا من الشرق إلى الغرب.
وتتكون المحافظة من كتلة مركزية عالية، وعلى سطحها عدد كبير من المخاريط البركانية المغطاة بتربة زراعية خصبة حمراء داكنة أو صفراء داكنة.
المناخ
تقع السويداء ضمن منطقة المناخ المتوسطي الداخلي الجبلي، وبسبب ارتفاعها يتكثف فيها بخار الماء القادم من الجولان، مما يساعد على سقوط كميات من الأمطار. وتتميز بصيف مشمس معتدل وشتاء بارد ماطر، ولا مصدر آخر للمياه داخلها سوى الأمطار، بالإضافة لعدد من السدود والآبار التي بنيت بقصد الحفاظ على مياه الأمطار.
السكان
بلغ عدد سكان محافظة السويداء -حسب آخر الإحصاءات الرسمية (عام 2014) للمكتب المركزي للإحصاء في سوريا- 467 ألف نسمة. وقدّر عدد النازحين إلى المحافظة سنتها بـ 72.5 ألفا.
وتعتبر المدينة أهم مركز سكني للأقلية الدرزية، التي من أشهر شخصياتها التاريخية سلطان الأطرش أحد قادة الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي.
التسمية
حملت السويداء عبر التاريخ عدة أسماء، فكانت تسمى أيام الأنباط "سودا" أي السوداء الصغيرة، لأنها بنيت بالحجارة البركانية السوداء.
أما الرومان الذين جعلوها بالقرن الثالث واحدة من أهم مدن ولاية الجزيرة، فأطلقوا عليها اسم "ديونيزياس" وهي تعني بلد الخبز الشهي.
وفي العصر الإسلامي -وتحديدا خلال الفترة الأموية- أطلق عليها وعلى المنطقة المحاذية لها اسم جبل الريان، بسبب وفرة الأشجار فيها وخصوبة تربتها وكثرة المياه حينها في العصرين الأموي والعباسي.
ثم سميت فيما بعد السويداء، وهي تصغير لكلمة سوداء، وكانت قديما بلاط ملوك بني غسان المصنوعة من الأحجار السوداء.
التاريخ
العصور الحجرية
تشير آثار المنطقة إلى أنها كانت موطنا للإنسان منذ العصور الحجرية، ومر عليها عصر الممالك الكنعانية الأمورية، كما تثبت قبورهم الموجودة فيها.
واحتل الملك الآشوري تغلث فلاسر الثالث دمشق عام 733 قبل الميلاد، وحوّل محافظة السويداء مع 16 منطقة تابعة لها إلى ولايات آشورية.
ودخلها الأنباط واحتلوا جبلها وضموه إلى مُلْكِهم بعد معركة "موتانا" الفاصلة في تاريخ الإسكندر الأكبر المقدوني عام 88 قبل الميلاد، حيث انتهى حلمه ببناء أكبر إمبراطورية بعدما هزمه الأنباط.
وعام 106 ميلادي ضم الرومان المنطقة إلى ملكهم، وأسموها "الولاية العربية" وجعلوا عاصمتها البصرى. وعقب معركة اليرموك عام 636 ميلادي صار "الجبل" جزءا من الدولة الأموية ثم العباسية، وحتى الفاطمية، إذ وجدت آثار تابعة لها في قلعة صلخد من أيام المستنصر بالله الفاطمي.
وتمركز الأيوبيون في المنطقة مع بداية الحروب الصليبية، وحصنوها وبنوا القلاع وزادوا في قلاعها النبطية، وقرر صلاح الدين الأيوبي -عقب معركة حطين (1187م) وفتحه جنوب الشام- تحصين المنطقة تمهيدا لمواجهات محتملة مع الفرنجة، فرمم وجدد قلعة "صلخد" جنوب السويداء التي بناها الأنباط.
منطلق الثورات
وخلال الحكم العثماني، بقيت المنطقة جزءا من لواء حوران، قبل أن يخرج أهلها في ثورات ضد الحكم العثماني بقيادة ممدوح باشا وسامي باشا الفاروقي.
وكانت المحافظة منطلقا لثورات عديدة أخرى منها الثورة العربية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي بقيادة سلطان الأطرش عام 1925.
وظلت السويداء، التي تضم معظم الطائفة الدرزية في سوريا، تحت سيطرة النظام طوال فترة الثورة، وأفلتت إلى حد كبير من العنف الذي عمّ أماكن أخرى، غير أنها شهدت في أوقات متفرقة مظاهرات ضد ممارسات نظام الأسد مطالبة برحيله في بعضها، منها في أغسطس/آب 2023 بسبب رفع نظام الأسد الدعم عن الوقود مما انعكس ارتفاعا بالأسعار وزيادة الأعباء الاقتصادية والمعيشية.
واشتعلت المظاهرات مرة أخرى في الأول من مارس/آذار 2024 بعد تشييع جواد الباروكي -أول قتيل في انتفاضتها- والذي قتلته قوات النظام السوري خلال مظاهرة سلمية مناهضة لحكم الرئيس بشار الأسد. وحمل المتظاهرون لافتات تصف الرئيس السوري بالقاتل والمجرم وتطالب برحيله عن السلطة.
وكشفت مصادر أمنية للجزيرة نت أن الحكومة السورية شكلت لجنة من أجل متابعة الوضع في محافظة السويداء، يتولى مكتب المتابعة في رئاسة الجمهورية الإشراف على عملها، بحكم حساسية الملف.

سقوط نظام الأسد
وعقب سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، بقيت السويداء خارج سيطرة الحكومة الجديدة التي لم تستطع الوصول إلى اتفاق ينهي وجود السلاح بيد بعض الفصائل غير المنضوية تحت وزارة الدفاع السورية، رغم كل محاولات الدمج وتوطيد العلاقات بين وزارتي الدفاع والداخلية من جهة والفصائل العسكرية في المحافظة من جهة أخرى.
واندلعت اشتباكات متكررة بين الدولة السورية وفصائل مسلحة رفضت الاتفاق معها، على رأسها "المجلس العسكري في السويداء" والعناصر الذين يقودهم شيخ العقل حكمت الهجري.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا -في حديث خاص للجزيرة نت- منتصف يوليو/تموز 2025 إن "الهجري هو من يغلق أي باب للحوار أو الحلول السلمية، على عكس الدولة التي كانت تسعى منذ 7 أشهر لأي حل سلمي يحمي المواطنين المدنيين في السويداء ويوفر الدماء على جميع الأطراف".
وكان الهجري قد منع في يناير/كانون الثاني 2025 رتلا عسكريا تابعا لإدارة العمليات العسكرية من دخول المحافظة الواقعة جنوبي البلاد، وأكد عدم السماح بوجود أي مظهر عسكري من خارج السويداء، وبرر قراره بأن قدوم الفصائل من دمشق تم من دون تنسيق مسبق مع غرفة العمليات المشتركة في المحافظة.
وفي مارس/آذار، أعلن الهجري في مقطع فيديو مسجل أنه "لا وفاق أو توافق" مع الحكومة السورية الحالية، واصفا إياها بالمتطرفة والمطلوبة للعدالة، كما شدد على أنه لا مجال للتساهل معها، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي.
وفي منتصف مارس/آذار 2025، جرى تداول محضر التفاهم الذي خرج من دارة قنوات، حيث مقرّ الرئاسة الروحية للموحدين الدروز على أنه وثيقة تفاهم طوت نهائيا صفحة الخلاف بين السويداء من جهة، وحكومة دمشق من جهة أخرى.
وقال المحامي أسامة الهجري، المستشار القانوني للهجري، للجزيرة نت إن "مسوّدة الطلبات الموجهة من بعض المواطنين لا تُسمّى اتفاقا مع أحد، ومن وقّع على المحضر ليس منتخبا لتوقيع أي اتفاق، وكلّ منّا يمثل نفسه فقط".
كمائن واعتداءات متكررة
وفي السادس من مايو/أيار 2025، نقلت وكالة الأنباء السورية عن مصدر أمني قوله إن كمينا استهدف آلية تابعة لإدارة الأمن العام في محافظة السويداء، مما أدى إلى مقتل عنصرين وإصابة 4 آخرين، وقال إن "مجموعات خارجة عن القانون تتبع لما يُسمى المجلس العسكري" هي من نفذته.
ويأتي الحادث بعد أيام من بدء تنفيذ الاتفاق المبرم مع مشايخ عقل الطائفة الدرزية الذي تضمن تأمين طريق دمشق السويداء، وإنهاء التوترات في مناطق جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا بريف دمشق.
وفي 21 مايو/أيار، اقتحم مسلحون مبنى محافظة السويداء أثناء وجود المحافظ مصطفى البكور، واحتجزوه فترة وجيزة واعتدوا عليه واستولوا على متعلقاته الشخصية، للضغط من أجل الإفراج عن سجين مدان سابقا بسرقة عدد من المركبات، وفق وسائل إعلام سورية.
وبعد يومين من الحادثة، قدم البكور استقالته من منصبه محافظا للسويداء دون تقديم أي توضيحات إضافية، قبل أن يعود إلى المنصب في 24 يونيو/حزيران 2025.
وفي أواخر مايو/أيار، أفادت وسائل إعلام سورية بإصابة 6 أشخاص جراء انفجار عبوة ناسفة استهدفت سيارة إسعاف في ريف السويداء الغربي، موضحة أن المركبة كانت تنقل مرضى لغسيل الكلى قبل تعرضها للانفجار.
إسرائيل تتدخل
في منتصف يوليو/تموز 2025، سعى الجيش السوري إلى احتواء اشتباكات عنيفة اندلعت بين فصائل مسلحة درزية وأخرى تنتمي إلى عشائر محلية، بينما دعت الحكومة السورية إلى عدم الانخراط في دعم أي حركة متمردة ذات نزعة انفصالية.
وبعيد دخول وحدات الجيش إلى مناطق التوتر، شنّت إسرائيل غارات جوية استهدفت مواقع انتشار القوات السورية، ووصفت تدخلها العسكري بأنه "إجراء وقائي" وطالبت الجيش السوري بالانسحاب من المدينة، وشددت على لسان وزير دفاعها يسرائيل كاتس أن إسرائيل لن تتهاون مع أي تهديد يمسّ أبناء الطائفة الدرزية في سوريا.
من جهتها، أدانت الرئاسة السورية الغارات الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل عدد من عناصر الأمن ومدنيين، وحمّلت إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تبعات هذا التصعيد.
وفي أعقاب اتفاق تم التوصل إليه مع وجهاء محافظة السويداء في 16 يوليو/تموز، دخلت وحدات تابعة لوزارة الدفاع السورية إلى المدينة، لكنها سرعان ما خرقت وعادت من سمتها "المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون" لشنّ اعتداءات غادرة على أفراد الشرطة، في ظل الاستهداف الإسرائيلي.
واندلعت بعدها اشتباكات في عدد من أحياء المدينة بين القوات الحكومية ومجموعات مسلحة رفضت تسليم سلاحها، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف قوات الأمن، وفقا لما أعلنته وزارة الداخلية السورية.
المعالم
جبل العرب
تشتهر المحافظة بمنطقة جبل العرب، الذي تشكل من عدة تلال بركانية، وكان موطنا لحضارات كثيرة منها الآشوريين والبابليين والفرس والأنباط والغساسنة، وخضع لحكم دول ومماليك وإمبراطوريات كثيرة بداية من الأمويين حتى العثمانيين.
تاريخه العريق جعل اسمه كثير التغيير، لكنه حافظ على معنى "الأرض الخصبة" في معظم مسمياته.
سمي "جبل باشان" في الآرمية، ثم عرّبها العرب فصارت "جبل البتينة". وأطلق عليه جبل "الدروز" الاستعمارُ الفرنسي بسبب الهجرة الكثيفة للدروز عام 1860 من جبل لبنان. ويشتهر حاليا باسم جبل "حوران".
مدينة السويداء
بنيت المدينة على هضبة بركانية متموجة، واحتلت من قبل الإغريق قبل الميلاد، وكانت مركزا للمسيحيين في القرن الخامس الميلادي، وما زالت إلى اليوم تحتفظ بالكثير من آثار تلك الحقب التاريخية الماضية.
معالم المدينة
يوجد في المدينة متحف غني بالآثار التاريخية، وفيها بقايا أعمدة المعبد النبطي وبقايا الكنيسة الكبرى التي بنيت في القرن السادس للميلاد.
وكانت أرضها مفروشة بالفسيفساء على الغالب لما وجد فيها من لوحات أهمها لوحة القديس سرجيوس، أما الكنيسة الصغرى فلم يبق منها سوى القوس الكبير وعلى جانبيه تيجان بعض الأعمدة.
الاقتصاد
تشتهر المنطقة بالزراعة لأرضها الخصبة، والتي يعتمد عليها السكان بالدرجة الأولى، ويزرعون من الحبوب القمح والشعير، بالإضافة إلى البندورة والقثاء والبطيخ والكوسا والخيار والباذنجان والفليفلة مع فاكهتي العنب والتفاح.
ومن الصناعات التقليدية المنتشرة في السويداء السجاد اليدوي، كما توجد فيها بعض الصناعات الغذائية والبلاستيك والأكسجين.
أعلام من السويداء
سلطان الأطرش
ولد في 5 مارس/آذار 1891 في القريّا التابعة للمحافظة، وتوفي يوم 26 من الشهر نفسه عام 1982،، والده ذوقان الأطرش، وهو زعيم سوري كان مناهضا للعثمانيين، وتمرّد عليهم حتى أعدم شنقا عام 1911.
وشارك مع والده في مواجهة العثمانيين عام 1910 في قرية الكفر. ليصير بعدها أبرز شخصيات الثورة العربية الكبرى، وأبرز المناهضين للاستعمار الفرنسي.
فهد بلّان
ولد في بلدة الكفر يوم 22 مارس/آذار 1933. واشتهر بعد أدائه أغنية للفنان فريد الأطرش في إحدى المسابقات الفنية، وذاع صيته بعدما تعرف على الملحن عبد الفتاح سكر الذي لحن له مجموعة من أشهر أغانيه، وصار على إثرها أبرز فناني سوريا وقدم في الإذاعة السورية عددا من الأغاني.
فريد الأطرش
ولد فريد الأطرش يوم 21 أبريل/نيسان 1910 في القريّا، وهو موسيقار وممثل مصري من أصل سوري، لقبه النقاد "ملك العود".
ويعتبر أحد أعلام الموسيقى والغناء العربي، ونال جائزة أعظم عازف عود في العالم العربي وتركيا.