بني في القرن الثامن الهجري وتعرض لعدة حرائق وترميمات.. المسجد الأموي في دمشق
يعد بناء المسجد الأموي نقطة تحول في تاريخ مدينة دمشق، إذ تحولت إلى واحدة من أهمّ مدن العالم الإسلامى التي ترعى العلم والفن والفكر والحضارة، وأصبح المسجد مركز انطلاق العلوم والثقافة والأدب نحو العالم أجمع.
التأسيس
ذكر المؤرخون روايتين عن تأسيس المسجد الأموي، تقول الأولى إن أصله هو ما اختطه أبو عبيدة بن الجراح، أحد قادة الفتح الإسلامي، حين دخل دمشق عام 634م، وأخذ النصف الشرقي للكنيسة المسيحية بها، وجعله مسجدا، وظل النصف الغربي بأيدي المسيحيين وفقا لشروط الصلح.
ثم عندما أراد الوليد بن عبد الملك أن يبني المسجد الأموي عوّض المسيحيين بمال عظيم وأخذ النصف الثاني من الكنيسة، وهُدمت وأقيم مكانها ومكان مسجد أبي عبيدة المسجد الأموي عام 706م.
أما الرواية الثانية فتقول إن المسجد أقيم مكان معبد وثني قديم للإله "جوبتير"، حوّله الإمبراطور "ثيودور" إلى كنيسة عام 379م عُرفت باسم كنيسة القديس يوحنا، فبنى أبو عبيدة بن الجراح المسجد الأول في دمشق، فلما جاء الوليد بن عبد الملك أرسى مسجده مكان المعبد والجامع والكنيسة معا.
وقد حشد الوليد لبناء المسجد حرفيين وعمالا من الفرس والهنود وفنانين من اليونان، واستمر البناء 10 سنوات واكتمل بعد وفاة الوليد.
ويرى بعض علماء الآثار أن الجامع بني دفعة واحدة، ولم يدخل في بنائه الكنيسة أو المعبد، ولم يكن استكمالا لبناء سابق، ويؤكدون أن الوليد بن عبد الملك بناه كله دفعة واحدة من دون مشاركة مع مبان سابقة.
الموقع
يقع المسجد الأموي في وسط مدينة دمشق القديمة، يحده من الجنوب حي البزورية ومن الغرب سوق الحميدية ومن الشرق مقهى النوفرة، ومن الزاوية الشمالية الغربية المدرسة العزيزية وضريح السلطان صلاح الدين الأيوبي.
التاريخ
بُني المسجد عام 705م وفق مخطط معماري مشابه لمخطط المسجد النبوي في المدينة المنورة، فقسّم إلى بيت للصلاة مسقوف، تعلوه قبة وتحيط به القناطر وصفوف من الأعمدة، وفناء مفتوح سُمي بصحن الجامع وأروقة تحيط بالصحن، و3 مآذن، واكتمل الشكل النهائي للبناء عام 715م، ثم أضيفت مقصورة أمام المحراب في العام ذاته بأمر من الخليفة سليمان بن عبد الملك.
تطوّر بناء المسجد في العصر العباسي، فأمر الحاكم العباسي الفضل بن صالح بن علي عام 780 ببناء قبة في الجهة الشرقية من الجامع، أتبعها بقبة الخزنة عام 789م، لتكون خزنة للأموال في الجامع، وتحولت مع الوقت إلى مكتبة لحفظ الكتب القديمة والمخطوطات. وفي عهد الخليفة العباسي المأمون جُدِّدَت مئذنة العروس عام 831م، وهي المئذنة التي تقع في الجدار الشمالي المطل على حي الكلاسة.
في القرن العاشر أضيفت ساعة كبيرة عند الجهة الجنوبية من الجدار الغربي. ثم بنيت قبة النوفرة عام 1007م في الساحة أمام الجناح المصلب.
تعرض المسجد لعدّة حرائق كبيرة، المرة الأولى كانت عام 1069م حينما ضرب الفاطميون بالنار دارا بجوار الجامع فوصلت إلى الجامع، وهبّ الناس لإطفاء الحريق، الذي أدى إلى تدمير جزء من الزخارف والفسيفساء التي كانت موجودة منذ البناء الأول للمسجد في عهد الوليد، فذاب الذهب والرصاص وسقط من السقوف والجدران وتشققت الفسيفساء والرخام والحجارة. وجُدِّد المسجد بعد 3 سنوات من الحريق، أي عام 1072م.
وفي عهد السلاجقة، وتحديدا عام 1082م رمِّمت قبة النسر والدعائم الأربع والأقواس وسقف المسجد والمقصورة واثنان من الأرصفة، وجُدِّدت الفسيفساء من الواجهة الشمالية الداخلية للمسجد. ثم رُمَّم الجدار الشمالي من الجهة الشرقية للجامع عام 1089م.
ورُمَّمَ الجدار الشمالي من الجهة الغربية عام 1109م، وأضيفت ساعة كبيرة عند رواق الباب الشرقي عام 1150م، أتبعها نور الدين زنكي بساعتين عام 1154، إحداهما ساعة مائية بنيت من الجهة الخارجية للمدخل الشرقي للجامع، لكنها تضررت على نحو كبير بالحريق الثاني للمسجد الأموي عام 1167م، إذ احترق رواق دار الحجارة ودار خديجة وباب الساعة؛ لكن أُعيد بناؤها بعد ذلك. كما تعرض الجدار الشمالي للضرر عام 1173.
في عهد صلاح الدين الأيوبي، وتحديدا عام 1179، رُمم الجدار الشمالي ودعامتان من دعائم قبة النسر والمئذنة الشمالية، وأُضيفت لها منارة.
وقد تعرضت المئذنة الشرقية للتدمير أثناء حصار دمشق عام 1245، ثم بُنيت من جديد وزُيِّنَت بالزّخارف. وورد في كتاب البداية والنهاية أن المئذنة ذاتها تعرضت للحريق عام 1248، مما أدى إلى احتراق ما فيها من ودائع.
وفي عهد الظاهر بيبرس عام 1270م جدِّدت صفائح الرخام وزُيِّنت تيجانها بالذهب، ووضع البلاط على الجدار الشمالي للمسجد، ورُمِّمت الفسيفساء في الرواق الغربي، ونُظِّفت الأعمدة، وغُسل الفرش.
وفي عهد تنكيز المملوكي استبدل الرخام بالبلاط في قاعة الصلاة، وأُعيد تجميع لوحات الفسيفساء على جدار القبلة، وذلك خلال عامين (1326-1328م)، ثم أكمل السلطان الناصر بن محمد قلاوون المملوكي في العام ذاته تجديد المسجد، فأُعيد بناء قبلة الجدار ونُقلت بوابة باب زيادة إلى جهة الجامع الشرقية.
وفي عام 1339 نشب حريق كبير بجانب المسجد الأموي وصل إليه وأدى إلى تضرر أجزاء منه، لا سيما المئذنة الشرقية التي احتاجت بعد ذلك إلى هدم وإعادة بناء نتيجة تفطر حجارتها. ثم حدث حريق آخر عام 1352 عند باب جيرون في الجامع احترق به دكان الفقاعي ذو الزخارف الكبيرة، وأدى إلى احتراق الباب المكسو بالنحاس.
وفي عام 1371 نُصبت ساعة شمسية كبيرة (مزولة) على المئذنة الشمالية للجامع، صنعها عالم الفلك ابن الشاطر الدمشقي. وفي عهد الظاهر برقوق عام 1392 تعرض المسجد إلى حريق أدى إلى ضرر كبير بسوق الوراقين وساعات المسجد ونصف منطقة شرقي المسجد، واحترقت معه المئذنة الشرقية وسقطت، ودخل الحريق إلى المسجد ووصل إلى المقصورة.
أما الحريق الكبير الذي أصاب المسجد فكان عام 1400 على يد تيمورلنك الذي أحرق المدينة ونهبها، ووصل الحريق إلى المسجد فاحترق بالكامل ولم يبق منه إلا جدرانه الخارجية. وبقي خرابًا لمدة سنتين، لتبدأ أعمال ترميمه في عهد الخاصكي.
وفي عام 1488 أُضيفت مئذنة في الجهة الجنوبية الغربية. ثم رُمّم المسجد في عهد العثمانيين عام 1518.
ونشب فيه حريق من جديد عام 1893 أثناء عمليات إصلاح السقف، إذ وقعت نار من نرجيلة أحد العمال أدت إلى احتراق السقف والأعمدة والأبواب والسدة وانهارت القبة على إثرها، وتدمرت قاعة الصلاة والفسيفساء والألواح الرخامية.
وبدأت عمليات الإصلاح بعد 3 أعوام في عهد ناظم باشا، فجمع أهالي دمشق 100 ألف ليرة ذهبية لترميم الجامع، وأمدهم السلطان عبد الحميد بما يلزمهم، وتطوع الناس من دمشق وخارجها للعمل وانتهى الترميم بعد 9 سنوات.
وكانت آخر عمليات الترميم في العصر الحديث انتهت عام 1994، ورُمِّمت خلالها مئذنة قايتباي والواجهة الغربية والجدار الشمالي، وجدّد المدخل الغربي والصالات والأعمدة والخشبيات التالفة، والأرضيات عامة. وأُعيد إنشاء قبة داخل صحن المسجد.
المواصفات
يقع المسجد على أرض مستطيلة مساحتها 157*100م، أي ما يعادل 15.7 كيلومترا مربعا، تحدّه جدران خارجية كبيرة ذات دعامات من الحجر المنحوت، وتشير بعض الروايات إلى أنه سور المعبد الروماني في الأصل.
جددت أقسام منه في العهود العربية. يضمّ السور 3 مآذن، وتبلغ مساحة صحن المسجد ما يقارب 6 كيلومترات مربعة، محاط بممرات وأروقة مشيّدة على أعمدة، وفي أعلاها تيجان كورنثية. ويقع الفناء في الجزء الشمالي من الجامع، في حين يقع حرم الجامع في الجزء الجنوبي.
مآذن المسجد
للمسجد الأموي 3 مآذن:
المئذنة الأولى
وتقع في منتصف الحائط الشمالي للمسجد الأموي، في مواجهة قبة النسر ورواق بيت الصلاة، وتشرف على صحن الجامع، وتطل على حي الكلاسة. وسميت بمئذنة العروس لتلألئها بأضواء الفوانيس في المناسبات والأعياد، فتظهر كعروس مشرقة في ليلة زفافها.
وسميت أيضًا بمئذنة الكلاسة لإشرافها على حي الكلاسة، كما سميت بالمئذنة البيضاء لأنها كانت مطلية باللون الأبيض، وظلت نموذجا للمآذن الإسلامية في بلاد الشام وشمال أفريقيا حتى القرن 12 الميلادي.
شُيِّدت المئذنة في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك عند بناء المسجد. وتذكر بعض مصنفات التاريخ أن الخليفة طلاها بالذهب من قاعدتها حتى رأسها، لكن لم يبق منها سوى حجارتها الضخمة في القاعدة المنسوبة للعهد الأموي. وجُدِّدت عدّة مرات.
تقع المئذنة فوق باب الكلاسة في البرج الشمالي المربع، وعلى جهاتها الأربع فتحات على شكل قوس تعلوها شرفة محمولة على 14 ركيزة. وبداخلها سلالم لولبية توصل إلى الأعلى. وفوق الشرفة مظلة خشبية محيطة بجوسق المئذنة، ويأخذ الجوسق شكلًا مربعًا، تعلوه شرفة ثانية علوية مكشوفة يحيط بها حاجز حديدي.
وفي منتصف المئذنة يوجد امتداد ذو ذروة بصلية يتصل بالمئذنة بواسطة رواق مسقوف يسمى (التقيسة)، وخصصت هذه الحجرة للملبي الذي يعيد التكبيرات خلف الإمام حتى يسمع كل من في الصحن.
المئذنة الثانية
وتقع على الزاوية الشرقية الجنوبية للمسجد الأموي، وهي أطول المآذن، إذ يبلغ طولها 77 مترا، تنقسم إلى قسمين: القسم السفلي مربع، والقسم العلوي مثمن الأضلاع، وبنيت على جزء من برج المعبد الروماني.
وبها شرفتان للمؤذن بمقرنصات خفيفة من دون مظلات، وفي أعلى المئذنة قلنسوة على شكل مخروطي لها 3 تفاحات وهلال كامل الاستدارة. وبُنيت المئذنة في عهد الوليد، ولها شرفتان، ويمثل القسم السفلي المربع منها برج الزاوية. وخضعت المئذنة لأعمال الترميم نتيجة لتعرضها للحريق عدة مرات.
ويشير شكلها المختلف إلى أن القسم السفلي المربع منها بني على طراز المئذنة العروس، إلا أن القسم العلوي منها يعود إلى القرن 16 أو 17 لأنه تأثر بالطابع العثماني للبناء.
وتُسمى هذه المئذنة بمئذنة عيسى وفق رواية تاريخية تشير إلى أن ابن تيمية أشار إلى هذه المئذنة وقال "لينزلن عيسى ابن مريم على هذه المنارة"، وذلك استنادا للحديث في صحيح مسلم، وفيه: "فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِىَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأَسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِى حَيْثُ يَنْتَهِى طَرْفُهُ".
المئذنة الثالثة
وتقع في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد. أُنشئت في عهد الوليد على الطراز الأموي مربعة الشكل فوق برج المعبد الروماني، لكن عند تعرضها للحريق الذي أصاب المسجد عام 1401 هدمت بالكامل، وأعيد بناؤها في عهد السلطان قايتباي وسميت باسمه، وتعد أول مئذنة في دمشق على الطراز المصري.
أبواب المسجد
للمسجد الأموي 4 أبواب، 3 منها يُفتح على صحن المسجد، والرابع يفتح على الحرم.
الباب الشّرقي
وهو من أضخم أبواب المسجد، وله تسميات عديدة منها: باب القيمرية لأنه بجوار حي القيمرية، وفي العهد المملوكي سمي بباب اللبادين نسبة لسوق اللبادين الذي كان مجاورًا للباب، وسمي كذلك بباب الساعات، وباب النوفرة لأنه يشرف على حي النوفرة.
يتكون الباب من بوابة ضخمة يتوسطها بابان صغيران، ولها درج قديم يوصل إليها، وقد صنعت البوابة قديمًا من خشب الصنوبر وكُسيت بالنحاس المنقوش، وقد تعرضت لحريق عام 1250، وجُدِّدَت في العصر المملوكي، وصُفِّحت بالنحاس.
وينقسم كل من البابين الصغيرين في البوابة إلى 6 مربعات مزينة بزخرفة لزهرات، وفي وسط الباب اليميني نقش من النحاس لشعار الملك المؤيد مرفق بنص "عز لمولانا السلطان المؤيد أبو النصر الشيخ"، أما الباب اليساري ففي وسطه نقش لشعار الشيخ الخاصكي. وبقية البوابة الكبيرة خالية من النقوش والزخارف.
الباب الغربي
ويقع على الحائط الغربي للمسجد، وسميّ بباب البريد، وعُمّمت تسميته على الحي كاملًا، وسميّ كذلك باب المسكية لأنه كان يفتح على سوق المسكية وهم التجار الذين يبيعون المسك.
ويتكون الباب من بوابة كبيرة لها 3 فتحات تُسمى بقوس النصر ما يزال شيء من آثارها حتى اليوم، وتفتح البوابة على رواق له أعمدة يعلوها أقواس. والفتحة الوسطى هي الرئيسية في أعلاها ساكف حجري (قطعة حجارة عرضية تكون أعلى الباب) وفوق الساكف قوس هلالي مغطى بزجاج معشق.
الباب الشمالي
ويتوسط الحائط الشمالي تحت المئذنة العروس، وسمي بباب الكلاسة لإطلالته على حي الكلاسي، وسمي أيضًا بباب العمارة وباب الفراديس وباب الناطفانيين، والباب مصنوع من الخشب مصفح بالمعدن ومزين بالمسامير، وعلى الباب شعار السلطان المملوكي الناصر فرج بن برقوق، مع كتابة تشير إلى أنه هو الذي أمر بعمارة هذا الباب.
الباب الجنوبي
ويسمى أيضا الباب القبلي، ويقع في الجهة الغربية من الحائط الجنوبي، وهو الباب الوحيد الذي يُفتح على حرم المسجد مباشرة، وسمي باب الزّيادة لأنه وضع زيادة في السور عند بناء الجامع. ويسميه أهل دمشق اليوم بباب الصاغة نسبة لقربه من سوق صاغة الذهب.
حرم المسجد
يقع حرم المسجد على مساحة مستطيلة يبلغ طولها 136 مترا وعرضها 37 مترا، ويتكون من 3 أجنحة طويلة يفصل بينها صفان من الأعمدة تمتد من جهة الشرق على الغرب. أما الجناح الرابع فهو عمودي على الجناحات الثلاثة ويسمى المجاز ومساحته أكبر وأكثر سعة، ويمتد إلى صحن المسجد، وفي وسط المجاز قبة كبيرة تقوم على ارتفاع 30 مترا محمولة على عضائد كبيرة وعقود، سميت قديما بقبة النسر.
ويحيط بالحرم 22 نافذة موزعة على الجدارين الجنوبي والشمالي، بالإضافة إلى النوافذ الموجودة في جناح المجاز، ونوافذ أخرى في قبة النسر، وكل النوافذ مغطاة بالزجاج المعشق.
المشاهد
للمسجد 4 ساحات كبيرة مستطيلة الشكل تُدعى المشاهد، وأطلق على كل منها اسم واحد من الخلفاء الراشدين. أول مشهدين على طرفي الحرم وهما: مشهد أبي بكر الصديق في الجهة الجنوبية الشرقية، وأقيم به متحف للجامع عام 1989، ومشهد عمر بن الخطاب في الجهة الجنوبية الغربية، ويتخد مقرا لإدارة المسجد.
وسمي المشهد الثالث باسم عثمان بن عفان ويقع في الجهة الشمالية الغربية، وهو اليوم يمثل قاعة كبيرة لاستقبال كبار الضيوف، وفي الجهة الشمالية الشرقية مشهد علي بن أبي طالب وسمي لاحقا باسم زين العابدين. ثم أضيف لاحقا مشهد خلفه في الجهة الشرقية وسمي بمشهد الحسين وبه مقام ومزار الإمام الحسين.
صحن المسجد وأروقته
يتكون صحن المسجد من مساحة مستطيلة طولها 132مترا وعرضها 50 مترا، محاطة بأروقة عرضها 10 أمتار من الجهات الشرقية والغربية والشمالية. وترتفع قليلا عن أرض الصحن.
وتتألف الأروقة من صفوف قناطر تُحمل على أعمد وعضائد، وكل عمود يتكون من قطعة واحدة من حجر كلسي صلب، وأعلى الأعمدة تيجان كورنثية، والعضائد مكونة من الحجر ومصفحة بالرخام. وفوقها عقود نصف دائرية يعلوها عقود أصغر منها.
أما سقف الأروقة فهو من الخشب صُفِّح سطحه بالرصاص. وقد تأثر الرواق الشمالي بالزلزال الذي حدث عام 1759 وجُدِّد على نحو غيّر من شكله الأموي القديم.
وفي الصحن 3 قباب صغيرة، قبة في الجهة الغربية تسمى قبة الخزنة وهي بناء مثمن الأضلاع يرفعه عن الأرض 8 أعمدة يعلوها تيجان كورنثية. أُنشئت في عهد الخليفة المهدي. وقبة ثانية في الجهة الشرقية، وسميت بقبة الساعات وقبة زين العابدين.
أما القبة الثالثة فهي قبة صغيرة مقامة أعلى مكان الوضوء سميت بالقبة العثمانية، ومنطقة الوضوء هي بركة في وسط الصحن مربعة الشكل تحيط بها أعمدة يعلوها سقف ثم قبة صغيرة.
وفي الصحن عمودان كبيران عرفا قديما بعمودي الإسراج. أما أرض الصحن فجددت عدة مرات، وهي اليوم مبلطة بالرخام وبعض الفسيفساء في نواحيها.
زخارف الجامع ونقوشه
زُيّنت الأجزاء العلوية من المسجد بلوحات فسيفساء زجاجية كبيرة، واستخدمت في تزيينه تقنية المزج بين الرخام والفسيفساء، وكانت هذه التقنية شائعة في العهد البيزنطي.
ومن أهم الزخرفات الفيسيفسائية الموجودة في المسجد مصور نهر بردى، وهي لوحة زخرفية على هيئة مناظر طبيعية تقع داخل الجامع على مقربة من مدخله الرئيسي، وتمتد على شكل نهر يشبه نهر بردى محاط بالبيوت والمنازل والقناطر والأشجار.
وتنتشر على الأعمدة الزخارف وعلى الجدران الفسيفساء، وتعد هذه الزخارف والنقوش والفسيفساء أول أسس فن الزخرفة الإسلامي.
ويحتوي المسجد على نقوش منوعة منها القيشاني والعجمي والمعشق والخط العربي والتيجان الكورنيثية، وتمتد النقوش على سقف المسجد برسومات نباتية ملونة، بالإضافة إلى الآيات القرآنية التي تزين جدران المسجد وزواياه.
ويعد المسجد تحفة معمارية مهمة لوجود بقايا آثار بيزنطية في أعمدته وتيجانه، بالإضافة إلى محافظته على الطراز الأموي الذي بني فيه، فكل عمليات التجديد والترميم كانت تحافظ على الشكل الأصلي مع بعض التطوير والتزيين، ومنه انتشر طراز المئذنة المربعة إلى بقية المناطق.
مكانة المسجد ووظيفته
لم يكن المسجد مكانًا للعبادة والصلاة فحسب، بل كان منارة ثقافية وعلمية، تقام به الدروس والحلقات على مدار العصور، واتخذت زواياه وأعمدته مكانًا للشيوخ يتحلق حولهم تلامذتهم للتزود بالعلوم المختلفة.
وأقيمت مدارس كثيرة في أنحاء المسجد، ذكر المؤرخون منها:
- المدرسة الغزالية: وتنسب للإمام الغزالي، وتقع في مشهد عثمان بن عفان، وخُصصت للفقه الشافعي.
- المدرسة المنجائية: وتنسب لابن منجا وخُصصت للحنابلة.
- المدرسة القوصية: وتنسب للشيخ القوصي.
- زاوية المالكية: وتقع في الجانب الغربي ووُقفت لطلبة العلم المغاربة الغرباء.
- دار الحديث الفاضلية: تنسب للقاضي الفاضل عبد الرحيم العسقلاني، وتقع في الكلاسة، وأُضيفت للمسجد الأموي وأُقيم بها حلقات للحديث.
- دار الحديث العروية: وتقع في مشهد علي بن أبي طالب، وتنسب إلى شرف الدين محمد بن عروة الموصلي، ووقفت للحديث.
- المدرسة التاجية: وتقع غربي دار العروسة.
- المدرسة الصلاحية: ووقفت للشافعية
كما يوجد في المسجد مكتبة بها كتب نفيسة ومخطوطات من أهمها مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه.