محافظة ريف دمشق.. "الطوق الأمني" الذي أنهكته الحصارات والقصف بالبراميل والكيماوي

بلدة عين منين
بلدة عين منين تقع في جبال القلمون على بعد نحو 18 كيلومترا شمال دمشق (الصحافة السورية)

ريف دمشق إحدى المحافظات الجنوبية في سوريا التي تحيط بالعاصمة دمشق من جميع جهاتها ولها حدود مع العراق شرقا والأردن جنوبا ولبنان غربا، واستحدثت بموجب تقسيم إداري في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد في مطلع السبعينيات. 

كانت من أوائل المحافظات السورية التي ثارت على الرئيس المخلوع بشار الأسد عام 2011، وظلّت من أهم محاور الصراع بين النظام والمعارضة، وشهدت مجازر عدة منها مجزرة الكيماوي التي راح ضحيتها أكثر من 1450 مدنيا، ولكثرة قصفها بالبراميل المتفجرة وصفت مدينة داريا التابعة لها بأنها "عاصمة البراميل المتفجرة".

وفي الأيام الأولى من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2024، انسحبت قوات النظام من مناطق ريف دمشق أمام تقدم مقاتلي المعارضة السورية فأصبحت بوابة سهلة لدخولها، في وقت كان فيه وزير الداخلية اللواء محمد خالد الرحمون يتحدث عن جعلها طوقا أمنيا "لا يمكن كسره" حول العاصمة دمشق.

الموقع والمساحة

تقع محافظة ريف دمشق جنوب وسط سوريا على مساحة تزيد على 18 ألف كيلومتر مربع، وتحيط بمحافظة دمشق من جميع الجهات.

وتعد محافظة ريف دمشق نقطة الوصل الأساسية بين العاصمة دمشق والمحافظات المجاورة لها، والدول المحاذية لسوريا مثل الأردن ولبنان والعراق.

يتاخمها من الشرق العراق والأردن، ومن الغرب والشمال الغربي لبنان، ومن الشرق محافظة حمص، ومن الجنوب محافظتا درعا والسويداء.

خارطة سوريا محافظة دمشق ومحافظة ريف دمشق
(الجزيرة)

السكان

وصل عدد سكان محافظة ريف دمشق إلى نحو 3 ملايين نسمة في فبراير/شباط 2022، حسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

ومعظم سكان ريف دمشق من المسلمين السنة، مع وجود أقلية درزية تتمركز في المناطق الجنوبية الغربية من المحافظة بالمحاذاة مع حدود لبنان.

المناخ

يتميز مناخ هذه المحافظة السورية بالاعتدال عموما وبوفرة الأمطار، ويكون باردا في الشتاء، ومعتدلا صيفا في المناطق المرتفعة. أما في مناطق البادية فالمناخ الغالب صحراوي جاف ترتفع فيه درجة الحرارة صيفا، وتنخفض شتاء مع قلة في الأمطار.

الاقتصاد

يعد ريف دمشق من أهم المحافظات السورية في الإنتاج الزراعي، إذ تعدّ الزراعة وما يرتبط بها من نشاطات أهم الموارد للسكان.

إعلان

وظلّت الزراعة بالطرق التقليدية هي السائدة رغم وجود مشاريع زراعية حديثة تشمل زراعات الحبوب والخضار والفواكه، وتعدّ المحافظة المغذي الأساسي للعاصمة دمشق بالمنتجات الزراعية.

وتعرف المحافظة أيضا بصناعاتها التقليدية المعتمدة على الموارد المحلية كصناعة الأخشاب والصابون والمنسوجات اليدوية، كذلك فقد أصبحت أهم المحافظات من الناحية الصناعية بسبب قربها من العاصمة دمشق ومن مراكز الإنتاج والتصدير على حد سواء.

التاريخ

كغيرها من أراضي الشام، يعود تاريخ محافظة ريف دمشق إلى عصور موغلة في القدم، فدمشق التي تحيط بها المحافظة تصنف ـوفق بعض الروايات التاريخيةـ أول مدينة في التاريخ، وتعود نشأتها إلى 9 آلاف سنة قبل الميلاد.

وعلى مر العهود المتعاقبة كانت المنطقة شاهدة على حضارات الأكاديين والأموريين والحثيين والآشوريين والكنعانيين والسومريين والبابليين والفينقيين والفارسيين والرومان والمسلمين.

وتحتفظ محافظة ريف دمشق ببعض آثار تلك الحضارات القديمة ومعالمها، ومنها آثار إسلامية تعود للعهد الأموي وما بعده.

محافظة مستحدثة

بموجب التقسيم الإداري في عهد الرئيس حافظ الأسد، استحدثت محافظة ريف دمشق بتاريخ 20 يناير/كانون الأول عام 1972، لتضم المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق، ثم أصبحت مع الوقت واحدة من أهم المحافظات السورية.

وتنقسم المحافظة إداريا إلى 9 مناطق هي: دوما والتل ويبرود والنبك والزبداني وقطنا وداريا والقطيفة وقدسيا، إضافة إلى 27 ناحية و28 مدينة و190 قرية و82 مزرعة.

ريف دمشق والثورة

كانت محافظة ريف دمشق من أوائل المحافظات السورية التي ثارت على حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد بعد درعا، وعلى مدى سنوات الثورة كانت أحد أهم محاور الصراع بين جيش النظام وفصائل المعارضة المسلحة، بحكم موقعها الإستراتيجي منطقة محيطة بالعاصمة دمشق من جميع الجهات.

وفي أواخر عام 2012 استطاع الجيش السوري الحر السيطرة على مدينة دوما بالغوطة الشرقية التي باتت تشكل أكبر معاقل المعارضة المسلحة في ريف دمشق، إضافة إلى مناطق أخرى من المحافظة.

وابتداء من عام 2015 أطلق النظام بمساعدة من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني حملة لاستعادة السيطرة على معظم مناطق نفوذ المعارضة خصوصا في ريف دمشق، ليكمل السيطرة على مناطق المحافظة في عام 2018.

في صدارة المجازر والانتهاكات

ريف دمشق كان من أكثر المحافظات السورية تضررا من المجازر والانتهاكات الإنسانية التي نفذتها قوات نظام الأسد وحلفاؤه في أثناء سنوات الثورة الممتدة من عام 2011 إلى 2024، ومن أبرز هذه الانتهاكات:

  • مجزرة الكيماوي في الغوطة 

كانت ريف دمشق مسرحا لأفظع مجازر الكيماوي التي ارتكبتها قوات الأسد، ومنها مجزرة الغوطة الشرقية ومعضمية الشام التي قصفها النظام يوم 21 أغسطس/آب 2013 بصواريخ تحمل مواد كيميائية.

وأسفرت المجزرة عن مقتل نحو 1450 مدنيا، بينهم أكثر من 200 طفل وامرأة، وإصابة 6 آلاف آخرين، حسب بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

ورغم تعرض مدن سورية أخرى للقصف بالمواد الكيماوية، فإن مجزرة الغوطة ظلّت تعد الأكثر مأساوية على مدى سنوات الثورة السورية.

  • "عاصمة البراميل المتفجرة" 

في جلسة لمجلس الأمن بشأن الأوضاع الإنسانية في سوريا أواخر يونيو/حزيران 2016، وصف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين مدينة داريا في ريف دمشق بأنها "عاصمة البراميل المتفجرة".

إعلان

فحسب المجلس المحلي لداريا، أسقطت قوات النظام السوري 309 براميل متفجرة على المدينة بين 8 و16 من يونيو/حزيران 2016، مستهدفة الأحياء السكنية التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.

وتجاوزت نسبة الدمار في المدينة 90% نتيجة استخدام النظام سياسة الأرض المحروقة، وبلغ عدد البراميل المتفجرة الملقاة على المدينة طوال الحصار أكثر من 10 آلاف برميل، فضلا عن آلاف من القذائف والصواريخ، تسببت بمقتل قرابة 3500 شهيد، منهم حوالي ألف قتلوا في السجون تحت التعذيب.

  • حصار مضايا 

لم تكن مدينة مضايا، التابعة لمنطقة الزبداني في ريف دمشق، المدينة السورية الوحيدة التي تأثرت بالجوع نتيجة حصار قوات نظام بشار الأسد، إلا أن الصور واللقطات التي ظهرت مطلع عام 2016 عكست معاناة شديدة مقارنة بغيرها من المدن المحاصرة.

وأدت الحملة العسكرية الواسعة التي نفذها حزب الله اللبناني وقوات النظام السوري على مدينة الزبداني في منتصف عام 2015 إلى نزوح معظم سكانها إلى بلدة مضايا، وقصفت قوات النظام حينئذ مضايا بالبراميل المتفجرة مبررة ذلك باتهام الأهالي بدعم مسلحي المعارضة المسلحة.

ومنع النظام السوري بمساعدة المليشيات الإمدادات الغذائية عن مضايا في سبتمبر/أيلول 2015، وأطبق عليها حصارا وتجويعا ممنهجا عبر زرع حقول الألغام ونشر القناصة بجميع الطرق المؤدية إليها، مما دفع سكانها المحاصرين إلى أكل القطط والكلاب والحشائش وأوراق الأشجار.

  • الحصار الأطول

بعد فقده السيطرة على الغوطة الشرقية عام 2012، فرض النظام السوري حصارا محكما على المنطقة في العام التالي، استمر 5 سنوات وخلّف أزمة إنسانية خانقة.

وفي تقرير لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اضطر أهالي المدينة بسبب النقص الشديد في الغذاء إلى أكل القمامة، كما أجبروا أطفالهم على التناوب على تناول الطعام.

ولم يكتف النظام السوري بحصار الغوطة الشرقية، فحتى بعد اتفاق خفض التصعيد الذي تم التوصل إليه ضمن مفاوضات أستانا برعاية روسيا وتركيا وإيران في مايو/أيار 2017، تعرضت الغوطة الشرقية لمئات الغارات والقذائف أطلقتها قوات النظام التي كانت تحاول اقتحامها من جبهات عدة.

"طوق دمشق" الذي انكسر

ومع الأيام الأولى لعملية ردع العدوان التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية المسلحة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بدأت قوات النظام السوري الانسحاب من مناطق ريف دمشق، التي تسيطر عليها منذ 2018.

وبعد أن كانت بمنزلة حصن للعاصمة، ومركز وجود الطوق الأمني "الذي لا يمكن كسره" كما وصفها وزير الداخلية في النظام المخلوع اللواء محمد خالد الرحمون، أصبحت المحافظة بوابة سهلة نحو دخول دمشق فجر الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

من أبرز المعالم

  • تل أسود 

هو تل أثري يقع على بعد نحو 30 كيلومترا جنوب شرق مدينة دمشق، ويمثل إحدى القرى الزراعية الباكرة في العالم، ويوصف بأنه ذو أهمية استثنائية.

وكشفت أبحاث أجريت بين عامي 1971 و1972 عن وجود طبقتين حضاريتين رئيسيتين بالموقع، في أولاهما وجدت بقايا بيوت سكنية من الطين واللبن والقصب مع كثير من الأدوات البدائية، بينما وجدت في الطبقة الثانية آثار أكثر تطورا.

  • حران العواميد 

تبعد نحو 30 كيلومترا شرق دمشق، وتنتشر بها معالم أثرية قديمة متعددة أشهرها الأعمدة الأثرية الثلاثة بطول 12 مترا، وهي جزء من معبد شيّد في العهد الروماني، في عهد فيليب العربي بين عامي 244 ميلادي و249 ميلادي وفق بعض الروايات التاريخية.

كذلك توجد بالموقع بقايا قناة مياه نحتت أجزاء منها في الصخور، إضافة إلى مدافن استخرجت منها تماثيل وشواهد.

دير القديسة تقلا (دير مار تقلا)
دير القديسة تقلا يقع في معلولا وهو أحد أشهر المواقع الأثرية المشيد في كهف جبلي (الصحافة السورية)
  • معلولا 
إعلان

تبعد نحو 56 كيلومترا شمال شرق مدينة دمشق، ومن أشهر مواقعها الأثرية "دير القديسة تقلا" المشيد في كهف جبلي، و"دير القدس سركيس" و"القديس باخوس" على قمة جبلية، إضافة إلى عدد من الأضرحة المنحوتة في الجبال والممرات الصخرية.

  • عين منين 

بلدة تقع في جبال القلمون على بعد نحو 18 كيلومترا شمال دمشق، توجد بها آثار معابد محفورة بالصخور الجبلية، وبيوت ومدافن تعود للعصور الرومانية والبيزنطية.

  • قلعة جندل 

وهي تبعد نحو 40 كيلومترا غرب مدينة دمشق، ويعود بناؤها الأول إلى الفترة الهيلينستية، وعرفت قديما باسم فوليا التي تعني مساكن الطيور الجارحة.

وفي سنة 1015 ميلادية في عهد الدولة الفاطمية رممها الأمير جندل بن قيس الذي أخذت منه اسمها الجديد، ورغم تعرضها للغزوات في مراحل مختلفة من تاريخها فلا تزال أجزاء من قاعاتها باقية.

المصدر: الجزيرة

إعلان