إيمانويل ماكرون.. أصغر رئيس يحكم الإليزيه

إيمانويل ماكرون مصرفي وسياسي فرنسي "وسطي"، والرئيس الثامن لجمهورية فرنسا الخامسة، أطلق عام 2017 حركة سياسية سماها "إلى الأمام"، قادته للفوز في الانتخابات الرئاسية في العام نفسه، ثم أعيد انتخابه عام 2022، ليكون ثالث رئيس ينتخب لولاية ثانية بعد فرانسوا ميتران (1981-1995) وجاك شيراك (1995-2007).

يعد أصغر رئيس منتخب لفرنسا (39) منذ نابليون بونابرت، الذي صار في اعاشر ديسمبر/كانون الأول 1848 أول رئيس منتخب للجمهورية الفرنسية في سن ناهزت 40 عاما و8 أشهر.

المولد والنشأة

وُلِدَ إيمانويل جان ميشيل فريديريك ماكرون في مدينة أميان الفرنسية لأسرة ليبرالية من الطبقة المتوسطة يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 1977.

والده جان ميشيل ماكرون أستاذ في طبّ الجهاز العصبي بجامعة بيكاردي جول فيرن، أما والدته فرانسواز نوغيه ماكرون فهي طبيبة، وله 3 أشقاء أصغر منه جميعهم سلكوا طريق الطب.

التحق بمدرسة بروفيدانس الثانوية الخاصة في أميان وكان في الرتبة السادسة وتميز في مواد الأدب والسياسة والمسرح.

ومدرسته الثانوية كاثوليكية أسسها مجمع اليسوعيين، وهناك بدأ علاقته مع معلمته بريجيت ترونيو، التي تزوجها عام 2007، وهي تكبره بـ24 عاما.

France's President Emmanuel Macron speaks as he chairs an international conference to address Sudan's "forgotten" war, in Paris, on April 15, 2024. - France and its allies on April 15, sought to drum up hundreds of millions in aid for Sudan a year since the civil war erupted, sparking one of the world's worst and most under-funded humanitarian crises. (Photo by Aurelien Morissard / POOL / AFP)
إيمانويل ماكرون تدرج في عدة مناصب اقتصادية وأسس حركة سياسية جمعت كثيرا من الأطياف (الفرنسية)

الدراسة والتكوين العلمي

حصل ماكرون على شهادة الثانوية العامة من مدرسة هنري الرابع في باريس، وبعدها درس السياسة الدولية والخدمة العامة في المدرسة العليا للعلوم السياسية، وخلالها عمل مساعد تحرير للفيلسوف والمؤرخ وعالم الإنسانيات المعاصر بول ريكور.

عام 2001 حصل على درجة الماجستير في السياسة العامة من المدرسة العليا للعلوم السياسية "سيانس بو"، وكذلك على درجة الماجستير في الفلسفة من جامعة باريس نانتير. ثم تخرج في المدرسة الوطنية للإدارة عام 2004، التي تشتهر بكونها تخرج الكوادر العليا للدولة.

اهتم في مسيرته التعليمية بالموسيقى التي تعلمها 10 سنوات، وأصبح ماهرا في عزف البيانو، كما مارس رياضات منها الملاكمة وكرة القدم.

التجربة السياسة

بدأ مسيرته العملية مفتشا مصرفيا في المفتشية العامة للشؤون المالية عام 2004، واختاره الرئيس نيكولا ساركوزي عام 2007 لينضم إلى لجنة أتالي لتنمية الاقتصاد الفرنسي.

وبعدها ترك الخدمة المدنية واتجه للعمل مصرفيا استثماريا في مصرف "روتشيلد آند سي" عام 2008، ولعب دورا رئيسيا في صفقة استحواذ شركة "نستله" على أسهم قسم أغذية الأطفال في شركة "فايزر"، التي وصلت قيمتها إلى 12 مليار دولار، وحصل مقابلها على 2.9 مليون يورو.

وخلال عمله في المصرف تعرف على فرانسوا هولاند، الذي كان يجهز حملته للانتخابات الرئاسية عام 2012، فانضم إلى هذه الحملة ولعب دورا أساسيا فيها، وبعدما فاز هولاند برئاسة البلاد عين ماكرون الأمين العام المساعد لرئاسة الجمهورية ومستشارا اقتصاديا، وهكذا بدأ بروزه في القمم الدولية.

ترقى ماكرون بعدها إلى وزير للمالية في حكومة مانويل فالس، وروج لإصلاحات تحت اسم "قانون ماكرون" لإنعاش الاقتصاد الفرنسي، لكنه لاقى رفضا من الجناح اليساري للحزب الاشتراكي.

وفي أبريل/نيسان 2016 شكَّل ماكرون حركة "إلى الأمام" وهي حركة شعبية وصفها بأنها "ثورة ديمقراطية" ضد نظام سياسي متصلب، وتسبب ذلك بتوتر العلاقات بينه وبين هولاند.

وأدى ضعف الاقتصاد الفرنسي إلى تراجع مؤيدي هولاند، وفي 30 أغسطس/آب 2016 استقال ماكرون من الحكومة، وشكّلت استقالته آنذاك ضربة قاسية للرئيس هولاند.

لم يخفِ ماكرون طموحاته الرئاسية حينها، وكان يحظى بتأييد وشعبية واسعين، وفي استطلاع للرأي، حصل على 49% من الآراء الإيجابية، فخطابه الذي دعا فيه إلى تجاوز الانقسامات بين اليسار واليمين، لقي تأييدا بين الشباب وأوساط الأعمال وجزء من الناخبين الراغبين في التجديد السياسي، كما أثارت شخصيته اهتمام الإعلام الفرنسي والدولي.

وبعد أن كشف ماكرون عن طموحاته السياسية، أصبح منبوذا من اليسار، الذي بات يرى فيه تجسيدا للتحول الاشتراكي الليبرالي للسلطة التنفيذية.

ويوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 أعلن ماكرون ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017. ولم تشكل قلة خبرته عائقا أمام حصوله على الدعم من اليسار واليمين، وحظي بتأييدهما من خلال مقترحاته لخفض الضرائب على الشركات والإسكان، وإصلاح الرعاية الاجتماعية ومعاشات التقاعد، وتخصيص الموارد للدفاع والطاقة والبيئة والنقل.

نحو قصر الإليزيه

أظهرت النتائج النهائية للجولة الأولى للانتخابات الرئاسية يوم 23 أبريل/نيسان 2017 تأهل ماكرون ومرشحة "أقصى اليمين" مارين لوبان للجولة الثانية، وحصل ماكرون على 23.75%، بينما حصلت لوبان على 21.53%.

في الجولة الثانية من الانتخابات، حصل ماكرون على 66.6%، وبعد أيام قليلة على فوزه بالرئاسيات الفرنسية، تخلى عن رئاسة حركته السياسية "إلى الأمام" التي بات اسمها "الجمهورية إلى الأمام".

أعلن الأمين العام للحركة ريتشارد فيرون أن السياسية كاترين باربارو ستخلف ماكرون في رئاسة الحركة، وأضاف أن الحركة ستقدم مرشحين للانتخابات التشريعية (التي جرت بعد شهرين) في كل الدوائر، لتوفير أغلبية نيابية مريحة لماكرون.

وخلال الانتخابات التشريعية في يونيو/حزيران 2017، فازت حركة "الجمهورية إلى الأمام" بـ308 من أصل 577 مقعدا في الجمعية الوطنية (البرلمان)، يضاف إليها دعم حركة الديمقراطية، فسيطر ائتلاف ماكرون على إجمالي 350 مقعدا، إلا أن نسبة الإقبال كانت فقط 42.6%، وهي أدنى نسبة مشاركة في انتخابات برلمانية في تاريخ فرنسا الحديث.

وعقب الانتخابات الفرنسية بفترة، أعلنت أميركا انسحابها من اتفاق باريس للمناخ، فبدأ ماكرون العمل على هذا الجانب، ومنح في ديسمبر/كانون الأول 2017، منحا بحثية لـ18 عالما في مجال المناخ للانتقال إلى فرنسا ومواصلة عملهم، علما أن 13 منهم كانوا يقيمون في الولايات المتحدة الأميركية.

من جهة أخرى، توطت علاقة ماكرون برئيس الولايات المتحدة حينها دونالد ترامب حول عدة ملفات، من بينها الملف النووي الإيراني والاتفاق النووي معها، والحاجة إلى الاستمرار بالوجود العسكري في سوريا.

أزمة "السترات الصفراء"

أعلن ماكرون بداية عام 2018 خطة ضريبية استفاد منها أغنياء فرنسا فأطلق عليه حينها "رئيس الأغنياء"، وازداد السخط الشعبي على خططه، بعدما أعلن زيادة في ضريبة الوقود 23% على الديزل، و14% على البنزين.

شهدت فرنسا احتجاجات شعبية أطلق عليها "السترات الصفراء" بعد إعلان ماكرون، وشارك فيها آلاف من الفرنسيين، وسرعان ما انتشرت في كامل البلاد وتسببت بأزمة اقتصادية كبيرة واستمرت شهورا طويلة.

وخرجت مظاهرات حاشدة لعمال قطاع الصحة ضد قرار الحكومة خصخصة بعض المستشفيات العمومية، كما شهدت الجامعات الفرنسية حركة احتجاجية واسعة وإضرابا عاما في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بعدما أضرم طالب النار في جسده بسبب معاناته من مشاكل مادية خانقة. وقبله انتحرت مديرة مدرسة في مكتبها بسبب معاناتها من ظروف العمل الصعبة.

وأطلق اسم السترات الصفراء على المحتجين لأنهم خرجوا في الشوارع مرتدين السترات الصفراء الليلية الخاصة بسائقي السيارات، لكن سرعان ما وجدت مطالبهم صدى واسعا لدى فئات اجتماعية أخرى، حانقة على سياسات ماكرون الليبرالية، وتسببت الحملة بخسائر اقتصادية كبيرة للبلاد.

وفي أواخر أبريل/نيسان 2019، عقد ماكرون أول مؤتمر صحفي له منذ توليه الرئاسة، ووعد بتخفيض الضرائب وزيادة معاشات التقاعد.

ورضخت حكومة ماكرون لعدد من مطالب المحتجين بعد 3 أشهر من المظاهرات، حيث قررت إلغاء الضريبة على الوقود، وعدم رفع الضرائب على الفئات المتوسطة والفقيرة والمتقاعدين، إضافة إلى زيادة بقيمة 100 يورو (130 دولارا) في معاشات الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود.

لكن الحكومة رفضت الاستجابة لأحد أهم مطالب السترات الصفراء، المتمثلة في إعادة الضريبة على الثروة بالنسبة للأغنياء، تحت ذريعة أن إلغاءها يشجع الأثرياء على عدم الاستثمار في الخارج.

كما لم تسن الدولة قوانين جذرية وصارمة للحد من التهرب الضريبي للأغنياء، وهو ما طالب به المحتجون، الأمر الذي اعتبروه نوعا من التواطؤ من جانب الحكومة مع الطبقات الغنية بحكم توجهاتها الليبرالية.

ماكرون والإسلام

وأعلن ماكرون في فبراير/شباط 2018 أنه "ينوي وضع أسس لتنظيم الإسلام"، الذي يعد ثاني أكثر ديانة انتشارا في فرنسا.

وحذر ماكرون عام 2019 في مؤتمر صحفي أجري للتعليق على نتائج الحوار الوطني ردا على مطالب محتجي السترات الصفراء، من "تهديد الإسلام السياسي للجمهورية الفرنسية وسعيه للانعزال عنها". وعكس خطابه عموما خطا متشددا إزاء الهجرة والإسلام.

وقال إنه طلب من حكومته ألا تظهر هوادة مع الحركات الإسلامية، وأن تحول بينها وبين الحصول على أي تمويل من الخارج.

واستقبلت الجالية الإسلامية تصريحات ماكرون باستنكار، وقال رئيس "اتحاد مسلمي فرنسا" التهامي بريز إن المنظمات الإسلامية الفرنسية ترفض أن يتحول المسلمون إلى كبش فداء بسبب عجز الحكومة عن تقديم حلول للمشاكل التي يعاني منها الفرنسيون.

وأضاف أن تصريحات ماكرون تعتبر محاولة للالتفاف على مطالب ملايين الفرنسيين من حركة السترات الصفراء الذين خرجوا من أجل المطالبة برفع الأجور وخفض الضرائب التي تثقل كاهلهم.

وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2020 حذر ماكرون من مسلمي فرنسا، قائلا إنهم أقلية قد تُشكِّل "مجتمعا موازيا" داخل فرنسا بشكل ينكر الجمهورية الفرنسية، كما وصف الإسلام بأنه يُواجه "أزمة" في جميع أنحاء العالم.

وطرح الرئيس الفرنسي مشروع قانون ضد ما سماه "الانفصال الشعوري"، بهدف "مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية"، وهو ما اعتبر استهدافا للجالية المسلمة على وجه الخصوص.

وأعلن ماكرون حل "تجمع الشيخ أحمد ياسين" المعروف بنشاطه من أجل القضية الفلسطينية وإغلاق مسجد قرب باريس، ردا على مقتل أستاذ فرنسي عرض صورا مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في درس عن حرية التعبير، وقتل على يد لاجئ شيشاني في ضاحية كونفلان سانت أونورين، على بعد 40 كيلومترا شمال غرب باريس.

وشهدت فرنسا خلال هذه الفترة نشر صور ورسوم مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام على واجهات بعض المباني، كما أعادت صحف فرنسية نشرها، وأيدها ماكرون قائلا إن فرنسا لن تتخلى عن حرية التعبير ولن تمنع "الرسوم الكاريكاتيرية".

وأشعلت تصريحاته حملة مقاطعة في الدول الإسلامية للمنتجات الفرنسية، خاصة في الشرق الأوسط، وأزيلت الكثير من المنتجات الفرنسية من عدد من المجمعات التجارية في عدة دول منها الكويت وقطر.

وسببت أيضا فتورا في علاقات فرنسا مع دول إسلامية أبرزها باكستان وتركيا التي دعا رئيسها رجب طيب أردوغان شعبه لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

وأدانت 13 دولة عربية وإسلامية "خطابات الكراهية والإساءة" التي أدلى بها ماكرون، ضد الإسلام والمسلمين، والتي مست شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ورغم اعتراف الحكومة الفرنسية بتعرضها لأزمة بسبب حملة المقاطعة الاقتصادية، قال المتحدث باسمها آنذاك غابريال أتال (أصبح رئيسا للحكومة فيما بعد) إن بلاده "لن تتراجع أبدا عن مبادئها وقيمها" رغم ما سماها "محاولات زعزعة الاستقرار والترهيب".

ولاية ثانية بشعبية متزعزعة

تصدر ماكرون نتائج الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى في أبريل/نيسان 2022 وحصل على 28.1%، وحلت مرشحة أقصى اليمين مارين لوبان في المرتبة الثانية بنسبة 23.3%، وفي جولة الإعادة التي جرت في 24 أبريل/نيسان، ضمن ماكرون ولاية ثانية بحصوله على أكثر من 58% من الأصوات.

وفي الدورة الثانية للانتخابات التشريعية في يونيو/حزيران 2022 فقد ماكرون الغالبية المطلقة في البرلمان وحصل على 245 مقعدا، مقابل 135 مقعدا لتحالف اليسار، و89 لأقصى اليمين. ولم يتمكن ماكرون من ضم أي من أحزاب المعارضة إلى ائتلافه، وانتهى به الأمر في النهاية إلى رئاسة حكومة أقلية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، اضطر ماكرون إلى تفعيل المادة 49.3 من الدستور الفرنسي لتمرير مشروع قانون الميزانية دون موافقة البرلمان.

وفي مارس/آذار 2023، لجأ ماكرون للمادة نفسها مرة أخرى لتمرير حزمة إصلاحات حول التقاعد، وشهدت الأشهر السابقة لتمرير القانون احتجاجات شعبية وإضرابات، وقدم أعضاء برلمان المعارضة خطابات عدم الثقة ضد الحكومة ردا على ذلك.

الجوائز والأوسمة

حصل ماكرون على عدة جوائز أبرزها:

  • وسام الصليب الأكبر لجوقة الشرف عام 2017.
  • وسام الاستحقاق الوطني عام 2017.
  • وسام فرسان الفيل عام 2018.
  • وسام الوردة البيضاء في فنلندا عام 2018.
  • وضعته مجلة تايم الأميركية ضمن قائمة "أكثر 100 شخصية مؤثرة" (خاصة بالرؤساء).
المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية

إعلان