بيت لحم.. مهد المسيح وقلب فلسطين السياحي
من أعرق المدن الفلسطينية وأقدسها. فهي مدينة كنعانية يعود تاريخها إلى 3 آلاف سنة قبل الميلاد. تقول بعض الروايات إنها شهدت ولادة النبي داود ثم المسيح عليهما السلام. تقع في الضفة الغربية على بعد حوالي 10 كيلومترات إلى الجنوب من مدينة القدس. وتحوي العديد من المعالم السياحية والدينية، مما جعلها مركزا للثقافة والسياحة في فلسطين.
التسمية
اشتهرت المدينة باسم "بيت لحم"، وقيل إن هذا الاسم مشتق من عبارة "بيت لاهاما" (أو بيت لاخاما)، وهي عبارة كنعانية تعني بيت الإلهة "لاهاما" (أو لاخاما)، إلهة القوت والطعام عند الكنعانيين القدامى.
وتقول روايات أخرى إن تسميتها على عهد الآراميين كانت "بيت الخبز"، ولها أيضا اسم قديم هو "أفرات" أو "أفراته"، وهي كلمة آرامية تعني الخصب والثمار.
الموقع والمساحة
تقع مدينة بيت لحم بين مدينتي الخليل والقدس، وتمتد على هضبتين يصل أعلاهما إلى 750 مترا فوق مستوى سطح البحر، وهي جزء من الجبال والهضاب الوسطى في فلسطين التي تنتشر موازية لغور الأردن والبحر الميت.
تحدها بلدة بيت صفافا ومدينة القدس من الشمال، وبلدة بيت جالا من الشمال الغربي، وحوسان من الغرب، والخضر وأرطاس من الجنوب الغربي، وبيت ساحور من الشرق. وتشكل مع مدينتي بيت جالا وبيت ساحور تجمعا عمرانيا ثلاثيا، إذ لا تبعد الواحدة عن الأخرى أكثر من 3 كيلومترات.
كما تقع المدينة على بُعد 73 كيلومترا شمال شرق قطاع غزة والبحر الأبيض المتوسط، و75 كيلومترا إلى الغرب من عمان عاصمة الأردن.
تبلغ مساحة محافظة بيت لحم 575 كيلومترا مربعا، وتضم 5 مدن رئيسية و70 قرية و3 مخيمات للاجئين الفلسطينيين. أما مساحة مدينة بيت لحم، والتي تقع ضمن حدود المخطط الهيكلي للمدينة فتبلغ 8 آلاف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، وتقسم المدينة إلى العديد من الأحياء والأسواق التجارية.
على مر تاريخها، شهدت بيت لحم ازدهارا في مجال التعليم بسبب طابعها وقيمتها الدينية. وقد أقيمت فيها مدارس عديدة منذ أكثر من 200 عام، أغلبها كانت تابعة للأديرة والمعابد الدينية، كما أقيمت فيها مدارس خاصة منذ زمن بعيد. ووصل عدد المدارس في المدينة عام 1978 إلى 31 مدرسة بين أهلية وحكومية.
وفي المدينة أيضا جامعة تحمل اسمها (بيت لحم) وتضم عددا من الكليات تدرس العلوم والآداب والتمريض، وعلوم التربية وعلوم الفندقة وغيرها، إضافة إلى كليات خاصة هي كلية الأمة وكلية بيت لحم للكتاب الإسلامي وكلية العلوم الإسلامية.
أما على الصعيد الصحي فتوجد في المدينة 4 مستشفيات منها مستشفى للأمراض العقلية ومستشفى "كاريتاس" للأطفال، وفيها العديد من العيادات العامة (16 عيادة) وعيادات أهلية و3 عيادات لوكالة الأونروا وعدة صيدليات.
السكان
تضم محافظة بيت لحم 45 تجمعا، منها 3 مخيمات للاجئين. بلغ عدد سكانها 6658 نسمة حسب إحصاء عام 1922، ومن ثم ارتفع العدد إلى 7320 نسمة حسب إحصاء عام 1931، ثم قدر عدد السكان بـ9780 نسمة عام 1948، وارتفع إلى 14 ألفا و860 نسمة عام 1949 بعد لجوء أعداد كبيرة من النازحين الفلسطينيين إليها.
وأخذ عدد سكان المدينة في التزايد فيما بعد، ثم انخفض عام 1967. وفي عام 1997 بلغ 21 ألفا و673 نسمة، ثم ارتفع إلى 25 ألفا و266 نسمة عام 2007، وبلغ عدد السكان في عام 2024 ما يقارب 250 ألف نسمة حسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء.
تاريخ المدينة
سكن الكنعانيون بيت لحم سنة 2000 ق.م، ويروى أن النبي يعقوب عليه السلام جاء إلى هذه المدينة وهو في طريقه إلى الخليل، وماتت زوجته راحيل في مكان قريب من بيت لحم يعرف اليوم بقبة راحيل.
وفي بيت لحم أيضا ولد النبي داود، عليه السلام، حسب ما تؤكده بعض الروايات التاريخية، وتظهر أول إشارة تاريخية للمدينة في رسائل تل العمارنة (حوالي 1400 ق.م) عندما طلب ملك القدس من ملك مصر مساعدته على استعاده السيطرة على بيت لحم في أعقاب الاضطرابات التي شهدتها تلك الفترة.
وفي العهد البيزنطي والحكم الروماني كانت ضمن مقاطعة القدس، وتذكر بعض الروايات التاريخية أن المسيح عليه السلام ولد فيها خلال هذه الفترة، لذا اكتسبت أهمية عظيمة لدى المسيحيين.
ظلت المدينة محط أنظار الملوك والأباطرة والأشراف، وكانت في طليعتهم الملكة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين الأول، حيث شيدت فيها كنيسة المهد في عام 326 ميلادي، وقد هُدمت فيما بعد فأعاد بناءها الإمبراطور (جوستنيان) بشكلها الحالي.
غزا الفرس فلسطين سنة 614 ميلادية وأحدثوا فيها دمارا كبيرا سلمت منه كنيسة المهد، ثم بعد ذلك في عام 637 ميلادي فتح المسلمون المدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأمر ببناء جامع مقابل كنيسة المهد سمي باسمه.
وتوالى على حكمها الصليبيون ومن ثم حررها السلطان صلاح الدين الأيوبي في عام 1187 ميلادي. ومع مجيء المماليك في عام 1250، هُدمت جدران المدينة وأعيد بناؤها في وقت لاحق خلال حكم الإمبراطورية العثمانية منذ عام 1517. وبقي المسيحيون فيها يتمتعون بحريتهم الدينية.
في عام 1917 انتزعت بريطانيا السيطرة على المدينة من العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى وكان من المفترض أن يتم ضمها إلى المنطقة الدولية في إطار خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947.
وأُلحقت المدينة بالأردن بعد نكبة فلسطين عام 1948. وقد احتلتها إسرائيل في عام 1967 بحرب الأيام الستة. ومنذ عام 1995، ووفقا لاتفاقية أوسلو، نُقلت السلطات المدنية والأمنية في المدينة إلى يد السلطة الوطنية الفلسطينية.
أبرز المعالم السياحية والدينية
من أبرز المعالم السياحية الدينية في بيت لحم كنيسة المهد، التي اكتمل بناؤها في عام 339 ميلادي، والتي تعد أقدم كنيسة في العالم. و"مغارة الحليب" و"آبار النبي داود" ويوجد فيها مجموعة من الأديرة منها دير "مار سابا"، ودير "مار إلياس"، ودير "الجنة المقفلة".
كما تحتوي بيت لحم على مجموعة من القصور الأثرية والتاريخية مثل قصر هيروديون الأثري، وقصر جاسر، وقصر هرماس، وقصر مرقص وقصر شهوان (قصر دار صلاح).
وفيها أيضا عدة برك تجلب إليها السياح، مثل برك سيحان (برك المرجيع) و"برك سليمان"، و"عين أرطاس"، وتل الفريديس (يسمى أيضا جبل هيروديون)، ووادي خريطون.
كما يوجد حقل الرعاة في بلدة بيت ساحور الواقعة على بعد كيلومترين شرقي بيت لحم. وبها أيضا مسجد بلال (مسجد قبة راحيل) والذي بني في العهد العثماني والمبني إلى جوار قبر السيدة راحيل زوجة النبي يعقوب عليه السلام.
سياسة الاستيطان في بيت لحم
عقب احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية في عام 1967، وكغيرها من الأراضي الفلسطينية، تعرضت محافظة بيت لحم إلى هجمة استيطانية توسعية؛ فصودرت عشرات آلاف الدونمات من الأرض، وأقيمت عشرات المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية.
وحاصرت هذه المستوطنات المدن والقرى الفلسطينية، ومنعت تطورها وغيّرت طبيعتها؛ إضافة إلى جدار الفصل العنصري ومعسكرات الجيش الإسرائيلي التي زادت من معاناة الأهالي.
إلى حدود عام 2022 بنت إسرائيل في محافظة بيت لحم 16 مستوطنة، إضافة إلى وجود أجزاء من مستوطنات تقع في الأراضي الإدارية لمحافظات فلسطينية أخرى، وأجزاء من هذه المستوطنات تقع على الأراضي الإدارية لمحافظة بيت لحم، مثل مستوطنة هارحوما ومستوطنة جيلو وتقعان في محافظة القدس، ومستوطنة كفار عتصيون في محافظة الخليل.
وبلغت المساحة الكلية التي تحتلها هذه المستوطنات من أراضي محافظة بيت لحم حوالي 10 آلاف و307 دونمات، وبلغ عدد المستوطنين الذين يسكنونها حوالي 78 ألفا و938 نسمة.
توجد على أراضي محافظة بيت لحم منطقتان صناعيتان أقامهما الاحتلال الإسرائيلي هما: منطقة "بيتار عليت" وتبلغ مساحتها 24 دونما؛ ومنطقة "أفرات" وتبلغ مساحتها 20 دونما. وأقيم على أراضي محافظة بيت لحم موقعان عسكريان تابعان لجيش الاحتلال الإسرائيلي؛ وتحتل هذه المواقع مساحة تقدر بحوالي 133 دونما.
وبشكل عام بلغت مساحة الأراضي التي تسيطر عليها المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمواقع العسكرية والمناطق الصناعية في محافظة بيت لحم حوالي 11 ألفا و574 دونما.
الاقتصاد
تعتبر السياحة العمود الفقري لاقتصاد بيت لحم، إذ يزورها السياح طوال السنة، وخصوصا المسيحيين الذين يأتون حجاجا إلى كنيسة المهد. ويعمل في هذا القطاع حوالي 28% من السكان.
ولأهمية بيت لحم الدينية والتاريخية الأثر الكبير في زيادة وتفعيل النشاط السياحي، إذ يوجد فيها أكثر من 30 فندقا ومنتجعا سياحيا، وأكثر من 138 مطعما، وتعدّ السياحة فيها من المصادر الأساسية للدخل القومي؛ لوجود الأماكن الدينية والأثرية في المحافظة مثل كنيسة المهد.
تشكل العمارة التقليدية في بيت لحم جزءا أساسيا من الموروث الثقافي للمدينة، كما أنها أحد الروافد المهمة في دعم السياحة خاصة بعد إدراج المدينة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2012.
ويمكن تصنيف العمارة في بيت لحم إلى عدة أقسام مختلفة وهي: المباني البسيطة، والمباني الطولية، والأحواش، والمباني المنتظمة، والمباني التي تجمع بين الأحواش والمباني المنتظمة، والقصور والمباني الكبيرة؛ وتعكس هذه التقسيمات شكل عمارة بيت لحم وتطورها خلال القرنين الماضيين.
تشتهر بيت لحم بالمصنوعات الخشبية والصدفية والتحف التذكارية ومشغولات التطريز التي تباع للسياح والحجاج، إضافة إلى صناعة الحجر والرخام والصناعات المعدنية.
وتعرف المدينة أيضا بصناعة النسيج، ويبلغ عدد معامل النسيج فيها 27، وفيها مصنع لإنتاج هوائيات التلفزيون ومعمل للأسلاك المعدنية وغيرهما.
أما قطاع الزراعة فله دور ثانوي في اقتصاد المدينة بسبب طبيعة الأرض الجبلية، وأهم المنتوجات الزراعية: الزيتون والعنب واللوزيات وبعض أنواع الخضراوات الصيفية، والحبوب والقمح والشعير وبعض البقوليات.