البحر الميت محيط شديد الملوحة ولا حياة فيه
ظاهرة جيولوجية وطبيعية نادرة، أخفض بقعة في العالم، تبلغ الملوحة فيه 10 أضعاف ملوحة البحار والمحيطات، البحر الميت الذي يشكل واحدا من أكثر النظم البيئية تطرفا على كوكب الأرض، مهدد بالزوال.
الموقع
يقع البحر الميت جنوب غرب آسيا بين دولتي الأردن وفلسطين، ويعدّ خط التقسيم فيه حدا فاصلا بينهما مع نهر الأردن في الشمال ووادي عربة في الجنوب.
ويقع بين دائرتي عرض 31.5 و31.45 شمالا، وبين خطي طول 35.21 و35.35 شرقا، ويحده من الشرق جبال مآدبا والكرك في الأردن، ومن الغرب مرتفعات الخليل والقدس في فلسطين، أما شمالا فيحده منخفض البحر الميت ومصب نهر الأردن، ومن الجنوب جرف خنزيرة الذي يعد بداية وادي عربة.
التسمية
سمي البحر الميت بذلك لعدم مقدرة الكائنات البحرية على العيش فيه، حيث لا يعيش سوى الميكروبات والبكتيريا التي يمكنها تحمل نسبة الملوحة العالية.
وأطلق عليه أسماء أخرى منها: البحر المالح، وبحر الصحراء، والبحر الشرقي، والبحيرة المقلوبة، وبحيرة لوط، والبحيرة النتنة، وبحيرة سدوم، وبحيرة عمورة، وبحيرة أدوما.
المساحة
تبلغ مساحته الإجمالية حوالي 650 كلم مربع (عام 2019) ويبلغ طوله 80 كلم، وأقصى عرض له حوالي 17.5 كلم، وأضيق نقاطه تقع عند مضيق اللسان بعرض 2 كلم.
تباينت الأبحاث والدراسات بشأن حجم البحر الميت، لكن أغلبها يحدد حجمه بين حوالي 126 كلم مكعب و142 كلم مكعب، وذلك حسب ظروف وتاريخ إجراء الدراسة، مع تسجيل تراجع مستمر في هذا الحجم، حيث كان مثلا في بداية القرن العشرن نحو 155 كلم مكعب.
ويتكون من حوضين غير متساويين، يستوعب الحوض الشمالي حوالي ثلاثة أرباع المساحة الكلية، ويبلغ عمقه أكثر من 400 متر. أما الحوض الجنوبي الضحل فأصغر إلى حد بعيد، ويفصل بين الحوضين شبه جزيرة اللسان ومضايق الموت التي فيها تل من الطمي.
المناخ
يعد مناخ المنطقة حارا جافا صيفا، ومعتدلا ماطرا شتاء، حيث تهطل الأمطار على المنطقة أواخر فصل الخريف إلى نهاية شهر أبريل/نيسان.
ويبلغ معدل الأمطار في المنطقة ما بين 50 و100 ملم سنويا. كما أن كميات الأمطار تتعرض لتذبذب واضح من سنة إلى أخرى، وغالبا ما تزداد الأمطار باتجاه الجنوب إلى الشمال لتصل إلى 100 ملم في الشمال، وتقل عن 60 ملم في الجنوب.
ويتأرجح متوسط الرطوبة العام حول معدل 57%، وتصل نسبة التبخر إلى حوالي 2200 ملم في السنة. أما درجات الحرارة فيبلغ متوسطها 19.2 درجة مئوية شتاء، و37.7 درجة مئوية صيفا.
وأعلى درجة حرارة سجلت في المنطقة كانت 51 درجة مئوية، ولا تنخفض درجة حرارة شواطئ البحر الميت في فصل الشتاء عن 24 درجة مئوية نهارا و15.5 درجة مئوية ليلا.
ظاهرة جيولوجية وطبيعية نادرة
يعد البحر الميت ظاهرة جيولوجية وطبيعية نادرة الوجود، حيث يقع على أطول فالق إزاحي قاري في العالم، وهو عبارة عن بحر مغلق لا يتصل بالبحار الخارجية المجاورة له (البحر المتوسط والبحر الأحمر).
كما أنه يمثل أخفض بقعة في العالم، حيث يبلغ مستوى سطحه ما يقل عن 400 متر تحت مستوى سطح البحر المتوسط، وأما الفارق بين سطح البحر المتوسط وأعمق نقطة في البحر الميت فيبلغ حوالي 794 مترا.
وتتميز مياهه بشدة ملوحتها، التي تصل إلى 340غم/لتر في أعماقه، وهي نسبة كبيرة جدا، إذ تبلغ الملوحة فيه 10 أضعاف ملوحة البحار والمحيطات، مما يجعله واحدا من أكثر النظم البيئية قساوة على كوكب الأرض.
تشكل البحر الميت
تشير السجلات الجيولوجية التاريخية إلى أن البحر الميت لم يتشكل مع حفرة الانهدام الآسيو-أفريقي العظيم، ولم يتخذ شكله الحالي إلا بعد زمن طويل، وأنه قد مر بمراحل متعددة، فقد تكون على أنقاض البحيرات القديمة التي شغلت الانهدام الأردني.
وقد كان بحر تيثس (Tythas) الذي يشغل البحر المتوسط جزءا من مكانه، يغطي أغلب أراضي المنطقة العربية، وبعد انحساره وتراجعه، بقيت منطقة الغور ممتلئة بالمياه مكونة بحيرة أصدام القديمة، التي كانت تتصل بالبحر المتوسط بواسطة وادي جزريل ثم غور الأردن الأوسط حتى عصر الميوسين، ثم انقطع اتصال البحيرة بالبحر المتوسط.
وقد شهدت المنطقة تكوّن عدد من البحيرات قبل أن يتخذ البحر الميت شكله فيما بعد، وهذه البحيرات متباينة من حيث الامتداد الأفقي والارتفاع عن مستوى سطح البحر.
بحيرة أصدام
وتعد بحيرة أصدام أولى البحيرات التي شغلت منخفض الأغوار في مرحلة البليوسين، أي قبل حوالي 5 إلى 7 ملايين سنة.
وهي منخفض لم يهبط كثيرا عن مستوى البحر المتوسط، الذي زودها بالمياه عن طريق اتصاله بها من خلال وادي جرزيل، والتي كانت تتبخر مخلفة صخورا ملحية بلغ سمكها حوالي 4000 م، ويعتقد أنها السبب الرئيسي في ملوحة البحر الميت.
بحيرة السمرة
وثاني البحيرات التي تشكلت في المنخفض بحيرة السمرة، التي امتدت بطول 190 كلم، ابتداء من بيسان شمالا وحتى عين الحصب جنوب البحر الميت، ويقدر عمرها بأكثر من 70 ألف سنة، وكانت تنخفض 250 مترا تحت مستوى سطح البحر المتوسط.
ويعتقد بأن مياهها عذبة بسبب انقطاع الاتصال مع البحر المتوسط، ويعتقد أن أودية البحر الميت قد بدأت بالتشكل في تلك المرحلة.
بحيرة اللسان
أما آخر البحيرات الحقيقية، التي سبقت تشكل البحر الميت، فهي بحيرة اللسان، ومياهها كانت عذبة في فترات الرطوبة، ومالحة في فترات الجفاف.
وقد امتدت من أطراف بحيرة طبرية في الشمال وحتى جرف خنيزيرة 30 كلم جنوب الحوض الشمالي للبحر الميت بطول 220 كلم، وقد استمرت البحيرة حوالي 50 ألف سنة.
بحيرة دامية
ومع نهاية فترة بحيرة اللسان، تكونت بحيرة أصغر بكثير، وهي بحيرة دامية، واستمرت قرابة 2000 عام، ومع نهايتها شهدت المنطقة فترة شديدة الجفاف، مما أدى إلى جفاف معظم المسطحات المائية في الأغوار.
وأدى ذلك أيضا إلى تقدم مسار السيول والأودية إلى أبعد مما كانت عليه من قبل، وقد تشكل البحر الميت عقب انحسار تلك البحيرات في المكان نفسه قبل 11 ألف عام مضت.
الروافد المائية
تبلغ مساحة المجاري المائية المغذية للبحر الميت حوالي 40 ألف كلم، وتأتي معظمها من مناطق ذات كثافة مطرية، من الشمال والمنحدرات الشرقية والغربية المحيطة بالبحر الميت.
وتغذيه عدة روافد أهمها: نهر الأردن وروافده، كنهر اللدان والحاصباني وبانياس، كما ترفده الأودية والأنهار الصغيرة من الجانب الأردني كنهر اليرموك، ونهر الزرقاء، ووادي شعيب وحسبان.
وتنضم إليه مجموعة الأودية الشرقية التي تصب مباشرة فيه، سواء بجريان دائم أو موسمي أثناء فيضانات تلك الأودية، ومنها زرقاء ماعين، ومياه الزارة، والكرك، وابن حماد، والنميرة وعسال والحسا، وكذلك ترفده الأودية والينابيع من الجانب الغربي.
وتعد المياه الجوفية في الحوض الشرقي، التي تتجمع من الأمطار المتساقطة على المرتفعات الغربية، والأمطار التي تسقط على البحر الميت مباشرة، من المصادر المغذية له.
تذبذب مستوى سطحه
شهد السجل الجيولوجي طويل الأمد تذبذبا واضحا لمستوى سطح البحر الميت، فقد مر مستوى سطحه بعدة مراحل، ففي الفترة الزمنية التي امتدت ما بين 8300 ق.م و6000 ق.م وصل معدل مستواه إلى 340 مترا تحت مستوى سطح البحر، في حين انخفض مستواه في الفترة بين 4000 ق.م و2900 ق.م إلى 370 مترا تحت مستوى سطح البحر.
ثم عاود الارتفاع طوال فترة 1400 ق.م و800 ق.م، إذ بلغ حوالي 350 مترا تحت مستوى سطح البحر. وفي الفترة من 300 ق.م إلى 100 ق.م، انخفض مستواه مرة أخرى إذ بلغ 392 مترا تحت مستوى سطح البحر.
وقد حدث أكبر ارتفاع في مستوى سطحه في الفترة من 100 ق.م إلى 40 م ليبلغ 330 مترا تحت مستوى سطح البحر المتوسط، واتسعت مساحته لتصبح 1440 كلم مربع.
بعد هذا الارتفاع الذي استمر 76 عاما، عاد سطح البحر الميت للانخفاض من جديد، ليعود إلى مستواه الطبيعي عند 390 مترا تحت سطح البحر، ولتعود مساحته إلى حوالي 1000 كلم مربع، ولكنها لا تثبت وسرعان ما تتغير.
إذ تشير الأدلة التاريخية إلى أن ارتفاعا ثانيا كبيرا قد حدث بين القرنين العاشر والحادي عشر بعد الميلاد، حيث وصل منسوب سطح البحر إلى 350 مترا تحت سطح البحر المتوسط؛ ثم ليعود بعدها للانخفاض قريبا من مستواه الطبيعي.
تسارع انخفاض مستوى سطحه وتهديده بالزوال
استمر مستوى سطح البحر الميت بالتذبذب ارتفاعا وانخفاضا حتى أواخر الخمسينيات من القرن الـ20، نتيجة عوامل مناخية تمثلت في تذبذب كميات الأمطار السنوية، وارتفاع معدل التبخر.
ومنذ عام 1964 اضطربت العلاقة التاريخية بين المطر ومنسوب البحر الميت، بعد قيام إسرائيل بالاستيلاء على مياه نهر الأردن، الرافد الرئيسي للبحر الميت، وتحويل أكثر من 700 مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن لغايات الزراعة والشرب في الأراضي التابعة لها في وادي عربة.
كما عمل الأردن على إقامة بعض السدود المائية على نهر اليرموك والأودية الشرقية بسعة تخزينية بحدود 230 مليون متر مكعب، وقد أقامت سوريا أيضا عدة مشاريع زراعية تخزينية للمياه على نهر الأردن بما يقارب 200 مليون متر مكعب. أما لبنان فلا يزيد استغلاله لروافد نهر الأردن عن 20 مليون متر مكعب سنويا.
بالإضافة إلى قيام الصناعات المعتمدة على أملاح البحر الميت من الجانبين الأردني والإسرائيلي، تستخدم كل من إسرائيل والأردن أحواض تبخير ضخمة لاستخراج الفوسفات من المياه ليتم تصديره سمادا، وكذلك مصانع البوتاس والمغنيسيوم وكلوريد الكالسيوم والبروم، ومنتجات كيميائية أخرى.
وقد كان التراجع في سطح البحر الميت منذ عام 1960 يبدو منتظما بعض الشيء، أي أن معدل التراجع كان يقدر بحوالي 40 سنتمترا في العام، بينما زاد هذا التراجع بين عامي 1980 و2005 إلى أكثر من 80 سنتمترا في العام، ثم إلى ما يقارب المتر سنويا، بسبب عدم وصول الكميات الكافية من المياه إلى البحر الميت، التي كانت تعوضه عما يفقده من التبخر.
وقد أدت العوامل السابقة مجتمعة إلى خفض كمية المياه الواصلة للبحر الميت من 1600 مليون متر مكعب إلى حوالي 300 مليون متر مكعب، فانخفض مستوى سطحه إلى 430 مترا تحت مستوى سطح البحر، وتراجعت مساحة مسطحه إلى حوالي 650 كلم مربع عام 2019، بعد أن كانت تبلغ 950 كلم مربع عام 2000.
وقد أدى الانخفاض في مستوى البحيرة في أواخر القرن الـ20 وأوائل القرن الـ21 إلى تغيير المظهر المادي للبحر الميت وبشكل ملحوظ، حيث امتدت شبه جزيرة اللسان تدريجيا باتجاه الشرق، حتى انفصل الحوضان الشمالي والجنوبي للبحيرة بشريط من الأرض الجافة.
من المتوقع أن يظل الانخفاض مستمرا في مستوى سطحه، مما يؤدي إلى توقف التبخر من مياهه، ويتشكل عندئذ مستنقع ملحي عالي الكثافة.
حفر الإذابة
تسببت مشكلة الانحسار في مشاكل معقدة، من أخطرها الحفر الخسفية أو حفر الإذابة، التي تشكلت بأقطار وأعماق متفاوتة، مما يفاقم هشاشة التراكيب الجيولوجية في المنطقة، ويؤدي لانهيارات في الاستثمارات القائمة والبنية التحتية للمنطقة، الأمر الذي يجعل المنطقة غير آمنة للعيش والتنمية.
كما تؤثر بدورها على نقص المياه العذبة في المنطقة المحيطة، حيث تؤدي حفر الإذابة إلى انحدار المياه الجوفية باتجاه البحر الميت.
بالإضافة إلى ذلك، تزايدت ظاهرة الغبار الملحي، الذي يؤدي إلى تلوث الهواء ويمكن أن يضر بالأراضي الخصبة وكذلك بالبشر، وهو ينتج عن حمل الرياح للمعادن المترسبة من كتلة الماء المتبخر كالجبس والملح الصخري، ثم نشرها فوق المناطق المحيطة.
مواجهة الخطر
أدى الانخفاض المستمر في منسوب مياه البحر الميت إلى إجراء دراسات ودعوات للحفاظ على الموارد المائية لنهر الأردن، بالإضافة إلى مقترحات لتقليل كمية مياه الأنهار المحولة من قبل الأردن وإسرائيل، اللذين ناقشا مقترحات لقنوات من شأنها جلب مياه إضافية إلى البحر الميت.
أحد هذه المشاريع حصل على موافقة الجانبين في عام 2015، ويشمل بناء قناة باتجاه الشمال من البحر الأحمر.
ويواجه المشروع شكوكا ومعارضة من دعاة حماية البيئة وغيرهم ممن يتساءلون عن الآثار الضارة المحتملة لخلط المياه من المصدرين، بالإضافة إلى الشكوك القائمة في ما يتعلق بمدى جدية الجهود وفعاليتها في دحر الخطر.
أهميته الاقتصادية
يختزن البحر الميت في باطنه ثروة هائلة لمجموعة كبيرة من الأملاح والمعادن ذات قيمة اقتصادية عالية، كالكبريتات والبيكربونات وكبريتيد الهيدروجين والمغنيسيوم والبوتاسيوم والكلور والبروم وكلوريد الصوديوم، والتي تدخل في العديد من الصناعات الحديثة كالأسمدة ومواد البناء والأدوية ومواد التجميل وغيرها.
وتزدهر السياحة العلاجية على شواطئه، حيث يأتيه السياح من مختلف أنحاء العالم للاستشفاء، فقد أثبتت الدراسات أن لأملاح البحر الميت تأثيرات علاجية عديدة، وتستخدم هي وطينه الغني بالمعادن في إنتاج مستحضرات التجميل، وعلاج العديد من الأمراض كالجلدية والروماتزم وغيرهما.
كما أن انخفاض مستوى سطحه عن سطح البحر يوفر أعلى نسبة أكسجين، وكذلك تزيد الحرارة المرتفعة نسبة التبخر، مما يجعل الجو مشبعا بأملاح المغنسيوم والبروميد والكالسيوم وغيرها من العناصر، التي تساعد في علاج الأمراض الجلدية والأوردة الدموية، ويمثل الضغط الجوي المكثف ظروفا جوية مفيدة لمرضى الربو.
الحياة الجوفية المظلمة
على الرغم من الاعتقاد الشائع حول انعدام الحياة، أو بالأحرى استحالتها في البحر الميت، فإن الحياة وجدت سبيلا إليه، حيث أظهرت الدراسات وجود محيط حيوي ضخم، مما يمكن أن تسمى "الحياة الجوفية المظلمة"، وهي مأهولة من بعض الكائنات الحية الأقدم على الكوكب، تلك التي تكيفت بشكل فريد من أجل البقاء على قيد الحياة في ظروف ينعدم فيها الضوء والأكسجين وتسود فيها الملوحة الشديدة.