الخليل مدينة الديانات الثلاث

الخليل مدينة تاريخية فلسطينية، من المدن العربية القليلة التي حافظت على الاستقرار البشري فيها، وهي مدينة مقدسة للمسلمين واليهود والمسيحيين، أسسها الكنعانيون وتعاقبت عليها الحضارات، وبني فيها الحرم الإبراهيمي، وأصبح مسجدا في العهد الإسلامي، احتلها الإسرائيليون عام 1967، وضيقوا على أهلها وبنوا فيها مستوطنات عديدة.

وفي حرمها الإبراهيمي حدثت مجزرة في رمضان عام 1994 أدت إلى استشهاد 50 فلسطينيا ونتائج لاحقة تعلقت بسيطرة إسرائيل على مداخل الحرم وتهويد 60% منه.

الموقع والجغرافيا

تقع محافظة الخليل وسط فلسطين، جنوب غرب الضفة الغربية، على خط عرض 31 وخط طول 8.35 شرقا. وعلى بعد 36 كيلومترا من مدينة القدس، وترتفع عن سطح البحر في أعلى قمة لها 1020 مترا، ويبلغ متوسط ارتفاع قممها نحو 927م وفق دراسة أكاديمية صادرة عن جامعة النجاح الوطنية.

وتتكون المدينة من سلسلة جبال تعد الأطول والأعرض في مجموعة جبال فلسطين، إضافة إلى الهضاب والأودية.

وتتنوع مظاهر السطح فيها، وهي:

ظهر الهضبة

وتقع مدينة الخليل وسط ظهر الهضبة، وتمتد أراضي المحافظة من حدود أراضي قريتي بيت فجار شمالا وحتى خط الهدنة جنوب قرى الظاهرية والسموع. وتنقسم وفق ارتفاعاتها إلى:

القسم الجنوبي ويرتفع بين 600-900 متر فوق مستوى سطح البحر.  القسم الشمالي ويرتفع 900-1020 مترا فوق مستوى سطح البحر.

السفوح الغربية وأقدام الجبال

وهي منطقة مشرفة ومطلة على السهول الغربية من سهل فلسطين، ويتراوح ارتفاعها بين 300-600 متر فوق مستوى سطح البحر، وتشمل أراضي صوريف وحتى الظاهرية جنوبا.

السفوح الشرقية

وهي المنطقة المحاذية لسطح الهضبة من جهة الشرق والجنوب الشرقي حتى البحر الميت، وتعرف بالمنحدر الشرقي لجبال الخليل، وتتكون هذه المناطق من صخور كلسية وأودية وجبال صخرية جرداء وتمتلئ بالكهوف والمغارات.

الضفة-الغربية- الخليل
الضفة-الغربية- الخليل (الجزيرة)

الأودية

تتميز الأودية الشمالية لمحافظة الخليل بأنها أطول وأكثر التواء من الأودية الجنوبية.

إعلان

التسمية

تشير الروايات التاريخية إلى أن سبب تسمية المدينة يعود إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام، الذي يُعتقد أنه نزل ضيفا فيها عام 1900 قبل الميلاد، بعد هجرته من مدينة أور السومرية، وسكن إبراهيم في منطقة الحرم الإبراهيمي، ومنذ ذلك الحين أطلق عليها "الخليل" أو "خليل الرحمن".

المناخ

تتمتع المدينة بمناخ البحر الأبيض المتوسط فوق المداري، فهي حارة وجافة صيفا ومعتدلة وماطرة شتاء، وتتأثر بالمنخفضات القادمة من قبرص وأوروبا، وقد تتساقط الثلوج على المرتفعات عند التعرض لمنخفضات جوية لا سيما في شهري فبراير/شباط ومارس/آذار.

السكان

بلغ عدد سكان المحافظة عام 2004 نحو 530541 نسمة، وزاد بعد ذلك فبلغ عام 705053 نسمة عام 2017، وارتفع إلى 723954 عام 2018، فيما بلغ 782227 عام 2021، وفق موقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وتضم المحافظة نحو 155 تجمعا سكنيا، أي ما نسبته 22.03% من عدد التجمعات السكانية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتعد مدينة الخليل مركز المحافظة، وبها 162315 نسمة، وتليها مدينة يطا من حيث الكثافة السكانية، إذ يقطنها نحو 42 ألف نسمة، ثم الظاهرية التي يقطنها نحو 28 ألف نسمة وبعد ذلك حلحول ودورا بنحو 21 ألف نسمة لكل منهما.

ويوجد في المحافظة مخيمان للاجئين هما: مخيم العروب ويقطن به ما يزيد عن 8 آلاف نسمة، ومخيم الفواز ويقطن فيه نحو 6600 نسمة، أما البلدة القديمة فيسكنها نحو 10 آلاف فلسطيني، و600 مستوطن و200 طالب في مدارس اليهود الدينية، وينتشر فيها نحو 1500 جندي إسرائيلي.

الاحتلال نشر عدة حواجز ومناطق تفتيش في قلب مدينة الخليل (الجزيرة)

تاريخ مدينة الخليل

يعود تاريخ المدينة إلى عهد الكنعانيين، الذين أسسوها في الألفية الثالثة قبل الميلاد، ثم تعرضت كبقية مناطق فلسطين لحملات غزو واحتلال كان أولها الغزو الآشوري عام 732 قبل الميلاد، ثم البابلي عام 586 قبل الميلاد، وبعد ذلك احتلها الفرس عام 539 قبل الميلاد، وأصبحت تابعة للحكم الإغريقي عام 322 قبل الميلاد. واستطاع الرومان السيطرة عليها عام 63 قبل الميلاد.

إعلان

دخلت تحت الحكم البيزنطي عام 593م، وتعرضت للحملات الصليبية، إذ احتلها الصليبيون عام 1167م وبنوا كنيسة فوق المسجد الإبراهيمي، وحررها صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين عام 1187م، ونقل إليها منبر عسقلان العاجي.

وشهدت المدينة تطورا في العهدين المملوكي والعثماني، واشتهرت بصناعاتها في العصر العثماني، لا سيما صناعات القناديل والزجاج الملون، وشاركت في المعرض العالمي الذي أقيم في فيينا عام 1873.

وبعد الحرب العالمية الأولى خضعت مع بقية مناطق فلسطين لسلطة الانتداب البريطاني في عشرينيات القرن العشرين، ثم دخلت تحت حكم الإدارة الأردنية عام 1950، إلى أن احتلتها إسرائيل عام 1967م.

المستوطنات في الخليل

منذ أن سيطر الاحتلال الإسرائيلي على الخليل شرع في توطين اليهود وبناء المستوطنات، ففي عام 1968 شيدت إسرائيل مستوطنة "كريات أربع" على أطراف البلدة القديمة على مساحة 4.3 كيلومترات مربعة، وخطط لها أن تستوعب نحو 10 آلاف عائلة، وفي عام 2019 بلغ عدد سكانها نحو 7600 إسرائيلي.

في عام 1979 احتل المتسوطنون مبنى "الدبويا" في البلدة القديمة وحولوه إلى مستوطنة عرفت باسم "بيت هداسا"، وسيطروا كذلك على عدد من البيوت المجاورة وضموها إلى المستوطنة.

وبعد عام سيطر المستوطنون على أحد المنازل وسوق الخضار في المدينة وأعلنوا بناء مستوطنة داخل البلدة القديمة وسموها "إبراهيم أفينو"، أما الفلسطينيون فأطلقوا عليها اسم "الحي اليهودي"، ويضم منازل قديمة تقدر بالعشرات، رممها المستوطنون وسكنوها.

وفي عام 1983 سيطر اليهود على مدرسة "أسامة بن المنقذ" ومحطة الحافلات وسط الخليل، وشيدوا مستوطنة "بيت رومانو"، وتقع بالقرب من مستوطنة بيت هداسا.

وبعد عام احتل المتسوطنون مساحة كيلومتر مربع من أراضي حي تل الرميدة في الخليل، وأقاموا مستوطنة وسط المنازل الفلسطينية، كما سيطروا على 4 منازل منفردة في البلدة القديمة في الخليل هي: منزل عائلة الرجبي قرب المسجد الإبراهيمي، ومنزل عائلة أبو رجب بالقرب من ملعب المدرسة الإبراهيمية، ومنزل عائلة البكري في تل الرميدة، ومنزل عائلة الزعتري في شارع السهلة.

إعلان

أحياء وأسواق مغلقة

نتيجة السياسات الإسرائيلية فإن 43% من منازل البلدة القديمة في الخليل فارغة، و77% من المحلات التجارية مغلقة، ويبلغ عددها 1829 محلا تجاريا، منها 512 بقرار عسكري إسرائيلي، والبقية نتيجة إفراغ البلدة القديمة من السكان، واستمرار المضايقات اليومية.

وتمنع السلطات الإسرائيلية دخول المركبات الفلسطينية للخليل القديمة، وتقيم فيها 22 حاجزا عسكريا و105 عوائق للحركة.

وأغلقت إسرائيل أحياء جبل الرحمة وتل الرميدة وشارع الشهداء والسهلة ومحيط المسجد الإبراهيمي وحارة السلايمة وحارة غيث ووادي الحصين ووادي النصارى ووادي العروس وعين بين سليم والبقعة والبويرة وحارة جابر.

وكذلك أغلقت سوق الدجاج وسوق اللبن وسوق الحدادين وسوق النجارين وسوق الجمال وسوق الخضار (قطاعي وجملة) وسوق الجملة وسوق الذهب.

المسجد الإبراهيمي

من أهم المنشآت المعمارية في مدينة الخليل، يقع جنوب شرقه، ويحيط به سور كبير، بني بحجارة ضخمة، وينسب إلى النبي إبراهيم عليه السلام، إذ تقول الروايات إنه "بني فوق مغارة دفن فيها النبي إبراهيم وزوجته سارة وابناه إسحاق ويعقوب وزوجتاهما"، فيما تشير روايات أخرى إلى أن أنبياء الله آدم ونوحا ويوسف دفنوا هناك.

تحول إلى مسجد بعد الفتح الإسلامي، وحظي بعناية واهتمام في عهد الدولة الأموية فتطور بناؤه، واستمر الخلفاء في العناية بالمسجد الإبراهيمي في العهدين العباسي والفاطمي.

وفي فترة الغزو الصليبي تحول إلى كنيسة، لكن صلاح الدين الأيوبي استعاده بعد معركة حطين وعاد مسجدا، وبقي محافظا على مكانته في العهد العثماني والانتداب البريطاني والحكم الأردني.

وفي عام 1967 احتلت إسرائيل مدينة الخليل، وأصبح المسجد هدفا للمستوطنين الذين سعوا إلى تحويله إلى معبد يهودي.

مجزرة الحرم الإبراهيمي

في يوم 25 فبراير/شباط 1994 الموافق 15 رمضان 1415هـ، وأثناء صلاة الفجر داهم المسجد مستوطن يدعى باروخ غولدشتاين ومعه بندقية آلية وعدد من الأسلحة والذخائر والأسلحة المتنوعة، ووقف خلف أحد أعمدة المسجد منتظرا سجود المصلين، وحين سجدوا فتح النيران عليهم.

إعلان

قتل غولدشتاين 29 شهيدا وأصاب 15 آخرين، لكن المصلين تمكنوا من الانقضاض عليه وقتله. وبعد انتهاء المجزرة أغلق جنود الاحتلال أبواب المسجد ومنعوا المصلين من الخروج كما منعوا القادمين من خارج المسجد من الوصول ومساعدة الجرحى.

ويؤكد عدد من شهود العيان الذين نجوا من المجزرة أن تطاير الرصاص لم يكن باتجاه واحد أي أن عدة أشخاص أسهموا في المجزرة، فيما يؤكد شهود آخرون أنهم رأوا جنودا إسرائيليين يشاركون في المجزرة ويطلقون الرصاص مع المستوطن.

خلال تشييع ضحايا المجزرة أطلق جنود إسرائيليون النار على الفلسطينيين فقتلوا 21 وأصابوا 150 آخرين، وعقب المجزرة والتشييع تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها والمدن الفلسطينية كافة، وحدثت احتجاجات كثيرة أدت إلى مقتل 60 شهيدا.

بعد أقل من شهر وفي يوم 18 مارس/آذار 1994 صادق مجلس الأمن الدولي على قرار يدين المجزرة ويطالب باتخاذ إجراءات لحماية الفلسطينيين تتضمن نزع سلاح المستوطنين.

وردا على المجزرة نفذت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) 5 عمليات فدائية أدت إلى مقتل ما يزيد عن 30 إسرائيليا في الفترة من أبريل/نيسان إلى ديسمبر/كانون الأول 1994.

نتائج التحقيق

أغلقت إسرائيل الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة مدة 6 أشهر، وشكلت لجنة تحقيق من طرف واحد عرفت باسم "شمغار"، وأسفرت تحقيقاتها عن توصيات منها تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى كنيس ومسجد.

وضعت إسرائيل حراسة مشددة على أبواب الحرم، وكاميرات مراقبة وبوابات إلكترونية، وأغلقت كل المداخل باستثناء مدخل واحد محاط بحراسة مشددة، وأعطت السيادة والجزء الأكبر منه لليهود بنسبة 60%، كما وضعت كاميرات داخل الحرم وإضاءات كاشفة ومجسات صوت وصورة، وأغلقت كل الطرق باتجاهه باستثناء طريق يخضع للسيطرة الإسرائيلية.

إعلان

الاقتصاد

تعدّ الخليل عاصمة اقتصادية لفلسطين إذ تضم 17200 منشأة اقتصادية وفق ما ذكره جهاز الإحصاء، وتشكل ما نسبته 44% من الاقتصاد الوطني الفلسطيني.

كما أنها تشتهر بصناعات مختلفة، منها صناعات الأحذية والجلود، وتشكل 40% من صناعات المحافظة، إضافة إلى صناعة الحجر التي تشكل 15%، والنسيج بنسبة 22% والصناعات المعدنية بنسبة 14%.

إلى جانب ذلك تشتهر المحافظة بالصناعات التقليدية مثل الفخار والزجاج والخزف والثوب والعباءة الفلسطينية والسجاد اليدوي وغيرها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان