مجزرة الغوطة.. يوم أباد النظام مئات السوريين بغاز السارين
توصف بمجزرة الكيميائي، ارتكبتها قوات النظام السوري، مستخدمة غاز السارين -يسمى أيضا غاز الأعصاب- بحق سكان الغوطة الشرقية ومعضمية الشام، حيث قضى فيها أكثر من 1450 شخصا -بينهم نساء وأطفال- يوم 21 أغسطس/آب 2013.
وجاء الهجوم بعد 3 أيام من وصول بعثة مفتشين دوليين إلى دمشق، وأشارت عدة تقارير دولية وأممية إلى أن النظام السوري هو المتسبب بها.
وتتميز الصواريخ التي تحمل رؤوسا كيميائية، والتي استعملتها قوات النظام في الهجوم، بأنها لا تحدث صوتا بعد انفجارها، ولا تخلّف أضرارا على المباني، بل تخنق الأنفاس وتدمر الأعصاب. ومنذ عام 2012 استهدف النظام عددا من المناطق 184 مرة، استخدم فيها السلاح الكيماوي 217 مرة، حسب بعض التقارير.
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير سابق لها عن المجزرة، إن استخدام غاز "السارين" يقلل فرص النجاة، لأن درجة الحرارة ليلتها كانت منخفضة، مما يؤدي إلى سكون الهواء، ومن ثم عدم تطاير الغازات السامة الثقيلة.
الغوطة والثورة السورية
تعد الغوطة من أولى المناطق التي خرجت منها شرارة الثورة السورية -والتي انطلقت في مارس/آذار 2011- فقد كانت دوما إحدى مدن الغوطة الشرقية المشاركة في الاحتجاجات السلمية ضد نظام بشار الأسد، الذي تصدت قواته لتلك الاحتجاجات بالاعتقالات والقتل والتهجير.
ومع عسكرة الثورة السورية وتسليح الثوار، عرفت قرى وبلدات الغوطة الشرقية مواجهات بين قوات النظام وفصائل المعارضة المسلحة التي باتت أكثر تنظيما، خاصة مع انضواء تشكيلات رئيسية تحت تنظيم واحد، كما حدث بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام.
وخرجت المنطقة من سيطرة النظام السوري عام 2012، ففرضت قواته عليها في العام التالي حصارا محكما؛ خلّف أزمة إنسانية، مما تسبب بنقص خطير في المواد الغذائية والأدوية، فكان كثير من سكانها يتعرضون للإغماء من الجوع ويجبرون أطفالهم على التناوب لتناول الطعام حسب تقرير لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
تفاصيل المجزرة
يؤكد الائتلاف السوري المعارض في تقريره عن المجزرة أن قوات النظام -التي كانت موجودة داخل اللواء 155 بالقلمون– أطلقت في الساعة 02:31 من صباح 21 أغسطس/آب مئات الصواريخ من نوع أرض أرض محملة بغازات سامة يرجح أنها من نوع "السارين".
وعند الساعة 2:40 فجرا قصفت بلدة عين ترما وتحديدا منطقة الزينية، وبعدها بدقيقتين أطلق 18 صاروخا على مناطق متفرقة في الغوطة الشرقية، وسقط صاروخ بين زملكا وعربين، ثم استهدفت منطقة المعضمية في الغوطة الغربية، واستمر إطلاق الصواريخ حتى الساعة 5:21 فجرا، وبدأت الحالات تصل المشفى عند الساعة 6:00 صباحا.
وأضاف التقرير أن الصواريخ سقطت في عدد من مدن الغوطتين، كان أبرزها زملكا وعين ترما وكفر بطنا، وعربين بالغوطة الشرقية ومدينة المعضمية بالغوطة الغربية. وأكد ناشطون سياسيون سوريون أن النظام استعمل سلاحا محرما دوليا لضرب منطقة الغوطة تمهيدا لاقتحامها.
وقال الأمين العام للائتلاف السوري آنذاك بدر جاموس في مؤتمر صحفي عقده عقب يومين من المجزرة، إنه يوم 10 أغسطس/آب 2013 دخلت قافلة صواريخ يرجح أنها نسخ سورية معدلة لصواريخ "صقر-15″ المصرية و"زلزال" الإيرانية إلى مقر اللواء "155" في جبال القلمون، والذي يعد مركز تخزين وإطلاق الصواريخ البالستية.
وأضاف "بتاريخ 20 أغسطس/آب من العام الماضي (2013)، ومنذ ساعات الفجر، وحتى المساء، كانت تدور معارك عنيفة جدا في مناطق عين ترما وجوبر وزملكا بريف دمشق، بين قوات النظام وكتائب الجيش الحر، وقبل ساعات من القصف، وبالتحديد قبل منتصف الليل بخمس دقائق، وبعد خمس غارات جوية متتالية على هذه الأحياء، توقف القصف فجأة من قبل الطيران الحربي، واستمر الطيران المروحي بالتحليق، حتى تم القصف بالسلاح الكيماوي"، وقال إن العملية تمت بإشراف من العميد في الجيش النظامي غسان عباس.
وقال الأمين العام إنه "لم يتم التأكد من ماهية المواد الكيماوية التي استعملت، رغم أن شهادات الأطباء تؤكد بأن الضحايا والمصابين تعرضوا بشكل مباشر للإصابة بغاز السارين السام، ولكن عدد الإصابات والضحايا الكبير لا يجعلنا متأكدين بشكل تام من طبيعة المادة الكيماوية المستخدمة، أو التركيب المستعمل في استهداف مدنيين في ريف العاصمة".
وتزامن حصول "المجزرة" مع وصول لجنة التحقيق الأممية حول استخدام الأسلحة الكيماوية إلى دمشق للتحقيق بعدد من الاتهامات من قبل المعارضة لنظام الأسد بشن هجمات بالأسلحة الكيماوية في وقت سابق أبرزها بمنطقة خان العسل بريف حلب شمالي البلاد.
رواية النظام السوري
نفى النظام السوري وقوفه وراء الهجوم، واتهم المعارضة بالمسؤولية عنه، وقال إن اتهامه بارتكاب مجزرة هو "محاولة لجر التدخل العسكري الخارجي إلى بلاده".
وقالت الحكومة السورية إنها عثرت على أسلحة كيميائية في أنفاق تحت سيطرة المعارضة المسلحة في ضاحية جوبر.
لكن محققين أمميين قالوا إن الأسلحة الكيميائية التي استعملت في منطقة الغوطة، خرجت من مخازن جيش النظام السوري.
تقارير دولية
ذكرت تقارير إعلامية أن أجهزة مخابرات عدد من الدول الغربية ذهبت في تقاريرها إلى مسؤولية النظام السوري عن الهجوم بغاز السارين السام على المدنيين في منطقة الغوطة، ومنها تقرير الاستخبارات الفرنسية، وكذلك الألمانية التي رجحت استعمال الجيش السوري للسلاح الكيميائي بدون علم بشار الأسد أو تفويضه.
منظمة هيومن رايتس ووتش أكدت بعد أكثر من أسبوعين من الهجوم، توفرها على أدلة توضح وقوف قوات النظام السوري وراء مجزرة الغوطة.
أما تقرير لجنة التفتيش التابعة للأمم المتحدة -الذي صدر في 16 سبتمبر/أيلول 2013- فلم يحمل مسؤولية الهجوم لأي جهة أو طرف، واكتفى بوصفه بأنه جريمة خطيرة ويجب "تقديم المسؤولين عنها للعدالة في أقرب وقت ممكن"، مشيرا إلى أنه تم بواسطة صواريخ أرض أرض، أطلقت بين الثانية والخامسة صباحا، مما جعل حصيلة الضحايا كبيرة.
وقدم المركز السوري للإعلام وحرية التعبير والأرشيف السوري ما يقول إنه معلومات وأدلة مرتبطة بمجزرتي الغوطة وخان شيخون إلى القضاء الألماني والفرنسي والسويدي.
الضحايا
اختلفت الروايات حول عدد ضحايا مجزرة الغوطة بين رقم 1400 قتيل الذي أعلنته المعارضة، وهو أقرب للرقم الذي نسب لتقرير للمخابرات الأميركية، ورقم 355 الذي ذكرته منظمة أطباء بلا حدود من بين قرابة 3600 حالة نقلت للمستشفيات.
وقال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إن كلا الرقمين المذكورين غير صحيح، وأشار إلى أن عدد القتلى في الهجوم على الغوطة بلغ 1127 قتيلا، 201 منهم من السيدات، و107 من الأطفال.
وعانى الناجون من المجزرة من احمرار وحكة في العينين، والغياب عن الوعي، والاختناق والتشنجات العضلية ورغوة في الفم.
مطالبات بالمحاسبة
دعت المعارضة السورية -ممثلة في الائتلاف الوطني السوري- إلى مساءلة جنائية لرأس النظام السوري، وتحقيق دولي نزيه، وهو المطلب الذي دعمته تركيا ودعت للتحقيق في استعمال أسلحة محرمة دوليا ضد المدنيين.
أما البيت الأبيض فاكتفى بالتعبير عن القلق، فيما دعا وزير الخارجية الأميركية آنذاك جون كيري النظام السوري إلى تسليم كامل مخزونه من الأسلحة الكيميائية في مقابل عدم تنفيذ ضربة عسكرية ضده.
كما صدر القرار الأممي "2118" لعام 2013 الذي أعلن انضمام النظام السوري إلى اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية، وطالب بسحب وتفكيك الترسانة الكيميائية السورية، وهدد بمعاقبة النظام بموجب الفصل السابع في حال استخدام الأسلحة الكيميائية مجددا.
وفي الوقت الذي استمرت فيه روسيا في الدفاع عن نظام بشار الأسد، مؤيدة في الوقت نفسه إجراء تحقيق نزيه، طالبت بريطانيا النظام السوري بالسماح لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول لمكان الهجوم.
ورغم تأكيد عدة تقارير صادرة عن أجهزة استخبارات إقليمية ودولية أن النظام هو المتسبب بهذه المجزرة، باعتمادها على صور للأقمار الصناعية ومعلومات استخباراتية، لم تعتمدها الأمم المتحدة أو مجلس الأمن لاتخاذ إجراء عقابي.
ليست الأخيرة
في وقت لاحق أعلنت حكومة باراك أوباما عن تفكيك كامل الأسلحة الكيميائية التي صرح النظام بامتلاكها (1300 طن)، ورغم ذلك فإن النظام عاد لاستهداف عدة مناطق وبلدات سورية، وتسبب من جديد بمجزرتي أبريل/نيسان 2017 بخان شيخون ودوما، واستخدم فيهما السلاح الكيماوي، كما ذكر تحقيق مشترك للأمم المتحدة ومنظمة الأسلحة الكيميائية، مما يعني أن النظام ما زالت لديه أسلحته الكيميائية التي يطورها بمساعدة إيران وكوريا الشمالية، حسب تقرير للخارجية الأميركية عام 2021.
وشكلت الدول الأعضاء بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ومقرها لاهاي، فريق التحقيق وتحديد المسؤولية في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 لتحديد مرتكبي الهجمات الكيميائية في سوريا، وذلك بعد أن استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد تشكيل بعثة مشتركة من هذه المنظمة ومن الأمم المتحدة.
وبعد مجزرة خان شيخون بأسبوع بدأت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا بشن ضربات صاروخية على أهداف مرتبطة بقدرات النظام السوري في مجال الأسلحة الكيميائية منذ عام 2017.