ماو تسي تونغ.. قائد ثورة الفلاحين بالصين والمتهم بمجاعتها
زعيم سياسي وقائد عسكري صيني، أسس جمهورية الصين الحديثة، يعد أحد أقطاب الشيوعية عبر العالم. تولى منصب رئيس الحزب الشيوعي منذ عام 1935 وبقي فيه حتى وفاته. يُلقب بـ"قائد الشعب" ويراه البعض أحد "أكبر المجرمين" في القرن العشرين.
يعتبر ماو من أشهر زعماء الشيوعية في العالم، وهو الوجه الذي يظهر على العملات النقدية في الصين. أطلق ما تسمى "القفزة الكبرى إلى الأمام" و"الثورة الثقافية"، فوصفه كثيرون بـ"القائد الأعلى" الذي تمكن من تحرير بلاده وقادها إلى تحقيق نهضة كبيرة، في حين اعتبره آخرون "دكتاتورا" أحكم قبضته على السلطة بـ"الحديد والنار".
المولد والنشأة
ولد ماو تسي تونغ يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 1893 في شاوشان، وهي قرية في مقاطعة هونان جنوب وسط الصين، وسط عائلة فلاحية ميسورة الحال، إذ كان والده مزارعا وتاجرا كبيرا واشتهر بتجارة الحبوب.
الحياة الشخصية
تزوج الزعيم الصيني 4 مرات، أولاها من لوه بيكسيو التي تكبره بـ4 سنوات، وبعدما توفيت بسبب مرض الزحار عام 1910، تزوّج للمرة الثانية من يانغ كاي هوي ابنة معلمه التي أعدمها الكومينتانغ (الحزب القومي الصيني) عام 1930.
وعام 1928 تزوج ماو تسي تونغ شابة تدعى هو تسو تشن، وأنجب منها 5 أطفال، وحين انفصلا عن بعضهما عام 1937، تزوج للمرة الرابعة من الممثلة تشيانغ تشينغ.
بدأ ماو تسي تونغ تعليمه الابتدائي في الثامنة من عمره بإحدى المدارس التقليدية في قريته، أراد والده أن يكون مزارعا، فعمل في الزراعة منذ صغره، واستطاع أن يوفق بين العمل والدراسة.
عند بلوغه سن الـ13 ترك ماو بيت والديه للالتحاق بمدرسة متقدمة في منطقة مجاورة، وفي عام 1911 انتقل إلى مدرسة عليا بإقليم تشانغشا بعاصمة هونان جنوبي وسط الصين.
تأثر ماو في شبابه بالفكر الماركسي-اللينيني، ثم انضم لأشهر قليلة إلى وحدة إقليمية بالجيش الثوري، وشارك في الانتفاضة المسلحة التي أدت إلى تأسيس جمهورية الصين، تحت قيادة سون يات سين بعد الإطاحة بآخر إمبراطوريات المانشو في ذلك الوقت.
وعند عودته إلى تشانغشا من أجل إتمام دراسته، وجد ماو نفسه حائرا بين شُعب القانون والأعمال والتاريخ، قبل أن يستقر على دراسة التعليم، وتخرج من مدرسة المدرسين عام 1918.
غادر ماو بعد ذلك إلى بكين لمتابعة دراسته الجامعية هناك، لكن مشاكله المادية حالت دون تحقيق ذلك، فاختار أن يدرس منتسبا (بدون حضور)، وعمل لمدة قصيرة مساعدا لأمين المكتبة بالجامعة، ثم عاد مرة أخرى إلى تشانغشا حيث امتهن التدريس.
التوجه الفكري
كان للمدة التي قضاها ماو تسي تونغ مدرسا في تشانغشا وقع كبير على تشكيل مستقبله الفكري، حيث تأثر بالفكر الشيوعي منذ التقائه خلال فترة عمله بعميد الكلية تشن تو هسيو وأمين المكتبة لاي تا تشاو، اللذين أخذ عنهما الأفكار الشيوعية، ومع مرور الوقت زاد إيمان ماو بالماركسية، حتى صار عضوا مؤسسا للحزب الشيوعي في مايو/أيار 1921 بشنغهاي، قبل أن يصبح أحد أقطاب الشيوعية في العالم.
دخل ماو تسي تونغ الحياة السياسية مبكرا، إذ عمل في الفترة الممتدة ما بين (1921-1920) على تعبئة الطلبة والعمال للاحتجاج على عدم تدخل الحكومة الصينية من أجل مواجهة التوسع الياباني في الصين، بعد سيطرة اليابان على إقليم شاندونغ الصيني، وهو ما كان يعتبره ماو إهانة لسيادة البلد.
وفي عام 1921 شارك في الاجتماع التأسيسي للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في شنغهاي، باعتباره موفدا عن إقليم هونان، ولعب دورا بارزا في تحالف حزبه مع الكومينتانغ (الحزب القومي الصيني) عام 1923، بغرض توحيد الصين، والتخلص من ملاك الأراضي الكبار الذين سيطروا على جزء كبير من شمال البلاد.
وعام 1924 انتقل ماو إلى شنغهاي رفقة زوجته وأبنائه الصغار، وكان يتولى حينئذ إحدى المهام داخل الكومينتانغ، وبعد عام عاد إلى هونان لكي يشرف على تنظيم احتجاجات الفلاحين، ثم هرب إلى كانتون (الاسم القديم لقوانتشو) جنوبي الصين.
كان ماو ثوريا شيوعيا صينيا، اتفق مع كارل ماركس منذ البداية على أن أنصار الحزب الشيوعي يجب أن يكونوا من الطبقة العاملة في المدن، لكن بحلول عام 1925 غير تفكيره وربط ذلك بتغيير ظروف الصين، فكيّف نظاما شيوعيا قال إنه يناسب المنطقة، حيث اعتمد على الفلاحين، وعمل بعد ذلك على تطوير مفهوم جديد للشيوعية سُمي بـ"الماوية"، باعتبارها مزيجا من شيوعية ماركس وفلاديمير لينين.
الطريق الطويل إلى السلطة
بعد وفاة سون يات سين المفاجئة في مارس/آذار 1925 تولى تشيانغ كاي تشك قيادة حزب الكومينتانغ، معززا مكانته بالزواج من أخت زوجة سون، وعمل في أول خطوة له على طرد الشيوعيين من المناصب القيادية، وفك التحالف "الهش" معهم، ثم شن عام 1927 حملة تطهير واسعة لمناهضة الشيوعية بمختلف أرجاء البلاد، مما دفع ماو وشيوعيين آخرين عام 1928 إلى الزحف نحو جنوب شرق الصين.
مع بداية الثلاثينيات، تخلص الكومينتانغ من ملاك الأراضي ووحدوا البلاد، ثم حولوا جهودهم تجاه القضاء على الشيوعيين في البلاد.
في عام 1934، وبعد أن حاصرهم حزب الكومينتانغ، قاد ماو أتباعه في "المسيرة الطويلة"، وهي رحلة شهيرة طولها 6 آلاف ميل عبر الجبال والمستنقعات إلى يانان في مقاطعة شنشي بأقصى الشمال لإنشاء قاعدة جديدة. وهنا استخدم ماو مواهبه الخطابية وألهم المتطوعين للانضمام بإخلاص إلى قضيته، فأصبحت يانان معقلا للشيوعيين، وفرض ماو نفسه زعيما شيوعيا أعلى.
أجبر الغزو الياباني للصين في 1937 القوميين والشيوعيين على تجديد تحالفهم "المؤقت" مرة أخرى، وبعد حرب دامت 8 سنوات (1937-1945)، تمكن ماو من استقطاب مزيد من الأتباع بهدف بسط سيطرة فكره الشيوعي على الصينيين، ليصل عدد "المؤمنين" بأفكاره إلى حوالي 100 مليون صيني، في وقت زادت فيه قوات الجيش الأحمر (جيش العمال والفلاحين الأحمر) لتصل إلى مليون جندي.
بعد هزيمة اليابان عام 1945، وضع ماو نصب عينيه السيطرة الكاملة على البلاد، وبذل جهودا من أجل تشكيل حكومة ائتلافية، لكن سرعان ما دخلت البلاد في حرب أهلية دامية، انتهت بهزيمة الكومينتانغ في 1949.
في الأول من أكتوبر/تشرين الأول من السنة نفسها، أعلن ماو قيام جمهورية الصين الشعبية عقب سلسلة انتصارات حققتها قواته على حساب القوميين بقيادة شيانغ كاي شيك، الذي فرّ بحلول ديسمبر/كانون الأول نحو تايوان رفقة نحو مليوني فرد من جنوده.
رئيس الجمهورية الصينية الشعبية
بعد إعلانه ميلاد جمهورية الصين الشعبية، التي أصبح رئيسا لها عام 1954، قال ماو تسي تونغ في خطاب له "إن الشعب الصيني قد نهض"، فشرع في تنفيذ برنامج اقتصادي ضخم للقيام بإصلاح اجتماعي واقتصادي في البلاد سمي بـ"الخطة الخمسية الأولى" (1953-1957)، مستعينا بالدعم التقني والمادي للاتحاد السوفياتي.
لكن، قبل أن تنعم البلاد بثمار هذه الجهود، وجدت الصين نفسها منغمسة في الحرب الكورية لدعم كوريا الشمالية حليفة موسكو، فبدأ ماو ينزعج من الوصاية السوفياتية، فتدهورت العلاقات بين البلدين بعد وفاة جوزيف ستالين عام 1953.
وفي مسعى للنأي بنفسه عن سياسات الاتحاد، قرر ماو تدشين سياسة عرفت بـ"القفزة الكبرى إلى الأمام" (1958-1960)، وهي خطة تهدف إلى توظيف الموارد البشرية الهائلة لتحويل الصين من دولة زراعية مستهلكة إلى دولة صناعية تنافس الدول الأكثر تقدما.
لكن الخطة فشلت وهوى اقتصاد البلاد إلى الحضيض، تزامنا مع وقوع كوارث طبيعية وتراجع الدعم السوفياتي، فعانت البلاد ويلات مجاعة تعتبر الأكبر في التاريخ من حيث عدد الوفيات (ما بين 30 و40 مليون وفاة)، ومع ذلك ظلّ ماو يروّج لثورته باعتبارها جزءا من ثورة البروليتاريا العالمية ضد الإمبريالية.
سعى ماو إلى تأكيد سلطته بعد فشل خطته الاقتصادية الأولى، فأطلق ما سميت "الثورة الثقافية" (1966-1976)، بهدف إحياء الروح الثورية وتطهير البلاد من "الطبقة البورجوازية" في الحزب الشيوعي، التي كانت تمثل شريحة الرجعيين من وجهة نظره، وتقف عائقا أمام بناء فكره الاشتراكي في فترة شهدت فيها الصين اضطرابات اجتماعية وسياسية هائلة.
وكانت مجموعات الطلاب والحرس الأحمر تهاجم كل من يرتدي "الملابس البورجوازية" في الشارع، مما دفع أعدادا كبيرة من المسؤولين والمعلمين والمفكرين إلى الانتحار، في حين أُجبر الملايين على ممارسة أعمال يدوية، في وقت لا يزال فيه الخلاف قائما حول عدد الضحايا في ذلك الصراع العقائدي (ما بين مليون إلى 20 مليون ضحية)، والذي انتهي رسميا بوفاة ماو.
احتدم الصراع على السلطة داخل الحزب الشيوعي، واعتقلت أرملة تشيانغ تشينغ ماو و3 من رفاقها، وأطلق عليهم اسم "عصابة الأربعة"، واتهموا بارتكاب جرائم ضد الدولة.
أما إرث ماو، فلا يزال يثير كثيرا من الجدل، فمن ناحية قاد ثورة أطاحت بالقوى الاستعمارية الغربية واليابانية، وألهم عبر فكر الماوية ثورات خارج الصين، كما خلق قاعدة اقتصاد قومية تعد أساس التنمية التي شهدتها البلاد منذ أواخر القرن العشرين.
ومن ناحية أخرى، ظل في نظر كثيرين دكتاتورا حكم البلاد بالحديد والنار، وأدت إخفاقاته الفادحة إلى سقوط عشرات ملايين الضحايا، وإلى إنهاك الاقتصاد والإضرار بعلاقات الصين الخارجية.
الوظائف والمسؤوليات
تولى ماو تسي تونغ وظائف ومسؤوليات عديدة، فقبل تأسيس الجمهورية شغل منصب مسؤول للكومينتانغ في أثناء فترة التحالفات، كما أشرف على تكوين "نواة" الجيش الأحمر في بداية تشكيله، وبعد التأسيس، كان رئيس اللجنة العسكرية التي تقود جيش التحرير الشعبي، ورئيس جمهورية الصين الشعبية، ورئيس الحزب الشيوعي الصيني منذ إعلانه وحتى وفاته.
المؤلفات
ترك ماو تسي تونغ عديدا من الكتب و"المجلدات الرسمية"، من بينها:
- "مقتطفات من أقوال ماو تسي تونغ" أو "الكتاب الأحمر" كما يطلق عليه في العالم، والذي يضم خطب الرئيس الصيني وأقواله، حيث تشير الأرقام إلى أن هذا الكتاب الصغير تُرجم إلى ما يقرب من 50 لغة، ونُشر بحوالي 150 دولة، وتم توزيع أكثر من ملياري نسخة منه، واعتبِر في فترة من الفترات "إنجيل" حركات التحرر في مختلف بقاع العالم، لما حققه من نجاح كبير في النشر والدعاية.
- وكتب ماو الكثير من الأبحاث والمقالات مثل: "تحليل طبقات المجتمع الصيني"، و"القضايا الإستراتيجية للحرب الثورية في الصين"، و"الديمقراطية الجديدة"، و"في سبيل حل عادل للتناقضات في صفوف الشعب".
الوفاة
ظل زعيم الحزب الشيوعي يعاني مشاكل صحية في الفترة الأخيرة من حياته (1972-1976)، وتدهورت حالته الصحية بسبب مشاكل في القلب والجهاز التنفسي بعد صراع طويل مع المرض.
وتوفي ماو تسي تونغ في التاسع من سبتمبر/أيلول 1976، عن عمر يناهز 82 عاما، ولا يزال جثمانه محنطا ومسجى داخل ضريحه بساحة تيانانمين في قلب العاصمة الصينية.