بنت جبيل.. "عاصمة المقاومة" في لبنان
قضاء بنت جبيل، أحد أقضية محافظة النبطية الأربعة، ويتبع له 36 بلدية وتقسّم إداريا إلى 5 أحياء، ويقع في جنوب لبنان قرب الحدود الدولية، مركزه بلدية بنت جبيل عاصمة جبل عامل.
وتعرف بنت جبيل في لبنان بأنها "عاصمة المقاومة والتحرير"، لتاريخها الطويل في المقاومة ضد المحتلين بداية من الفرس إلى الإسرائيليين.
ويضم القضاء مدينة تبنين السياحية المشهورة بقلعتها التاريخية، كما يشتهر بالزراعة، وتأتي زراعة التبغ فيه في المرتبة الأولى، يليها العنب والقمح والزيتون.
الموقع
يقع قضاء بنت جبيل اللبناني بالقطاع الغربي من المنطقة الحدودية الجنوبية، وهو أحد أقضية محافظة النبطية الأربعة، يتبع له 36 بلدية تقسم إداريا إلى 5 أحياء، هي حي عين الصغيرة وحي البركة وحي الحسينية، وحي الحوارة وحي الجامع.
ومن أبرز بلديات المنطقة بيت ليف وبرعشيت وبرج قلاوية والسلطانية والطيري وعين أبل وعيترون وعيناتا وبيت ياحون وعيتا الجبل وعيتا الشعب وفرون ودبر أنطار ودبل وشقرا.
ويمتد القضاء على مساحة 260 كيلومترا مربعا، ويحده من الشمال والغرب قضاء صور، ومن الشرق قضاء مرجعيون، وتقع بلدة مارون الراس بالجهة الجنوبية الشرقية منه.
ويبعد القضاء عن مدينة صيدا حوالي 83 كيلومترا، وعن بيروت العاصمة حوالي 120 كيلومترا، ويرتفع عن سطح البحر حوالي 770 مترا.
السكان
بلغ عدد سكان البلدية نحو 58 ألف نسمة، ويشكلون نسبة 1.3% من سكان لبنان، حسب موقع القضاء الرسمي الحكومي عام 2006، الذي يذكر أيضا أن سكان المنطقة هم من عوائل أتت من دول مجاورة إما بسبب كوارث طبيعية أو بسبب الترحال.
وعدد القاطنين في القضاء فعليا لا يزيد على 4 آلاف نسمة تقريبا، موزعين على 36 بلدة فيه، وينتشر باقي أبنائه في بعض الدول العربية والأجنبية، إضافة إلى نزوح كثير من سكانه داخليا إلى بيروت ونواحيها.
التسمية
المنطقة اللبنانية الجنوبية، مرت على أراضيها ثقافات وحضارات كثيرة، ووُجدت آثار مدفونة من سراديب ونواويس (توابيت) وأغوار تعود للعهدين الفينيقي والروماني، واكتشف أنها تعود إلى أحفاد الأميرة "شمس" الفينيقية، التي قيل إنها تزوجت من نبي الله الكنعاني يثرون (رعوئيل كما ذكر في التوراة وشعيب في القرآن) الذي نسبت له بلدة عيترون.
وقيل إن الساحة العتيقة في بنت جبيل سميت بالـ"النبية" تيمنا بنبي من أنبياء الله، كان اسم والد زوجته "جبيل"، ولذا سميت المنطقة باسم ابنته شمس التي سكنتها، وأطلق عليها "بنت جبيل".
وفي رواية أخرى، قيل إن سبب تسميته يعود لأميرة تنوخية (قبيلة عربية قطنت مملكة الأنباط) نزحت للمنطقة هربا من إجبارها على الزواج، فأنشأت إمارة سميت باسمها.
وقيل أيضا إن الاسم يرجع إلى اللغة الفينيقية، إذ تعني كلمة بنت "بيت" وجبيل "الخزف"، أي "بيت الخزف"، وهي صناعة اشتهرت بها المنطقة سابقا. وقيل أيضا إنها تعني "بيت الله".
التاريخ
ويفخر أهل هذا القضاء بتاريخهم في مقاومة المحتل منذ القدم، إبان الاحتلال الفرنسي عام 1920، إذ تشكلت فرق المقاومة بدءا من هذا التاريخ، وكان قديما مقرا للأحزاب السياسية والمقاومين والفدائيين، كما شهد انتفاضة عرفت بانتفاضة عام 1936 ضد المحتل الفرنسي.
احتل قضاء بنت جبيل أثناء الاجتياح الإسرائيلي الذي سمي "عملية الليطاني" عام 1978، وتعرض أبناؤه للكثير من الممارسات التعسفية من جيش الاحتلال بين قتل واعتقالات، كما فرض عليهم عملاء إسرائيل هناك حمل بطاقات صفراء اللون عبارة عن هويات لهم.
جاءت العملية الإسرائيلية ردا على عملية "كمال عدوان" بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية جنوب لبنان، ولإقامة منطقة عازلة.
وأسفرت العملية عن مقتل 18 جنديا إسرائيليا، واستشهاد حوالي 300 مقاتل فلسطيني، ونحو 1100 مدني لبناني، ونزوح ما بين 100 ألف و250 ألف شخص من منازلهم.
وكانت العاصمة "بنت جبيل" مقرا للأحزاب السياسية والمقاومين والفدائيين، وصارت خلال نكبة عام 1948 ساحة حرب بين جيش الإنقاذ العربي والعصابات الصهيونية، إذ تحول جنوب لبنان حينها إلى ساحة قتال واجتياحات عقب إعلان قيام إسرائيل.
وتكاثفت الاعتداءات بعد أن احتلت إسرائيل مناطق داخل الأراضي اللبنانية في منطقة مرجعيون وبنت جبيل عام 1977.
وشهد قضاء بنت جبيل العديد من عمليات المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي، أشهرها عملية الاستشهادي صلاح غندور عام 1995، الذي اقتحم قافلتين للاحتلال الإسرائيلي بسيارته المفخخة عند مدخل بيت جبيل، وفجر نفسه بينهما.
تأثرت المنطقة بحرب يوليو/تموز 2006، إذ دمرت الكثير من الآثار والمعالم والمرافق التعليمية، وسرق الاحتلال الإسرائيلي الكثير من الآثار اللبنانية منها، وكانت "بنت جبيل" المدينة الوحيدة التي دمرتها إسرائيل بالكامل بعدما باءت محاولة احتلالها بالإخفاق.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي -للجزيرة نت- "في حرب تموز، سمّتها إسرائيل بـ"المدينة الملعونة"، نظرا لحجم الكمائن والضربات التي تعرضوا لها على تلالها، وأشهرها معركة كرم الزيتون في مثلث التحرير، والكمين في تلة مسعود، وكمين آخر قرب مهنية بنت جبيل، وكانت لها نتيجة حاسمة بهزيمة إسرائيل، فشكلت لها عقدة نفسية وعسكرية".
وقد شن الجيش الإسرائيلي هجمات متعددة ضد بلدات لبنانية في حرب 2006، وصمدت بنت جبيل بقوة رغم محاولة جيش الاحتلال الوصول إلى ساحة البلدة بسبب رمزيتها لأنها شهدت خطاب النصر للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، عقب انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، مما جعل البلدة هدفا رئيسيا.
وعقب معركة طوفان الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2024 زادت التوترات بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، وبات الجنوب اللبناني منطقة ساخنة تستهدفها إسرائيل باستمرار.
الاقتصاد
يشتهر القضاء بزراعة القمح والزيتون والخضار، وبه بعض المصانع المحدودة المختصة بصناعة الأحذية وبعض معامل الألمنيوم والحلويات.
وسابقا كان التبغ يحتل المركز الأول بين الصناعات المحلية، وأنشئ مكتب لإدارة وحصر التبغ والتنباك عام 1935.
واشتهرت المنطقة تاريخيا بصناعة الأحذية يدويا من جلود أصلية، دون الاعتماد على الآلات الحديثة، ويعود تاريخها إلى عام 1920، وكانت تشكل مصدر الرزق الأساسي لأهل القرى، وكانت تضم نحو 450 معملا لصناعة الأحذية، لم يتبق منها سوى 4 معامل حديثا.
المعالم
قلعة تبنين
تقع في بلدية تبنين إحدى بلديات قضاء بيت جبيل، بناها هوغ سان أومير أيام الحكم الصليبي عام 1105م، وكان الهدف منها وقف المد الفاطمي تجاه بلاد الشام، خاصة فلسطين، وكانت كذلك نقطة تمركز عسكرية للانطلاق نحو "صور"، التي كانت ما تزال حينها تحت السيطرة الفاطمية.
بنيت على أنقاض بناء كان ملكا للآراميين الذين سيطروا على المنطقة في القرن التاسع قبل الميلاد، وكان موقعها إستراتيجيا، إذ كانت تربط الطرق التجارية بين مصر والجزيرة العربية، واستولى عليها من بعدهم الآشوريون ثم البابليون ثم الرومان، إلى أن سقطت بأيدي الصليبيين.
عقب انتصار المسلمين في معركة حطين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، أصبحت القلعة بأيدي المسلمين عام 1187م، وبقيت ملكا للأيوبيين حتى عام 1229م حينما سيطر عليها الصليبيون بعد الحملة السادسة، وعادت للمسلمين على يد الظاهر بيبرس المملوكي.
بلدة بنت جبيل
عاصمة قضاء بنت جبيل، ويقدر عدد سكانها بـ30 ألفا، وتمتد على مساحة 9 كيلومترات مربعة. سميت على اسم الأميرة التي نزحت إليها وأنشأتها، وكانت طوال تاريخها موطنا لكتاب وأكاديميين بارزين، وتشتهر بزراعة العنب والزيتون.