بيروت.. عاصمة لبنان وقلبه التجاري والثقافي
عاصمة لبنان وكبرى مدنه وفيها ميناؤه الرسمي، تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط عند سفح جبال لبنان، وتعرف بتنوعها الثقافي والحضاري، وتضم عددا من الطوائف الإسلامية والمسيحية، وآثارا منوعة تحمل طابعا عربيا شاميا وأيضا غربيا.
الموقع
تقع بيروت على ساحل البحر الأبيض المتوسط عند سفوح جبال لبنان، على قمتين هما الأشرفية والمصيطبة، وتمتدان باتجاه البحر وتشكلان شبه جزيرة مثلثة الشكل.
تحدّها سوريا من الشمال والشرق، وفلسطين من الجنوب، وجزؤها الغربي مطلّ على البحر الأبيض المتوسط.
تبلغ مساحتها 67 كيلومترا مربعا، وتمتاز بمناخ شبه استوائي، يكون باردا ومعتدلا شتاء، وحارا رطبا في الصيف.
السكان
حسب الموسوعة البريطانية، بلغ تعداد سكان بيروت عام 2005 نحو مليون و700 ألف نسمة، ويتألف سكانها من عدد متساو تقريبا من المسلمين والمسيحيين، وهناك عدد قليل من اليهود، وعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين.
وتعدّ بيروت أكثر مدن لبنان غنى وتنوعا دينيا ومذهبيا، وتضم طوائف رئيسة عدة، هي: السنّة والشيعة والدروز والموارنة والروم الأرثوذكس، إضافة إلى أقلية يهودية وأقلية مسيحية من الأرمن والروم الكاثوليك والبروتستانت.
وكانت الطائفة المسلمة الغالبة على المنطقة هي السنة، وبدأ الشيعة الانتقال إلى المدينة بأعداد كبيرة منذ ستينيات القرن الماضي.
واللغة العربية هي اللغة الرسمية للسكان، ولكن معظمهم يتحدثون اللغتين الفرنسية والإنجليزية.
التاريخ
"بيروت" كلمة في أصلها كنعانية، وتعني "الآبار". وذكرت المدينة في السجلات المصرية في الألفية الثانية قبل الميلاد، لكنها لم تكتسب شهرة كبيرة إلا عندما أصبحت مستعمرة رومانية عام 14 قبل الميلاد.
وتعود بدايات الاستيطان البشري في المنطقة إلى عصور ما قبل التاريخ، إذ اكتشفت آثار تعود للعصور الحجرية والبرونزية.
وفي العهد الفينيقي سنة 3000 قبل الميلاد، برزت أهميتها لأنها كانت مملكة من ممالك الفينيقيين، وسميت في عهدهم "بيروتا" وذكرت في رسائل تل العمارنة، وتعود هذه الكتابة إلى عهد الأسرة الثامنة عشرة من الأسر الفرعونية التي حكمت مصر في العصور القديمة.
وتعرضت بعد ذلك لغزو المصريين في عهد تحوتمس الثالث عام 1504 قبل الميلاد، ثم الآشوريين سنة 860 قبل الميلاد، فالبابليين على يد نبوخذ نصر عام 606 قبل الميلاد.
وخضعت في منتصف القرن السادس قبل الميلاد لسيطرة الفرس الذين استفادوا من سفنها المتطورة لفتح سواحل الشام وآسيا الصغرى.
واستولى الإمبراطور اليوناني الإسكندر الأكبر على بيروت بعد أن هزم الفرس عام 333 قبل الميلاد، وخلفه صاحب مصر بطليموس قبل أن يحتلها السلوقيون وتصير جزءا من مملكتهم في الشام، وحينئذ ازدهرت تحت الثقافة الهيلينية في العمران والفن والتمدن.
وفي العهد الروماني، أعاد بومبيوس إعمارها عام 64 قبل الميلاد، بعد أن أهملت لفترة، ومنحت لقب مستعمرة "يوليا أغسطس السعيدة بيروت الرومانية" عام 15 قبل الميلاد، فحصلت على حقوق وامتيازات رومانية، وازدهرت عمرانيا وثقافيا، خاصة مع إنشاء معهد الحقوق الروماني الشهير، وأصبحت معروفة بمدرستها القانونية بين القرنين الثالث والسادس الميلادي.
وتعرضت المدينة لزلازل شديدة في القرن السادس الميلادي، وتدهورت حالتها الاقتصادية والاجتماعية بعد هذه الكوارث، أبرزها زلزال عام 551 م.
الفتح الإسلامي
أعاد المسلمون بناء بيروت بعد دخولها عام 640 ميلادية، لكنها بقيت مدينة صغيرة تابعة لدمشق غير مؤثرة حتى القرن العاشر الميلادي عندما بدأت التجارة البحرية تعود إلى البحر المتوسط وتزدهر مع توطين الأمويين للفرس فيها.
واستسلمت بيروت لحكم الفاطميين الذين جعلوها تابعة لحلب، وتحت سيطرتهم لعبت دورا مهما لهم لوقوعها على الساحل اللبناني.
وسقطت بيروت في أيدي الصليبيين عام 1110 خلال حملات الحروب الصليبية، وجعلوها قاعدة إستراتيجية، وظلت تحت سيطرتهم حتى حررها صلاح الدين الأيوبي عام 1187 في معركة حطين.
أعاد الصليبيون احتلالها عام 1179 ميلادية، بعد أن عقدوا صلحا مع المماليك، وبقيت تحت سيطرتهم حتى عام 1291 حين عادت للمماليك.
في عام 1516، أصبحت بيروت تحت الحكم العثماني، ووضعوها تحت ولاية دمشق، وتراجعت أهميتها التجارية في تلك الحقبة بعد أن حوّل البرتغاليون طرق التجارة بعيدا عن سوريا ومصر.
ومع ذلك، عادت بيروت لتزدهر في القرن السابع عشر فأضحت تنتج الحرير اللبناني المصدّر إلى أوروبا، خاصة إلى إيطاليا وفرنسا.
حكمها الشهبانيون عام 1711، وحاولوا تنشيط اقتصادها، لكنها وقعت ضحية الصراعات المحلية، وتدهورت في عهد والي عكا أحمد باشا إذ دمرت أجزاء كبيرة منها.
وخضعت المدينة لفترات من السيطرة المحلية من أمراء الدروز والمارونيين، لكنها شهدت انتكاسة خلال الحرب الروسية التركية (1768–1774) عندما تعرضت للقصف الروسي.
وفي القرن التاسع عشر، تعزز موقع بيروت مع سيطرة إبراهيم باشا على بلاد الشام، وأصبحت ولاية منفصلة عن دمشق، وأسهمت الثورة الصناعية بأوروبا في ازدهار اقتصادها.
وصارت حينئذ مركزا للتعليم والثقافة في المنطقة العربية، مع تطور النقل البحري فيها والتوسعات التي أدخلت على مينائها، إضافة إلى فتح طريق دمشق.
وأدى ارتباطها بالسكة الحديد القادمة من حلب ودمشق إلى تنشيط تجارتها، وصارت تملك واحدا من أكثر موانئ الشرق الأوسط تجهيزا.
ونمت خلال القرن العشرين لتغدو مركزا تجاريا وماليا في الشرق الأوسط، وصارت من أكثر مدن المنطقة تطورا وحداثة.
استقلال وتوترات
وبعد الحرب العالمية الأولى أصبحت عاصمة لدولة لبنان الكبير تحت الانتداب الفرنسي، ومنحت سلطات الانتداب لبنان استقلاله عن سوريا عام 1920، وأسست دولة "لبنان الكبير" وجعلت بيروت عاصمتها، لكنها بقيت تحت الانتداب.
ومنذ الاستقلال الكامل للبنان في 1946، برزت بيروت مركزا تجاريا وماليا في الشرق الأوسط، لكن الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) أدت إلى تراجع مكانتها المحلية والإقليمية.
وضعت المدينة خطة لتحديث نظام النقل، وترميم المباني التاريخية، وإحياء القطاعات الاقتصادية من خلال استثمارات خاصة.
واستعادت بيروت حيويتها شيئا فشيئا، واستضافت الألعاب العربية عام 1997، وتسارعت جهود إعادة الإعمار في أوائل القرن الحادي والعشرين.
ومع ذلك، ظلت بيروت عرضة للتوترات الإقليمية والوطنية، ففي عام 2006 تأثرت المدينة بشدة بالحرب التي اندلعت بين حزب الله وإسرائيل.
وحاولت جهات لبنانية بعد هذه الحرب تفكيك حزب الله ونزع سلاحه عام 2008، فاندلع نزاع مسلح أدى إلى سيطرة الحزب على أجزاء من المدينة، قبل أن يُحل الصراع بوساطة قطرية.
وتأثرت بيروت بتداعيات ما عرف بـ"الربيع العربي"، وخاصة بعد اندلاع الثورة السورية، فأدى ذلك إلى تباطؤ التطور العمراني فيها وانخفاض الاستثمارات الخليجية.
وتفاقمت الأزمات الاقتصادية بحلول أواخر العقد 2010/2020، إذ عانت الحكومة من أزمة مالية حادة، وعجزت عن مواجهة أزمات مثل الحرائق الكبيرة في 2019.
وتراجعت الليرة بنسبة 90% أمام الدولار، ووصف البنك الدولي الأزمة اللبنانية بأنها الأسوأ منذ عام 1850، مما جعل السلطات تفرض قيودا على سحب الودائع، خاصة على تلك المودعة بالدولار.
وفي 4 أغسطس/آب 2020، تضررت المدينة بسبب انفجار ضخم في مينائها، أسفر عن مقتل 228 شخصا، وخلّف أضرارا ضخمة بأبنية ومنشآت مدنية ومؤسسات تجارية، وتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة، وأدى إلى توتر سياسي وانقسام حول التحقيقات القضائية المتعلقة بالحادث.
تفاقم الوضع الاقتصادي جعل سحب الودائع مستحيلا لسكان لبنان خاصة في بيروت عام 2020، كما جعلهم يلجؤون إلى اقتحام البنوك تحت تهديد السلاح لاسترجاع ودائعهم.
الاقتصاد
تضم المدينة ميناء يمتد على مسافة تراوح بين 5 و10 كيلومترات جعلها العاصمة التجارية والمالية لمنطقة الشرق الأوسط في مرحلة ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية.
وتتعدد الأنشطة الاقتصادية في المدينة مثل التجارة والنقل والاتصالات والصناعة والأعمال المصرفية.
وتعدّ مركزا مهما للنقل الجوي، إذ يحظى مطارها بشهرة دولية وذلك بسبب التقاء عدد كبير من خطوط الطيران الجوية العالمية فيه، كما تعدّ مركزا سياحيا مهما على مستوى المنطقة والعالم.
المعالم
- صخرة الروشة
معلم سياحي طبيعي رئيس في لبنان، ويسمى أيضا صخرة الحمام، يقع في الطرف الغربي من بيروت على البحر الأبيض المتوسط، ويتكون من صخرتين يبلغ ارتفاعهما 60 مترا وعرضهما 25 مترا.
وتشكلت صخرة الروشة من زلزال كبير ضرب المنطقة في القرن الثالث عشر، وتأثرت بالعوامل الجوية التي تعرضت لها عبر الزمن.
- مسجد محمد الأمين
يقع في ساحة الشهداء في بيروت، ويعد من أضخم المساجد في البلاد، إذ يتسع لأكثر من 5 آلاف مصلّ.
وضع حجر أساسه رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، وافتتح عام 2008، وسمي "محمد الأمين" نسبة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وصمّم على الطرازين العثماني واللبناني، إضافة إلى زخارف وتفاصيل في العمارة تحمل الطابع المملوكي.
تبلغ مساحته الإجمالية نحو 10 آلاف و700 متر مربع موزعة على 4 طوابق، وفيه قباب طليت باللون الأزرق السماوي، و4 مآذن شاهقة يمكن رؤيتها من مناطق مختلفة في بيروت.
- ساحة الشهداء
من أبرز المعالم السياحية في بيروت، وتقع في قلب المدينة، افتتحت عام 1931، وسميت "ساحة الشهداء" تذكيرا بأفراد "أعدموا شنقا خلال الحكم العثماني".
وتضم الساحة محالّ تجارية تعجّ بالمنتجات المختلفة، كما تحوي نصبا تذكاريا يرمز إلى الحرية، ويمثل امرأة ترفع شعلة، وتحيط بيدها الأخرى شابا، وعلى الأرض شهيدان أمامها وخلفها.
وعرفت الساحة بأنها محجّ المتظاهرين، في معظم الأحداث التي عصفت بلبنان، منها الحرب الأهلية اللبنانية وثورة الأرز.
- قصر سرسق
بني قصر سرسق الواقع في منطقة الأشرفية في وسط لبنان في عام 1912، على يد نقولا سرسق الذي اتخذ من القصر مسكنا له، وأمر في وصيته بإهدائه إلى المدينة وتحويله إلى متحف.
وتمتزج فنون العمارة للحضارات القديمة في التصميم الخارجي للقصر، وتزخرف النقوش الأثرية أعمدته وجدرانه الداخلية.
ويحتوي القصر على مجموعة من اللوحات الفنية لأشهر الفنانين اللبنانيين والعالميين، ومجموعة من معروضات العصور الإسلامية من مخطوطات وأسلحة ومصنوعات يدوية وغيرها.
- متحف بيروت الوطني
أنشئ المتحف في بدايات القرن العشرين، ويضم مجموعة ضخمة من الآثار، تزيد على 100 ألف قطعة من عصور مختلفة.
وينقسم المتحف إلى أقسام متنوعة، منها ما يعود إلى ما قبل التاريخ، ويشتمل على معروضات تنتمي إلى العصرين الحجريين القديم والحديث.
ويحتوي قسم العصر البرونزي على تماثيل ومخطوطات ولوحات مسمارية ولوحة الأبجدية الأولى في العالم، ويضم قسما خاصا لآثار ما بعد الفتح الإسلامي.