الإخوان المسلمون.. حركة سياسية تستلهم الإسلام لإصلاح المجتمع

أهم الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وأوسعها انتشارا في العالم العربي ودول العالم الإسلامي وفي الجاليات الإسلامية في الغرب، كما أنها أيضا كبرى الحركات المعارضة للأنظمة السياسية في مصر. 

التأسيس

أسس جماعة الإخوان المسلمين -في مارس/آذار 1928 بمدينة الإسماعيلية- الشيخ حسن البنا بعد أربعة أعوام من سقوط الخلافة العثمانية، وسرعان ما انتقلت إلى القاهرة ثم إلى بقية أنحاء مصر، فأجزاء كبيرة من العالمين العربي والإسلامي.

وعن قصة النشأة يقول فؤاد الرحمن في كتابه "الإخوان المسلمون: والسلطة السياسية في مصر" إن البنا قال إن ستة من إخوانه زاروه في منزله، وجلسوا يتدارسون أوضاع الأمة، وكانوا يحثون البنا على أن يقودهم ويرشدهم، وأن يتحمل هذه المسؤولية، فتأثر البنا بذلك، وقبل على أن يتفقوا، أقسم هؤلاء الستة على أن يكونوا إخوة في خدمة الدين.

وجاءت تسمية الجماعة بعد أن سأله أحد هؤلاء كما يقول البنا "هل نحن جمعية دينية أم صوفية أم ماذا؟ فقال البنا: لا هذا ولا ذاك، نحن إخوة في خدمة الإسلام، فقال إذن نحن الإخوان المسلمون" وهكذا تقرر اسمها من حينها.

وبعدها انتقل البنا إلى القاهرة عام 1932، وأنشأ مقر الجماعة هناك، وسرعان ما أثرت حركته في المجتمع، فانتشرت في جميع أقطار الدولة، حتى انتشرت في الأوساط العربية أيضا.

التوجه الفكري

طبقا لأدبيات الجماعة فإن "الإخوان المسلمون" يهدفون إلى إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل. وتسعى الجماعة في سبيل الإصلاح الذي تنشده إلى تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، ثم الحكومة الإسلامية، فالدولة فأستاذية العالم وفقا للأسس الحضارية للإسلام عن طريق منظورها.

وشعار الجماعة "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

مرشدو الجماعة

تعاقب على قيادة الجماعة منذ تأسيسها ثمانية مرشدين، هم: حسن البنا مؤسس الجماعة من 1928 إلى 1949، ثم حسن الهضيبي من 1951 إلى 1973، ثم عمر التلمساني من 1974 إلى 1986 ثم محمد حامد أبو النصر من 1986 إلى 1996، تلاه مصطفى مشهور من 1996 إلى 2002، ثم مأمون الهضيبي من 2002 إلى 2004، ليعقبه محمد مهدي عاكف من 2004 إلى 2010، ومحمد بديع من 2010 إلى حين اعتقاله عام 2013 حيث تولى تسيير شؤون الجماعة نائبه محمود عزت إلى حين اعتقاله عام 2020 ليليه إبراهيم منير (أول مسؤول من خارج مصر) حتى عام 2021. ثم أنشئت لجنة مؤقتة مثّلها مصطفى طلبة.

حسن البنا محمولا على الأكتاف في مظاهرة داعمة لفلسطين عام 1947 (مواقع التواصل الاجتماعي)

المؤسس حسن البنا

يلقب حسن البنا بين أنصاره "بالإمام الشهيد"، ويعد مؤسس الجماعة وصاحب الفكر الرئيسي المؤثر في أفرادها من خلال العديد من الرسائل التي ألفها.

اسمه حسن بن أحمد عبد الرحمن الساعاتي، ولد عام 1906، ووافق ذلك حادثة دنشواي التي أعدم فيها عدد من المصريين انتقاما لجندي إنجليزي مات بسبب ضربة شمس.

درس المرحلة الابتدائية والمتوسطة في بلدته، ودرس بمعهد المعلمين في مدينة دمنهور، وتتلمذ على يد والده الشيخ أحمد عبد الرحمن صاحب كتاب "شرح وتحقيق المسند لأحمد بن حنبل"، وعلى أيدي شيوخ آخرين. فتأثر بالمذهبين الصوفي والسلفي. والتحق بدار العلوم في القاهرة، وحصل على شهادته هناك.

كانت لديه سعة كبيرة في العلم الشرعي ولم يكد يبلغ الـ16، في وقت ظهرت عليه صفاته القيادية كما يذكره الناس حينها.

عمل في طفولته مساعدا لوالده في صناعة الساعات، فكان لذلك أثر كبير في نفسه، فأصبح الوقت أهم أمور حياته، حتى أصبح يعمل عشرين ساعة في اليوم، ولم يلتحق بالبعثات الخارجية لأوروبا رغم تفوقه، لأنه رأى أن المباشرة بالعمل أهم من العلم.

تخرج من مدرسة دار العلوم، وعين معلما في الإسماعيلية، ووقتها كانت المظاهر الغربية قد بدأت تنتشر في البلاد في وقت كانت المستعمرات البريطانية تأخذ حيزها من مصر، فبدأ برسم معالم خطة صارت فيما بعد نواة نشأة جماعة الإخوان المسلمين.

من أعلام الجماعة

سيد قطب: مفكّر إسلامي معاصر، وناقد أدبي، له مؤلفات ضخمة مثل "في ظلال القرآن" و"التصوير الفني في القرآن" و"العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وقد أعدم في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

محمد الغزالي: إمام وداعية، وأحد أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث، له عدد كبير من المؤلفات الفكرية، من أشهر كتبه "الإسلام في مواجهة الاستبداد السياسي" و"قضايا المرأة بين التقاليد الوافدة والراكدة" و"الإسلام وقضايا العصر" و"السنة النبوية بين أهل الرأي وأهل الحديث".

زينب الغزالي: داعية إسلامية تعرضت في فترة حكم عبد الناصر للاعتقال في أغسطس/آب 1965 وسجنت ست سنوات، تعرضت خلالها لاضطهاد شديد سجلته في كتابها "أيام من حياتي".

سيد سابق: أحد علماء الأزهر، اشتهر بكتابه "فقه السنة"، والذي يعد من أهم المراجع الفقهية في العصر الحديث.

يوسف القرضاوي: أحد كبار علماء الإسلام في العصر الحديث، والرئيس المؤسس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وله العديد من المؤلفات، وكان له برنامج أسبوعي على قناة الجزيرة الفضائية.

زغلول النجار: داعية إسلامي وعالم جيولوجيا، ساهم في اعتناق الكثيرين للإسلام، من المهتمين بما يعرف بـ"الإعجاز العلمي في القرآن الكريم"، وهو مستشار الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ويعمل مستشارا لعدة جامعات ومؤسسات علمية ودعوية عالمية.

التجربة السياسية

مرت جماعة الإخوان المسلمين بعدة محطات في تاريخها، وتمكنت من أن تحظى بمكانة خاصة في الأحداث التي شهدتها مصر حتى تاريخ اغتيال مؤسسها ومرشدها حسن البنا عام 1949.

وقد تزامنت تلك المرحلة مع انطلاق المقاومة في فلسطين عام 1936، والإعلان عن قيام إسرائيل عام 1948، وأثناء هذه الفترة ناهض الإخوان الاستعمار الإنجليزي لمصر، وشاركوا بكتائب عسكرية للقتال في فلسطين أثناء حرب 1948.

وقبل نهاية عام 1948 أصدر رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي في 8 ديسمبر/كانون الأول قرارا بحل الحركة واعتقال عدد كبير من قادتها وأعضائها ومصادرة ممتلكاتها، بعد اتهامات للها بتشكيل تنظيم سري مسلح والمسؤولية عن عدد من حوادث الاغتيال والتفجير، وفي 28 من الشهر نفسه اغتيل النقراشي، ووجهت أصابع الاتهام في اغتياله للإخوان ورفضت الجماعة التهمة.

وبعد أقل من شهرين وتحديدا في 12 فبراير/شباط 1949 اغتيل البنا أمام جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، ودخلت الجماعة مرحلة جديدة لم يكن لها أثناءها مرشد قبل أن يتم في 1951 اختيار المرشد الثاني للإخوان، وهو حسن الهضيبي.

وشهدت تلك الفترة قيام ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو/تموز 1952 وتوليهم السلطة في مصر، وعلى الرغم من أن الجماعة كانت على صلة مع الضباط قبل الثورة وفي بدايتها، فإن خلافات شديدة عصفت بالعلاقة بين الطرفين لتتحول فترة حكم جمال عبد الناصر إلى فترة صعبة وقاسية على الجماعة.

في عام 1954 صدر قرار ثانٍ بحل الحركة بعد تعرض عبد الناصر لمحاولة اغتيال اُتهم الإخوان المسلمون بتنفيذها، واعتقل عدد كبير من أعضاء الجماعة بينهم الهضيبي، وسيد قطب الذي ظل في السجن عشر سنوات، ثم أطلق سراحه، ثم اعتقل وحكم عليه بالإعدام عام 1965.

وإثر تولي الرئيس المصري الراحل أنور السادات السلطة عام 1970 أطلق جميع معتقلي الحركة، ففتحت الجماعة مقراتها واستمرت في العمل، لكن دون غطاء قانوني.

وكانت علاقة الجماعة بنظام حسني مبارك سيئة ومتوترة في أغلب فتراتها، لكنها استمرت مع ذلك في وجودها العلني وعملها كما هو الحال في فترة السادات.

وشهدت العشرية الأولى من حكم مبارك انفتاحا جزئيا على الجماعة التي سعت لمزيد من التوسع والتمدد، وشاركت لأول مرة في انتخابات برلمانية عام 1984، ثم شاركت أيضا عبر تحالف آخر في انتخابات 1987 البرلمانية.

ومع منتصف التسعينيات فتح مبارك السجون من جديد للإخوان، وأحال العشرات منهم إلى محاكم عسكرية بتهمة الانتماء لتنظيم غير مرخص.

ولم تمنع المطاردات والملاحقات وعدم الترخيص السياسي الجماعة من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، والحصول على 88 مقعدا برلمانيا في انتخابات 2005 أي بنسبة 20% من المقاعد، لكن الجماعة لم تحصل على أي مقعد في انتخابات 2010 التي شهدت تزويرا كبيرا كان أحد أسباب اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وشارك الإخوان المسلمون بدور فاعل في ثورة 25 يناير، خاصة في ما عُرف بـ"موقعة الجمل"، وبعد الإطاحة بنظام مبارك قرروا إنشاء حزب سياسي جديد يحمل اسم حزب الحرية والعدالة، وعينوا البرلماني والقيادي بالجماعة محمد سعد الكتاتني وكيلا له، قبل أن ينتخب البرلماني وعضو مكتب الإرشاد بالجماعة محمد مرسي رئيسا له، وكل من القيادي بالجماعة عصام العريان والمفكر المسيحي رفيق حبيب نائبين له، كما اختير الكتاتني أمينا عاما للحزب.

وفي أول انتخابات تشريعية بعد ثورة 25 يناير فاز الإخوان المسلمون بنحو 40% من مقاعد مجلس الشعب وشكلوا أكثرية برلمانية للمرة الأولى في تاريخهم، وانتخب سعد الكتاتني رئيسا للمجلس، إلا أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكما في 14 يونيو/حزيران 2012 بعدم دستورية قانون الانتخابات، أعقبه قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة -الذي تولى إدارة البلاد بعد خلع مبارك- بحل مجلس الشعب بالكامل.

وفي انتخابات مجلس الشورى فاز الإخوان بنحو 60% من مقاعده، وانتخب القيادي بالجماعة أحمد فهمي رئيسا له.

وطوال فترة حكم المجلس العسكري تراوحت علاقة جماعة الإخوان به بين الشد والجذب، إلى أن قررت الجماعة ترشيح خيرت الشاطر نائب المرشد العام لانتخابات الرئاسة، ودفعت بمرسي مرشحا آخر تحسبا لمنع الشاطر من خوض الانتخابات، وهو ما حدث بالفعل.

وخاض مرسي انتخابات الرئاسة أمام 12 مرشحا آخرين، وتصدر الجولة الأولى من الانتخابات، ثم تمكن من الفوز في جولة الإعادة على أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.

وتسلم مرسي الرئاسة في 30 يونيو/حزيران 2012 ليصبح أول رئيس مدني منتخب لمصر، فضلا عن كونه من الإخوان المسلمين، وقبيل مرور عام على حكمه، دعت قوى معارضة إلى مظاهرات للمطالبة برحيله، وانتهت بالإطاحة به عام 2013.

بعدها تعرضت جماعة الإخوان المسلمين لحملة أمنية طالت أغلب قادتها، فاعتقل المرشد العام محمد بديع ونائباه خيرت الشاطر ورشاد بيومي وأغلب أعضاء مكتب الإرشاد، إضافة إلى رئيس حزب الحرية والعدالة سعد الكتاتني ونائبه عصام العريان، والآلاف من كوادر الجماعة والحزب.

وإضافة إلى حملة الاعتقالات -التي طالت للمرة الأولى عضوات بالجماعة- قتل آلاف من أعضاء الجماعة، خاصة في مذبحة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 2013 أعلن مجلس الوزراء المصري المؤقت اعتبار جماعة الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية" بعد أن سبق وتمت مصادرة أموال ومقرات الجماعة.

المصدر : الجزيرة