أنور السادات.. أول رئيس عربي يوقع اتفاقية سلام مع إسرائيل
أنور السادات خليفة جمال عبد الناصر في رئاسة مصر، ولد عام 1918 كان أحد قادة ثورة الضباط الأحرار، واقترن اسمه باتفاقية كامب ديفيد التي كانت أول معاهدة سلام توقعها دولة عربية مع إسرائيل، ما أثار عليه سخطا واسعا وأدى إلى مقاطعة مصر عربيا.
ينحدر من عائلة فلاحين، وحلم بأن يصبح ممثلا، سجن وطرد من وظيفته، عاش هاربا ومطاردا وعمل في مهن شاقة ثم في الصحافة، مدحه البعض، ووجه إليه آخرون نقدا لاذعا. وتوفي بعملية اغتيال عام 1981
المولد والنشأة
ولد محمد أنور السادات يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1918، في قرية ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية في مصر، لأسرة ريفية فقيرة كبيرة العدد تتكون من 13 ولدا وبنتا. في بيت يحتفظ بطابعه ويطلق عليه اسم "دار السلام"، ويقع على الطريق المؤدي إلى القرية.
كانت أمه سودانية الأصل تدعى "سِتُّ البَرَّيْنْ خير الله"، تزوجها والده عندما عمل موظفا بوحدة طبية للجيش في السودان، وكانت شهرته الأفندي لأنه أول من حصل على الشهادة الابتدائية في القرية.
حملت عائلة الأفندي كنية "الساداتي" حتى العام 1952، حين حذف ابنه أنور -وهو رئيس للجمهورية حينها- الحرف الأخير من شهرته "لتبسيطها أو لجعلها أكثر حداثة".
تربى في رعاية جدته لأبيه التي كان يلجأ إليها أبناء القرية لحل منازعاتهم، وقال إنها "علمتني كل شيء"، فتعلق بها وبأحاديثها وروى عن تأثير ذلك عليه كثيرا في كتبه.
عاش حياة القرية، فدأب على سوق الماشية إلى الترعة، والمشاركة في أعمال الري وقطاف القطن. كما ذكر أنه سرق ثمار المشمش من بستان قصر القبة، من غير أن يتخيل أنه سيصبح أحد الأمكنة التي يعمل فيها.
تزوج عام 1940 من ابنة عمدة قريته، وقال إنه "كان مجرد زواج ريفي مدبر"، استمر 10 سنوات وانتهى بالطلاق. وفي عمر الثلاثين تزوج "جيهان رؤوف" وهي ابنة لأم إنجليزية، وكانت تصغره بـ15 عاما، وعرفت بعدها بـ"جيهان السادات"، وكانت أول من لُقبت بسيدة مصر الأولى عام 1971.
عاش في فقر مدقع عندما فصل من وظيفته، وحكى أنه اضطر لبيع مجموعات طوابع وعملات معدنية، لعلاج ابنته المريضة، وعند عودته للمنزل بالدواء كانت قد فارقت الحياة.
عرف السادات بزي عسكري مميز، وغليون تدخين كان لا يفارق فمه، وقد وصف نفسه عندما كتب طلب التقدم لوظيفة ممثل، بالقول "أنا شاب ممشوق القوام، متين البنية، جميل الملامح، لست أبيض لكنني لست أسود كذلك، بل إن سواد بشرتي هو أقرب إلى الحمرة".
الدراسة والتكوين العلمي
نال السادات القسط الأول من التعليم في مسقط رأسه، ففي السادسة من عمره تعلم في كتَّاب القرية على يد الشيخ عبد الحميد عيسى، وحين بلغ الثامنة حفظ قدرا من القرآن، وأجاد الحساب والكتابة بخط جميل ومنسق.
ثم ألحق بالصف الثاني مباشرة في مدرسة الأقباط الابتدائية بقرية طوخ دلكة، بعد أن خضع لامتحان في العربية والحساب، وظل منافسا للتلاميذ المتفوقين، وفق إفادات لمعلميه.
انتقل مع أسرته إلى القاهرة عام 1925، والتحق بمدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية، ثم انتقل إلى مدرسة السلطان حسين، حيث نال الشهادة الابتدائية.
وبدأ الفتى المراهق تطوافا غريبا بين المدارس لأن علاماته لم تكن كافية، فتنقل بين مدرسة الملك فؤاد الأول، ومدرسة الأهرام الخاصة فنال شهادة الكفاءة، وانتهى به الأمر في مدرسة رقي المعارف في شبرا، حيث نال الثانوية العامة عام 1936.
في عامه الثامن عشر، قُبِلَ بالكلية الحربية التي كان دخولها قاصرا على أبناء الطبقة العليا، بتزكية من الضابط الإنجليزي فيتس باتريك، قبل أن يحذف اسمه من القائمة.
ودفعه الحنق، إلى أن يسجل تباعا في كلية الآداب والحقوق، والتجارة قبل أن يعود إلى الكلية بتأخير 26 يوما عن باقي الطلاب، وقال لاحقا "ويشاء القدر أن الذي أدخلني الكلية الحربية واحد إنجليزي".
تخرج عام 1938 ضابطاً برتبة ملازم وحمل ملفه العسكري رقم "2274"، ثم استفاد من دورة إعدادية لمدة شهرين ونصف في مدرسة الإشارة بالمعادي عام 1939.
سجل الناقد غالي شكري أن السادات نشر عام 1955 مقالا عن حبه للتمثيل وانضمامه في سن الثامنة عشرة لفرقة تمثيلية بمدرسة ثانوية. ثم قرأ إعلانا تطلب فيه الفنانة أمينة محمد ممثلين لفيلمها الجديد "تيتا وونج" وكان من بين المتقدمين لكنه رسب في الامتحان أمام لجنة التحكيم.
أجاد اللغة العربية واللغة الألمانية كما كان يحفظ من أشعار عمر الخيام بالفارسية.
وكشف الصحفي الأميركي سايروس سولزبرغر أن السادات أوضح له عندما استقبله، أنه يتمرن على التحدث بالإنجليزية مع حماته البريطانية. ووفق الصحفي أحمد بهاء الدين فإن صحفيا من جريدة الجمهورية أعطى السادات أيضا دروسا بالفرنسية.
عرف عنه الولع بالقراءة وبميوله الأدبية، إذ استهوته القصص التحليلية لكبار الكتاب الأجانب وروايات المغامرة، وكتابات أحمد أمين في فترة مبكرة من حياته.
وتأثر بعدة شخصيات سياسية، منها الزعيم الهندي المهاتما غاندي، كما أعجب بحسن البنا وكان يحضر دروسه، ومن كمال أتاتورك استهوته البذلة العسكرية.
الحياة المهنية
انضم إلى الأورطة الرابعة ضابط مشاة في فبراير/شباط 1938 في منطقة المكس بالإسكندرية، ثم نقل إلى منقباد جنوب مصر، ومنها إلى سلاح الإشارة يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول 1939، ثم رقي إلى رتبة ملازم أول مع بداية 1940، وانضم إلى سلاح الحدود بالجبل الأصفر، والتحق بكتيبة إشارة السلاح حتى عام 1942.
عندما هرب من المعتقل عام 1944، اتخذ لنفسه اسم الحاج محمد نور الدين، وتدبر رزقه من العمل حمالا على عربة، وبنقل الحجارة لتعبيد إحدى الطرق، وفي شق ترعة ري، ثم في منجم الرخام، كما اشتغل مع صديقه حسن عزت بمجال المقاولات.
عاد إلى الجيش في الـ15 من يناير/كانون الأول 1950 برتبة يوزباشي، ونجح في الترقية إلى رتبه صاغ (رائد)، وإلى رتبة البكباشي عام 1951، وفي أكتوبر/تشرين الأول 1953 عين نائبا لرئيس المحكمة الثورية.
قصة السادات مع الصحافة بدأت داخل السجن، حيث ساهم في إصدار مجلتين أسبوعيتين، صدرت الأولى عام 1946 باسم "الهنكرة والمنكرة" الفكاهية، وصدرت الثانية باسم ذات التاج الأحمر.
وحين كان دون عمل، استغل تلك الفترة في الكتابة لكسب العيش، فعمل بمعاونة الكاتب إحسان عبد القدوس محررا صحفيا في مجلة المصور بدار الهلال، التي وافقت على نشر مذكراته أيام سجنه الأول.
وبعد قيام الثورة تولى إدارة "دار التحرير للطباعة والنشر"، وعين مديرا ليومية الجمهورية الصادرة عنها ما بين عامي 1953 و1956، كما صدرت مجلة التحرير وظل يشارك فيها بقلمه.
مع أول تشكيل وزاري لحكومة الثورة، تولى منصب وزير الدولة يوم 17 أبريل/نيسان 1954، وانتُخب عضوا في مجلس الشعب لثلاث دورات منذ عام 1957 ثم نائبا لرئيس المجلس.
وأصبح رئيسا لأول برلمان مصري يوم 21 يوليو/تموز 1960 إلى 27 سبتمبر/أيلول 1961، وأعيد انتخابه لفترة ثانية يوم 29 مارس/آذار 1964 إلى 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1968.
وعين نائبًا أول لرئيس الجمهورية في الفترة بين 1964و1966، وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول عام 1970 انتُخب رئيسًا للجمهورية، ويوم 17 سبتمبر/أيلول 1976 أعيد انتخابه لولاية ثانية.
التوجه الفكري والسياسي
غرست حياة القرية في السادات أول بذور السخط على المظالم الاجتماعية والاستعمار البريطاني، وأصبح شابا متحمسا، يخرج في المظاهرات دون إدراك، ومؤيدا لعمليات التخريب، وحتى للعمليات الفدائية التي تتم ضد العملاء والمحتلين.
وقد تأثر بعدد من الشخصيات السياسية والشعبية في مصر والعالم، وساهم ذلك في رسم معالم طموحه السياسي الذي تشكل خلال 3 مراحل.
في مرحلة أولى اجتاز عشرات التجارب التي استغرقت منه 15 عاما، وبدأت عقب تخرجه في الكلية الحربية، حيث انخرط في تنظيمات سرية داخل الجيش، واتصل بسياسيين وعسكريين وطنيين من أمثال عزيز المصري، وحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
ثم زُجَّ به في السجن لأكثر من مرة بين عامي 1941 و1943 بتهمة التآمر لفائدة الألمان، قبل أن يتمكن من الهرب ويقضي 3 سنوات من المطاردة والتخفي. كما ارتبط اسمه في تلك الفترة بعملية اغتيال وزير المالية في حكومة الوفد أمين عثمان عام 1946، قبل أن ينال البراءة يوم 24 يوليو/تموز 1948.
في مرحلة ثانية، شارك الضابط الشاب في قيادة ثورة يوليو/تموز 1952، وألقى بصوته أول بيان صدر عن الضباط الأحرار من دار الإذاعة المصرية، معلنا إنهاء الحكم الملكي والتحول إلى الحكم الجمهوري.
خلال هذه الفترة، كان المعبر عن فكر الثورة السياسي، وتولى بكتاباته الدفاع عنها والهجوم على معارضيها، ووصف برجُل "الظّل" الذي ظل قابعا لما يقرب من الـ18 عاما على الحافة باهتا وغير مؤثر، كونه كان بعيداً عن دائرة الضوء ومناخ الصراع على السلطة، وهو ما جعل منه الرّجل المناسب في أعين جمال عبد الناصر، فعينه نائبا له قبل رحيله بعام واحد.
السادات رئيسا
في مرحلة ثالثة من حياته السياسية، تسلَّم حكم مصر يوم 17 من أكتوبر/تشرين الأول 1970، واستمرت ولايته 11 عاما، وقال الصحفي أحمد بهاء الدين، الذي لازمه كثيرا "لا أتذكر أنني رأيت السادات مرة واحدة جالسا في مكتبه… كان يدير البلد بالهاتف".
ووفق المؤرخين، فقد تأرجحت مشاعر الشعب المصري بين من ضده ومن معه في فترات مختلفة من حكمه.
ففي الفترة من 1971 إلى 1973، كانت الغالبية ترى أنه لن يملأ الفراغ الذي تركه كوت جمال عبد الناصر، وتميزت هذه المرحلة بسمة الانتظار لسياسة إدارته للبلد وفق مراقبين.
وبات الشعب معه في الفترة من 1973 حتى 1977، إذ استغنى عن خدمات 17000 خبير روسي، وألغى المعاهدة المصرية السوفياتية تأكيدا لعدم انحياز مصر لأي حلف دولي، وشنِّ حربا على إسرائيل، أحرز خلالها انتصارا عسكريا جزئيا يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، واسترد به جزءا من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
كما أعلن قيام الأحزاب السياسية، وأفرج عن المعتقلين الذين قضوا معظم سنوات حكم عبد الناصر خلف قضبان السجن الحربي الشهير.
غير أن الشعب أصبح ضده مرة أخرى في الفترة من 1977 وحتى 1980، وهي فترة التحولات الاقتصادية الكبرى والتغييرات الحادة في اتجاهات السياسة المصرية.
حيث اندلعت "ثورة الخبز"، وغيَّر نظرته تجاه إسرائيل، وآمن بفكرة إقامة سلام شامل ودائم وعادل معها على حد تعبيره. وترجم ذلك بزيارته للقدس عام 1977 وإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي.
وتحت رعاية الولايات المتحدة، وقع اتفاقية كامب ديفيد مع الجانب الإسرائيلي يوم 26 مارس/آذار 1978. مما أثار عليه سخطا واسعا وأدى إلى مقاطعة مصر عربيا، وبينما اتهم بالخيانة، منحه العالم الغربي جائزة نوبل للسلام هو وشريكه في الاتفاقية مناحيم بيغن.
وفي الفترة الأخيرة التي انتهت باغتياله عام 1981، بدأ يضيق ذرعا بالديمقراطية، وفتح المعتقلات في وجه خصومه ومنافسيه السياسيين.
الكتب والمؤلفات
يشير موقع مكتبة الإسكندرية الذي يضم مؤلفات السادات وسيرته الذاتية، أنه كتب ما يزيد عن ألف مقالة نشرت في جريدة الجمهورية والتحرير بعد قيام الثورة، وصحف الأهرام وأكتوبر ومايو الأسبوعية بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية، كما نشر في مجلة (أهل الفن).
وكانت أغلب هذه الكتابات، أصول الكتب التي صدرت له بعد ذلك، وأهمها:
- "القاعدة الشعبية": أول كتاب أصدره عام 1953، وتناول فيه نظام الحكم والديمقراطية والملكية والأحزاب في مرحلة ما قبل الثورة.
- "ليلة خسرها الشيطان": قصة قصيرة كتبها عام 1954 ولا يعرف مصيرها الآن، وفق ما ذكر ياسر ثابت، وأضاف أنه قدم له رواية طويلة عنوانها "أمير الجزيرة" مازال يحتفظ بها، وأن حسنين هيكل قال عام 1995، إنه عندما كان رئيسا لتحرير مجلة (آخر ساعة) عرض عليه السادات مجموعة من القصص القصيرة كتبها بخطه أملا في أن ينشرها.
- "قصة الثورة كاملة": أصدره عام 1954.
- "يا ولدي هذا عمك جمال": مجموعة مقالات صدرت في كتاب عام 1965.
- "البحث عن الذات، قصة حياتي": طبع عام 1978.
- "الصفحات المجهولة من الثورة": سلسلة مقالات.
- "أسرار الثورة المصرية، بواعثها الخفية وأسبابها السيكولوجية".
- ".صوت مصر نحو بعث جديد": صدر عام 1974 عن سكرتارية المؤتمر الإسلامي.
- "وصيتي": صدر عام 1981.
- "معنى الاتحاد القومي": صدر عام 1964.
الوفاة
في مشهد أخير منقول مباشرة على الهواء، لقي السادات مصرعه يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981، برصاصة استقرت في عنقه -حسب عائلته-، وذلك خلال العرض العسكري للاحتفال بذكرى نصر أكتوبر/تشرين الأول.
ودُفن في منطقة المنصة أمام النصب التذكاري للجندي المجهول، في مدينة نصر شمالي القاهرة، على مسافة مئات الأمتار من مكان مقتله.