مجزرة رابعة
"مجزرة رابعة العدوية" كما أطلق عليها المتظاهرون أو "فض تجمّع كان يشكل خطرا على أمن البلاد" كما قالت الشرطة المصرية، وقعت يوم 14 أغسطس/آب 2013 في ميدان رابعة العدوية شرقي القاهرة، حيث تجمهر المعتصمون ضد عزل الرئيس محمد مرسي مطالبين بعودته إلى الحكم، فتدخلت قوات الأمن لفض الاعتصام وأوقعت قتلى وجرحى.
ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحادثة بأنها "إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث".
انقلاب 2013
تولى محمد مرسي (الرئيس الخامس لجمهورية مصر وأول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ البلاد) رئاسة الجمهورية يوم 30 يونيو/حزيران 2012، وعقب 5 أشهر اندلعت مظاهرات مطالبة بتنحيه عن السلطة وإجراء انتخابات مبكرة قادتها جهات سياسية ومدنية عدة، أبرزها "حملة تمرد"، فنظمت مظاهرات واعتصامات في ميدان التحرير وأمام "قصر الاتحادية" في ميدان محمد محمود وغيرها. في المقابل، نظم مؤيدو مرسي اعتصاما مفتوحا في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر (النهضة) يوم 21 يونيو/حزيران 2013.
وفي الثالث من يوليو/تموز 2013 وبعد أيام من إتمام مرسي عامه الأول في الحكم أعلن وزير الدفاع المصري حينها عبد الفتاح السيسي عزل رئيس الجمهورية وتعطيل العمل بدستور 2012، ثم صدرت أوامر باعتقال المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ثم أحيلوا لاحقا إلى المحاكمة وصدرت أحكام بإعدام العديد منهم.
خرج مؤيدو مرسي مجددا دعما له يوم 28 يونيو/حزيران 2013، وانطلقت مسيرات حاشدة في أعقاب صلاة الجمعة من نحو 40 مسجدا باتجاه ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، ثم أعلنوا الاعتصام في الميدان عقب قرار العزل ورفضوا ما أطلقوا عليه "الانقلاب العسكري".
وخرجت المسيرات من مسجد الفتح في ميدان رمسيس ومن مساجد كبرى بأحياء شبرا وحلوان وعين شمس وحدائق القبة وغيرها في القاهرة، بالإضافة إلى مسجدي مصطفى محمود والاستقامة وغيرهما في الجيزة.
التسلسل الزمني
عقب شهرين من اعتصام المتظاهرين في ميدان رابعة أعلنت الحكومة المؤقتة حينها أن الاعتصام يعطل حياة الناس، وقالت إنها تخشى من أن تكون بحوزة المتظاهرين أسلحة، لذلك كلفت وزارة الداخلية بوضع خطة لفض الاعتصامين يوم 31 يوليو/تموز 2013.
عقب الإعلان بدأ عدد المعتصمين يزيدون في ميداني رابعة والنهضة، وبدؤوا ببناء حواجز ترابية وإسمنتية حول موقع الاعتصام.
وقيل إن المعتصمين في ميدان رابعة يحملون الأسلحة، ويروّعون الآمنين ويضايقون السكان الذين طالبوا بفض الاعتصام، حسب رواية السلطات.
وفي صباح يوم 14 أغسطس/آب 2013 دخلت قوات الأمن الميدان عقب صلاة الفجر، وحسب الرواية الرسمية للحكومة شرعت تلك القوات في اقتحام الميدان من مداخله الخمسة بعد أن أعلنت عبر مكبرات الصوت أن "الاعتصام سيفض، وعلى المعتصمين الخروج من الممرات المؤمنة".
وقالت قوات الأمن إنها لم تبدأ عملية إطلاق النار إلا بعدما بدأ المعتصمون المحصنين في بنايات عالية إطلاق النار، وإنها ضبطت 15 سلاحا ناريا في الميدان.
من جهتهم، قال المعتصمون إن الآلاف لم يصلهم الصوت، وأن الذين تمكنوا من الخروج تعرضوا لإطلاق نار أو اعتقلوا، نافين أنهم بدؤوا إطلاق النار ومؤكدين على سلمية التظاهر.
من جانبها، ذكرت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها أن قوات الأمن "لم تقدم تحذيرا فعالا يذكر، وفتحت النار على حشود كبيرة ولم تترك مخارج آمنة لمدة تقترب من 12 ساعة"، وأنها أطلقت النار على المرافق الطبية الميدانية، ووضعت قناصة لاستهداف أي شخص يسعى للدخول أو الخروج من المستشفى الميداني في ميدان رابعة.
ودخلت قوات الأمن من كل المداخل بـ"المدرعات والجرافات والقوات البرية والقناصة"، وذكر معتصمون أنها أطلقت الغاز المدمع والذخيرة الحية فور دخولها.
وقال شاهد عيان للجزيرة "دخلنا الميدان حيث صوت الجرافات والرائحة الكريهة المنبعثة من الميدان نتيجة الحرائق والدماء والجثث المحترقة والجثث التي بدأت تتعفن، إلى جانب بدء حرق كل الخيام المتبقية".
وأضاف "في المستشفى الميداني جثث ملقاة على الأرض ملفوفة بقماش أبيض، كلها مجهولة وأصحابها غير معروفين، وعلى أغلبهم مصاحف صغيرة، رائحة بشعة تفوح في كل أرجاء المكان، جثث متفحمة، غاز مسيل للدموع، دخان الخيام المحترقة، وأغراض المعتصمين المتفحمة، جرافات وكاسحات ضخمة في كل مكان".
وفي نهاية اليوم اشتعلت النيران في المنصة المركزية والمستشفى الميداني والطابق الأول من مستشفى رابعة، وتقول "هيومن رايتس ووتش" إنها أُشعلت "بأيدي قوات الأمن على الأغلب".
ردود الفعل الدولية
قدم محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت حينذاك استقالته احتجاجا على فض رابعة، فيما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد يوم من المجزرة "إن الولايات المتحدة تدين بقوة الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد المدنيين".
وأدان الأمين العام للأم المتحدة السابق بان كي مون على لسان المتحدث باسمه المجزرة، فيما عبر الاتحاد الأوروبي عن قلقه.
ووجه رئيس الوزراء التركي يومها رجب طيب أردوغان انتقادا إلى السلطات المصرية، ودعا في بيان صدر عن مكتبه مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية لإيقاف المجزرة، فيما وصف الرئيس التركي -يومذاك- عبد الله غل الحادث بأنه "لا يمكن أن يقبل إطلاقا".
وأدان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قتل المتظاهرين، واعتبر ما حصل "انقلابا على الشرعية الدستورية والديمقراطية واقترافا لأفظع جريمة عرفها تاريخ مصر الطويل"، وقال في بيان له "إن تاريخ مصر بل وتاريخ الإنسانية لن يغفر لأولئك الوالغين في الدماء والأعراض".
الضحايا
اختلفت التقديرات في عدد القتلى والمصابين في المجزرة، فورد في تصريحات لقيادات من الإخوان المسلمين مثل محمد البلتاجي وعصام العريان أن عدد القتلى تجاوز 3 آلاف قتيل، إضافة إلى آلاف الجرحى والمصابين، وذهبت قيادات أخرى إلى أن عدد القتلى بلغ 5 آلاف.
وأعلن "تحالف دعم الشرعية" المؤيد لمرسي أن إجمالي الوفيات في فض اعتصام رابعة وحده بلغ 2600 قتيل، وهو العدد الذي أعلنه المستشفى الميداني في رابعة.
من ناحيته، قدر تقرير وزارة الصحة المصرية عدد الضحايا بـ670 قتيلا ونحو 4400 مصاب، وأعلن المسؤولون عن الطب الشرعي بالقاهرة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2013 أن إجمالي عدد القتلى بلغ 377 قتيلا، من بينهم 31 جثة مجهولة الهوية.
أما منظمة "هيومن رايتس ووتش" فوثقت مقتل 817 شخصا في "فض رابعة"، مع الأخذ بعين الاعتبار الجثث مجهولة الهوية والمفقودين وشهادات الناجين.
وقالت المنظمة إن "قوات الأمن المصرية قتلت أكثر من ألف على الأرجح"، ونقلت عن الشهود أن الشرطة "احتجزت أكثر من 800 متظاهر من الاعتصام، واعتدت على بعضهم بالضرب والتعذيب، بل الإعدام الميداني في بعض الحالات".