الجنيه الإسترليني
الجنيه الإسترليني هو العملة الوطنية الرسمية في المملكة المتحدة وتوابعها من الجزر والأقاليم الواقعة وراء البحار، وهو من أقدم العملات النقدية في العالم، ويحتل المرتبة الثالثة على مستويات احتياطيات المصارف المركزية من النقد الأجنبي، بعد كل من الدولار الأميركي واليورو.
يعادل كل جنيه إسترليني مئة بنس، ويرمز له بـ"£" أو برمز "GBP" المعتمد من قبل المنظمة الدولية للتوحيد القياسي (الإيزو).
لمحة تاريخية
ترجع أصول الجنيه الإسترليني إلى عام 775 ميلادية، حين كانت الممالك السكسونية تتداول ماعُرف تاريخيا بـ"الإسترلينات"، وهي قطع نقدية معدنية من الفضة. وكان يتم سك كل 240 قطعة من هذه القطع المعدنية -التي سميت لاحقا "بنسات"- باستعمال رطل واحد من الفضة، وظل الجنيه الإسترليني يعادل 240 بنسا إلى غاية فبراير/شباط 1971، عندما تبنى مصرف إنجلترا المركزي النظام العشري، فأصبح الجنيه يعادل مئة بنس فقط.
بدأت طباعة الجنيه الإسترليني على شكل نقود ورقية مع مطلع القرن الثامن عشر، لكن تداوله كان ضعيفا بالمقارنة مع النقود المعدنية، وذلك إلى غاية الحرب العالمية الأولى.
العصر الذهبي
تبوأ الجنيه الإسترليني بفضل التفوق الاقتصادي والعسكري البريطاني موقع الصدارة في العلاقات النقدية بين الأمم، ولعب دور العملة المفتاح في المنظومة النقدية الدولية طيلة القرن التاسع عشر. وكانت البلدان قادرة على أداء مقابل وارداتها من السلع مباشرة بالجنيه الإسترليني، كما كانت الهيئات المصرفية لهذه البلدان تنجز عملياتها المالية بإخطار مصارفها في بريطانيا، دون الحاجة إلى نقل الذهب عبر الأراضي والبحار وتحمل الأخطار المرتبطة بذلك.
آثرت البلدان التي كانت تعرف فائضا في رصيد الميزان التجاري مع بريطانيا، الإبقاءَ على أموالها داخل النظام المصرفي البريطاني بدلا من الحصول على مقابلها ذهبا، وذلك طمعا في العائد المالي الذي تجنيه من وراء ذلك. وأصبحت المصارف البريطانية ممتلئة بودائع العملاء من مختلف أنحاء العالم، وحظيت السندات التي دأبت الخزينة البريطانية على إصدارها باهتمام بالغ من المستثمرين الدوليين، وكانت بورصة لندن أكبر سوق مالية في العالم وأكثرها سيولها وجاذبية لرؤوس الأموال.
الانحدار
أدى تمويل المجهود الحربي لبريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى إلى تدهور الوضعية المالية الخارجية للدولة، وتفاقم عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات، كما ارتفع عجز الميزانية بدوره، فاضطرت الحكومة البريطانية إلى مضاعفة إصدارات السندات لتمويل العجز.
وأفضت السياسات النقدية والإنفاقية التوسعية التي لجأت إليها الحكومة البريطانية أثناء الحرب وبعدها إلى معدلات مرتفعة من التضخم، مما جعل تثبيت سعر صرف الجنيه الإسترليني لفترة ما قبل الحرب أمرا غير ممكن، فتراجعت قيمته وقدرته الشرائية.
ودخل الاقتصاد البريطاني دوامة من المشاكل تفاقمت بفعل تراجع القدرة التنافسية للصناعات البريطانية، وصعود قوى اقتصادية منافسة مثل ألمانيا والولايات المتحدة، علاوة على تداعيات أزمة 1929 والكساد الكبير الذي أعقبها.
ومن أجل مواجهة هذا الوضع والخروج من الأزمة، رأت الحكومة أن من اللازم منحها هامش حركة بخصوص تدبير سياستها النقدية، فقدمت قانونا لتعديل معيار الذهب. تبنى مجلس العموم البريطاني هذا القانون في 21 سبتمبر/أيلول 1931، وأنهى بذلك قابلية تحويل الجنيه الإسترليني إلى ذهب.
ونتيجة لهذا القرار تراجعت قيمة العملة بشكل سريع، وانخفضت بمعدل 30%، مما أفقد الجنيه الإسترليني جاذبيته في العالم، ودخل في منافسة مع عملات أخرى.
جاءت الحرب العالمية الثانية فتأزم الوضع أكثر، واضطرت بريطانيا للاستدانة من الولايات المتحدة بشكل مفرط من أجل تمويل إنفاقها العسكري والمدني.
وقبل انتهاء الحرب ببضعة أسابيع، اجتمع ممثلون عن 44 دولة من دول العالم -بينهم جون مينارد كينز ممثلا عن بريطانيا- في مدينة بريتون وودز الأميركية، لبحث مستقبل العلاقات الاقتصادية الدولية بعد الحرب.
وانتهى اللقاء بالتوقيع على"اتفاقية بريتون وودز" التي جعلت الدولار الأميركي العملة المفتاح الجديدة للمنظومة النقدية الدولية، وأنهت بذلك عقودا من هيمنة الجنيه الإسترليني.