درع الفرات.. عملية عسكرية متعددة الأهداف والجبهات
"درع الفرات" عملية عسكرية سورية تركية؛ أطلقتها الحكومة التركية لدعم فصائل المعارضة السورية في سعيها لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من منطقة الشمال السوري بدءا من جرابلس، ثم توسعت لتشمل إبعاد المقاتلين الأكراد إلى شرق نهر الفرات.
الانطلاقة والمهمة
انطلقت عملية "درع الفرات" فجر يوم 24 أغسطس/آب 2016 لاستعادة مدينة جرابلس السورية -الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات والمتاخمة للحدود التركية بريف حلب الشمالي- من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، وتأمين المدن التركية الحدودية من نيران قصفه. وجرابلس هي آخر مدينة مهمة على الحدود يسيطر عليها التنظيم الذي دخلها في يناير/كانون الأول 2014.
ومن جهة أخرى تهدف سيطرة جماعات المعارضة على جرابلس إلى منع قوات سوريا الديمقراطية -التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري- من الاستيلاء عليها وضمها لمدينة منبج (36 كيلومتر جنوب جرابلس) التي نجحت في انتزاعها من أيدي تنظيم الدولة، ومن ثم توسيع نطاق نفوذها في أجزاء مختلفة من شمالي سوريا، خاصة ما بين كانتونيْ كوباني وعفرين الكردييْن.
وتكتسي جرابلس أهمية إستراتيجية لأنقرة؛ فقد قال وزير دفاعها فكري إيشيق "إن الأولوية الإستراتيجية لتركيا هي منع الأكراد من الربط بين ضفتيْ نهر الفرات"، ولذلك فهي تسعى لتفادي إنشاء الأكراد شريطا لهم على طول الحدود السورية التركية يربط بين مناطق سيطرتهم شرقا وغربا، وضمان عدم قيام كيان لهم غرب الفرات باعتبار أن ذلك يهدد وحدة أراضيها.
ومن الأهداف الجزئية للعملية -التي أيدتها أحزاب تركية معارضة في مقدمتها حزب الشعب الجمهوري– وفقا لما أفادت به وكالة الأناضول التركية؛ منع حدوث موجة نزوح جديدة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين بالمنطقة، وتطهير الحدود من "المنظمات الإرهابية" بما فيها حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، والمساهمة في زيادة أمن الحدود.
ويرى مراقبون أن "درع الفرات" هي بداية الطريق لإنشاء منطقة آمنة داخل سوريا يمكن الانطلاق منها مستقبلا في عدة اتجاهات ووفق عدة سيناريوهات، وتصل جنوبا إلى تخوم مدينة حلب وتمتد على المسافة الواقعة ضمن محافظة حلب بين إعزاز غربا وجرابلس شرقا، وستكون هذه المنطقة بطول أكثر من سبعين كيلومترا وبعمق لا يقل عن عشرين كيلومترا.
ويقولون إن معطيات التدخل التركي العسكري المباشر في الشمال السوري تظهر توظيف أنقرة للمتغيرات في علاقاتها الخارجية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها يوم 15 يوليو/تموز 2016، إذ استغلت تبدل تحالفاتها الدولية والإقليمية في خلق إستراتيجيات جديدة تخدم أهدافها القديمة في سوريا.
التشكيلات والعمليات
تتكون قوات عملية "درع الفرات" من كتائب عسكرية تابعة لفصائل المعارضة السورية وخاصة الجيش الحر، ومن هذه الكتائب "فيلق الشام" و"لواء السلطان مراد" و"الفرقة 13″. وتتلقى قوات المعارضة السورية إسنادا بريا وجويا كبيرا من قوة المهام الخاصة المشتركة في القوات المسلحة التركية، ومن القوات الجوية التابعة للتحالف الدولي.
وقبيل انطلاق العملية؛ تجمعت أغلبية هذه القوات في منطقة داخل تركيا قرب الحدود مع سوريا، تحملها عشرات السيارات المزودة برشاشات إضافة إلى حيازتها دبابات ومدفعية.
وقد بدأت العملية العسكرية بقصف من المدفعية وراجمات الصواريخ التركية استهدف 220 هدفا لتنظيم الدولة في جرابلس، وتلت ذلك غارات مركزة من سلاح الجو التركي بطائرات F16 وطائرات بدون طيار على المدينة مع إسناد جوي من التحالف الدولي، في حين اشتبك مسلحو المعارضة مع مقاتلي تنظيم الدولة في محيط المدينة.
وعقب انتهاء القصف المدفعي والجوي بدأت القوات الخاصة التركية تنفيذ عمليات هجوم برية ضد أهداف محددة داخل جرابلس استهدفت تجمعات للتنظيم، ودعمتها في ذلك الدبابات التركية المنتشرة على الحدود. مما أدى إلى انسحاب مقاتلي التنظيم بشكل سريع من المدينة.
وذكرت السلطات التركية أن القصف التركي أسفر -في نهاية أول يوم من العملية العسكرية- عن مقتل أكثر من 650 من مسلحي تنظيم الدولة، الذي تقدر بعض التقارير الحكومية التركية أن ما بين 2000 و15000 شاب تركي قد انضموا إلى صفوفه فعليا، أو ينتمون له فكريا دون عمل مباشر كـ"خلايا نائمة".
وتقول فصائل مشاركة في "درع الفرات" إن معركة السيطرة على مدينة جرابلس جاءت بالتزامن مع معارك جيش الفتح وفصائل الجيش الحر في ريف حلب الجنوبي ومدخل مدينة حلب. وأن هذه المعركة كانت مؤلفة من مرحلتين: الأولى خلق نقاط ارتكاز وقطع طرق إمداد تنظيم الدولة، والثانية هي الدخول إلى مدينة جرابلس.
وبحلول يوم 29 أغسطس/آب 2016 تمكنت قوات المعارضة السورية من السيطرة على أكثر من ثلاثين بلدة بريف حلب الشمالي الشرقي في إطار عملية "درع الفرات"، بعد اشتباكات مع قوات المليشيات الكردية التي مُنحت مهلة لكي تعود إلى شرق نهر الفرات.
وجددت فصائل الجيش الحر تقدمها في مختلف الجبهات وتحركت باتجاه منبج للسيطرة عليها، كما فتحت جبهة جديدة يوم 4 سبتمبر/أيلول 2016 في محيط بلدة الراعي الحدودية للسيطرة عليها، والتقدم منها نحو مدينة الباب التي تبعد نحو 75 كيلومترا عن الحدود، وتعتبر معقل تنظيم الدولة في محافظة حلب. وعبرت دبابات وآليات عسكرية تركية الحدود لدعم هذا الهجوم.
وبالتزامن مع عملية السيطرة على جرابلس التي تعتبر أول توغل عسكري تركي حقيقي في سوريا؛ أرسل الجيش التركي تعزيزات إضافية إلى المنطقة الحدودية المقابلة للمدينة، وتمثل هذا الدعم في إرسال دبابات ومركبات مدرعة إلى مناطق الحدود الجنوبية لتركيا في محافظة غازي عنتاب. وأكدت الخارجية التركية أن "درع الفرات" ستتواصل إلى حين إنهاء "كل خطر يهدد الأمن التركي".