منبج.. مدينة البحتري و"فاتيكان الشرق" عند الروم

This aerial view shows a section of the city of Manbij, currently controlled by the Turkish-backed Syrian National Army faction, in Syria's northern Aleppo province on January 4, 2025. In the latest clashes around the battleground northern city of Manbij, at least 24 fighters were killed, the Syrian Observatory for Human Rights war monitor said on January 2, despite US-led efforts to establish a truce in the area. (Photo by Aaref WATAD / AFP)
مساحة مدينة منبج تشكل نسبة 3.5% من مساحة سوريا (الفرنسية)

منبج مدينة سورية قديمة تقع شرقي مدينة حلب؛ تحتل موقعا إستراتيجيا مهما في المنطقة الفاصلة بين شرق نهر الفرات وغربه. اشتهرت بتاريخها في مقارعة الروم في القرون الإسلامية الأولى، وكان لها دور كبير في أحداث الثورة السورية، وسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية ثم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وشهدت تفجيرات عدة بعد إسقاط النظام السوري في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

ارتبط اسمها بالأدب والشعر، إذ كانت مهدا لعدد من كبار الشعراء عبر التاريخ، فقد كانت مسقط رأس الشاعر العباسي أبو عبد الله البحتري، أحد أبرز شعراء العصر العباسي، كما شهدت ولادة الشاعر عمر أبو ريشة، أحد رموز الشعر العربي في العصر الحديث، إضافة إلى الشاعر والمسرحي فواز الساجر.

الموقع

تتبع منبج لمحافظة حلب وتعد مركز "منطقة منبج"، وتقع شمال شرقي ريف مدينة حلب (شمالي سوريا) التي تبعد عنها نحو 80 كيلومترا، وتبعد عن نهر الفرات 30 كيلومترا غربا.

وتقوم على أرض فسيحة ترتفع نحو 398 مترا عن سطح البحر. والمدينة هي مركز منطقتها، ولا تبعد سوى 30 كيلومترا من النقطة الحدودية الفاصلة بين سوريا وتركيا.

وتشكل مساحة "منطقة منبج" نسبة 3.5% من مساحة سوريا، إذ تبلغ نحو ألفي هكتار، وتعد ثاني أكبر مدن المحافظة بعد مدينة حلب، وتحتل مدينة منبج منها 1295 كيلومترا مربعا، وتتبع لها نواحي عدة إضافة إلى 314 قرية ومزرعة في شرق نهر الفرات وغربه.

وتعد المدينة البوابة الغربية لشرق سوريا، وتقع على الطريق الدولي "إم 4″، الذي يربط شرق البلاد بغربها، مما منحها موقعا إستراتيجيا ساعد في جعلها مركزا اقتصاديا محليا وممرا تجاريا مهما. وإلى الجنوب من المدينة، يقع سد تشرين، الذي يُعد أحد أكبر السدود في سوريا.

وتمثل بالنسبة للشمال السوري إحدى أبرز البوابات مع تركيا، وأحد أهم الطرق الموصلة إلى حلب والريف السوري بشكل كامل.

السكان

بلغ عدد سكان منبج عام 2004 قرابة 100 ألف نسمة، لكن مع انطلاقة الثورة السورية في مارس/آذار 2011 بلغ عدد سكانها أكثر من 200 ألف، لاستقبالها نازحين من كل المناطق السورية، ثم اضطر الكثير من سكانها إلى الفرار بسبب الظروف الأمنية.

إعلان

ويشكل العرب أغلبية سكان منبج، وتحتضن قوميات أخرى كالأكراد والتركمان، وفيها نحو 300 عائلة شركسية.

وغالبية سكان منبج ومحيطها من قبائل وعشائر عربية متنوعة، تعود أصولها إلى مناطق ضفاف نهر الفرات، إذ هاجرت إليها واستقرت هناك على مدى السنوات.

التسمية

أقدم ذكر لمدينة منبج تاريخيا يعود للألفية الثانية قبل الميلاد عندما سيطر الآشوريون على المنطقة وتوسعوا من منبج لبناء إمبراطوريتهم، وكانت تسمى حينئذ بـ"نامبيجي"، وتعني "النبع" أو "المنبع"، وسميت بذلك لوجود عين مياه كبيرة تُعرف بـ"الرام".

وأطلق عليها الآراميون اسم "نابيجو"، وحرّف مع مرور الزمن وصار "مابوج" ويعني أيضا النبع، ثم سماها اليونانيون باسم "بامبيسي".

وفي أثناء العصر الروماني، أطلق عليها اسم "هيرابوليس" ويعني المدينة المقدسة، نظرا لاحتضانها معابد وثنية كانت مقصدا للحج، وكان آلاف الوثنيين يتوافدون إليها للمشاركة في الأعياد والاحتفالات الدينية، لذا أطلق عليها بعض المستشرقين لقب "فاتيكان الشرق"، نظرا لأهميتها الدينية ودورها في الطقوس والممارسات الروحية في ذلك العصر.

وفي العصر البيزنطي سميت "متروبولي"، وتعني المدينة الكبيرة، ومن بين الأسماء الأخرى التي عُرفت بها منبج عبر التاريخ "أبروقليس"، أي مدينة الكهنة و"أديسه" و"منبه" و"سرياس"، و"عاصمة العواصم" كما أسماها الخليفة العباسي هارون الرشيد.

‏التاريخ

لمنبج مكانة تاريخية كبيرة بفضل موقعها الإستراتيجي الهام، فهي المنطقة الفاصلة بين شرق نهر الفرات وغربه، وهي قريبة من نهر الفرات والحدود السورية التركية ومدينة حلب.

كما أنها عقدة الطرق المؤدية إلى مختلف مناطق الريف الشرقي والشمالي لمركز المحافظة، وبسبب ذلك اشتهرت بتاريخها في مقارعة الروم في القرون الإسلامية الأولى. وإضافة إلى ذلك ظلّت دائما مركزا للحراك الثقافي والاجتماعي.

ويعتقد أن مدينة منبج، المعروفة قديما باسم "مابوغ"، قد تأسست في الألفية الثانية قبل الميلاد على يد الحثيين، الذين بسطوا نفوذهم على شمال سوريا في تلك الفترة.

وذكرت منبج في الآثار الآشورية، ثم حكمها الآراميون، وتحت حكم أسرة "عبد حدد" الآرامية أصبحت مركزا لعبادة الآلهة "أتارغايتس" التي عرفت عند الإغريق باسم ديرسيتو، وصارت الآلهة الرئيسة لمنطقة شمال سوريا في العصور القديمة الكلاسيكية.

وعقب سيطرة الإسكندر المقدوني على المنطقة أعادت زوجة سلوقس الأول بناء معبد الآلهة، في خطوة تعكس مدى احترام السلوقيين لهذه الآلهة ورغبتهم في تعزيز الروابط الدينية والثقافية مع سكان المنطقة.

وازدادت أهمية منبج الإستراتيجية في العصر الهلنستي، وأصبحت خط الدفاع الأول في مواجهة الفرس، مما جعلها مدينة ذات طابع عسكري إلى جانب مكانتها الدينية.

استمرت المدينة في أداء هذا الدور الدفاعي في العصرين الروماني والبيزنطي، إذ شكلت نقطة حصينة على الحدود الشرقية للإمبراطوريات المتعاقبة.

وفي القرن الثالث الميلادي، أصبحت عاصمة لمقاطعة الفرات وإحدى أكبر المدن في سوريا، مما عزز من مكانتها الإستراتيجية والتجارية.

أما النواة الأولى للمدينة، فهي منطقة تُعرف باسم "التبة"، وهي تلة كانت تمثل مركز منبج القديم. وتعد هذه المنطقة الأقدم في المدينة، ولا تزال تضم منازل تاريخية عمرها تجاوز 100 عام.

A vendor sells baloons at a market in Syria's northern city of Manbij on December 21, 2024. Islamist-led rebels took Damascus in a lightning offensive on December 8, ousting president Bashar al-Assad and ending five decades of Baath rule in Syria. (Photo by Aref TAMMAWI / AFP)
أحد أسواق مدينة منبج في 21 ديسمبر/كانون الأول 2024 بعد تمكن المعارضة السورية من إسقاط حكم حزب البعث (الفرنسية)

الفتح الإسلامي

فتحها أبو عبيدة بن الجراح صلحا عام 16 هجرية أثناء الفتوحات الإسلامية، وأُلحقت إداريا بمدينة قنسرين، مما عزز مكانتها ضمن التقسيمات الإدارية للدولة الإسلامية آنذاك.

إعلان

وفي العصر العباسي، أثناء عهد هارون الرشيد أصبحت منبج جزءا من منطقة العواصم، إذ فصلت عن جند قنسرين وصارت خط التماس الأول مع البيزنطيين، ما عزز مكانتها الدفاعية والإستراتيجية.

وفي عهد سيف الدولة الحمداني، ازدادت أهمية المدينة بسبب ثروتها الزراعية وقربها من نهر الفرات عند جسر منبج، وبلغت ذروة ازدهارها في ذلك العهد، إذ ارتبط اسمها بأميرها أبي فراس الحمداني، الذي جعلها واحدة من أهم حواضر الشام.

ومع استمرار الصراع بين الحمدانيين والبيزنطيين، أصبحت منبج هدفا دائما للهجمات البيزنطية في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي. وسقطت المدينة بيد الصليبيين عام 1110 م، وأُسر أميرها، مما أدى إلى تراجع دورها السياسي لفترة من الزمن.

خضعت منبج لحكم الزنكيين حتى استولى عليها صلاح الدين الأيوبي عام 1176 م. ومع وفاة الملك الصالح أيوب، وانتقال الحكم إلى المماليك، تعرضت بلاد الشام لغزو القائد المغولي هولاكو عام 1258 م.

وغزاها الزعيم المغولي تيمورلنك عام 1401 م، ودمرها تماما ولم يُبق فيها حجرا فوق حجر، وأباد سكانها، كما فعل في حلب ودمشق، وبقيت خاوية من السكان قرابة 500 عام.

في عام 1517 م، هزم السلطان العثماني سليم الأول آخر سلاطين المماليك قانصوه الغوري في معركة مرج دابق، فصارت منبج جزءا من الدولة العثمانية.

فقدت المدينة أهميتها تحت الحكم العثماني، ولم تشهد تغييرات تذكر، باستثناء استقبال موجات من المهاجرين الشركس من القوقاز عام 1878 م.

الثورة السورية

حينما اندلعت الثورة السورية شاركت منبج بفعالية في أنشطتها واحتجاجاتها المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد، وشهدت المدينة أولى المظاهرات في 22 أبريل/نيسان 2011، عندما خرجت احتجاجات في سوق السلالين، عُرفت حينئذ باسم "الجمعة العظيمة".

وفي منتصف عام 2012 خاض الجيش السوري الحر التابع للمعارضة، اشتباكات مع النظام السوري وأفرعه الأمنية في ريف حلب الشرقي، وشارك فيها لواء التوحيد وكتيبة جند الحرمين وكتيبة الكرامة.

وبحلول يوليو/تموز 2012 بسط الجيش الحر، سيطرته عليها، فطرد منها أجهزة الأمن الموالية للنظام وأنشأ وحدات أمنية بديلة عنها وجهازا قضائيا جديدا لبسط سلطة القانون، وأدارها أبناؤها.

في يناير/كانون الثاني 2014 وقعت منبج تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وفي 31 مايو/أيار 2016 بدأت قوات "قسد" هجوما عسكريا شاملا على منبج عرف باسم "معركة منبج"، ووفر لها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية غطاء جويا.

وقال مسؤولون أميركيون إن آلاف المقاتلين السوريين المدعومين من واشنطن شنوا هجوما لاستعادة السيطرة على منبج من تنظيم الدولة، بهدف عرقلة وصوله إلى الأراضي السورية على طول الحدود التركية لقطع آخر نقطة اتصال له مع الخارج عبر الحدود التركية.

ونظرا لموقع المدينة القريب من الحدود التركية وأهميتها الإستراتيجية، كانت محط اهتمام أنقرة، التي استعدت لشن هجوم بهدف طرد القوات الكردية منها.

تمكنت واشنطن من إقناع الجانب التركي بالتراجع عن الهجوم، ودفعت بقوات من التحالف الدولي إلى المدينة التي أقامت فيها 3 قواعد عسكرية أميركية بهدف تهدئة المخاوف التركية. وفي الوقت نفسه، بدأت المفاوضات بشأن إنشاء منطقة آمنة على الحدود.

انسحبت القوات الكردية من المدينة بموجب اتفاق بين واشنطن وأنقرة في صيف 2018، وأصبحت المدينة بيد مجلس منبج العسكري التابع للإدارة الذاتية الكردية، مع وجود لقوات "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"قوات حماية المرأة الكردية".

وأواخر عام 2019 بدأت القوات التركية والأميركية بتسيير دوريات مشتركة في المنطقة، لكن من دون التوصل إلى تفاهم نهائي. ومع استمرار حالة التوتر في المنطقة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار سحب قوات بلاده، مما فتح الباب أمام العمليات العسكرية التركية.

إعلان

انطلقت العمليات العسكرية التركية على مدينة منبج في أكتوبر/تشرين الأول 2019 من ريف حلب الشمالي حيث كانت تتمركز التعزيزات التركية إلى جانب قوات الجيش السوري الحر، وكانت متمركزة في القرى المتاخمة للمدينة على طول شريط يبلغ 70 كيلومترا من غرب بلدة العريمة إلى شرق جرابلس حتى ضفة نهر الفرات الغربية.

أما في بلدة العريمة جنوب منبج مباشرة، فقد تمركزت قاعدة عسكرية روسية، مما أتاح لجيش النظام فرصة الانتشار في مناطق قريبة. وقد شكل هذا الانتشار خطا فاصلا في الغرب والشمال بين الوحدات الكردية من جهة، ومسلحي المعارضة السورية المدعومين من تركيا من جهة أخرى.

ومع انطلاق العمليات العسكرية التركية، أعلنت القوات الكردية، التي تصنفها أنقرة منظمة إرهابية، عن توصلها إلى اتفاق مع روسيا يقضي بنشر قوات النظام السوري على الشريط الحدودي لمدينة منبج، بينما انتشرت فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا على الحدود الغربية.

تضاربت الأنباء بعد تلك الفترة حول الجهة التي سيطرت على المدينة، وظلت مسرحا للاشتباكات بين قوات قسد التي استعانت بالنظام السوري المدعوم من روسيا وبين المعارضة السورية المدعومة من تركيا، وفيما بعد خضعت المدينة لحكم "الإدارة الذاتية" الكردية.

The Crusader-era castle Qala'at Najm on the Euphrates River in eastern Syria. (Photo by Nik Wheeler/Corbis via Getty Images)
قلعة نجم بنيت فوق تل يقع جوار نهر الفرات (غيتي)

خلع الأسد

في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أعلنت "إدارة العمليات العسكرية" التي تضم فصائل من المعارضة السورية المسلحة، عن إطلاقها معركة "ردع العدوان"، وتمكنت في 12 يوما من إسقاط حكم الأسد والسيطرة على دمشق وتشكيل حكومة انتقالية.

بالتزامن مع معركة "ردع العدوان" أطلق الجيش الوطني السوري المعارض (تابع للجيش الحر) معركة "فجر الحرية" في 29 من الشهر نفسه، واتجه شرقا من الشمال السوري ودخل في معارك واشتباكات حادة مع قوات قسد (دعمته واشنطن) التي سلمها جيش الأسد مواقعه قبيل انسحابه من أماكن تمركزه هربا من تقدم المعارضة.

وشكلت منبج منطقة صراع متأزم بين المعارضة السورية وقوات قسد، حتى أعلن في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2024 أن الولايات المتحدة وتركيا توصلتا إلى اتفاق يضمن انسحابا آمنا لعناصر قسد، وأعلنت المعارضة السيطرة على أكثر من 80% من المدينة.

استمر الجيش الوطني السوري بعمليات التمشيط في محيط "سد تشرين" قرب منبج بريف حلب في أواخر ديسمبر/كانون الأول، في حين دعت قسد أهالي مدينة عين العرب (كوباني) لحمل السلاح في وجه المعارضة السورية والجيش التركي.

واعتبرت "قسد" أن تركيا وحلفاءها لم يلتزموا بقرار "وقف إطلاق النار"، ويستمرون في هجماتهم على الجبهة الجنوبية لعين العرب، وأكدت أنها لن تتردد في التصدي لأي هجوم أو استهداف للمنطقة.

وعلى الرغم من سقوط النظام وتشكيل حكومة انتقالية جديدة في سوريا طالبت الأكراد بتسليم أسلحتهم وحل الخلاف سلميا، استمرت المعارك بين القيادة الجديدة وقوات قسد.

وفي 24 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلن الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) مقتل مدنيين اثنين وإصابة 4 آخرين في حصيلة أولية لانفجار سيارة ملغمة في مدينة منبج.

وفي يناير/كانون الثاني 2025 شهدت منبج نحو 7 تفجيرات بسيارة أو دراجة مفخخة، بحسب الدفاع المدني السوري، وفي الثالث من فبراير/شباط قتل وأصيب 20 مدنيا معظمهم من عمال الزراعة في انفجار سيارة ملغمة، وقالت الرئاسة السورية إنها ستحاسب منفذي "التفجير الإجرامي".

A produce vendor sorts through radishes at his stall in the city of Manbij, currently controlled by the Turkish-backed Syrian National Army faction, in Syria's northern Aleppo province on January 4, 2025. (Photo by AAREF WATAD / AFP)
سكان مدينة منبج يعتمدون على الزراعة بشكل رئيسي (الفرنسية)

الاقتصاد

يعتمد سكان منبج وريفها على الزراعة بشكل رئيسي خاصة زراعة الحبوب والخضروات والأشجار المثمرة، إضافة إلى الوظائف الرسمية والأعمال التجارية.

وتعد منبج موطنا لأكبر صوامع تخزين الحبوب والقمح في شمال سوريا، مما يعكس أهميتها الزراعية والاقتصادية في المنطقة.

وفي العصر الحديث، اشتهرت بزراعة الزيتون والقمح والشعير والقطن، إضافة إلى العنب والخضروات الموسمية، مستفيدة من قربها من نهر الفرات وتوفر شبكة ري تدعم خصوبة أراضيها.

المعالم

تعد منطقة منبج من أهم المناطق السورية التاريخية، وفيها مواقع أثرية كثيرة، منها تل عرب حسن وتل أحمر وجعدة المغارة وتل العبر والجمام الكبير والمدافن الأثرية ومعبد منبج وسور منبج والكنيسة السريانية، وغيرها.

وقد صوّر المخرج السوري عمر أميرلاي مشاهد فيلمه "طوفان في بلاد البعث" في قرية تتبع لمنبج تسمى قرية "الماشي"، وتناول الفيلم وقتها حالة التهميش المتعمد التي تمارسها السلطة السورية على هذا الريف.

إعلان

ويعد نهر الفرات من المعالم البارزة فيها، وفيه معالم كثيرة من بينها جبل أم السرج، ومعابد بيزنطية ورومانية اكتشفت في فترات متأخرة.

Shash Hamdan Tomb 1 Nabataean-Roman Severan Tomb Chamber Wall south & loculus west (3e) Locally, this tomb is known as Magaret Umm al-Banat (the Cave of the Mother of the Girls). Tomb 1 may have been dedicated to a cult celebrated by priestesses.
شاش حمدان يُعد من أهم المدافن على نهر الفرات، ويشبه مدافن تدمر التي بنيت في الفترة البيزنطية (فليكر)
  • شاش حمدان 

ويعد موقع شاش حمدان من أهم المواقع الأثرية في منطقة الفرات، إذ يحتوي على منحوتات جدارية تعكس براعة الفن القديم. وقد حددت البعثة الأثرية الأسترالية تاريخ المدفن بأنه يعود إلى العصر الروماني، وتحديدا إلى نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الميلادي.

ويعرف الموقع أيضا بالمدفن الملكي، وتحيط به عدد من المواقع الأثرية الهامة مثل جبل خالد وقلب رمانة وأم السرج وتل الحديدي وعارودة. ويعود تاريخه إلى الفترة البيزنطية (حوالي 600 ميلادي)، ويُعد من أهم المدافن على نهر الفرات، ويشبه مدافن تدمر التي بنيت في الفترة البيزنطية.

توثق جدرانه بانوراما الحياة في العصر الذي بنيت فيه بـ72 تمثالا جداريا، وتصور مجلس الحكماء وقارعي الدفوف والطقوس الجنائزية والعروض العسكرية وحيوانات رمزية كالأسد والثور والحصان.

  • قلعة نجم 

قلعة نجم واحدة من أكبر قلاع سوريا، وتبعد عن مدينة منبج 25 كيلومترا. بنيت فوق تل يقع جوار نهر الفرات وتطل على بحيرة الفرات في قرية نجم، وقيل إنها بنيت للدفاع عن المدينة ضد الهجمات الصليبية.

واشتهرت القلعة بإنجابها عددا من الشعراء الأقدمين مثل دوقلة المنبجي والبحتري الذي اشتهرت به حتى سميت "مدينة البحتري"، كما ولد بها الشاعر المعاصر الشهير عمر أبو ريشة.

وتتميز قلعة نجم بأبعادها التي تعكس أهميتها الدفاعية والإستراتيجية، إذ يبلغ طولها حوالي 95 مترا، بينما يصل عرضها إلى قرابة 60 مترا.

The Crusader-era castle Qala'at Najm on the Euphrates River in eastern Syria. (Photo by Nik Wheeler/Corbis via Getty Images)
قلعة نجم تعد واحدة من أكبر قلاع سوريا (غيتي)

أما من حيث الارتفاع، فتعلو القلعة عن الأرض المبسطة بحوالي 50 مترا، بينما ترتفع عن مستوى سطح نهر الفرات بحوالي 82 مترا، مما منحها موقعا دفاعيا مميزا مكّنها من السيطرة على المنطقة المحيطة بها عبر العصور.

صممت القلعة بشكل مضلع غير منتظم، وتضم أبراجا مربعة وأسوارا دفاعية. وتتألف من 3 طوابق، تضم مستودعات سرية وقاعة الإمارة وإسطبلات وجامعا صغيرا. وتطل شرفتها على نهر الفرات، وتحتوي على ممرات طويلة وسلالم أنيقة معلقة، مع نقوش عربية قديمة أبرزها كتابة ضخمة تعود للعصر الأيوبي.

سميت القلعة على اسم القائد الأيوبي نجم الدين بن صلاح الدين الأيوبي، وشيدت قرب جسر بني ليربط بين الضفة الشرقية لنهر الفرات والغربية، مما جعل المنطقة ذات أهمية إستراتيجية، ومعبرا للقوافل التجارية والعسكرية، وقيل إن سبب بنائها كان لحماية هذا الممر الحيوي.

اكتسبت قلعة نجم أهمية إستراتيجية بعد انتصار الحمدانيين عام 941 م، ثم خضعت لحكم الفاطميين عام 970 م، ثم بني نمير في عهد السلاجقة عام 1070 م، حتى استولى عليها الزنكيون عام 1127 م. وفي عهد نور الدين زنكي، استُخدم الحمام الزاجل لأول مرة بين القلعة وحلب لمراقبة تحركات الروم.

انتقلت القلعة إلى الأيوبيين عام 1181 م، ثم حكمها أبناء صلاح الدين الأيوبي حتى سيطر عليها هولاكو عام 1259 م أثناء حملته على سوريا. ولاحقا، خضعت للمماليك إثر اتفاقيتهم مع الفرنجة عام 1283 م، ثم قصفت عام 1820 في فترة الدولة العثمانية أثناء مطاردتها عشيرة متمردة.

وزار القلعة عدد من الرحالة البارزين، أمثال ابن جبير وماوندرل وبوكوك ودورموند وسخاو وأوبنهايم.

دمر تنظيم الدولة الإسلامية القلعة وشوّه معالمها وأجرى عمليات بناء داخلها، مما أدى إلى تخريب أجزاء من الإسطبل والحمامات، وأسوار القلعة، كما منع السياح والسكان المحليين من زيارتها، لكنها عادت لفتح أبوابها أمامهم بعد طرد التنظيم.

Shash Hamdan Tomb 1 Nabataean-Roman Severan Tomb Chamber Wall north & east Locally, this tomb is known as Magaret Umm al-Banat (the Cave of the Mother of the Girls).
شاش حمدان يعرف أيضا بالمدفن الملكي (فليكر)
  • مغارة أم السُرج 

تقع جنوب منبج على طريق الخفسة، ضمن جبل مستطيل الشكل يمتد طوله 600 متر وعرضه 200 متر، وتحيط به مواقع أثرية مهمة مثل دور دادا وجبل الصيادة وقلب رمانة. وسميت بأم السُرج لكثرة السرج المكتشفة داخله، وكانت تستخدم للإنارة بسبب الظلام الدامس داخلها.

مدخلها الرئيسي محفور في الجبل، وتضم المنطقة صهاريج لتخزين المياه وجدرانا حجرية ضخمة، وقاعات متعددة ومداخل متصلة وأحواضا مائية يُعتقد أنها استخدمت لتخزين المياه. كما تضم مدافن أثرية ثلاثية الفتحات، تعود للعصور القديمة.

يرتبط الموقع بتاريخ منبج الآرامي، إذ كان مرتبطا بعبادة إله العواصف "هدد"، واستخدم لاحقا من اليونانيين والرومان لأغراض دينية وعسكرية. وفي العهد العثماني، أصبح ملجأ للفارين، فيما استخدمه الفرنسيون لاحقا موقعا عسكريا.

المصدر: الجزيرة

إعلان