أبراهام لينكولن.. "حكيم سبرينغفيلد" الذي حرر أميركا من العبودية

The 16th American president, Abraham Lincoln (1809 - 1865), sitting and leafing through documents, Washington, D.C. (Photo by Hulton Archive/Getty Images)
أبراهام لينكولن أصبح عام 1860 الرئيس الـ16 للولايات المتحدة (غيتي)

محام وسياسي أميركي بارز، ولد عام 1809 بولاية كنتاكي في شرق الولايات المتحدة. امتهن المحاماة في سن مبكرة، وبدأ حياته السياسية عضوا في المجلس التشريعي لولاية إلينوي عام 1834.

حظي بشهرة واسعة في الأوساط السياسية، خاصة بعد مناظرات "ستيفن دوغلاس" الشهيرة عام 1858. فاز بالانتخابات الرئاسية عام 1860 وأصبح الرئيس الـ16 للولايات المتحدة الأميركية.

واجه تحديات كبيرة في فترة رئاسته، أبرزها الحرب الأهلية في الفترة ما بين 1861 و1865، ويعتبر المؤرخون أن "إعلان تحرير العبيد"، الذي أصدره في يناير/كانون الثاني عام 1863، وخطاب "غيتيسبيرغ"، الذي ألقاه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته، هما أبرز ما ميز سجل إنجازاته السياسية.

أعيد انتخابه عام 1864 ثم اغتيل في 14 أبريل/نيسان 1865. لقب بألقاب عدة منها "أبراهام الصادق" و"أبراهام المبجل" و"المحرر العظيم" و"العم أبراهام" و"حكيم سبرينغفيلد".

المولد والنشأة

ولد أبراهام لينكولن يوم 12 فبراير/شباط 1809 في كوخ خشبي صغير بـ"مزرعة سينكن سبرينغ" قرب مدينة هودجنفيل بولاية كنتاكي في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة.

نشأ في كنف أسرة فقيرة، فقد كان والده توماس لينكولن مزارعا بسيطا عرف بالتدين والاستقامة، بينما كانت والدته نانسي هانكس لينكولن ربة بيت تساعد زوجها في المهام الزراعية، إضافة إلى غزل الصوف ونسج الملابس.

وكانت لديه أخت كبرى تدعى سارة لينكولن ولدت عام 1807 وأخ يدعى توماس جونيور ولد عام 1812 وتوفي لاحقا في سن مبكرة.

President Abraham Lincoln is shown in a photograph by W.A. Thomson, made in Monmouth, Ill., on the day of his debate with Stephen A. Douglas, Oct. 1858. (AP Photo/W.A. Thomson)
أبراهام لينكولن وُلد عام 1809 ونشأ في كنف أسرة فقيرة (أسوشيتد برس)

انتقل أبراهام في السابعة من عمره مع عائلته إلى ولاية أنديانا، وهناك عاش وسط بيئة ريفية فقيرة وقاسية، إذ كان يساعد والده في أعماله الزراعية.

توفيت والدته عام 1818 وهو لم يتجاوز بعد التاسعة من عمره إثر إصابتها بـ"مرض الحليب"، وهو داء انتشر في أوائل القرن الـ19 في الولايات المتحدة، ينتج عن شرب حليب الأبقار أو تناول لحم المواشي التي تغذت على نبتة سامة تعرف باسم "الجذر الأفعواني الأبيض".

إعلان

خلف رحيل والدته جرحا عميقا وأثرا بالغا في شخصيته، فقد عبر عن ذلك قائلا "إن موتها ترك فراغا لا يملأ". وبعد عام من وفاة والدته، تزوج والده من سالي بوش جونستون، التي أسهمت بشكل جوهري في تكوين شخصيته وشجعته على التعلم.

الحياة الأسرية

تزوج لينكولن في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1842 من ماري تود لينكولن، وهي امرأة مثقفة تنحدر من عائلة غنية وذات نفوذ سياسي واجتماعي في ولاية كنتاكي، كانت زوجته تتميز بشخصية قوية واطلاعها الواسع، واهتمامها الكبير بالشؤون السياسية.

لهما 4 أطفال، هم: روبرت تود ولد في الأول من أغسطس/آب 1843، وإدوارد بيكر ولد في 10 مارس/آذار 1846، وويليام والاس رأى النور في 21 ديسمبر/كانون الأول 1850، وتوماس الملقب بـ"تاد" والمولود في الرابع من أبريل/نيسان 1853.

الدراسة والتكوين العلمي

لم يتلق لينكولن تعليما رسميا منتظما، إذ كانت فترات دراسته موزعة على مراحل متقطعة في مدارس ريفية غير نظامية.

ورغم الظروف الصعبة ونقص الموارد التعليمية في محيط نشأته، فإنه كان عصاميا، إذ اعتمد على نفسه في تحصيل العلم والمعرفة، وتعلم القراءة والكتابة والحساب بمفرده.

وقرأ الإنجيل وكتاب "حياة جورج واشنطن" للمؤلف ماسون لوك ويمز، و"حكايات إيسوب" و"روبنسون كروزو" لدانييل ديفو.

circa 1855: Abraham Lincoln (1809-1865). Sixteenth president of the United States 1860-65, declared a blockade of southern ports in April 1861, after the bombardment of Fort Sumter, issued the Emancipation Proclamation, led the Union to victory in the Civil War, shot by John Wilkes Booth April 14, 1865, died on 15th. (Photo by Stock Montage/Stock Montage/Getty Images)
أبراهام لينكولن نجح في دراسة القانون دون الالتحاق بالكلية وحصل على رخصة المحاماة عام 1936 (غيتي)

كما قرأ أعمالا للأديب الإنجليزي ويليام شكسبير، منها "هاملت" و"ماكبث"، إضافة إلى كتب في المنطق والرياضيات مثل كتاب "عناصر إقليدس"، الذي لجأ إليه لاحقا لصقل مهاراته في التحليل والمنطق.

كان يدون الاقتباسات المؤثرة في دفاتر خاصة، ويتدرب على إلقاء الخطب وتحسين لغته التعبيرية، وكان يشعل الحطب لكي يقرأ على ضوئه، وهو ما رسخ في الذاكرة الأميركية صورة "الفتى الذي تعلم بجوار الموقد".

كما نجح في دراسة القانون دون الالتحاق بالكلية، وعند بلوغه 22 عاما سافر إلى ولاية إلينوي، لينضم هناك إلى "نادي مناظرة"، الذي شكل فضاء مكنه من إبراز قدراته المميزة في الخطابة والتحدث أمام الجمهور.

المسار المهني

حصل لينكولن على رخصة المحاماة عام 1836، بعدما شق لنفسه مسارا تعليميا فريدا، تمكن عبره من تعلم القانون بشكل عصامي بفضل البحث والمطالعة الذاتية والدراسة الفردية.

وبدأ حياته المهنية محاميا في مدينة سبرينغفيلد بولاية إلينوي، ودخل أولا في شراكة مع جون تود ستيوارت، واشتغل إلى جانبه لسنوات، قبل أن ينتقل إلى العمل مع القاضي ستيفن تي لوغان.

وفي عام 1844 أسس مكتب محاماة جديدا مع ويليام هيرندون، الذي ظل شريكا له حتى انتخابه رئيسا للولايات المتحدة عام 1860.

واشتهر لينكولن أثناء هذه الفترة بمهارته في تبسيط القوانين ووضوح حجته أمام المحاكم، مما منحه سمعة طيبة وجعله ضمن المحامين البارزين في إلينوي.

المسار السياسي

بدأ لينكولن نشاطه السياسي مع حزب "الويغ"، وانتخب عام 1834 عضوا في المجلس التشريعي بولاية إلينوي شمال الولايات المتحدة الأميركية.

وكان من المدافعين عن تنمية الاقتصاد الأميركي عبر تطوير البنية التحتية والتعليم، وأصبح من أبرز الأصوات المعارضة لانتشار العبودية في الولايات المتحدة.

Abraham Lincoln is shown as a lawyer in Springfield, Ill., 1837. (AP Photo)
أبراهام لينكولن بدأ حياته المهنية محاميا في مدينة سبرينغفيلد بولاية إلينوي (أسوشيتد برس)

سطع نجمه سياسيا عقب صدور "قانون كانساس نبراسكا" عام 1854، وهو قانون ألغى اتفاقية ميزوري (1820)، التي كانت تمنع العبودية شمال خط عرض 36°30′، وسمح لسكان أراضي كانساس ونبراسكا بتقرير السماح بالعبودية بأنفسهم وفق مبدأ السيادة الشعبية، مما أدى إلى صراعات عنيفة بين المؤيدين والمعارضين للعبودية وزاد الانقسام الوطني بشأن القضية.

إعلان

برز لينكولن في ظل هذا الوضع في صف المعارضين للعبودية، فألقى خطابات مؤثرة يدعو فيها إلى الحرية والتحرير، كان أشهرها خطاب "البيت المنقسم"، الذي ألقاه في 16 يونيو/حزيران 1858 وقال فيه جملته الشهيرة "إن بيتا منقسما على ذاته لا يمكن أن يصمد".

خاض بعد ذلك معركة سياسية مع "ستيفن دوغلاس"، أحد كبار السياسيين في إلينوي، في مناظرات شهيرة عرفت بـ"مناظرات دوغلاس-لينكولن".

ورغم خسارته السباق الانتخابي لنيل مقعد في مجلس الشيوخ، فإن المناظرات أكسبته شهرة واسعة وأصبح صوتا بارزا يعبر بقوة عن معارضة العبودية.

التجربة الرئاسية

ترشح لينكولن باسم الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية عام 1860 وفاز بها، وتولى منصبه الرئاسي في الرابع من مارس/آذار 1861، ليصبح بذلك الرئيس الـ16 للولايات المتحدة، وكان فوزه سببا رئيسيا في اندلاع الحرب الأهلية الأميركية في 12 أبريل/نيسان 1861.

وتمثلت أسباب هذه الحرب في إعلان 11 ولاية جنوبية انفصالها عن الشمال المعارض لانتشار الرق، مما أدى إلى اندلاع صراع دموي في البلاد بسبب قضايا العبودية والحقوق الإقليمية.

وكانت هذه الحرب أكبر التحديات التي واجهها لينكولن، إذ انكب على تحديد الإستراتيجية العسكرية لوقفها مع ضمان وحدة البلاد والحيلولة دون التصدع والانقسام، واتخذ حينئذ قرارات تاريخية حاسمة، أهمها إعلان تحرير العبيد الصادر في الأول من يناير/كانون الثاني 1863.

كما حقق إنجازات عدة منها توحيد النظام المصرفي الذي كانت تسيطر عليه آنذاك عائلة روتشيلد اليهودية، التي لعبت دورا محوريا في دعم الحرب الأهلية بهدف ضمان استمرارية سيطرتها على حركة الاقتصاد وامتداد تحكمها في النظام المالي.

A bust of former President Abraham Lincoln is pictured as President Donald Trump speaks during an event in the Oval Office to mark the 90th anniversary of the Social Security Act, Thursday, Aug. 14, 2025, in Washington. (AP Photo/Alex Brandon)
تمثال الرئيس أبراهام لينكولن في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (أسوشيتد برس)

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1863 ألقى أشهر خطاباته وهو "خطاب غيتيسبيرغ" في ولاية بنسلفانيا، حين شدد على مبادئ الحرية والمساواة ووحدة الأمة.

في هذا الخطاب القصير والمؤثر، أكد لينكولن أن الجنود الذين سقطوا في معركة غيتيسبيرغ قد جعلوا الأرض مقدسة بتضحياتهم، مشددا على ضرورة أن "تولد هذه الأمة من جديد"، وأن تظل "حكومة الشعب، من الشعب، ولأجل الشعب".

في 1864 ترشح لولاية ثانية على رأس حزب الاتحاد الوطني، وهو تحالف مؤقت بين الجمهوريين وبعض الديمقراطيين المؤيدين للوحدة أثناء فترة الحرب الأهلية، بهدف تعزيز الدعم للوطنية والوحدة.

فاز لينكولن بالانتخابات الرئاسية، وتولى منصبه الرئاسي في الرابع من مارس/آذار 1865 في ولاية ثانية.

الوفاة

في 14 أبريل/نيسان 1865 تعرض أبراهام لينكولن لعملية اغتيال أثناء حضوره عرض مسرحية "قريبنا الأميركي" في "مسرح فورد" بالعاصمة الأميركية واشنطن، على يد الممثل المسرحي جون ويلكس بوث الذي أطلق عليه رصاصة من مسافة قريبة أصابته في الرأس.

كان منفذ العملية من المؤيدين للكونفدرالية ومعارضا لسياسات ومساعي لينكولن الرامية إلى إلغاء العبودية.

عرض جثمانه في البيت الأبيض والكونغرس، ونقل في جولة بعربة قطار استغرقت 13 يوما، مع توقفات في ولايتي فيلادلفيا ونيويورك لعرضه أمام الجمهور، قبل أن يدفن في سبرينغفيلد بإلينوي، حيث عاش أغلب حياته العملية والسياسية.

المصدر: مواقع إلكترونية

إعلان