الحكومة الائتلافية
حكومة مشكلة من حزبين سياسيين أو أكثر تدفعهم لذلك مصلحة سياسية أو رؤية فكرية متقاربة، وربما يكون التحالف نتاج وضعية أملاها سياق سياسي مع اختلاف الشركاء جذريا في المرجعية الفكرية. وفي الحالة الأخيرة يخضع تشكيل الحكومة عادة لمفاوضات عسيرة تُقدم خلالها تنازلات قد تكون مؤلمة.
دواعي الحكومة الائتلافية
يتفق المختصون في العلوم السياسية على ارتباط الحكومة الائتلافية بعدم الاستقرار السياسي، وليس المقصود هنا الاضطرابات الناتجة عن صراع مسلح أو نحوه، وإنما التدافع السياسي الشديد الذي يُثمر في كثير من الأحيان تشتت النزعة الغالبة للرأي العام، بحيث لا يمكن لأي حزب تشكيل حكومة منفردا.
بل إن هذا التشتت قد يصل أحيانا إلى حد لا يكون معه في مقدور أي قطب سياسي متجانس (يمين أو يسار) تشكيل الحكومة. وغالبا ما يكون هذا الواقع ناتجا عن سخط شعبي دفين على النخب قد ينعكس في بروز اتجاهات سياسية أخرى (وسط، أقصى يمين، أقصى يسار، خضر… إلخ).
والهدف عادة من تشكيل الحكومة الائتلافية هو ضمان أغلبية برلمانية مساندة لهذه الحكومة، تمكنها من تنفيذ برنامجها السياسي الذي يتطلب دائما تمرير القوانين داخل البرلمان بأغلبية مريحة.
والواقع أن الحكومات الائتلافية ميزة خاصة بالنظام البرلماني دون الرئاسي وشبه الرئاسي، ومرد ذلك إلى حتمية توفر الحكومة على أغلبية برلمانية، عكس النظام الرئاسي وشبه الرئاسي الذي يُركز في يد الرئيس صلاحيات واسعة تُمكنه من إنجاز الجزء الأهم من برنامجه السياسي دون حاجة حيوية إلى أغلبية برلمانية واسعة.
وفي بعض الحالات، تُدفع القوى السياسية للتحالف في حكومات ائتلافية نتيجة أوضاع استثنائية يعيشها البد، كأن يكون في حالة حرب أو واقعا في أزمة اقتصادية خانقة، أو يشهد اضطرابات واسعة تهدد وحدته واستقلاله. وقد تسمى الحكومة الائتلافية في هذه الحالة "حكومة وحدة وطنية" أو "حكومة وافق وطني".ننن
تداعيات الحكومة الائتلافية
إنَّ اللجوء إلى الحكومة الائتلافية يعبر بصيغة أو بأخرى عن فشل سياسي حال دون الحصول على أغلبية مطلقة، وإن كانت طبيعة الخريطة السياسية في بعض الحالات لا تسمح أصلا بذلك، كما أن التقطيع والنظام الانتخابييْن قد يحولان بنيويا دونه. وهنا يكون الائتلاف -بالنسبة لأطرافه أو بعضهم- شرا لا بد منه.
وهنا تبرز تحديات جمة بالنسبة للحزب المكلف بتشكيل الحكومة، إذ يكون عليه أحيانا التوفيق بين أكثر من جهة سياسية قد تكون خلفياتها متضاربة فيما بينها وفي نفس الوقت متباينة مع موقفه هو.
وهذا ما يُملي قدرا من المرونة يَستدعي تحقيقه تقديم تنازلات للشركاء. وأثناء ذلك، يجد الحزب نفسه وقد ضحَّى ببرنامجه الانتخابي في سبيل قيام التحالف الحكومي الذي لا ضامن مع ذلك لاستمراره.
وزيادة على هذا الإكراه السياسي الذي تمليه ضرورة التوفيق بين مواقف الشركاء في الائتلاف؛ يخضع تشكيل الائتلاف الحكومي لسقف زمني لا يكون كافيا في كثيرٍ من الأحيان لتعميق الحوار والتشاور حول بعض القضايا التي قد يكون عدم التوافق على تفاصيلها الشائكة سببا في انهيار الائتلاف الحكومي.
الائتلافات والتحولات الأيديولوجية
يدفع التباين السياسي بين مكونات القطب الواحد وبين الأقطاب فيما بينها إلى بروز توجهات سياسية تلخص في الواقع الحلول الوسطى التي تفرزها الائتلافات، مع ما يستدعيه ذلك من تنازلات فكرية وسياسية من أحد الطرفين أو كليهما. وبرسوخ هذه الوضعية مع مرور الزمن، يُلاحظ تبدل وانزياح في مواقف بعض التشكيلات السياسية.
فمثلا نجد أن اليسار في ألمانيا وإسبانيا وفرنسا في سنوات ما بعد بداية الألفية الثالثة ليس هو يسار سبعينيات القرن العشرين سواء في خياراته السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وإن كان التبدل الملاحظ أكثر وضوحا في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
فمع سيادة الاقتصاد الليبرالي وأنماط الاستهلاك المترتبة عليه والتي كرستها العولمة، بات اليسار يكابد لمسايرة الواقع؛ فأصبح مثلا لا يتحرج من تشجيع المقاولات وإعفائها من الضرائب، في وقت يفرض فيه مزيدا من الضرائب على الأجراء.
ونتيجة لهذه النزعة، تحولت أحزاب اليسار اليوم -في عدد من الديمقراطيات الأوروبية- إلى أحزاب اجتماعية/ديمقراطية، ولا يجد بعضها حرجا في التصريح بذلك، بينما يرفض بعضها الآخر هذا التصنيف وإن كانت سياساته لا تُسعفه في ذلك.
ففي اليونان مثلا، قبلت حكومة سيريزا اليسارية -بعد وصولها إلى السلطة في تشريعيات يناير/كانون الثاني 2015- شروط الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي المتعلقة بخطة الإنقاذ المالية لأن البلاد كانت على وشك الإفلاس ماليا، رغم أن الخطة المذكورة تمس في الصميم السيادة الوطنية وتتضمن تدابير تقشفية شديدة الوقع على الطبقة العاملة.
وليس التحول في الخطاب والموقف السياسي حكرا على اليسار؛ ففي فرنسا مثلا -ومع المكانة المركزية التي بات يحتلها موضوع الهجرة والاندماج والإسلام في النقاش السياسي المحلي- بات اليمين التقليدي نزاعا إلى أقصى اليمين، لاسيما في ضوء الحضور المتعاظم لحزب الجبهة الوطنية المتطرف، والذي عبرت عنه نتائج الانتخابات الإقليمية 2015.