النظام البرلماني

A Royal River Salute of boats passes the Houses of Parliament, to mark Britain's Queen Elizabeth II becoming the longest reigning monarch in British history, in London, Wednesday, Sept. 9, 2015. The Queen has on Wednesday become the longest ever reigning monarch in British history surpassing Queen Victoria who served for 63 years and seven months. (AP Photo/Kirsty Wigglesworth)
مبنى البرلمان البريطاني حيث الميلاد التاريخي للنظام البرلماني بمفهومه الحديث (أسوشيتد برس)

أحد أشكال النظام الديمقراطي التعددي، يقوم على التداخل بين السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان). وتكون الحكومة فيه مسؤولة أمام البرلمان، وأعضاؤها ينتمون في أغلبهم إلى الحزب أو الائتلاف الحائز على الأغلبية البرلمانية.

ولا يمكن للحكومة أن تمارس مهامها في النظام البرلماني إلا إذا حازت ثقة أغلبية أعضاء البرلمان، كما يستطيع النواب التحرك ضد الحكومة من خلال تقديم ملتمس لحجب الثقة عنها.

وفي المقابل، للحكومة أن تبادر بحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة إذا فقدت دعم أغلبية تمكنها من تنفيذ سياساتها وتمرير القوانين والمراسيم اللازمة لذلك داخل البرلمان.

خلفية تاريخية
نشأ النظام البرلماني في بريطانيا، وكان للحالة السياسية للبلاد عام 1215 دورٌ بارز في هذا التحول التاريخي في الحياة السياسية للبلاد.

فحين أصبح ملك البلاد جان سان تير ضعيفا سياسيا بعد هزيمته أمام الفرنسيين، وصارت البلاد على حافة الإفلاس المالي، اتجه الملك إلى الاستدانة من النبلاء الإقطاعيين (البارونات) فطالب هؤلاء بأن يكون لهم الحق في المساهمة من عدمها.

وقد شكلت هذه الخطوة باكورةَ مفهوم العريضة المطلبية التي ستكون عملا مؤسسا في البناء الديمقراطي، والأصلَ البعيد لمبدأ التجاوب بحرية مع الشأن العام.

قام الملك بإصدارِ "الميثاق الكبير" (ماغنا كارتا) لطمأنة البارونات المتوجسين من المواجهة مع السلطة في حال رفضهم تقديم الأموال المطلوبة، ومنح الميثاق المجلس الكبير -وهو الهيئة التمثيلية الوحيدة حينها ويضم اللوردات ومجالس المدن- سلطة اتخاذ القرار بشأن الضرائب.

وفي عام 1332 عُقد أول اجتماعٍ مشترك لمجلس اللوردات (النبلاء) ومجلس المدن (البرجوازية)، وبموازاة ذلك تم إقرار حق المجلس في تقديم عرائض إلى الملك مقابل إجازة الميزانية التي يطلبها.

إلا أن التطور الأهم والذي سيُسرع بتثبيت أركان النظام البرلماني هو وصول أسرة دي هانوفر إلى الحكم ببريطانيا، فملوك هذه الأسرة المنحدرة من ألمانيا لا يتحدثون الإنجليزية، وكان ذلك عائقا في تواصلهم مع المواطنين وفي تثبيت أركان حكمهم.

وفي ضوءِ ذلك ارتأوا أنْ يُفوضوا مزيدا من الصلاحيات لرئيس الوزراء، وهكذا سيُصبح روبرت والبور (1676-1745م) أول رئيس وزراء فعلي لبريطانيا، رغم أنَّ هذه التسمية لم تكن معروفة آنذاك، ورغم أن سريان القوانين ظل مربوطا بموافقة الملك طوال فترات لاحقة، وإن كانت تلك الموافقة أصبحت تلقائية في حدود عام 1707.

وغير بعيد عن بريطانيا، شهدت السويد بدورها بعض البذور الأولى للنظام البرلماني في القرن الثامن عشر، فقد فرضت ولاياتها في عام 1718 على الملكة التنازل عن بعض صلاحياتها لها بحكم أنها هي من ينتخبها.

وبعد وفاة الملكة، فرض ممثلو الولايات على الملك الجديد إقرار دستورٍ للبلاد كان هو أول دستور حديث من نوعه في التاريخ. وقد مهدت هذه الخطوة لما عُرف بـعهد الحرية في أوروبا، لكن التجربة سرعان ما وُئدت بانقلاب نفذه الملك ضد مجالس الولايات في 1772.

أنواع النظام البرلماني
أ- النظام المزدوج المسؤولية: وتكون الحكومة فيه مسؤولةً أمام البرلمان الذي تستمد منه شرعيتها وقوتها السياسية كما تكون مسؤولة أمام رئيس الدولة (ملك، رئيس، سلطان…).

وساد هذا النظام في الملكيات الأوروبية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، فعرفته بريطانيا أولا بين سنتيْ 1792 و1834، ثم فرنسا خلال 1830-1848، ثم بلجيكا بدءا من سنة 1831.

ويُجسد هذا النموذج مرحلة التحول من الحكم المطلق إلى الملكية البرلمانية في أوروبا، ومع ذلك نجد بعض دول العالم الثالث تأخذ به.

ب- النظام الأحادي المسؤولية: وهو السائد في أغلب الديمقراطيات الأوروبية منذ القرن العشرين، وفيه تكون الحكومة مسؤولة فقط أمام البرلمان بينما يتمتع رئيس الدولة بصلاحيات محدودة وشرفية في أغلبها. وهذا النموذج سائد في بريطانيا وألمانيا وإسبانيا.

إيجابيات وسلبيات
يتميز النظام البرلماني بمرونة في العلاقة بين السلطات، فالسلطة التنفيذية (الحكومة) منبثقة عن البرلمان وبالتالي تحتاج إلى ثقته، إلا أنها -في نفس الوقت- تعمل باستقلالية تامة عنه، لكنه يُمكنه إسقاطها بحجب الثقة، كما يُمكنها حله والدعوة إلى انتخابات جديدة.

وعليه فإن تداخل السلطات مع استقلاليتها فيما بينها هو إحدى أهم ميزات النظام البرلماني، ومصدر قوة وضعف في الآن ذاته. وهذا التوازن الهش نسبيا يضمن قدرا من استقلال السلطات لتمتلك كل منها آليات للدفاع عن نفسها، وحماية السلطات المخولة لها بنص الدستور أو الأعراف الدستورية.

ومع تميز هذا النظام بالتعايش بين السلطات مع استقلاليتها، فإنه لا يخلو من نواقص لعل أهمها أن الحكومة تهمين على البرلمان بحكم أنّها منبثقة عن الحزب أو الائتلاف الحزبي المهيمن عليها، وهو ما يجعل البرلمان في خدمة الأجندة السياسية للحكومة، ويضعف قدرته على أداء وظيفته الرقابية التي وُجد من أجلها أصلا.

ويُؤخذ على النظام البرلماني كذلك أنه مرتبط -في حالات كثيرة- بعدم الاستقرار السياسي لاسيما في غياب ثنائية إيديولوجية أو حزبية حقيقية تُمكّن من تناوب قابل للاستمرار. ففي حال تشرذم الخريطة السياسية يكون البلد عرضة للأزمات الحكومية، ودوامات لا متناهية  وعقيمة من الانتخابات السابقة لأوانها.

نماذج معاصرة
في بريطانيا -وهي مهد النظام البرلماني- يهيمن حزبا العمال والمحافظين على المشهد السياسي منذ عقود مما حقق قدرا من الاستقرار السياسي، وفي الوقت ذاته فإن الفوارق بين الحزبين في نتائج الانتخابات عادة لا تكون واسعة، وهو أمر ضمِن -من ناحية ثانية- وجود معارضة قوية في البرلمان.

وفي تركيا التي تأخذ بالنظام البرلماني منذ عقود، هيمن حزب العدالة والتنمية التركي على المشهد السياسي بدءا من عام 2002، حيث استطاع وحده تشكيل الحكومة أكثر من مرة. وقد مكّن ذلك البلاد من تحقيق استقرار سياسي ظهرت نتائجه في القفزة الاقتصادية والتنموية الواسعة التي حققتها البلاد منذ 2002.

المصدر : الجزيرة