صندوق النقد الدولي.. بنك إقراض العالم

شعار صندوق النقد الدولي - الموسوعة
أنشئ صندوق النقد الدولي عام 1944 في واشنطن، وبلغ عدد أعضائه 190 بلدا بحلول عام 2022.

صندوق النقد الدولي مؤسسة مالية دولية أنشت عام 1944 ومقرها واشنطن، يبلغ عدد أعضائها حاليا 190 دولة. يختص الصندوق بتقديم القروض إلى الدول الأعضاء لمعالجة العجز المؤقت في موازين مدفوعاتها، ويعمل على استقرار أسعار الصرف، كما يفرض على الدول المقترضة أن تستشيره بشأن الخطوات التي تتخذها لتحسين وضع ميزان مدفوعاتها.

في 1 سبتمبر/أيلول 2022، أعلن صندوق النقد الدولي أنه توصل إلى اتفاق مع سريلانكا الغارقة في أزمة اقتصادية خانقة منذ أشهر، على خطة إنقاذ بقيمة 2.9 مليار دولار تمتدّ 4 أعوام لتصحيح وضعها المالي، وقبلها بيومين وافق على دعم باكستان -التي تعاني من ضائقة مالية- بـ1.1 مليار دولار.

النشأة والعضوية

بعد الحرب العالمية الثانية، اجتمعت 44 دولة من "الحلفاء" في مؤتمر "بريتون وودز" في يوليو/تموز 1944، بهدف التخطيط لبناء إطار للتعاون الدولي تجنبا للانتكاسة الاقتصادية التي عاناها العالم في ثلاثينيات القرن الماضي وسميت "الكساد الكبير".

في 27 ديسمبر/كانون الأول 1945، ظهر صندوق النقد الدولي للوجود بصفة رسمية بعد توقيع 29 دولة على ميثاقه في مؤتمر" بريتون وودز" بالولايات المتحدة الأميركية.

وفي مارس/آذار 1947، بدأ الصندوق ممارسة أعماله مع 40 عضوا، وبحلول عام 2022 بلغ عدد أعضائه 190 دولة.

الأهداف والمهام

يهدف الصندوق بالأساس إلى تعزيز التعاون النقدي الدولي، وتشجيع التوسع التجاري والنمو الاقتصادي، وتثبيط أي سياسة قد تضرّ بالرخاء العالمي، مما يضمن استقرار النظام النقدي ونظام أسعار الصرف والمدفوعات الدولية.

وتم الاتفاق على أن تلتزم كل دولة من الدول الأعضاء بسعر الصرف المحدد لعملتها، ولا تسمح بتقلبات هذا السعر إلا في حدود +/- 1%، وسعر الصرف المحدد يكون على أساس الدولار الأميركي، وهو بالتالي مرتبط بالذهب وفقا لسعر معين.

ويسعى إلى تحقيق تلك الأهداف من خلال آليات محددة، حيث ينص نظام الصندوق على أنه يجب على كل دولة عضو فيه أن تأخذ إذن الصندوق قبل خفض أو رفع قيمة عملتها، كما يجب عليها أن يكون لها حصة في أموال الصندوق تتكون من 25% من الذهب و75% من عملة الدولة نفسها.

وتعد ممارسة الرقابة على الدول الأعضاء من المهام الرئيسية للصندوق، وذلك بمتابعة التطورات الاقتصادية والمالية، حفاظا على الاستقرار ومنعا للأزمات في النظام النقدي الدولي.

ويقدم الصندوق توصيات بعد تقييم الأوضاع الاقتصادية في البلد العضو، مما يسمح بتحقيق نمو مستدام.

كما يعطي الصندوق قروضا مالية ومساعدات للدول التي تحتاج حلا لمشكلات العجز المؤقت في موازين مدفوعاتها، مما يساهم باستقرار أسعار الصرف، وتحسين الوضع الاقتصادي لديها.

ويوفر صندوق النقد الدولي المساعدات الفنية والتدريب للمسؤولين الحكوميين في البلاد الأعضاء، لتنمية قدرات حكوماتهم من أجل تنفيذ سياسات اقتصادية سليمة، مثل إدارة الضريبة والإنفاق وسياسات النقد والصرف، وكيفية الرقابة على النظام المالي وتنظيمه.

الهيكلة

يعدّ مجلس المحافظين أعلى الهرم التنظيمي في صندوق النقد الدولي، ويتألف من محافظ ومحافظ مناوب من كل بلد عضو، وعادة ما يكونون من كبار المسؤولين في البنك المركزي أو من وزارة مالية الدولة العضو، ويجتمعون مرة في السنة.

يكوّن 24 محافظا من مجلس المحافظين اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية (IMFC)، وهي مسؤولة عن تقديم المشورة للمجلس التنفيذي.

وبدوره يشرف المجلس التنفيذي (المكون من 24 عضوا يمثلون كل أعضاء الصندوق) على المجلس اليومي، ويعدّ المدير العام هو رئيس موظفي الصندوق ورئيس المجلس التنفيذي، ويشرف هو ونوابه على المكاتب والإدارات المتخصصة في مختلف المناطق في العالم.

ومن ضمن تلك المكاتب، يوجد مكتب التدقيق والتفتيش الداخلي، ومكتب الميزانية والتخطيط ومكتب الاستثمار.

وإلى جانب مكتب المعلومات والاتصال، لدى الصندوق عدة هيئات إدارية بينها إدارات الشؤون القانونية والأسواق النقدية والإستراتيجيات والسياسات والبحوث والإحصاءات وتنمية القدرات.

كما أن لديه إدارات مختصة بشؤون المناطق الجغرافية، بينها الإدارة الأفريقية، وإدارة آسيا والمحيط الهادي، ومكتب صندوق النقد الدولي في أوروبا، بالإضافة إلى إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وإدارة نصف الكرة الغربي.

التمويل

يحصل صندوق النقد الدولي على تمويله من 3 مصادر: أولها حصص البلدان الأعضاء التي تعد المصدر الرئيسي للتمويل، وتُقَدم المساهمات بناء على حجم اقتصادات الدول الأعضاء ومركزها الاقتصادي.

وتعد الاتفاقات الجديدة للاقتراض (NAB) بين الصندوق ومجموعة من البلدان الأعضاء والمؤسسات، المورد الرئيسي الثاني والمساند لحصص العضوية، بالإضافة لاتفاقات الاقتراض الثنائية (BBAs) مع الدول الأعضاء.

حقوق السحب الخاصة

أنشأ صندوق النقد الدولي حقوق السحب الخاصة (SDRs) عام 1969، وتعد أصلا احتياطيا دوليا مدرّا للفائدة للدول الأعضاء، وله دور في توفير السيولة للنظام الاقتصادي العالمي.

وتعتبر حقوق السحب عنصرا مكملا للأصول الاحتياطية الأخرى للبلدان الأعضاء، وترتكز قيمتها على "سلة العملات" التي تعد مجموعة من أقوى الأوراق النقدية المؤثرة في الاقتصاد العالمي، وتضم: اليوان الصيني، والدولار الأميركي، والجنيه الإسترليني، والين الياباني، واليورو الأوروبي.

ولا يعد حق السحب عملة أو مطالبة على الصندوق، لكنه أصل احتياطي دولي يمكن تحويله إلى عملة احتياطية بمساعدة دول أخرى، مما يوفر سيولة غير مشروطة.

وتوزع حقوق السحب عادة على البلدان الأعضاء عن طريق عملية "التوزيع العام" الذي يقدره مجلس محافظي الصندوق، ومنذ عام 1970 إلى 2021 أجريت 4 توزيعات.

وتحدد قيمة حق السحب الخاصة مقابل الدولار الأميركي يوميا، وذلك على أساس أسعار الصرف الفورية المعلنة ظهر كل يوم بتوقيت لندن.

وكان حق السحب الخاص في البداية يعرف أنه يساوي 0.888671 غراما من الذهب، وكان يعادل دولارا واحدا وقتئذ، لكن بعد انهيار نظام "بريتون وودز" أعيد تعريف حق السحب الخاص بناء على "سلة العملات".

أبرز الأحداث

خلال الحرب الباردة في خمسينيات القرن الماضي، أعلنت روسيا والصين انسحابهما من النظام الاقتصادي العالمي.

وفي مارس/آذار 1950، انسحبت بولندا من صندوق النقد الدولي بعد ضغوط من الاتحاد السوفياتي.

وبعد انتهاء الاستعمار في دول أفريقيا، أنشئ صندوق النقد الأفريقي عام 1961، وانضمت له في البداية 3 دول هي: مصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا، وبحلول نهاية 1969 انضمت 34 دولة أخرى للصندوق.

وفي عام 1962، أظهرت مجموعة الدول العشر (الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا والسويد وكندا واليابان) استعدادها لدعم خط ائتماني للصندوق، عندما أصبحت هناك حاجة ماسة إلى زيادة أمواله.

وبعد حرب فيتنام في سبعينيات القرن الماضي، عانت الولايات المتحدة الأميركية من تضخم كبير ومغالاة في أسعار صرف الدولار.

وفي محاولة لمعالجة التضخم الذي أصاب أميركا، أعلن رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون عام 1971 تعليق قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، وهو ما منع الدول من تبادل الدولار بالذهب، وسمي ذلك وقتئذ بـ"صدمة نيكسون"، منهيا بذلك نظام "بريتون وودز".

وبدأت صدمة النفط الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 1971، بعدما أعلن أعضاء "أوبك" حظر النفط عن الدول المؤيدة لإسرائيل، والضغط على إسرائيل للانسحاب من الأرضي المحتلة بعد 1967.

تسبب الحظر في ارتفاع سعر النفط بشكل كبير، مما تزامن مع انهيار نظام "بريتون وودز" وأدخل العالم في ركود اقتصادي وارتفاع كبير في معدلات التضخم حتى بداية الثمانينيات.

في عام 1972، بدأ الصندوق توزيع حقوق السحب الخاصة على أعضائه بحسب نسبة حصصهم في أموال الصندوق. وفي عام 1973، تعرض سوق الأسهم المالية لانهيار شديد.

أقرّ الصندوق عام 1978 حق الدول الأعضاء في تنظيم سعر صرف عملاتها. وفي عام 1986، بدأ صندوق النقد بإقراض الدول النامية بأسعار أقل من سعر السوق.

في بداية تسعينيات القرن الماضي، ومع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، انضمت 24 دولة إلى الاقتصاد العالمي، مما ساهم في تنشيط الاقتصاد عالميا، وبدأ الصندوق في تقديم مشورات في كيفية الانتقال من سياسة الاقتصادات المركزية إلى اقتصاد السوق.

عام 1994، عانت المكسيك من أزمة اقتصادية، فساهم صندوق النقد بـ50 مليار دولار لإعادة استقرار الاقتصاد المكسيكي.

بعدها بعامين، أطلق الصندوق مبادرة أخرى دعما للدول النامية لضمان عدم تكبدها ديونا كبيرة، وشملت الإعفاءات من الديون 36 دولة، وبلغ حجمها 77 مليار دولار حتى عام 2017.

في بداية عام 1997، بدأت "الأزمة المالية الآسيوية"، فأعلن صندوق النقد الدولي عن برنامج بقيمة 17 مليار دولار لتايلند، و23 مليار دولار لإندونيسيا، و57 مليار دولار لكوريا الجنوبية.

وتأثرت روسيا بالأزمة الآسيوية، حيث تعرضت لأزمة حادة في ميزانيتها تسببت في انخفاض الأسهم والروبل الروسي، فقدم صندوق النقد الدولي حينئذ 22.6 مليار دولار لإعادة استقرار الاقتصاد.

ومع بداية عام 2001، أعلن صندوق النقد الدولي تخفيف عبء الديون عن 22 دولة، منها 18 دولة أفريقية.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2001، انضمت الصين لمنظمة التجارة العالمية (WTO) وهو ما يعني انضمامها للاقتصاد العالمي.

وفي سبتمبر/أيلول 2008، أعلن بنك "ليمان براذرز" الأميركي إفلاسه، وعدت الأزمة الكبرى في أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتسببت بأزمة اقتصادية عالمية، حيث قدم الصندوق تمويلا بنحو 500 مليار دولار لـ90 دولة.

بعدها بشهرين، عقدت قمة "العشرين" الأولى على مستوى الرؤساء في واشنطن، بهدف وضع أسس لتعزيز النظام المالي العالمي، وتوصلوا فيها إلى تجنّب ترك أي قطاع من السوق المالية العالمية بعيدا عن المراقبة، والتركيز على تحقيق نمو دائم ومستمر ومتوازن لتجنب انتكاسة أخرى.

وفي نهاية عام 2009، بدأت أزمة "الديون الأوروبية"، فانضم صندوق النقد الدولي إلى البنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية، وقدموا قروضا طارئة لقبرص واليونان وأيرلندا والبرتغال، مما ساعد هذه الدول عند نهاية عام 2013 في استعادة قواها الاقتصادية.

ومع انطلاق الربيع العربي بداية عام 2011، عانت المنطقة العربية من زعزعة في استقرارها الداخلي أثر على اقتصادها، فقدم صندوق النقد قرضا بقيمة 37 مليار دولار لإصلاح اقتصادات الدول المتضررة.

وفي أزمة وباء إيبولا في أفريقيا، قدّم صندوق النقد الدولي 130 مليون دولار إلى 3 دول عام 2014، و160 مليون دولار لدول أخرى عام 2015.

وفي سبتمبر/أيلول 2016، انضمت الصين إلى "سلة العملات" لصندوق النقد الدولي.

ومثلت جائحة كورونا أسوأ ركود للاقتصاد العالمي بعد "الكساد الكبير" في ثلاثينيات القرن الماضي، مما أدى لزيادة الطلب من البلدان الأعضاء للمساعدات المالية من الصندوق، ولزيادة مؤقتة في حجم الموارد والتمويل الطارئ، فأعلن الصندوق تقديم أسعار فائدة صفرية على القروض الطارئة.

حجم الديون

بحسب بيانات صندوق النقد الدولي، تسببت حرب روسيا على أوكرانيا في ارتفاع حجم الديون الحكومية في العالم إلى مستوى غير مسبوق، مسجلة بذلك رقما قياسيا جديدا، بعدما كسرت حاجز 97 تريليون دولار، وهو ما يعادل 94.4% من إجمالي الناتج العالمي.

ورجّح الصندوق أن تظل قيمة الديون خلال 2022 أكبر بـ11 نقطة مئوية عن مستواها في عام 2019، عندما كانت تعادل 83.4%، لكن المؤسسة المالية الدولية رجحت انخفاض الدين العالمي إلى ما نسبته 94.1% خلال 2023.

ووفق الصندوق، ارتفعت قيمة الديون الإجمالية العالمية التي تشمل ديون الشركات والأفراد والأسر إلى 220 تريليون دولار، أي ما يعادل 250% من إجمالي الناتج العالمي، كما تفاقم عجز ميزانيات الحكومات إلى ما يعادل 4.9% خلال 2022.

عالميا، احتلت الولايات المتحدة المركز الأول في الديون بـ31.8 تريليون دولار، تليها الصين بقيمة 15.5 تريليون دولار، ثم اليابان بقيمة 12.9 تريليون دولار، وفرنسا بقيمة 3.3 تريليونات دولار، وإيطاليا بقيمة 3.1 تريليونات دولار، والهند بقيمة 3.1 تريليونات دولار أيضا، ثم ألمانيا بقيمة 3 تريليونات دولار، وبريطانيا بقيمة 3 تريليونات دولار أيضا.

وعربيا، احتلت مصر المركز الأول بـ409.5 مليارات دولار، تليها السعودية 250.7 مليار دولار، فالإمارات 158.9 مليار دولار، ثم الجزائر 109.6 مليارات دولار، فالعراق خامسا 104.1 مليارات دولار، ثم المغرب بديون تتجاوز 102.6 مليار دولار، ولبنان في المرتبة السابعة بقرابة 99.8 مليار دولار، فالسودان ثامنا 89.4 مليار دولار، ثم البحرين 51.5 مليار دولار، وحلّت سلطنة عمان في المركز العاشر 48.5 مليار دولار.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية