إسطنبول.. القلب النابض للاقتصاد التركي

المساجد التاريخية تحتضن الخلجان المائية بإسطنبول
أصبحت إسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية عام 1517 (الجزيرة نت)

أكبر مدن تركيا وعاصمتها الاقتصادية والسياحية والثقافية، تعد من أهم المدن بحكم موقعها الجغرافي المركزي المتميز، ومكانتها الدينية والثقافية، وطبيعتها الخلابة. قال القائد الفرنسي نابليون بونابرت لما دشنها: لو كان العالم بلدا واحدا لكانت عاصمته هذه المدينة بلا منازع.

الموقع
تقع إسطنبول في إقليم مرمرة شمال غربي تركيا، ويحدها من الشمال البحر الأسود، ومن الجنوب بحر مرمرة، ومن الغرب محافظة تكيرداغ، ومن الشرق محافظتا صكاريا وكوجالي.

يقسم مضيق البوسفور مدينة إسطنبول إلى قسمين شرقي وغربي، يقع الشرقي في قارة آسيا (شبه جزيرة كوجالي) والغربي (شبه جزيرة تشاتالجا) في قارة أوروبا شرقي منطقة تراقيا الواقعة جغرافيا جنوب شرقي البلقان، ويعد موقعها من أفضل المواقع الدفاعية في العالم.

تبلغ مساحة محافظة إسطنبول الكلية 5461 كيلومترا مربعا، وتبلغ مساحة اليابسة منها 5343 كيلومترا مربعا، بينما تبلغ مساحة المدينة المركزية 1830 كيلومترا مربعا، وتنقسم إداريا إلى 39 بلدية منها 27 بلدية تشكل المدينة المركزية.

تتميز المدينة بمناخ معتدل، وغالبا ما يكون صيفها مرتفع الحرارة رطبا، ويكون شتاؤها باردا ماطرا وتتساقط خلاله الثلوج غالبا، بينما يعتدل الجو في الربيع والخريف وتتساقط أمطار متفرقة.

السكان
يقطن في إسطنبول نحو 14 مليونا و804 آلاف و116شخصا، يشكّلون 18.5% من إجمالي عدد سكان تركيا، وفق معطيات هيئة الإحصاء (حكومية) عن عام 2016.

وتشتهر المدينة بتنوعها العرقي والديني، ولذلك ما زالت تحمل مكانة مرموقة عند أتباع مختلف الطوائف الدينية.

يشكل المسلمون السنة الأغلبية، وهناك عدة أقليات، أهمها: العلويون الذين يعدون أكبر أقلية دينية في إسطنبول، والمسيحيون الروم الأرثوذكس، والمسيحيون الأرمن الأرثوذكس، والمسيحيون الكاثوليك الشرقيون، والشوام اللاتين، واليهود السفارديم وبعض اليهود الأشكناز.

التاريخ
عرفت المدينة عبر التاريخ بأسماء عديدة، أهمها: مدينة بيزنطة، والقسطنطينية، والأستانة، وإسلامبول، ويعود تاريخ سكنها إلى العصر الحجري الحديث، حيث أظهرت عمليات الحفر آثارا تدل على أنها كانت مأهولة في الألفية السابعة قبل الميلاد، وهذا يعني أنها كانت مأهولة قبل تشكل مضيق البوسفور.

في منتصف القرن السابع قبل الميلاد أسس المهاجرون الميغاريون الإغريق مدينة بيزاس بمنطقة سراي بورنو (عند نقطة التقاء القرن الذهبي ببحر مرمرة) في الطرف الأوروبي من إسطنبول، وعام 330 اختار قسطنطين الأول بيزنطة عاصمة رسمية للإمبراطورية الرومانية وغير اسمها إلى القسطنطينية.

عند انقسام الإمبراطورية الرومانية عام 395 إلى إمبراطوريتين شرقية وغربية بعد وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس الأول، أصبحت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الشرقية، وروما عاصمة الإمبراطورية الغربية.

ازدهرت المدينة في هذه المرحلة بشدة وتعاظمت مكانتها الدينية والتجارية والسياسية والعسكرية، فمن الناحية الدينية أصبحت عاصمة للمسيحيين الروم الأرثوذكس وكنيستها "آيا صوفيا" من الأماكن المقدسة عندهم.

بعد ظهور الإسلام وتوسع المسلمين في العالم بالقرن السابع الميلادي كانت القسطنطينية إحدى وجهات حركة الفتوحات، رغبة في تحقيق بشارة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الواردة في قوله "لتفتحن القسطنطينية؛ فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش".

توجهت لفتحها عدة جيوش في فترة الخلافة الأموية لكنها جميعها باءت بالفشل بسبب حصانتها ومكانتها العالية في قلوب البيزنطيين الذين استماتوا في الدفاع عنها، إلا أن هذه الهجمات أضعفت كثيرا قوة الدولة البيزنطية.

هاجمها الصليبيون الكاثوليك -نتيجة لصراعهم التاريخي مع الروم الأرثوذكس- عام 1204 خلال الحملة الصليبية الرابعة التي توجهت إلى الشرق، فاحتلوها ونهبوها وارتكبوا مذابح فيها.

استطاع العثمانيون تدريجيا السيطرة على أراضي الدولة البيزنطية بالأناضول، فسيطروا على أهم المدن مثل بورصة وإزميت التي تشكل البوابة الشرقية البرية للقسطنطينية، وعلى غاليبولي المشرفة على مضيق الدردنيل، ثم توسعوا غرب المدينة في تراقيا وسيطروا على أدرنة، ووصلت حروبهم إلى بلغاريا واليونان، وبهذا ضيقوا الخناق على المدينة وعزلوها تماما عما حولها.

سقطت القسطنطينية يوم 29 مايو/أيار 1453 في أيدي العثمانيين بقيادة السلطان محمد الثاني الملقب بالفاتح بعد حصارها لمدة 53 يوما، وبعد عمليات عسكرية معقدة لتجاوز خطوط الدفاع التي تحمي المدينة من البر والبحر.

بعد الفتح العثماني، نقل الفاتح عاصمة الدولة العثمانية من أدرنة إلى القسطنطينية التي أصبح اسمها إسلامبول (أي مدينة الإسلام) وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ المدينة.

عمل العثمانيون على إعادة إسطنبول إلى مكانتها السابقة حضاريا واقتصاديا وسياسيا، وسرعان ما ازدهرت من جديد لتكون مثالا على مجتمع غني ومتعدد الثقافات.

أصبحت إسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية عام 1517 حين أُعلِن السلطان العثماني سليم الأول خليفة للمسلمين بعد أن تنازل له عن الخلافة آخر الخلفاء العباسيين في مصر، وبذلك وصلت أوج فترات قوتها وازدهارها وجذبت آلاف المواهب النادرة في مختلف مجالات السياسة والتجارة والعلوم المختلفة.

احتلت جيوش الحلفاء -نهاية الحرب العالمية الأولى– إسطنبول وبقيت فيها حتى سقوط الدولة العثمانية وإعلان الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، حيث انسحبوا بموجب معاهدة لوزان.

بعد استلام أتاتورك الحكم نقلت العاصمة السياسية إلى أنقرة، لكن مكانة إسطنبول بقيت عالية خاصة بعد الإصلاحات والتطويرات التي أجريت منذ خمسينيات القرن العشرين.

الاقتصاد
تعد إسطنبول المركز الاقتصادي الأهم في تركيا، فهي توفر فرص عمل لـ 20% من الأيدي العاملة، وتسهم بـ 22% من الناتج القومي، ويؤخذ منها 40% من مجموع الضرائب بالدولة، وتنتج 55% من الصادرات.

ويبلغ نصيب إسطنبول من الناتج المحلي الإجمالي نحو 622 مليارا و762 مليون ليرة (175 مليار دولار) عام 2014، مما يشير إلى أن المدينة تملك ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

ويصل نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي نحو 12.12 ألف دولار عام 2014، في حين وصل هذا الرقم بمدينة إسطنبول إلى 19.9 ألف دولار.

وتشير معطيات هيئة الإحصاء التركية إلى أن عائدات الصادرات التركية بلغت 142.5 مليار دولار خلال العام المنصرم، بلغ نصيب إسطنبول منها 76.2 مليارا بما يعادل 53.4%.

من أبرز زراعات إسطنبول القطن والفاكهة ودوار الشمس والزيتون والتبغ، ومن أهم صناعاتها المنتجات الغذائية والمنسوجات والزيوت والمطاط والمنتجات الجلدية والكيميائية، والمستحضرات الصيدلانية والإلكترونيات والزجاج وتجميع الآلات.

تعتبر السياحة من أهم الأنشطة الاقتصادية في إسطنبول، وتسهم بنسبة كبيرة من دخل المدينة بفضل البنية التحتية المتميزة لخدمة السياح الذين يتزايد عددهم سنويا بشكل كبير، حيث بلغ عام 2013 عشرة ملايين و474 ألف سائح.

تستضيف إسطنبول فعاليات وبرامج ومهرجانات في مختلف المجالات العلمية والفنية والثقافية والاقتصادية والسياسية، ما يسهم في جذب الأنظار نحوها وزيادة دخلها، وتقول إحصائيات إن 35 مليارديرا يعيشون فيها، مما يضع المدينة بالمرتبة الرابعة عالميًا من حيث عدد الأغنياء القاطنين فيها.

معالم
اكتسبت مناطق وميادين عامة في إسطنبول شهرة عالمية عبر التاريخ، مثل ميدان تقسيم وشارع الاستقلال القريب منه، وتعتبر بعض الموانئ فيها أيضا من المعالم المهمة مثل ميناء أمينونو ويني كابي.

تشتهر بالمساجد الكبيرة التاريخية ذات الملامح العثمانية البارزة كجامع السليمانية وشيخ زادة والسلطان أحمد والفاتح والجامع الجديد وجامع أبي أيوب الأنصاري وغيرها، ومن أبرز ملامحها كاتدرائية آيا صوفيا التي حولها المسلمون في العهد العثماني إلى جامع، ثم حولها مصطفى كمال أتاتورك إلى متحف.

تزدهر بها المتاحف الشهيرة مثل بانوراما 1453 الذي يجسد بالأبعاد الثلاثية سيرة فتح المدينة، ومتحف توب كابي (الباب العالي) الشهير، ومتحف دولمة بهجت الذي حكم العثمانيون فيه الدولة خلال الأعوام المائة الأخيرة من عمرها.

تشتهر إسطنبول أيضا بكثير من الحدائق الغنّاء، مثل حديقة "غولهانة" والحمامات التركية القديمة ودور السينما والمقاهي.

المصدر : الجزيرة