مضيق الدردنيل.. ممر مائي تصارعت عليه الأمم

The U.S. Navy guided-missile destroyer USS Truxtun sets sail in the Dardanelles straits, on its way to the Black Sea March 7, 2014. The USS Truxtun is heading to the Black Sea for what the U.S. military on Thursday described as a "routine" deployment that was scheduled well before the crisis in Ukraine. REUTERS/Depo Photos (TURKEY - Tags: POLITICS MILITARY)
مضيق الدردنيل يربط بين بحريْ إيجه ومرمرة ويعتبر أحد الممرات الإستراتيجية على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط (رويترز)

ممر مائي تركي؛ يربط بين بحريْ إيجه ومرمرة ويعتبر أحد الممرات الإستراتيجية على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط. نشبت بسببه نزاعات دولية وتصارعت الأمم عبر التاريخ للعبور منه لتحقيق مصالحها، ومن بواباته أيضا عبرت "قوارب الموت" حاملة اللاجئين والمهاجرين العرب نحو أوروبا.

الموقع
يربط مضيق الدردنيل المائي بين بحر إيجه وبحر مرمرة غربي تركيا، ويسميه الأتراك "جناق قلعة بوآزي"، لكنه يُعرف في اللغة العربية بـ"الدردنيل" المشتقة من اسمه باللغة اليونانية "دردنليا".

يبلغ طول مضيق الدردنيل 61 كيلومترا، وعرضه يتراوح بين 1.3 كيلومترا في أضيق مواقعه -قرب مدينة قلعة البحر في الجنوب- وستة كيلومترات في أكثرها اتساعا، بينما يتراوح عمقه بين 50 و60 مترا.

ويفصل الدردنيل ما بين شاطئ آسيا الصغرى (الأناضول) وشبه جزيرة غاليبولي في الجانب الأوروبي من تركيا، وهي مدينة قديمة عرفت في العهد اليوناني باسم سيستوس، ويُجتاز الدردنيل بالسفن والعبارات البحرية فقط، فهو خال من أي جسور لعبور المشاة أو المركبات البرية.

التاريخ
يظهر تاريخ المدن القديمة التي انتشرت على الشاطئ الآسيوي للمضيق (تروي، وأبيدوس، ودانداريا، ولابسيك) أنه كان مأهولا بالسكان منذ العصر اليوناني، وقد ارتبط بأساطير قديمة إحداها تركية تقول إنه يضم واديا يُنبت الذهب، كما ذُكر في الأساطير المرتبطة بـ"أفروديت" (إلهة الحب لدى اليونان).

وعبر الفرس المضيق في محاولتهم لغزو اليونان، وقد ربط قائدهم ربابنة السفن بالحبال لمنعهم من الفرار، كما عبره الإسكندر الأكبر في طريقه لحرب جرانيكوس.

تظهر القلاع المنتشرة على جانبيْ مضيق الدردنيل الأهمية الكبيرة التي أولاها العثمانيون لتحصينه، ويعود تاريخ القلاع إلى عهود سلاطينهم العظام سليمان القانوني وبايزيد ومحمد الثاني فاتح إسطنبول، الذين كانوا يرون في الممر المائي ثغرة يجب ألا تمر منها الأساطيل الغربية.

كما كان لهذا المضيق شأن كبير في النزاعات الدولية على الممرات المائية الإستراتيجية؛ ففي 20 فبراير/شباط 1807 تمكنت حاميات القلاع العثمانية من هزيمة أسطول إنجليزي حاول عبور الدردنيل لاحتلال إسطنبول، وفي 1809 اتفقت إنكلترا والدولة العثمانية على ضرورة إقفاله في وجه السفن الحربية الأجنبية.

زادت تلك الواقعة من اهتمام الدول الغربية بالمضيق وحرص كل دولة منها على عدم استفادة الدول المنافسة لها منه، وفي عام 1823 أبرمت روسيا اتفاقا مع العثمانيين يقضي بإقفال الدردنيل في وجه أي دولة تطلب روسيا إقفاله في وجهها، وذلك مقابل مساعدة روسيا لهم في صد هجمات واليهم على مصر محمد علي باشا عن الأناضول بقيادة ابنه إبراهيم.

وفي عام 1851، وقعت الدولة العثمانية اتفاقية مع كل من إنجلترا وروسيا وبروسيا والنمسا وفرنسا تنص على إغلاق المضيق في وجه كل الدول، كما نصت على هذا الإقفال معاهدة باريس عام 1856. ولاحقا حصل الروس على امتياز لعبور الدردنيل بعد انتصارهم على العثمانيين عام 1876 لكن مؤتمر برلين 1884 ألغى هذا الامتياز.

وخلال الحرب العالمية الأولى شهد مضيق الدردنيل معركة جناق قلعة (غاليبولي) الشهيرة التي دارت رحاها في البر والبحر بتاريخ 18 مارس/آذار 1915 بين العثمانيين ودول التحالف الغربي، التي ضمت جيوش فرنسا وبريطانيا وقوات أسترالية ونيوزلندية.

قتل خلال تلك المعركة أكثر من مئة ألف مقاتل، أكثر من نصفهم من الجيش التركي العثماني الذي كان يضم إلى جانب الأتراك مقاتلين عربا من فلسطين وسوريا وآخرين من البلقان الأوروبي، بينما سقط النصف الآخر من القتلى من قوات التحالف.

وفي مساء يوم 15 يوليو/تموز 2016 هرع آلاف الأتراك إلى ميدان "إسكيلي" بمدينة جناق قلعة (أكبر ميدان فيها) -عقب توارد الأنباء عن وقوع المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا- ليستمعوا إلى كلمة مسؤول حزب العدالة والتنمية الحاكم في الولاية بولنت توران، الذي افتتح خطابه بقوله إنه "من غير المسموح به لجنود الانقلاب أن يمروا عبر البوابات".

وتحمل كلمة "البوابات" مدلولات هامة في هذه الولاية التركية، إذ إن جناق قلعة هي التي تحتضن مضيق الدردنيل الذي تصارعت الأمم عبر التاريخ للعبور منه، ومن بواباته أيضا عبرت "قوارب الموت" وهي تقل اللاجئين والمهاجرين العرب نحو المجهول الأوروبي.

المصدر : الجزيرة