مصطفى كمال أتاتورك.. مؤسس الدولة التركية الحديثة وأول رئيس لها

مصطفى كمال أتاتورك قائد الحركة التركية الوطنية والقائد العام للجيش التركي خلال حرب الاستقلال، ولد عام 1881، وهو أول رئيس للجمهورية التركية والشخصية المقدسة الوحيدة دستوريا فيها.

مولده ونشأته

ولد مصطفى كمال أتاتورك يوم 19 أبريل/نيسان 1881 في حي قسيمية في مدينة سالونيكا "اليونانية حاليا"، والتي كانت تحت السيطرة العثمانية. والدته زبيدة هانم، ووالده رضا أفندي.

عمل والده ضابطا جمركيا وكاتبا في إدارة الأوقاف، ومسؤولا عن الرسوم في منطقة "قطارين" على الحدود التركية اليونانية، كما عمل لاحقا في تجارة الأخشاب، ودفعت حالته المادية المتواضعة العائلة إلى التنقل بين المدن من أجل مواكبة تجارته.

توفي كل من فاطمة وعمر وأحمد -إخوان مصطفى كمال- في عمر مبكر قبل ولادة مصطفى، ورُزق رضا أفندي وزبيدة هانم بفتاتين بعد ولادة مصطفى وهما مقبولة وناجية، وتوفيت ناجية في عمر مبكر، وشهدت مقبولة وصول أخيها إلى الرئاسة وكتبت عنه كتابا بعنوان "مصطفى كمال أخي"، وتوفيت بعد ذلك بـ18 عاما.

تزوج من لطيفة هانم في 29 يناير/كانون الثاني 1923 بعد تخرجها من قسم القانون من جامعة السوربون في فرنسا، وانتقلا للعيش في قصر تشاناكايا في العاصمة الجديدة أنقرة، واستمر زواجه منها حتى 5 أغسطس/آب 1925.

لم يُنجب مصطفى أولادا ولكنه تبنى كلا من بناته أفت، صبيحة جوكشون، فكرية، أولكو، نبيلة، رقية، زهرة وابنه مصطفى، كما كان لديه طفلان تحت حمايته هما عبد الرحيم وإحسان.

وفي عام 1937 تبرع بمزارعه لخزينة الدولة وبعض عقاراته لمجلسي بلدية أنقرة وبورصة، وقسم ميراثه بين أخته وأبنائه بالتبني وجمعيات اللغة التركية والتاريخية.

دراسته ونشأته العسكرية

‏كانت أولى محطات مصطفى الدراسية في مدرسة حافظ أفندي، ثم انتقل إلى مدرسة شمسي أفندي في إسطنبول، ولكن في عمر السابعة توفي والده وعاد إلى سالونيك بسبب غياب المعيل عن عائلته.

أراد أن يصبح جنديا ولكن رغبته لم تلق قبولا عند والدته، مما دفعه ‏لدخول امتحان الالتحاق بمدرسة سيلانيك العسكرية سرّا، حيث قُبِل فيها عام 1893م. وفي السنة الثانية من دراسته، ونظرا لتفوقه على زملائه، تمت ترقيته من قِبل قائده "الكابتن مصطفى" إلى رتبة معلم مساعد، وأُضيف إلى اسمه لقب "كمال" لتمييزه عن اسم قائده، وبقي اللقب مرتبطا باسمه لاحقا.

في سن السابعة عشرة، تخرج بنجاح من مدرسة الضباط وأُرسل إلى المدرسة العسكرية العليا في موناستير بمقدونيا، إذ اجتاز جميع امتحاناته بتفوق واختير للدورة الخاصة بأركان الجيش العامة، ونجح فيها أيضا، وعلى أثرها رُقِّيَ فيما بعد إلى رتبة نقيب في يناير/كانون الثاني 1905، وعُين ضمن الجيش الثالث في سالونيك.

التجربة العسكرية

في العام نفسه الذي تم فيه تعيينه ضمن الجيش الثالث؛ استُدعي مصطفى مع عددِ من رفقائه إلى قصر يلدز في إسطنبول وحقق معهم ضباط السلطان، بتهمة قيامهم بتحركات ضده وضد نظامه.

انتسب إلى الجمعية الثورية التي عُرفت باسم "وطن وحرية" وأصبح رئيسا لها، والتي كانت تهدف إلى تغيير النظام الحاكم المتمثل بالسلطان ومجابهته بسبب محاربته للأفكار الليبرالية.

وقد ألقي القبض على جميع أعضاء الجمعية في أحد الاجتماعات وعُزِل مصطفى كمال في زنزانة انفرادية في السجن الأحمر بإسطنبول، ولكن إسماعيل حاكي باشا أعطاه فرصة أخيرة لكسب ثقة السلطان، ووضعه على متن سفينة شراعية متجهة إلى سوريا ولم يسمح له برؤية والدته أو أصدقائه.

رجع مصطفى إلى سالونيك بشكل سري، ثم عاد إلى الجيش وعُين عام 1907 نقيبا ثم رُفِع وأصبح قائدا للجيش الثالث، وفي عام 1909 انضم إلى جمعية الاتحاد والترقي، التي أرسلته إلى بنغازي في ليبيا لمواجهة العصيان هناك، وعاد بعدها إسطنبول ثم أُرسل في مهمة إلى  مدينة أدرنة في تركيا لمجابهة عصيان آخر.

مع اندلاع الحرب العثمانية الإيطالية؛ شارك مصطفى كمال بصفته نقيبا في الحرب على جبهة طرابلس، وعاد إلى إسطنبول بعد الهزيمة العثمانية.

اندلعت بعد ذلك حرب البلقان بين الدولة العثمانية ودول البلقان (بلغاريا واليونان والجبل الأسود وصربيا)، وأدت في النهاية إلى هزيمة الدولة العثمانية  عام 1913، وخسارة العثمانيين معظم أراضيهم في أوروبا، وإعلان قيام الدولة الألبانية.

وخلال فترة الحرب العالمية الأولى، شارك مصطفى كمال بداية في معركة صار قامش، التي كانت بين الجيشين العثماني والروسي شرقي الأناضول في يناير/كانون الثاني 1915، وبعدها بشهرين عُين قائد للفرقة التاسعة ضمن معركة جناق قلعة التي انتصر فيها الجيش العثماني على القوات البريطانية والفرنسية المهاجمة لمضيق الدردنيل، والتي انتهت بانتصار الجيش العثماني وتمت ترقية مصطفى كمال إلى رتبة عقيد بعدها.

بعد خسارة دول المحور المتمثلة بالإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الألمانية في الحرب العالمية الأولى ضد الحلفاء، المتمثلين ببريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية؛ تم توقيع معاهدة موندروس في نوفمبر/تشرين الأول عام 1918، والتي حددت معالم احتلال دول الحلفاء للأراضي العثمانية.

إذ جاء في أحد بنود المعاهدة أنه "يحق لقوى الحلفاء احتلال أي منطقة إستراتيجية في حال حدوث أي شيء يهدد أمن هذه الدول".

بعد توقيع المعاهدة بأيام بدأت سفن دول الحلفاء تتجه إلى الأراضي العثمانية، حتى وصلت إلى إسطنبول في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1918، وعلى إثر ذلك اتجه مصطفى كمال إلى إسطنبول ثم إلى سامسون ليبدأ قيادة النضال الوطني ضد الوجود الأجنبي في البلاد، وألقى خطابا في القوات التركية هناك اشتُهر منه العبارة التي أطلقها "إما الاستقلال وإما الموت".

شهدت فترة الاستقلال (1919-1923) بقيادته معارك كثيرة، بدءا من معركتي اينونو الأولى في 6 يناير/كانون الثاني واينونو الثانية في 23 مار/آذار من عام 1920 ضد القوات اليونانية التي انسحبت وأخلت بعض المواقع التي سيطرت عليها سابقاً في الأراضي التركية.

ثم كانت معركة سقاريا في 13 سبتمبر/أيلول عام 1921 التي أدت إلى تراجع القوات اليونانية نحو مدينة إزمير، التي تم تحريرها بعد معركة دوملوبونار في 26 أغسطس/آب عام 1922، ووقع الأتراك واليونانيون على هدنة مودانيا في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه.

مصطفى كمال رئيسا للجمهورية

في 23 أبريل/نيسان 1920؛ وهو اليوم الأول لانعقاد الجمعية الوطنية التركية الكبرى، تم انتخاب مصطفى كمال أول رئيس لمجلس النواب ورئيسا للحكومة، وبعد حروب الاستقلال تم توقيع معاهدة لوزان في 24 يونيو/تموز 1923 بين ممثلين عن الجمعية الوطنية التركية وممثلين عن الإمبراطورية البريطانية وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا والصرب وكرواتيا وسلوفينيا وفرنسا.

واعترفت المعاهدة بالجمهورية التركية وحدودها وسيادتها، ثم أُعلن عن قيامها في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1923، وانتُخِب مصطفى كمال بالإجماع أول رئيس للجمهورية واستمر في منصبه حتى وفاته.

بعد انتخابه رئيسا للجمهورية؛ أعلن مصطفى كمال إلغاء كل من منصب السلطان يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1923 والخلافة يوم 3 مارس/آذار 1924، وذلك بعد مرسوم من الجمعية الوطنية الكبرى، كما نقل عاصمة الجمهورية من إسطنبول إلى أنقرة.

اهتم أتاتورك بداية بتغيير الثقافة السائدة في المجتمع، إذ منع اللباس التقليدي العثماني الذي كان سائدا والمتمثل بالطربوش والعمامة، كما أنه أغلق المدارس الدينية، وتبنى التقويم الميلادي في المعاملات الرسمية.

وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1925 بدأت حملة من السلطة الحاكمة ضد المحجبات، ثم أتبعها بتغيير الأحرف من الأحرف العربية إلى استخدام الأحرف اللاتينية في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1928.

مصطفى كمال في الدستور التركي

شرعت الجمعية الوطنية التركية الكبرى يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1934 القانون رقم 2587، الذي نص على أن اسم "أتاتورك" الذي أطلق على رئيس تركيا لا يمكن أخذه أو استخدامه من قبل أي شخص، ولا يمكن أن يمنحه أي شخص لأي شخص تحت أي ظرف من الظروف.

كما سنت المحكمة الدستورية في 31 يونيو/تموز 1951 القانون رقم 5816 وسمي "قانون حماية أتاتورك"، إذ نص على "السجن لمدة تتراوح بين سنة و3 سنوات لكل من يهين علنا أو ينتهك ذكرى أتاتورك"، إضافة إلى "السجن لمدة تتراوح بين سنة و5 سنوات لكل من يحاول تخريب أو ينتهك النصب التذكارية التي تمثل أتاتورك أو قبره".

وفاته

توفي مصطفى كمال أتاتورك صباح يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1938 في إسطنبول في قصر "دولمة بهجة"، وذلك بعد إصابته بمرض الكبد، ودفن في المتحف الإثنوغرافي في أنقرة يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1938، وتم بناء ضريح ضخم له فيما بعد ونُقل جثمانه إليه في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1953.

الأيديولوجية الكمالية

بعد وفاته أصبحت الأيديولوجيا الكمالية مصطلحا مستخدما على نطاق واسع في تركيا، إذ اعتمدت على سياساته التي يؤمن أنصاره أنها مناسبة لجميع الأوقات والأزمان، والتي تستند إلى العلمانية والقومية والشعبوية، ويرون أنها السبيل الوحيدة التي ستؤدي إلى مستقبل مشرق لتركيا.

ويعتبر أنصار أتاتورك أن كل ما يعرقل مبادئ الكمالية هو محاولة لإبعاد الأمة التركية الحديثة عن المسار الصحيح، وسعت الكمالية للحفاظ على حكومة الحزب الواحد الكمالي في السلطة، ويصف الكماليون حركاتهم وأيديولوجيتهم بأنها ثورية وبأنها مستلهمة من الثورة الفرنسية.

المصدر : الجزيرة