المخا.. مدينة البُنّ والميناء
مدينة تتبع إداريا لمحافظة تعز، وتقع جنوب غرب اليمن، وتطل على البحر الأحمر. اشتهرت ببُنّها "موكا" الذي كانت تصدره للعالم عبر مينائها المطل على البحر الأحمر، وكان يعد الميناء الرئيسي للجزيرة العربية، شهد معارك عسكرية شهيرة عبر العصور، من عهد البرتغاليين إلى العثمانيين فالبريطانيين. وانتعش كثيرا على عهد إدارة العثمانيين.
الموقع
تقع مدينة المخا على البحر الأحمر جنوب غرب اليمن، وتبعد عن مضيق باب المندب 75 كيلومترا شمالا، وعن الميناء الدولي 6 كيلومترات، وعن مدينة تعز مئة كيلومتر غربا، وعن الحديدة 170 كيلومترا جنوبا. وتضم مديرية المخا 4 عزل (جمع عزلة وهي تقسيم إداري خاص بالمناطق الريفية في اليمن، وتضم العزلة عدة قرى صغيرة).
المناخ
يتميز مناخ المخا بالدفء نسبيا في فصل الصيف والاعتدال في فصل الشتاء، وتسقط الأمطار بكميات قليلة في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط وأبريل/نيسان وأغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول، ويبلغ المتوسط السنوي لكمية الأمطار 36.6 ميلليمترا سنويا.
الاقتصاد
يعتمد معظم سكان المخا على الزراعة والرعي والصيد البحري، إضافة إلى عائدات الأنشطة الاقتصادية كأعمال الشحن والتفريغ في ميناء المخا، وأعمال النقل والتخزين، وعائدات التجارة والحرف اليدوية.
وتنتج المدينة محاصيل زراعية مثل الحبوب والفواكه والتمور والسمسم والتبغ والقطن.
التاريخ
ورد اسم مدينة المخا في بعض الأساطير القديمة باسم "نخوان"، نسبة إلى أول أسرة حكمت المدينة، وذُكرت في نقوش حميرية ويمنية قديمة باسم "مخن".
استولى عليها الأحباش عام 517 م، وجعلوها مركزا انطلقوا منه للاستيلاء على كامل اليمن، لكن الملك ذو نواس الحميري استطاع إيقافهم، وطردهم من البلاد عام 518م، لكنهم عادوا إليها عام 525م.
وفي العصر الحديث اعتبرت المدينة إحدى أهم المدن والمراكز التجارية الواقعة على البحر الأحمر، خاصة بين القرنين الـ16 والـ18.
وتعرضت المخا لعدة حملات عسكرية على مر تاريخها، أبرزها حملات البرتغاليين نهاية القرن الـ11 ميلادي، وكانت تهدف إلى السيطرة على السواحل اليمنية.
وجاء في كتاب "اليمن عبر التاريخ" أن الدولة العثمانية دخلت مدينة المخا عام 954 هجرية (ويوافق بالميلادي 1547 و1548)، وجعلوها موقعا عسكريا ينطلقون منه لشن غاراتهم على البرتغاليين. وجعلوا الإمام اليمني محمد المؤيد الأول عام 1636 واليا عليها.
وعقب دخول العثمانيين، أصبحت المخا مدينة هامة، خاصة بعد أن ألزم العثمانيون كل المارين بالبحر الأحمر أن يرسوا في ميناء المخا، ويدفعوا ضريبة مرور.
بن "الموكا"
يعد اليمن من الدول الأولى التي زرعت البن وصدرته إلى العالم، وكان البرتغاليون -الذين غزوا الساحل الغربي من البلاد- أول الأوروبيين الذين جربوا وتذوقوا القهوة اليمنية عندما استضافهم شيخ المخا وقدم لهم "مشروبا أسود ينعش الجسم ويريح البال".
واتفق كثير من المؤرخين على أن الفقيه الصوفي عليا ابن عمر الشاذلي هو أول من جلب القهوة إلى المخا، وقيل إنه ذهب في رحلة إلى الحبشة وهناك عرف "البن" وأحضره معه إلى مدينته.
وبعد ذلك انتقل مشروب القهوة إلى مكة والمدينة ومنهما إلى القاهرة ودمشق، ومنهما إلى إسطنبول، ومنها انتشرت القهوة في أوروبا ثم إلى العالم.
ومن اللغة العربية انتقلت مفردة "القهوة" إلى التركية، فسميت "كاهفي" وإلى الهولندية فأصبحت "كوفي"، وهي قريبة من تسمية الإنجليز والفرنسيين وإن اختلفت كتابتها، وكانت تدل على القهوة العربية عالية الجودة.
وكانت أول صفقة تجارية للبن اليمني في المخا مع الهولنديين عام 1628، واستمروا في استيراده إلى مراكزهم التجارية شمال غرب الهند وبلاد فارس، ومن ثم إلى هولندا التي بدأت تبيع البن اليمني لأول مرة عام 1661. كما كان التجار الهنود يزورونها باستمرار ويقايضون معادنهم بالقهوة العربية وثمار شجر المر.
لكن أول من بدأ عملية تصدير الحبوب عبر ميناء المخا عام 1536 هم العثمانيون، وكانت الرحلة تمر عبر البحر الأحمر إلى السويس، ومن هناك برا على الجِمال نحو الإسكندرية، ثم تباع للأوروبيين.
وحاول العثمانيون بشتى الطرق منع زراعة "الموكا" في أي مكان آخر، لكن الهولنديين استطاعوا أخذ بذرة حية وبدأوا زراعتها في أوروبا وأفريقيا.
ولأن القهوة في اليمن تزرع في الجبال الموجودة بالمنطقة الوسطى في البلاد، وتحصد يدويا، فهي تعد نادرة وغالية، وبسبب ذلك تختلف نكهة حبوب "الموكا" من مكان لآخر، مما جعل القهوة اليمنية متفردة بأصالتها.
ميناء المخا
وأخذت المدينة شهرتها من ميناء المخا المشهور الذي يعد أقدم الموانئ ومن أهم المراكز التجارية الواقعة على البحر الأحمر، ويعود الفضل إليه في التعريف باليمن وببُن "الموكا". وقد بنته شركة هولندية عام 1978.
ويشغل الميناء مساحة كبيرة تبلغ نحو خمسين ألف متر مربع، وساهم تاريخيا في ازدهار المدينة، حتى اعتبر أهم ميناء في الخليج ودول القرن الأفريقي، ويعد من أقدم الموانئ في شبه الجزيرة العربية، وبلغ مجده وشهرته في القرن الـ17.
يتميز بعدة خصائص إستراتيجية أولها ربطه بين "الثالوث القاري": أوروبا وشرق أفريقيا وجنوب غربي آسيا إضافة إلى الشرق الأوسط، وهو قريب من باب المندب ودول القرن الأفريقي وبحر العرب.
وإضافة إلى القهوة، اشتهر ميناء المخا بتصدير البخور وعود الآراك، واستقبلت اليمن عبره من آسيا التوابل والأقمشة والمواشي، وخاصة من دول القرن الأفريقي.
وبقيت تجارة البن مزدهرة حتى أوائل القرن الـ18، وسيطر العثمانيون على المدينة مرة أخرى من عام 1849م إلى عام 1918م، لكن الصراعات بين القوى الأوروبية والدولة العثمانية، وبين الدولة العثمانية وأئمة اليمن، أدت إلى تدهور الميناء.
وأزّم تطوير الهولنديين مزارع البن في جزيرة جاوة الإندونيسية، وأيضا في أميركا الجنوبية (البرازيل والمكسيك) في تراجع تجارة البن اليمني.
فتور مجده
وبدأ ميناء المخا يفقد أهميته أواخر القرن 19 مع ازدهار ميناء عدن وميناء الحديدة، إضافة إلى ما عانت منه مدينة المخا من تدمير لقلاعها وهدم لمنازلها وقصورها الفخمة ومتاجرها الكبيرة، من الغزاة ومن الحروب.
وأدى الصراع بين الدولة العثمانية وبريطانيا على الميناء إلى فقدان مكانته البارزة في المنطقة، فبريطانيا عززت وجودها في ميناء عدن بالمحيط الهندي حتى أصبح من أهم الموانئ العالمية، ومن جهة أخرى عزز العثمانيون نشاطهم البحري ونقلوه إلى ميناء الحديدة، وتراجعت حينها تجارة البن وتصديره.
تحولت تجارة اليمن إلى عدن وميناء الحديدة، وانخفض عدد سكان المخا من حوالي 20 ألف نسمة في القرن الـ19 إلى ألف نسمة في ثلاثينيات القرن العشرين، وقد بُذلت جهود لإعادة توطين السكان في ظل النظام الملكي في الخمسينيات، حتى وصل عددهم 10428 عام 2004.
المعالم
تضم المخا مواقع تاريخية، منها مسجد الشاذلي المعروف باسم الجامع الكبير، إضافة إلى عدد من القلاع الأثرية في جبل الثوباني.
كما توجد بعض المناطق السياحية وأهمها منطقة يختل ووادي الملك والشريط الساحلي للمدينة.