قناة السويس.. أطول ممر مائي في العالم
قناة السويس في مصر ممر مائي اصطناعي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ويسمح بتنقل السفن التجارية والحربية بين أوروبا وشرق آسيا دون المرور من أفريقيا. تعد أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي، وهي القلب النابض للتجارة والملاحة، وأكثر الطرق البحرية رواجا وازدحاما في العالم.
متوسط مدة الرحلة لا يتجاوز أسبوعين بين القارة الأوروبية والمناطق المحاذية لحدود المحيطين الهادي والهندي، خلافا للمسافة التي تمر من برزخ السويس البعيد عن القناة بـ121 كيلومترا.
حاليا يبلغ طول قناة السويس 193 كيلومترا من ميناء بورسعيد إلى مدينة السويس، وتعدّ أطول ممر مائي في العالم، وهي أطول من قناة كيل بألمانيا التي تربط بين بحر الشمال وبحر البلطيق والبالغ طولها 98 كيلومترا فقط، كما تفوق قناة بنما بين المحيط الهادي ومنطقة بحر الكاريبي، والتي يصل طولها إلى 77 كيلومترا.
وبحكم وظيفتها الملاحية والإقبال المتزايد عليها، شهدت قناة السويس عدة توسيعات غيّرت من حجمها، إذ انتقل طولها الأصلي من 164 كيلومترا إلى 193 كيلومترا، وعمقها من 8 أمتار إلى 24 مترا، وزاد عرضها من 52 مترا إلى 205 أمتار. وكانت الملاحة في القناة لا تتم إلا نهارا، لكن مع مرور الزمن أصبح مسموحا بها كذلك ليلا.
التسمية
ذهبت أغلب الكتابات في هذا الشأن إلى كون تسمية قناة السويس ارتبطت بموقعها القريب من برزخ السويس الذي تعبره القناة، بحكم أن منطقة بورسعيد تشكل نقطة بدايتها.
يرى فريق آخر من المهتمين أن تسميتها ترجع إلى مدينة السويس الواقعة جنوب القناة، باعتبارها المنطقة التي شهدت أولى عمليات الحفر أثناء أشغال بناء القناة.
لكن الأغلبية ترجح ارتباط التسمية ببرزخ السويس وليس بمدينة السويس، علما أنه في عهد الصحابي عمرو بن العاص كانت تسمى "قناة أمير المؤمنين".
وحسب بعض الكتابات، فإن عمرو بن العاص وهو من أطلق هذه التسمية على القناة التي كانت مغلقة، وأعاد حفرها وقام بإعمار مصر وفق نموذج اقتصادي يهتم بالفلاحة والري.
الموقع
تحد قناة السويس المائية شمالا مدينة بورسعيد الساحلية، ومدينة السويس جنوبا. وفي الجهة الغربية لقناة السويس المصرية يوجد دلتا نهر النيل المنخفض، وشبه جزيرة سيناء العليا في الجانب الشرقي.
تحتوي القناة على منفذين: شمالي بطول 22 كيلومترا، وجنوبي بطول 9 كيلومترات، مما يجعلها تمتد من الشمال إلى الجنوب مرورا ببرزخ السويس وبعدد من البحيرات، أشهرها بحيرة التمساح وبحيرة المنزلة والبحيرات المُرّة العظمى، والبحيرات المُرّة الصغرى.
تشمل القناة مسافات مستقيمة و8 منحنيات رئيسية، وتتميز باختلاف في طبيعة التربة من منطقة إلى أخرى، فهناك مثلا التربة الرسوبية، وفي مناطق أخرى تغلب الرمال، في حين تصبح التربة متماسكة في المنطقة الجنوبية مع وجود عروق صخرية.
التاريخ
أغلب المعطيات التاريخية تفيد أن أول من راودته فكرة إنشاء قناة السويس هو فرعون مصر سنوسرت الثالث، وأن أول ضربة فأس في عملية حفر القناة وقعت في أبريل/نيسان 1859م، وخضعت للتجربة لمدة عامين (منذ 1867)، قبل أن تُفتح رسميا يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1869م.
تطلب حفرها 10 سنوات من العمل الدؤوب لأكثر من 20 ألف عامل مصري، وتدير شؤونها الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، التي كانت تحت قبضة الفرنسيين وتداول عليها منذ 1855 إلى 1956 رؤساء أغلبهم فرنسيون، ومنذ يوليو/تموز 1956، عاد تسييرها للكفاءات المصرية.
وعلى الرغم من أن أغلب كتب التاريخ تشير إلى أن الفرعون سنوسرت الثالث، المنتمي إلى الأسرة الثانية عشرة، هو أول من فكر في ربط البحرين المتوسط والأحمر بشق قناة السويس لتوطيد التجارة وتيسير المواصلات بين الشرق والغرب، فإن هذه القناة تجر وراءها تاريخا قديما يعود إلى عام 610 قبل الميلاد، مرت خلاله بفترات تأرجحت بين اهتمام شديد وإهمال خطير.
وتكشف بعض الكتابات أن القناة امتلأت بالأتربة مما تسبب في عزل البحيرات المُرّة المجاورة عن البحر الأحمر، فقام الفرعون نخاو الثاني (نيقوس) عام 610 قبل الميلاد، بإعادة شقها لكنه لم يفلح في وصل البحيرات بالبحر الأحمر، بل توقف عند وصلها بنهر النيل فقط.
كما يُروى أن ملك الفرس، دارا الأول، أولى اهتماما كبيرا بالقناة، ورغم محاولاته عام 285 قبل الميلاد لربط البحيرات المُرّة بالبحر الأحمر، فإنه لم ينجح في ربطها إلا بالنيل كما فعل الفرعون نيقوس. وبقي حلم إيصال القناة إلى البحر قائما.
وفي عام 285 قبل الميلاد، تمكن بطاليموس الثاني من إعادة الملاحة إلى القناة بعد أن تجاوز الصعوبات التي شكلت عائقا في ذلك، واستطاع حفر الجزء الواقع بين البحيرات المُرّة والبحر الأحمر، ومنذ ذلك الحين، بدأت قناة السويس تكتسي مكانة كبيرة وتستأثر باهتمام الملوك نظرا لدورها في التجارة والملاحة.
ففي عهد الرومان، وبالتحديد عام 98 ميلادية، أمر الإمبراطور تراجان الروماني بحفر قناة جديدة من القاهرة إلى غاية قرية العباسة في محافظة الشرقية، لكن مع مرور السنين تسلل إليها الإهمال وأصبحت غير صالحة للملاحة.
وفي عام 641 ميلادية، أعاد الصحابي عمرو بن العاص الملاحة إلى القناة الرابطة بين البحر الأحمر ونهر النيل بعد أن أعاد حفرها، وفي عام 760 ميلادية ولأسباب سياسية، ردم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور القناة وتعطلت الملاحة، واستخدمت في المقابل الطرق البرية.
وإلى غاية عام 1820 م، أمر محمد علي، الذي حكم مصر ما بين 1805م و1848م، بإصلاح جزء من القناة لري المنطقة الواقعة بين العباسة والقصاصين.
يرى بعض المؤرخين أن التاريخ الفعلي لقناة السويس بدأ من إصدار فرمان الامتياز الأول عام 1854م، والذي منح السياسي والدبلوماسي الفرنسي فرديناند دي لسبس حق تأسيس شركة لحفر قناة السويس والإشراف عليها، وحدد شروط الاستفادة من المرور منها، خصوصا تلك المتعلقة بتساوي كل الدول دون تفرقة أو امتياز، إلى جانب فرمانات أخرى أهمها ذلك الذي صدر في 5 يناير 1856م يؤكد حياد القناة تجاه السفن التجارية.
تم الإعلان عن تأسيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية في 15 ديسمبر/كانون الأول 1858 برأس مال قدره 200 مليون فرنك فرنسي (8 ملايين جنيه) على أساس اكتتاب عدد من الدول، منها مصر وإنجلترا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا والنمسا، لكل منها حصة من الأسهم (500 فرنك للسهم الواحد).
غير أن البداية لم تكن موفقة، إذ سرعان ما تخلفت جميع الدول عن هذا الاتفاق، ووجدت مصر نفسها أمام ضرورة شراء حصص أسهم الدول التي رفضت الاستمرار في الصفقة، واضطرت للاقتراض بسعر فائدة مرتفع جدا لحماية مشروع قناة السويس.
وفي يوم 25 أبريل/نيسان 1859م، بدأت عملية حفر القناة، وانتهت الأشغال وافتتحت رسميا عام 1869م، ونظرا لموقعها الإستراتيجي، لم تسلم قناة السويس من أن تكون محط أنظار بعض الدول التي كانت تطمع في السيطرة عليها.
وبسبب توترات سياسية، أصدر الرئيس المصري جمال عبد الناصر في 26 يوليوز/تموز 1956 قرارا بتأميم شركة قناة السويس، مما أثار سخط فرنسا وبريطانيا باعتبارهما أكثر القوى المستفيدة من القناة، وتطور الخلاف إلى شن عدوان ثلاثي (بريطاني فرنسي إسرائيلي) على مصر عام 1956.
الأثر الاقتصادي
الموقع الجغرافي لقناة السويس يجعل منها معبرا ملاحيا إستراتيجيا وعالميا بامتياز، إذ تختصر المسار التجاري البحري بين كل من أوروبا وآسيا دون الحاجة إلى اتخاذ طريق أطول حول القارة الأفريقية.
وحسب مراقبين، فإن هذا المجرى المائي يستحوذ على حركية حوالي ثلث السفن العالمية وتعبره سنويا آلاف السفن التجارية والحربية العملاقة من مختلف الجنسيات، وتمر عبره 10% من حركة التجارة البحرية الدولية.
يقرّب معبر السويس الشرق من الغرب، وهو مصدر دخل كبير ويضخ حركية كبيرة في شريان الاقتصاد المصري، كما تستفيد منه اقتصادات جميع الدول التي تتخذ من القناة ممرا أساسيا لسفنها.
وتعد قناة السويس مصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية في مصر، فقد بلغت إيراداتها مثلا في العام المالي 2022-2023 ما قدره 9.4 مليارات دولار، كما أنها ظلت تمثل المورد الثالث من حيث القيمة، بعد تحويلات المصريين بالخارج والصادرات السلعية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
وظلت القناة تتقاسم مع هيئة البترول صدارة أعلى فوائض تحققها الهيئات الاقتصادية، كما أنها تدفع للدولة المصرية نحو 40% من أرباحها. ففي العام المالي 2020/2021 مثلا سددت هيئة قناة السويس ضرائب بقيمة 28.7 مليار جنيه مقابل 31 مليار جنيه بالعام المالي السابق، كما جنت منها الدولة في العام نفسه أرباحا بقيمة 47 مليار جنيه، مقابل 44.8 مليار جنيه في العام المالي السابق.
توسعة
بسبب الضغط الكبير على قناة السويس، عملت السلطات المصرية على توسعتها لتصبح ذات ممرين مختلفين، وتم تأسيس "قناة سويس" جديدة موازية للقناة القديمة.
انطلق هذا المشروع عام 2014 وانتهى إنجازه في صيف 2015، وتم تدشين القناة الجديدة التي يصل طولها إلى 72 كيلومترا.
هذه التوسعة أسهمت في الزيادة في إيرادات القناة على مدار السنوات الخمس (2016-2020) إلى 32 مليارا و442 مليون دولار، حسب أرقام مصرية رسمية.