سراييفو.. حيث انطلقت رصاصة الحرب العالمية الأولى
تقع سراييفو في الجزء المركزي الشرقي من البوسنة على نهر ميلتسكا، أحد أهم روافد نهر الدانوب، إلى الشرق من جبال الألب الدينارية وإلى الشمال من الجبل الأسود.
وتقع البوسنة والهرسك جنوبي أوروبا، وتحدها من الشمال كرواتيا، ومن الشرق صربيا، ومن الجنوب الجبل الأسود، ومن الغرب كرواتيا والبحر الأدرياتيكي.
السكان
يعد المسلمون الغالبية في البوسنة حيث يمثلون نحو 40% من تعدادها السكاني, ويأتي بعدهم الأرثوذكس الصرب بـ31%، ثم الكاثوليك -وجميعهم تقريبا من الكروات- بـ10%، أما اليهود فيشكلون أقلية صغيرة.
الاقتصاد
يعمل سكان سراييفو بالزراعة التي تتركز حول مجاري الأنهار وسهولها، ويزرع فيها القمح والشعير والقطن والذرة والخضروات والفواكه والأشجار المثمرة، بالإضافة إلى رعي الأغنام والماعز حول مجاري الوديان وفوق المنحدرات.
وتشتهر سراييفو أيضا باستخراج المعادن والفحم الحجري، ومن أشهر صناعاتها التعدين وصناعة المنسوجات الصوفية والقطنية وصناعة المواد الغذائية وصناعة السجاد والأواني الخزفية والحرف التقليدية والحرف اليدوية.
المعالم
تميزت سراييفو بكونها مركزا ثقافيا وتجاريا وصناعيا مهما، واشتهرت بصناعات عدة منها السجاد والحرير والمجوهرات الفضية والتبغ والآلات والمكائن، ولو أن هذه الصناعات دمرت خلال الحرب في يوغسلافيا السابقة بين عامي 1992 و1999.
كما تشتهر سراييفو بمساجدها الكثيرة التي بناها العثمانيون إبان حكمهم البلاد، ويغلب على مبانيها طراز العمارة الإسلامية، كما تحتوي على أهم المراكز الثقافية الدينية في منطقة البلقان.
وأيضا هناك الساعة التي يعود تاريخها إلى العهد العثماني، وهي تعمل بانتظام منذ عشرات السنين في سراييفو وعلى أساس قمري عكس الأساس الشمسي المعمول به في بقية أنحاء العالم.
وتشتهر سراييفو خلافا لمدن البلقان الأخرى بجسورها التاريخية القديمة التي تمثل معالم سياحية هامة يقصدها السياح من كافة أرجاء المعمورة.
ووفقا للمصادر التاريخية، فإن المدينة شهدت بناء 13 جسرا فوق نهر ميلتسكا الذي يربط بين طرفيها خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، ومع مرور السنين وتعرض المدينة للفيضانات الجارفة والحروب دُمِّرَت خمسة من تلك الجسور وانقرضت وأصبحت أثرا بعد عين.
ومن معالم المدينة "الحي النمساوي" الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1878، حينما قدم الاستعمار النمساوي إلى البوسنة حيث أخذ يدخل إدارته تدريجيا لتحل محل الحكم العثماني الذي اختفى نهائيا.
وخلال هذه الفترة، أدخل النمساويون المترو إلى سراييفو عام 1885 في إطار التحديث الذي شهدته مؤسسات المدينة.
الحروب
يعرف العالم عاصمة البوسنة بكونها المكان الذي الذي أطلق فيه يوم 28 يونيو/حزيران 1914 الشاب الصربي البوسني القومي غافريلو برانسيب رصاصتين على ولي عهد النمسا شيدوق فرانسوا فرديناند وزوجته صوفي، وكان ذلك السبب المباشر في اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وكانت هذه الحرب التي بدأت أوروبية وانتهت عالمية، من أعنف صراعات التاريخ، واستمرت أكثر من أربع سنوات، وبلغت خسائرها البشرية نحو تسعة ملايين قتيل، ومهدت لتغييرات سياسية كبيرة، وكانت وراء ثورات في دول عديدة.
وفي محطة أخرى تعرضت سراييفو خلال حرب البوسنة لحصار شديد من طرف الجيش اليوغسلافي الذي سيطر على مطار المدينة يوم 5 أبريل/نيسان 1992، واستمر الحصار 1460 يوما، وكان أطول حصار مفروض على مدينة في التاريخ الحديث.
وارتكب الصرب وحشية كبيرة في سراييفو، وتشير التقديرات إلى أن ما بين 480 و500 ألف قذيفة أطلقت على المدينة. وأطلقت الصواريخ على المدينة بمعدل 329 صاروخا يوميا.
وقتل أثناء الحصار 11 ألفا و541 شخصا، من بينهم 1601 طفل، وقدر عدد الجرحى بـ50 ألفا من مختلف الأعمار، كما تضرر 100 ألف منزل.
وارتكبت مجازر في المدينة بينها اثنتان في سوق ماركالا أسفرتا عن مقتل 105 أشخاص وإصابة أكثر من 230 شخصا بجراح. كما استهدف المستشفى الرئيسي في سراييفو أثناء الحصار بـ298 صاروخا، مما أدى لمقتل 49 من العاملين في الطاقم الطبي.
ونتيجة لتلك الوحشية، انخفض عدد سكان سراييفو من 520 ألف نسمة قبل الحرب إلى 349 ألفا.
وانتهى الحصار على سراييفو يوم 29 فبراير/شباط 1996 بعيد توقيع اتفاقية دايتون للسلام.
وقد نص الاتفاق على محافظة جمهورية البوسنة والهرسك على حدودها التي كانت قائمة أيام الاتحاد اليوغسلافي، لكنه أقام بالمقابل كيانا مزدوجا مكونا من جمهورية للصرب وكيان ثان موحد للكروات والمسلمين.
وخلفت الحرب تأثيرات كارثية في اقتصاد المدينة، حيث دمرت معظم الصناعات بشكل نهائي، كما دمرت البنية التحتية الأساسية.
بعد الحرب
انتعشت الحياة في سراييفو بعد انتهاء الحرب، وشهدت تطورا في مختلف المجالات، ثقافيا واقتصاديا، حيث فتحت بها على سبيل المثال مدارس وجامعات يؤمها الطلبة من كل أنحاء العالم.
كما شهدت تطورًا في شبكة المواصلات والاتصالات، وتطورت الخدمات الصحية والاجتماعية.
وباتت المدينة تحتوي على مجموعة من المزارات التي يقبل عليها السائحون، ففي المدينة القديمة تجد المساجد التي يرتفع فيها الأذان.
وأصبح "نفق الحياة" -ويسمى أيضا بوابة سراييفو- الذي حفر خلال حصار سراييفو، مزارا سياحيا يروي فصولا من أكثر الصراعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.