صربيا.. تاريخ عريق وقوميات متنوعة

خريطة صربيا
موقع الجمهورية الصربية والدول المتاخمة لها (الجزيرة)

إحدى دول جنوب شرق أوروبا، تقع في الجزء الأوسط من شبه جزيرة البلقان، وتسيطر على إحدى الطرق البرية الرئيسية من أوروبا الغربية إلى تركيا والشرق الأدنى. ويمثل الصرب الأغلبية العرقية في البلاد، ويدين معظم سكانها بالمسيحية الأرثوذكسية. 

كانت صربيا جزءا من يوغوسلافيا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918، وحتى عام 2006 عندما انفصلت جمهورية الجبل الأسود عن الاتحاد، وتم إعلان قيام "جمهورية صربيا".

شكّلت مسألة استقلال كوسوفو ذات الغالبية العرقية الألبانية صراعا دائما ومتجددا بين البلدين، حيث ترفض صربيا الاعتراف باستقلال كوسوفو وتعتبرها أرضا صربية تاريخية.

المعلومات الأساسية

الاسم الرسمي: جمهورية صربيا.

الاسم المختصر: صربيا.

العاصمة: بلغراد.

اللغة: الصربية (رسمية)، المجرية، البوسنية.

النظام السياسي: جمهوري.

تاريخ النشأة: 5 يونيو/حزيران 2006 (عن دولة اتحاد صربيا والجبل الأسود).

العملة: الدينار الصربي.

تقسيمات إدارية خاصة: تضم جمهورية صربيا مقاطعة "فويفودينا" التي تتمتع بالحكم الذاتي.

The medieval fortress of Golubac, mirroring in the waters of the Danube. Fortress towers illuminated by warm sunset light, blue sky. Aerial shot. Famous tourist place, Serbia.
قلعة غولوباك التي تطل على نهر الدانوب يعود تاريخها للقرون الوسطى (شترستوك)

الموقع

تقع صربيا في جنوب شرق أوروبا، في الجزء الأوسط من شبه جزيرة البلقان، وهي بلد غير ساحلي، يسيطر على إحدى الطرق البرية الرئيسية من أوروبا الغربية إلى تركيا والشرق الأدنى.

تحدها من الشمال الجمهورية المجرية "هنغاريا"، ومن الشرق رومانيا وبلغاريا، ومن الجنوب مقدونيا الشمالية وكوسوفو، ومن الغرب كرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود.

التضاريس

تشكل التضاريس في صربيا مزيجا من السهول والمرتفعات، ويغطي سهل بانونيا الخصب الثلث الشمالي من البلاد في منطقة فويفودينا، بينما تتكون تضاريس وسط صربيا بشكل رئيسي من التلال والجبال المنخفضة إلى المتوسطة الارتفاع، والتي تتخللها العديد من الأنهار والجداول.

وتهيمن الجبال على الثلث الجنوبي من صربيا، حيث تمتد جبال الألب الدينارية في الغرب والجنوب الغربي، وتمتد جبال الكاربات وجبال البلقان باتجاه شمال-جنوب في شرق صربيا.

وأعلى نقطة في البلاد هي قمة ميدزور، وتبلغ 2169 مترا، أما أدنى نقطة فتقع عند نهري الدانوب وتيموك، وتبلغ 35 مترا.

ويتدفق نهر الدانوب على مسافة 588 كيلومترا عبر صربيا، والأنهار الرئيسية الأخرى هي روافده، بما في ذلك نهر سافا، الذي يتدفق من الغرب، ونهر تيسا الذي يتدفق من الشمال، ونهر درينا الذي يتدفق من الجنوب، ونهر مورافا الذي يتدفق بالكامل تقريبا عبر صربيا.

وتشكل الروافد شبكة كثيفة من الأنهار والجداول الصغيرة التي تغطي معظم أنحاء البلاد، وتشكل الأنهار الصالحة للملاحة شبكة مواصلات تربط البلاد بأوروبا الشمالية والغربية وأوروبا الشرقية وجنوب أوروبا.

وتعد البحيرات الطبيعية في صربيا قليلة وصغيرة ويقع معظمها في فويفودينا، وأكبرها بحيرة "باليتش" الجليدية.

المساحة

وتعتبر صربيا أن مساحتها تبلغ 88499 كيلومترا مربعا متشبثة بذلك بضم مساحة "كوسوفو"، والتي تبلغ 10910 كيلومترات مربعة. (المؤشرات الرسمية الصربية، يناير/كانون الثاني 2022).

الموارد الطبيعية

تحتوي الأراضي الصربية على العديد من الثروات الطبيعية، أهمها: النفط والغاز والفحم وخام الحديد والنحاس والزنك والأنتيمون والكروميت والذهب والفضة والمغنيسيوم والبيريت والحجر الجيري والرخام والملح، بالإضافة إلى مساحات واسعة من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة.

المناخ

يؤدي اختلاف التضاريس في صربيا، إضافة إلى عوامل القرب من البحر والتعرض للرياح إلى تباينات مناخية في المناطق المختلفة، ويسود البلاد بشكل عام مناخ قاري معتدل، ويتميز بشتاء بارد وجاف نسبيا وصيف دافئ ورطب.

ويظهر في فويفودينا بوضوح خصائص المناخ القاري، ويبلغ متوسط درجات الحرارة فيها في يوليو/تموز حوالي 22 درجة مئوية، بينما تبلغ درجات الحرارة في يناير/كانون الثاني حوالي درجة مئوية واحدة تحت الصفر.

ويبدأ المناخ بالتغير نحو مناخ البحر الأبيض المتوسط كلما اتجهنا جنوبا، ويصبح الشتاء باردا والصيف حارا وجافا، وتنخفض درجة الحرارة بشكل ملحوظ ويزيد معدل هطول الأمطار في المرتفعات، ويبلغ متوسط درجات الحرارة في المناطق الجبلية حوالي 18 درجة مئوية صيفا.

والجزء الأكبر من صربيا لديه نظام هطول قاري، ويكون معظم هطول الأمطار في فترة الصيف، باستثناء الجنوب الغربي، الذي يتلقى أعلى هطول للأمطار في الخريف، وتتساقط الثلوج في فصل الشتاء، ويبلغ ذروته في يناير/كانون الثاني.

Commemoration in Kosovo for the victims of school shooting in Serbia
كوسوفيون يحيون ذكرى ضحايا إطلاق النار في المدارس بصربيا (الأناضول)

السكان

بلغ عدد سكان صربيا عام 2022 بحسب المؤشرات الصربية الرسمية 6664449 نسمة، (لا يشمل ذلك سكان كوسوفو)، ويعاني المجتمع الصربي من تراجع في نسبة النمو السكاني، إذ بلغت عام 2023 بحسب مؤشرات "السي آي إيه" 0.63%.

كما يعاني النمو السكاني من اتجاهه نحو الشيخوخة، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال انخفاض نسبة الشباب والارتفاع المتزايد والمستمر لنسبة كبار السن، وتشير البيانات الرسمية لجمهورية صربيا إلى أنه في عام 2022 بلغت نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فأكثر 22%، في حين يمثل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما 14.4% من المجموع الكلي للسكان.

التوزيع العرقي

تعود أصول السكان في صربيا إلى أعراق متنوعة، ويمثل الصرب العرق الغالب في البلاد بنسبة تصل إلى 83.3%، بينما تتوزع الأعراق الأخرى كالآتي: 3.5% مجريون و2.1% غجر و2% بوسنيون و5.7% آخرون حسب تقديرات عام 2011. 

اللغات

تعتبر الصربية هي اللغة الأم لـ84.4% من السكان، وهي اللغة الرسمية للبلاد، ويتحدث المجرية 2.6% والبوسنية 2.2% والغجرية 1.2% والألبانية 1% حسب الإحصاءات الرسمية الصربية 2022.

وتعتبر الصربية والمجرية والسلوفاكية والغجرية والكرواتية والروثينية (إحدى اللغات السلافية) لغات رسمية في مقاطعة فويفودينا المتمتعة بالحكم الذاتي.

الديانة

يمثل أتباع الديانة المسيحية الغالبية العظمى من مواطني جمهورية صربيا بنسبة تبلغ 86.6٪، ويمثل الأرثوذكس 81.1٪ والكاثوليك 3.9٪ والبروتستانت 0.8٪ و0.9٪ كنائس أخرى. ويشكل المسلمون 4.2% والملحدون 1.1% واللاأدريون 0.1%.

التاريخ

ظهرت أولى الحضارات في صربيا منذ حوالي 6500 سنة قبل الميلاد، خلال العصر الحجري الحديث، وتعتبر حضارتا "ستارتشيفو" و"فينكا" أقدم تلك الحضارات، وتوجد العديد من المواقع الأثرية الهامة من هذا العصر في بلغراد وليبنسكي فير وفينتشا بيلو بردو، بالقرب من ضفاف نهر الدانوب.

وخلال العصر الحديدي، سكنت المنطقة قبائل تريبالي ودرداني وأوتارياتاي المحلية، وذلك من القرن الخامس حتى القرن الثاني قبل الميلاد. ثم استقرت قبيلة سكورديسكي السلتية في جميع أنحاء المنطقة في القرن الثالث قبل الميلاد، وشكلوا دولة قبلية، وبنوا العديد من التحصينات، بما في ذلك عاصمتهم "سينجيدونوم" (بلغراد) و"نايسوس" (نيش).

وفي القرن الثاني قبل الميلاد غزا الرومان جزءا كبيرا من الأراضي، وتم إنشاء مقاطعة "إليريكوم الرومانية" عام 167 قبل الميلاد، ثم احتلوا الباقي بين عامي 75 قبل الميلاد وعام 106 ميلادي، وشكلوا العديد من المقاطعات، مثل: "مويسيا" و"سريم" و"بانات"، علما أن صربيا المعاصرة تمتد على عدة مقاطعات رومانية سابقة.

وعندما انقسمت الإمبراطورية الرومانية عام 395 ميلادي، أصبحت معظم صربيا تحت حكم الإمبراطورية الرومانية الشرقية "بيزنطة"، وتم ضم أجزائها الشمالية الغربية إلى الإمبراطورية الرومانية الغربية.

وعلى مدى القرنين الخامس والسادس الميلادي استقرت العديد من القبائل، وكوّنت دُولا في منطقة صربيا، كالهون والغبيديين والقوط الشرقيين، وغزا المنطقة السلافيون والأفار، وفي عام 584 سجل السلافيون استيطانهم الدائم في المناطق الواقعة جنوب سافا والدانوب.

Mountain landscape with small lake in south part of Serbia. Mountains belongs to the Rhodope massif.
سلسلة جبال رودوبي تعد أقدم كتلة صخرية في شبه جزيرة البلقان (شترستوك)

الدولة الصربية المبكرة

دخل الصرب المنطقة في أوائل القرن السابع الميلادي واستقروا فيها، في ستة حدود قبلية متميزة: راشكا (صربيا الغربية وشمال الجبل الأسود حاليا)، والبوسنة وزاهوملي (غرب الهرسك) وترافونيا (شرق الهرسك) وباغانيا (دالماتيا الوسطى) ودوكليا/زيتا (الجبل الأسود). وكانت البلاد قد اعتنقت المسيحية، وقبلت الحماية العليا من الإمبراطورية البيزنطية.

وفي عام 680 ميلادي جاء السكان البلغار الأوائل، الذين استقروا شرق البلاد، وعلى مدى القرون التالية، اختلطوا مع الكتلة السلافية المحيطة بهم، وفقدوا لغتهم وعاداتهم، لكنهم فرضوا اسمهم "البلغار". وضمت بلادهم شرق صربيا مع وادي مورافيا وبلغراد وسريم.

وقد ظهرت أول دولة صربية موحدة تحت قيادة تشيسلاف كلونيميروفيتش في منتصف القرن العاشر في راشكا، وقبلت المملكة سيادة القسطنطينية بعد وفاة تشيسلاف.

ثم استولت أسرة نيمانيتش على الحكم، وأقامت دولة قوية امتدت مئتي عام، وسيطرت على شبه جزيرة البلقان بأكملها، وقد ازدهرت الدولة بشكل كبير بسبب قوة حكامها وقدرتهم الإدارية، وكذلك بسبب الرابطة القوية التي أسسوها مع الكنيسة.

وكانت بداية حكمهم عام 1170م، حين تولى ستيفان نيمانيا (مؤسس سلالة نيمانيتش) السلطة، وشن حروبا ناجحة ضد بيزنطة، ووسع أراضيه بشكل كبير في منطقة نيريتفا وزاهوملي وترافونيا والمنطقة الساحلية وأجزاء من كوسوفو وميتوهيا.

وحصل ابن نيمانيا الأوسط ستيفان على التاج الملكي من البابا هونوريوس الثالث، وأصبح أول ملك صربي عام 1217م، ورفع صربيا إلى مستوى مملكة، وتمكن شقيقه سافا من تأمين وضع مستقل من الناحية الروحية، وأصبح أول رئيس أساقفة صربيا عام 1219م، وحصل على استقلال الكنيسة الصربية.

وشهدت الدولة فترة ركود في عهد أولاد ستيفان، رادوسلاف وفلاديسلاف وأوروش الأول، وكان الملوك الثلاثة يعتمدون بشكل أو بآخر على بعض الدول المجاورة، بيزنطة أو بلغاريا أو المجر.

وعندما تولى ميلوتين ابن أوروش عام 1282م الحكم، وسّع صربيا إلى الجنوب، وغزا جزءا كبيرا من مقدونيا الشمالية الحالية، وأصبحت سكوبيي عاصمة صربيا، كما هاجم الأجزاء الشمالية من ألبانيا، وغزا لاحقا برانيسيفو، ثم شن حربا ضد ملك المجر وخسر فيها بلغراد لكنه احتفظ بماكفا وبرانيسيفو.

وبعد وفاة ميلوتين عام 1321م، تولى الحكم ابنه ستيفان ديكانسكي، الذي واصل توسيع دولته شرقا، واستولى على بلدة نيش والمقاطعات المحيطة بها، وجنوبا من خلال الاستيلاء على الأراضي في مقدونيا، وفي عام 1330م دمّر ستيفان ديكانسكي تحالف بيزنطة وبلغاريا الذي تم إنشاؤه ضده.

انقلب عليه ابنه دوشان عام 1331م وسجنه، وأصبح الملك الجديد، وحارب الإمبراطورية البيزنطية، وضاعف حجم مملكته واستولى على مناطق في الجنوب والجنوب الشرقي والشرق على حساب بيزنطة، وغزا ألبانيا ومقدونيا وجزءا كبيرا من اليونان.

في عهد دوشان وصلت دولة نيمانيتش إلى أقصى حد لها، حيث ضمت ثيساليا وإيبيروس ومقدونيا وكل ألبانيا والجبل الأسود وجزءا كبيرا من شرق البوسنة وصربيا الحديثة حتى شمال نهر الدانوب.

وتوج دوشان إمبراطورا عام 1346م، ورفع رئيس الأساقفة الصربي إلى بطريرك، ووضع "قانون دوشان" أعظم إنجاز قانوني لصربيا في العصور الوسطى، وساهم النمو الاقتصادي أيضا في تعزيز سلطة نيمانيتش، وازدهرت الزراعة، وازدادت أهمية التعدين بشكل كبير وتوسعت التجارة.

وبعد وفاة دوشان عام 1355م، تولى الحكم ابنه ستيفان أوروش، لكنه لم يرث قدرات والده في الحكم، ولقب بالضعيف، وأخذت المملكة تنزلق في عهده ببطء إلى الفوضى الإقطاعية.

bridge in Novi Sad, Serbia
جسر زيزيلج في نوفي ساد بصربيا يرمز إلى الأخوة والوحدة (شترستوك)

الحكم العثماني

بعد وفاة ستيفان أوروش عام 1371م، تُركت الإمبراطورية المتفككة دون وريث، وحصل اللوردات الإقليميون على الحكم في مقاطعاتهم حكاما مستقلين، وضم تفرتكو الأول ملك البوسنة عدة مناطق غربية، وادعى أنه الوريث الشرعي للعرش الصربي، وفي عام 1377م تُوّج ملكا على الصرب والبوسنة.

وفي هذه الفترة بدأ العثمانيون بالتقدم نحو المنطقة، وهاجموا مناطق الحكام المستقلين، الذين هزموا أمام العثمانيين في معركتين حاسمتين، كانت الأولى معركة "تشيرنومين" عام 1371م على ضفاف نهر ماريكا، حيث هُزمت قوات النبلاء من مقدونيا.

وكانت الثانية معركة "كوسوفو" عام 1389م، التي حددت مصير صربيا، حيث تعرض لازار أقوى حاكم إقليمي في صربيا آنذاك لهزيمة كارثية، ولم تعد بعدها أي قوة قادرة على الوقوف في وجه الأتراك، واضطر حكام المنطقة أن يصبحوا تابعين للدولة العثمانية.

وفي عام 1459م استولى الأتراك على كامل الأراضي الصربية، وحكمت الدولة العثمانية صربيا نحو أربعة قرون أخرى، وأخذ الإسلام ينتشر في البلاد، واعترفت الدولة العثمانية بالطوائف الدينية غير المسلمة وبالهوية العرقية للسكان.

وقد أدى الصراع العسكري من أجل السيطرة على شبه جزيرة البلقان إلى إخلاء مساحات كبيرة من الأراضي الصربية، وانتقلت شعوب أخرى إلى هذه المناطق، إما بشكل عفوي أو برعاية تركية، وكانت مهمتهم فلاحة الأرض ودعم السباهيين، وهم مجموعة متفرقة من الفرسان المسلحين لحماية الأراضي المفتوحة للجيش العثماني.

وفي العهد العثماني، خاضت القوى الأوروبية، النمسا على وجه الخصوص، حروبا عديدة ضد تركيا، وساندت الصرب، وخلال الحرب النمساوية التركية الممتدة في الفترة بين عامي 1593 و1606 نظم الصرب انتفاضة في بانات.

وخلال الحروب التي اندلعت في الفترة بين العامين 1683 و1690، التي رعاها البابا وانضمت إليها النمسا وبولندا والبندقية، حرّض الصرب على التمرد ضد السلطات التركية، وسرعان ما انتشرت الثورات وحرب العصابات في جميع أنحاء غرب البلقان.

وفي الفترة بين عامي 1716 و1718 أصبحت الأراضي الممتدة من دالماتيا والبوسنة والهرسك إلى بلغراد وحوض الدانوب ساحة معركة للحرب النمساوية التركية، ووقف الصرب مرة أخرى إلى جانب النمسا.

وبعد انتهاء الحرب، تم توقيع معاهدة السلام في بوزاريفاتش، وفقدت تركيا جميع ممتلكاتها في حوض الدانوب، وكذلك شمال صربيا وشمال البوسنة، وأجزاء من دالماتيا والبيلوبونيز.

ثم كانت الحرب النمساوية التركية التي وقعت بين العامين 1788 و1791، هي الأخيرة ولم تقم حروب بعد ذلك حتى القرن العشرين الذي شهد سقوط الإمبراطوريتين النمساوية المجرية والعثمانية.

صربيا الحديثة

في بداية القرن التاسع عشر ثار الصرب مرتين ضد العثمانيين، عامي 1804 و1815، وكانت الإمبراطورية العثمانية تواجه بالفعل أزمة داخلية عميقة وحروبا خارجية، ونتيجة لذلك، منحت الحكومة العثمانية "إمارة صربيا" حكما ذاتيا عام 1830.

وفي عام 1878 مُنحت صربيا الاعتراف الدولي بالاستقلال بموجب معاهدة برلين، وعندما أصبح الملك بيتار الأول حاكما على البلاد عام 1903، فتح الطريق أمام الديمقراطية البرلمانية في صربيا، وبدأت فترة من الحكومة البرلمانية والحرية السياسية.

Ada, Gazela bridges, Belgrade Waterfront, Government of Serbia, Sava river by night panorama with city lights
الواجهة البحرية للعاصمة الصربية بلغراد (شترستوك)

ومع انتهاء حروب البلقان بين عامين 1912 و1913، انتهى الحكم العثماني في البلقان، ولكن كان اغتيال ولي العهد النمساوي الأمير فرانز فرديناند في سراييفو عام 1914 بمثابة ذريعة للهجوم النمساوي على صربيا، والذي كان بداية الحرب العالمية الأولى.

ودخل الصرب الحرب إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وهُزم الجيش الصربي أمام القوات المشتركة لألمانيا والنمسا والمجر وبلغاريا، واضطر إلى الانسحاب من صربيا عبر سلاسل الجبال الألبانية إلى البحر الأدرياتيكي.

صربيا جزءا من يوغوسلافيا

مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وسقوط الإمبراطورية النمساوية المجرية والإمبراطورية العثمانية، تم إعلان "مملكة الصرب والكروات والسلاف" في ديسمبر/كانون الأول 1918.

وفي عام 1929 أعاد الملك ألكسندر الأول تسمية البلاد باسم "مملكة يوغوسلافيا" وحظر الأحزاب السياسية الوطنية، وتولى السلطة التنفيذية، ولكن الطابع الصارم لحكمه بما في ذلك التدخل في القضاء والصحافة، واعتقال المعارضين السياسيين وتعذيبهم، أثار عداء عميقا ضده.

وخلال زيارة رسمية لفرنسا عام 1934، اغتاله عميل للمنظمة الفاشية الكرواتية "أوستاشا"، فأنشئت وصاية برئاسة الأمير بول عم بطرس الثاني وريث العرش.

وفي عام 1939 وبدعم وضغط من إيطاليا وألمانيا تمكن الزعيم الكرواتي "فلاتكو ماشيك" وحزبه من إنشاء بانوفينا الكرواتية (مقاطعة إدارية)، ثم بناء هوية سياسية مستقلة في العلاقات الدولية.

وكان هتلر يضغط بشدة على يوغوسلافيا للانضمام إلى قوى المحور، وأدت المظاهرات العامة ضد النازية إلى قصف بلغراد والمدن الكبرى الأخرى من قبل ألمانيا، وفي أبريل/نيسان 1941، احتلت قوى المحور يوغوسلافيا، وتم تقسيمها إلى مجموعة من الدول، مع وضع هذه الكيانات الجديدة تحت مناطق السيطرة العسكرية الألمانية أو الإيطالية.

وحولت الأجزاء الغربية من البلاد مع البوسنة والهرسك إلى "دولة كرواتيا المستقلة"، واحتلت القوات الألمانية صربيا، ولكن تم ضم المناطق الشمالية إلى المجر، والأراضي الشرقية والجنوبية إلى بلغاريا، وتم ضم كوسوفو وميتوهيا إلى ألبانيا، كما خسر الجبل الأسود أراضي لصالح ألبانيا، وتم تقسيم سلوفينيا بين ألمانيا وإيطاليا التي استولت أيضا على الجزر في البحر الأدرياتيكي.

وفي عام 1945، أُعلن عن تغيير في نظام الدولة، وتأسست "جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية" التي تضم ست وحدات فيدرالية: صربيا وكرواتيا وسلوفينيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا والجبل الأسود، ومنطقتين تتمتعان بالحكم الذاتي: فويفودينا وكوسوفو وميتوهيا.

وفي عام 1989، أصبح سلوبودان ميلوسيفيتش رئيسا لجمهورية صربيا، وأدت دعواته القومية الصربية المتطرفة، إضافة إلى فشل الشيوعية وبروز الأزمات السياسية والاقتصادية والعديد من الحوادث العرقية، إلى تأزم الأوضاع في الدولة.

وعلى إثر ذلك قامت الحرب اليوغوسلافية في بداية التسعينيات وانتهت بتفكك الدولة المشتركة وتشكيل دول مستقلة، وانفصلت بين عامي 1991 و1992 سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك عن يوغوسلافيا قسرا، في حين فعلت مقدونيا ذلك سلما، واختارت صربيا والجبل الأسود البقاء في الاتحاد.

وفي 27 أبريل/نيسان 1992 تم إعلان "جمهورية يوغوسلافيا الفيدرالية" الجديدة، التي تضم صربيا والجبل الأسود فقط، وبسبب التدخل الصربي العسكري المستمر في جمهوريات يوغوسلافيا السابقة الأخرى، وقعت الدولة في عزلة سياسية، وفرضت عقوبات اقتصادية صارمة على البلاد بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مايو/أيار 1992، مما ساهم في حالة التضخم المفرط وانهيار الاقتصاد.

YUGO-KOSOVO-MASSACRE-PREKAZE
نساء من أصول ألبانية في كوسوفو تختبئن من الشرطة الصربية يوم 7 مارس/آذار 1998. (الفرنسية)

ولم يتم رفع العقوبات الدولية، إلا بعد هزيمة ميلوسوفيتش أمام فويسلاف كوستونيتشا في الانتخابات الرئاسية اليوغوسلافية عام 2000.

وفي فبراير/شباط 2003، اعتمدت جمهورية صربيا وجمهورية الجبل الأسود ميثاقا دستوريا جديدا حول يوغوسلافيا الاتحادية، وتحولت البلاد إلى "دولة اتحاد صربيا والجبل الأسود"، وأعطى الميثاق لكلا الدولتين العضوين الحق في إجراء استفتاء خلال ثلاث سنوات، حول البقاء في دولة الاتحاد.

وقررت جمهورية الجبل الأسود في مايو/أيار 2006 من خلال تصويت شعبي مغادرة دولة الاتحاد وإعلان استقلالها، وفي 5 يونيو/حزيران 2006 أعلنت الجمعية الوطنية لصربيا عن قيام "جمهورية صربيا" وقالت إنها الوريث الشرعي لدولة "اتحاد صربيا والجبل الأسود".

الصراع في كوسوفو

تعود جذور قضية كوسوفو إلى مطلع القرن العشرين، حيث ضُمت كوسوفو إلى مملكة يوغسلافيا بعد الحرب العالمية الأولى، وخضعت لسيطرة الصرب الذين يشكلون أقلية فيها، في حين يشكل الألبان نسبة 92.9% من مجموع السكان الكلي في كوسوفو، كما يمثل المسلمون الأغلبية بين المجموعات الدينية بنسبة تصل إلى 95.6%، حسب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عام 2011.

وطالب ألبان كوسوفو بالانضمام لألبانيا، إذ يعتبرون أنفسهم جزءا تاريخيا منها، ولا سيما بعد أن مارست يوغوسلافيا أشكالا تمييزية بحق الألبان، فرحّلت الآلاف منهم ومنعت تدريس الألبانية في المدارس.

وفي عام 1945 منحت منطقة كوسوفو حكما ذاتيا، وتغير اسمها عام 1968 من إقليم "كوسوفو وميتوهيا" المستقل إلى مقاطعة "كوسوفو الاشتراكية المستقلة".

وبعد تفكك يوغوسلافيا في تسعينيات القرن العشرين، سعى ألبان كوسوفو إلى الاستقلال، بينما ردت صربيا بحملة قمع ضدهم، حيث ترى صربيا أن كوسوفو مكان مقدس لتاريخ الصرب، نظرا لوجود مقر الكنيسة الأرثوذكسية الصربية فيها، كما تعد كوسوفو البوابة الجنوبية لدولة صربيا من جهة ألبانيا، ومن ثم تعدها صربيا امتدادا لأمنها القومي الإستراتيجي.

وبدأ ألبان كوسوفو احتجاجات سلمية عام 1989، رفضا لقرار إلغاء الحكم الذاتي لمنطقة كوسوفو من قبل سلوبودان ميلوسوفيتش (رئيس الجمهورية الصربية وقتها)، وفي عام 1996 رأى الألبان أن مطالبهم لن تحل سلميا، فقرروا تشكيل "جيش تحرير كوسوفو" وبدؤوا بمهاجمة الشرطة الصربية والضباط.

وفي عام 1998 أثار التمرد الألباني في مقاطعة كوسوفو حملة صربية لمكافحة التمرد أسفرت عن مذابح وطرد جماعي لهم، وتعرض المحتجزون الألبان للضرب والتعذيب في المعتقلات، وبدأت سلسلة تطهير عرقي في جميع أنحاء يوغسلافيا، وشملت المدنيين الألبان العزل في القرى من أطفال ونساء وشيوخ.

وأدى رفض حكومة ميلوسوفيتش للتسوية الدولية إلى قصف حلف شمال الأطلسي (ناتو) لصربيا عام 1999، واضطرت قوات الجيش والشرطة الصربية عقبها إلى الانسحاب من كوسوفو في يونيو/حزيران 1999، وأذن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإدارة مؤقتة للأمم المتحدة، وقوة أمنية بقيادة الناتو في كوسوفو.

ومع ذلك، لم تتوقف التوترات حتى بعد انتهاء الحرب، واستمرت أعمال العنف بين الطرفين، وفي فبراير/شباط 2008 أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا، واعترفت بها 110 دول، منها الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا، ورفضت صربيا وروسيا الاعتراف بها. وأصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا في يوليو/تموز 2010 ينص على أن القانون الدولي لا يحظر إعلان الاستقلال.

وفي أواخر عام 2010 وافقت صربيا على قرار صاغه الاتحاد الأوروبي في الجمعية العامة للأمم المتحدة يعترف بقرار محكمة العدل الدولية ويدعو إلى جولة جديدة من المحادثات بين صربيا وكوسوفو. ووقعت صربيا وكوسوفو أول اتفاق مبادئ يحكم تطبيع العلاقات بين البلدين في أبريل/نيسان 2013.

وبالرغم من اتفاقيات عديدة وقعت على مدى السنوات التالية، بقيت كوسوفو منطقة توترات أمنية مستمرة ومتكررة.

Illustration depicting the Battle of Kosovo, a battle between the army led by the Serbian Prince Lazar Hrebeljanovic, and the invading army of the Ottoman Empire under the command of Sultan Murad Hüdavendigâr. Dated 14th Century المصدر: ميدجيرني / الجزيرة
رسمة بالذكاء الاصطناعي تصور معركة كوسوفو بين الجيش الصربي والدولة العثمانية (الجزيرة-ميدجورني)

الاقتصاد

الناتج المحلي الإجمالي: 63.389 مليار دولار حسب الإحصاءات الرسمية الصربية لعام 2022.

الناتج المحلي الإجمالي للفرد: 9.363 دولار حسب الإحصاءات الرسمية الصربية لعام 2022.

نسبة النمو: 2.3% حسب الإحصاءات الرسمية الصربية لعام 2022.

نسبة التضخم: 12.5% حسب مؤشرات البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية حتى شهر يوليو/تموز 2023.

تطور الاقتصاد الصربي بعد تفكك يوغوسلافيا إلى نموذج اقتصاد السوق الكامل على مرحلتين: وكانت المرحلة الأولى في الفترة بين عامي 1990 و2000، وتميَزت بالحروب والعزلة الدولية لصربيا والخسائر المادية والبشرية الفادحة.

وقد أدى سوء إدارة الاقتصاد في عهد "ميلوسيفيتش"، وفترة طويلة من العقوبات الاقتصادية الدولية، والحرب الأهلية، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والصناعة في يوغوسلافيا خلال الغارات الجوية التي شنها حلف الناتو عام 1999، إلى نتائج سلبية على الاقتصاد.

وأصبح الوضع الاقتصادي أسوأ مما كان عليه في عام 1990، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لصربيا عام 2015 نحو 27.5% أقل مما كان عليه في عام 1989.

أما المرحلة الثانية، فبدأت منذ عام 2000 واستمرت فيما بعده، وتتميز بالتوجه نحو تنمية اقتصادية جديدة وفق معايير الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث نفذت الحكومة الائتلافية للمعارضة الديمقراطية في صربيا بعد الإطاحة بـ "ميلوسيفيتش" عام 2000 تدابير لتحقيق الاستقرار وشرعت في برنامج لإصلاح السوق.

وجددت صربيا عضويتها في صندوق النقد الدولي عام 2000، وانضمت مرة أخرى إلى البنك الدولي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وحققت تقدما في تحرير التجارة وإعادة هيكلة المؤسسات والخصخصة، وبقيت العديد من المؤسسات الضخمة، بما في ذلك مرافق الطاقة وشركات الاتصالات وشركة الغاز الطبيعي وغيرها مملوكة للدولة.

وتتمتع صربيا باقتصاد انتقالي تهيمن عليه قوى السوق إلى حد كبير، لكن قطاع الدولة لا يزال مهما في بعض المجالات، ويعتمد الاقتصاد على التصنيع والصادرات، مدفوعا إلى حد كبير بالاستثمار الأجنبي.

ويعتبر مستوى مشاركة القطاع الخاص في صربيا في الاقتصاد متواضعا، حتى بالمعايير الإقليمية، إذ تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي تشكل العمود الفقري للقطاع الخاص الصربي، محدودية الوصول إلى التمويل.

والقطاعات الاقتصادية الأكثر أهمية في صربيا، هي: قطاع الخدمات الذي يهيمن على الحصة الأكبر بواقع 49.1%، ثم يأتي قطاع الصناعة الذي يسيطر على نحو 41.1%، ثم قطاع الزراعة حوالي 9.8% حسب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عام 2017.

وتشمل الصناعات الأبرز: السيارات والمعادن الأساسية والأثاث وتجهيز الأغذية والآلات والمواد الكيميائية والسكر والإطارات والملابس والأدوية.

وأما المنتجات الزراعية فأهمها: الذرة والقمح وبنجر السكر والحليب وبذور عباد الشمس والبطاطس وفول الصويا والخوخ والتفاح والشعير.

Medieval fortress in Golubac, Serbia
القلعة المحصنة غولوباك على الجانب الجنوبي من نهر الدانوب (شترستوك)

وتَصدَّر قائمة الصادرات في صربيا لعام 2022 خامات النحاس ومركزاتها، حيث حصلت على نسبة 6.1% من مجموع الصادرات الكلي، ثم الزيوت البترولية والزيوت المستخرجة من المعادن القارية الخام بنسبة 5.5%، والغاز الطبيعي 4.3% والكهرباء 4.1%.

وسجل الاقتصاد الصربي حسب مؤشرات الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، انتعاشا قويا عام 2021، إلى مستوى أعلى بكثير من مستواه قبل أزمة كوفيد-19، وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 7.4%، مدفوعا في الغالب بالزيادات في الاستهلاك الخاص والعام، وإجمالي تكوين رأس المال الثابت، وعلى جانب العرض، كان الانتعاش مدفوعا بشكل رئيسي بالخدمات والبناء والصناعة.

وانخفض العجز الحكومي العام إلى 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021، وانخفضت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف، نتيجة لنمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي المرتفع للغاية.

ولكن بعد التعافي القوي في عام 2021، تسببت العديد من العوامل المحلية والدولية في تباطؤ اقتصادي، حيث وصل النمو عام 2022 إلى 2.3% (المؤشرات الرسمية) مع ميل المخاطر إلى الاتجاه الهبوطي، وزاد التضخم بشكل كبير بلغ 9.1% كما وضحت مؤشرات الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار 2022.

وانخفض النمو إلى 1.2% في النصف الأول من عام 2023، مع ارتفاع التضخم، عند 12.5% في يوليو/تموز 2023.

أبرز المعالم

تتمتع صربيا بطبيعة فريدة، وتاريخ حضاري عريق، هيأ لها احتضان مجموعة كبيرة من المعالم المميزة، أبرزها:

حديقة جرداب الوطنية

تعد حديقة جرداب الوطنية محمية طبيعية فريدة من نوعها، وأكبر حديقة وطنية في صربيا، تقع في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد على الحدود مع رومانيا، وتغطي مساحة 63608 هكتارا، على طول 100 كيلومتر على الضفة اليمنى لنهر الدانوب. عام 2002 ضمت الحديقة لقائمة اليونسكو للتراث العالمي.

وتمثل الحديقة نموذجا للحفاظ على الطبيعة والثقافة، حيث يتشابك فيها التراث الطبيعي والثقافي، وقد تم تسجيل 40 موقعا بصفتها ممتلكات ثقافية غير منقولة، إلى جانب المعالم الثقافية الأربعة ذات الأهمية الكبيرة: "ليبنسكي فير" و"تابولا ترايانا" و"قلعة ديانا" و"قلعة جولوباك".

وتعود منطقة "ليبنسكي فير" إلى الفترة بين عامي 7 آلاف و5 آلاف قبل الميلاد، وقد كانت مركزا لواحدة من أكثر ثقافات ما قبل التاريخ تعقيدا، وكانت المسكن الدائم للصيادين، ولأقدم أشكال الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية المنظمة في نهر الدانوب.

وتعد قلعة تابولا ترايانا وقلعة ديانا بمثابة تذكير بقوة وثراء الإمبراطورية الرومانية، إضافة إلى الجسور الرومانية المشيدة على نهر الدانوب، وتمثل "قلعة جولوباك"، بأبراجها وجدرانها شهادة دائمة على المهارات والمعرفة المعمارية للبناة والأباطرة الصرب في العصور الوسطى، ويشهد حصن "فيتسلام" من الفترة التركية، على الصدامات المستمرة بين الثقافات والحضارات المختلفة في هذه الأجزاء.

ويُشار إلى الحديقة الوطنية باسم "حديقة النهر الوطنية"، نظرا لأن نهر الدانوب يشكل جزءا مهما من الحديقة، ويعد مضيق جرداب -المعروف باسم البوابات الحديدية- أحد أروع مناطق الجذب في الحديقة، ويتكون من شبكة من الأخاديد والوديان، وهو المكان الذي يكون فيه نهر الدانوب في أعمق مستوياته (90 مترا) وأضيق مداه (150 مترا).

وتعد الحديقة ثروة من التنوع البيولوجي، حيث يتم الحفاظ على أكثر من 1100 نوع من النباتات، كما تعد موطنا لـ170 نوعا من الطيور، وأكثر من 50 نوعا من الثدييات، بالإضافة إلى أنواع كثيرة من الحشرات، والكائنات البحرية التي تعيش في مياه النهر.

جدارية للعلم الصربي مرسوم عليها خريطة صربيا وكوسوفو (يسار) التي تعدها صربيا جزءا من تاريخها (الفرنسية)

محمية ديليبلاتو الطبيعية

منطقة رملية كبيرة تقع في مقاطعة فويفودينا، تتشكل على هيئة كثبان رملية متموجة على مساحة تزيد عن 380 كيلومترا مربعا، وتحيط بها مساحات السهوب في سهل بانونيا.

وتمتد الكثبان الرملية الصفراء والرمادية التي يبلغ أقصى ارتفاع لها حوالي 200 متر فوق مستوى سطح البحر، في اتجاه مستقيم من الجنوب إلى الشمال الغربي.

وتعد رمال ديليبلاتو أكبر التضاريس الرملية في أوروبا، وكانت ذات يوم جزءا من صحراء شاسعة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، ويشار إليها باسم "الصحراء الأوروبية"، أو "أقدم صحراء في القارة القديمة"، وقد نشأت من انسحاب بحر بانونيا.

وتعد رمال ديليبلاتو تكوينا جيومورفولوجيا من أصل إيولياني، ويتميز بجمال خاص استثنائي وأهمية علمية، وهي موطن للعديد من أنواع النباتات والحيوانات النادرة أو المهددة بالانقراض في أوروبا والعالم.

وقد تم إعلانها محمية طبيعية خاصة، تمثل ثروة طبيعية على المستوى الوطني، كما ضمتها اليونسكو لقائمتها للتراث العالمي عام 2002.

جافوليا فاروس (مدينة الشيطان)

يقع معلم جافوليا فاروس الطبيعي على المنحدرات الجنوبية لجبل رادان، على الضفة اليمنى لنهر توتا ريكا، ويعتبر مثالا فريدا لتأثير التآكل، وهو مجمع من الأهرامات الحجرية تمتد على مساحة 4.300 متر مربع.

وقد تشكلت الأهرامات عن طريق التعرية المائية للمواد غير المتجانسة، مما أدى إلى تشكيل أكثر من 200 برج، ترتفع من 2 إلى 15 مترا، وعرضها عند القاعدة من 4 إلى 6 أمتار، وفي القمة بين متر ومترين، ومعظم هذه الأهرامات لها أغطية أو رؤوس.

والأهرامات الحجرية هي أشكال سريعة الزوال، لأنها تتفكك بسرعة نسبية عندما تفقد غطاءها الواقي، وتتشكل بسرعة من خلال التآكل المائي، ومن هنا جاء اسم "مدينة الشيطان"، حيث يعتقد السكان المحليون أن هذه التغييرات تحدث عندما يتقاتل الشياطين مع بعضهم البعض من أجل السلطة.

كما توجد في المنطقة ظاهرتين هيدرولوجيتين: إحداهما تُعرف باسم "مياه الشيطان"، وهو نبع عالي المعادن، تستخدم مياهه في الطب التقليدي. والأخرى تسمى "بئر الشيطان"، وهو نبع مضغوط، وتتميز المياه باللون الأحمر بشكل ملحوظ، أما المنطقة المحيطة بهذه الظاهرة الطبيعية من تربة وصخور، وكذلك الأهرامات نفسها، فهي ذات ألوان مختلفة تعطي مظهرا غريبا للمشهد بأكمله.

وتتميز المنطقة أيضا بظواهر صوتية تُبرر تسمية "مدينة الشيطان"، وهي عبارة عن رياح بين الأهرامات تصدر أصواتا مثل الهمهمة والعواء والصرير، مما أخاف السكان المحليين لعدة قرون، وكان وراء تقاليدهم الخرافية.

وترتبط التقاليد والعادات الشعبية لهذه المنطقة ارتباطا وثيقا بهذه الظواهر الطبيعية على مر القرون، وشهدت المنطقة تشابكا بين الظواهر الطبيعية وحياة الإنسان.

وتوجد بقايا كنيستين قديمتين في محيط هذا النحت الطبيعي، وضمت اليونسكو هذا المعلم إلى قائمتها للتراث العالمي عام 2002.

دير ماناسيا المحصن

يقع دير ماناسيا على مضيق نهر ريسافا، على بعد حوالي 135 كيلومترا جنوب شرق بلغراد، بناه الحاكم ستيفان لازاريفيتش، في الأوقات الصعبة بعد معركة كوسوفو، واستمر بناؤه بين عامي 1406 و1418.

ويمتاز الدير بتحصيناته، فقد صُمم للدفاع عن مستوطنة الدير وحمايتها، وكان نظام الدفاع يشمل تحصين المبنى بأسوار وأبراج.

وتنتمي كنيسة الدير إلى طراز مدرسة مورافا في العمارة المقدسة الصربية، وتتكون من قسمين منفصلين بوضوح: الرواق والصحن، وهو عبارة عن مستطيل صليبي الشكل، مع خمس قباب، وفي الجزء الداخلي تم الحفاظ على حوالي ثلث اللوحات الجدارية القديمة، التي مثلت ذروة فنية في القرن الخامس عشر في بيزنطة.  وقد ضمته اليونسكو لقائمة التراث العالمي عام 2010.

حديقة تارا الوطنية

تقع حديقة تارا الوطنية في الجزء الغربي من صربيا وهي منطقة جبلية ذات قيمة طبيعية جيو-أورفولوجية وهيدروغرافية وبيئية، وتمثل أهمية استثنائية، وتبلغ المساحة الإجمالية للحديقة 19200 هكتار مع منطقة محمية تبلغ 37584 هكتارا.

وتتكون منطقة الحديقة من مجموعة من المرتفعات الجبلية (أعلى ارتفاع حوالي 1600 متر) وتضاريس حادة تتقاطع مع أودية نهرية عميقة، ويتكون جزء كبير من المنطقة من صخور كربونية تزخر بالتشكل على هيئة ثقوب وحفر وكهوف ووديان كارستية جافة وينابيع.

وما يجعل حديقة تارا الوطنية ذات قيمة خاصة هو كون هذه المنطقة ملجأ جبليا لأعداد كبيرة من النباتات والحيوانات، التي يعد بعضها نادرا أو معرضا للانقراض.

كما توجد بها العديد من المواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث، وأهمها "دير راتشا" والمقبرة ذات شواهد القبور، وقد ضمتها اليونسكو لقائمة التراث العالمي عام 2002.

مجمع قصر غاليريوس

قصر روماني، يقع في شرق صربيا، أمر ببنائه الإمبراطور كايوس فاليريوس غاليريوس، في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الميلادي، وكان يعرف باسم فيليكس روموليانا، نسبة إلى والدة الإمبراطور.

ويتكون الموقع من القصر في الجزء الشمالي الغربي من المجمع، ومعابد وحمامات ساخنة ومجمع تذكاري، وتم تزيينه بالفسيفساء والبوابات، ويضم الموقع أيضا ضريحي الإمبراطور ووالدته، ويمتاز المجمع بتحصيناته القوية. وقد ضمته اليونسكو لقائمة التراث العالمي عام 2007.

المصدر : الجزيرة