مقتل ابن عمة الرئيس واعتقال عمه.. ما الذي يجري في تشاد؟
تفجرت مواجهات عنيفة بين القوات الأمنية التشادية والموالين "للحزب الاشتراكي بلا حدود" الذي يرأسه المعارض الأبرز يحيى ديلو ابن عمة الرئيس الانتقالي لتشاد الجنرال محمد إدريس ديبي، المنشق عنه. وقد أسفرت تلك المواجهات عن مقتل ديلو وآخرين واعتقال الجنرال صالح ديبي عم الرئيس.
وترجع الحكاية إلى اعتقال السلطات الأمنية أحد المسؤولين في الحزب ويدعى "أبكر ترابي"، حيث هاجمت قوة تابعة للحزب الاشتراكي مقر الأمن الداخلي حيث يحتجز الترابي، وقتلت عددا من الضباط والجنود.
بدورها، هاجمت قوة ضخمة من الأجهزة الأمنية مقر الحزب الاشتراكي مساء الأربعاء الماضي، الواقع في منطقة "كليمات" بالعاصمة نجامينا، لاعتقال يحيى ديلو حيث كان يتحصن، ووقعت مواجهات عنيفة بين الطرفين أوقعت عددا من القتلى بمن فيهم رئيس الحزب ديلو، كما أصيب 10 أشخاص حسب تصريحات الحكومة التشادية.
واعتقلت السلطات الأمنية 26 شخصا من الموالين للحزب في العملية بعد قتال عنيف دار بين الجانبين.
ما أسباب التوتر؟
تتهم الحكومة التشادية أبكر ترابي، وهو المسؤول المالي للحزب الاشتراكي، أنه كان يقف خلف محاولة اغتيال رئيس المحكمة العليا ويدعى سمير آدم النور، وقامت باحتجازه على ذمة الاتهام، وهنا حاول الحزب الاشتراكي التعامل مع الموقف بالقوة العسكرية مما أدى إلى المواجهات الدامية.
ما رواية الحزب الاشتراكي؟
ينفي الحزب الاشتراكي مزاعم السلطات الرسمية، قائلا وفق تصريحه لوكالة رويترز، إن الأجهزة الأمنية قتلت أبكر ترابي يوم الثلاثاء الفائت ووضعت جثته في مقر جهاز الأمن الداخلي، وعندما ذهب أعضاء الحزب للبحث عن جثته فتح الجنود النار على مجموعة من أعضاء الحزب.
وكان زعيم الحزب يحيى ديلو قد صرح سابقا بأن الهجوم المزعوم على المحكمة العليا كان مدبرا مشيرا إلى أن "المحكمة العليا تتمتع بحماية 3 سرايا من الدرك على الأقل". وأن ما تدعيه الحكومة من ضلوع ترابي في المحاولة "محض كذب".
ما طبيعة الموقف في العاصمة التشادية؟
يسود التوتر في نجامينا على الرغم من تصريحات السلطات التشادية بأنها استعادت السيطرة على الموقف، وما زال مقر الحزب الاشتراكي محاصرا، وتنتشر الآليات العسكرية والدبابات والمدرعات في شوارع العاصمة. وأغلقت السلطات وسط المدينة مع انقطاع شبه كامل لخدمة الاتصالات والإنترنت.
وأفادت بعض الصحف التشادية باعتقال عم الرئيس الانتقالي "صالح ديبي" الذي التحق مؤخرا بالحزب الاشتراكي، ولم تتجاوز الأحداث العاصمة، التي أعلنت فيها حالة الطوارئ، إلى مناطق أخرى حتى الآن.
هل هو حادث معزول؟
ظل زعيم الحزب الاشتراكي يحيى ديلو معارضا شرسا للرئيس ديبي الأب، وفي 2021 قامت السلطات الأمنية بمداهمة منزله في محاولة لاعتقاله، ولكنه أفلت منها بينما لقيت والدته وهي ابن عم الرئيس الراحل إدريس ديبي حتفها في الهجوم على منزله، وبالتالي هو امتداد لصراع قديم مع سلطة ديبي.
وتتحدث مصادر تشادية عديدة عن صراع داخل قبيلة الزغاوه المسيطرين على الحكم منذ 1990، وأن هناك تململا داخل العائلة منذ وفاة ديبي الأب، وقد بدأ الراحل يحيى ديلو استقطاب أطراف مهمة داخل الزغاوه من أقرب المقربين للرئيس الانتقالي مما يشكل خطرا على مستقبله في الحكم.
ما علاقة الحدث بالانتخابات القادمة؟
وليس مصادفة أن تتفجر الأوضاع على النحو الذي جرى، غداة إعلان اللجنة العليا للانتخابات عن تاريخ انعقاد الانتخابات في 6 مايو/أيار 2024 بحسب معارضين. وقد أعلن حزب حركة الإنقاذ الوطني في الفترة الماضية عن الرئيس الانتقالي مرشحا عن الحزب، في ظل رفض المعارضة التشادية ترشح شاغلي المواقع السيادية في الانتخابات الدستورية.
وبالنسبة للمعارضة التشادية، يعد ديلو منافسا قويا لديبي ويشكل عقبة أمام ترتيب الحكم بيته الداخلي في الانتخابات المرتقبة.
وفي السياق ذاته، أقدمت الحكومة الانتقالية في تشاد على إقالة المدافع البارز عن حقوق الإنسان، محمد نور أحمد إيبدوا من منصبه كرئيس للجنة الوطنية لحقوق الإنسان، مما اعتبرته تقارير عديدة ضربة لتشاد في الوقت الحرج الذي تستعد فيه للانتخابات.
وكان إيبدوا قد نشر عبر اللجنة تقريرا عن الاحتجاجات التي حدثت في أكتوبر/تشرين الأول من 2022، فيما عُرف عند التشاديين "بالخميس الأسود" حيث جاء في تقرير اللجنة ما يدين الأجهزة الحكومية في استخدامها لوسائل غير متناسبة في قمع الاحتجاجات، مما اعتبرته المعارضة إقالة ذات دوافع سياسية لها صلة مباشرة بالانتخابات القادمة.
هل هناك أطراف أخرى في الصراع؟
لم تصدر أي تصريحات رسمية من أي جهة خارجية حتى الآن تجاه ما يحدث في نجامينا، بما فيك ذلك فرنسا التي نقلت جنودها المنسحبين من النيجر إلى قواعدها الـ3 في تشاد، وحسب تجارب التدخل السابقة فإن باريس لا تتدخل إلا عند اللحظة الحرجة أو بطلب من السلطات، وفق رأي بعض المراقبين.
ما أبرز سيناريوهات المشهد؟
وفقا لوكالة "تشاد وان" فإن الموقف ما زال غامضا، وحسب الوكالة وُزعت على قوات خاصة تابعة لوكالة الأمن الوطني (جهاز الاستخبارات التشادي) قوائم بأسماء وزراء ومسؤولين كبار سابقين مطلوب القبض عليهم "أحياء أو موتى"، بحسب تعبير الوكالة.
وإزاء مشهد كهذا يصعب التكهن بمآلات الأوضاع وتطوراتها، وفي إفادة لأحد السياسيين امتنع عن نشر اسمه قال إن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الصراع يحدث داخل الأسرة الحاكمة وأن ذوي زعيم الحزب الاشتراكي وأعضاء حزبه لن يسكتوا على ما لحق بهم.
ويتوقع السياسي التشادي في حديث للجزيرة نت توتر الأوضاع من جديد بعد الانتهاء من مراسم عزاء يحيى ديلو، أما في حالة تمكن الرئيس الانتقالي وأجهزته من قمع الحزب الاشتراكي وإسكاته فإن التخوفات من التراجع عن الانتقال قائمة وبقوة، وهو ما يمكن أن يقود البلاد إلى مزيد من التوتر وربما التدخلات الخارجية أيضا.