عصابات المستوطنين.. ذراع الاحتلال لترويع الفلسطينيين وسلب ممتلكاتهم
في العقد الأخير برزت عصابات استيطانية تسمي نفسها "شبيبة التلال" و"تدفيع الثمن" تهاجم المنازل والممتلكات الفلسطينية، وتسيطر على مزيد من الأراضي لتوسيع المشروع الاستيطاني بالضفة الغربية خاصة.
القدس المحتلة – تُذكّر جرائم عصابات المستوطنين الإسرائيليين بحق الفلسطينيين، في هذه المرحلة، بدور العصابات الصهيونية -ومنها "البالماخ" و"الإرغون" و"الهاغاناه" و"شتيرن" وغيرها- في قتل وتهجير الشعب الفلسطيني إبان النكبة (1948)، وتعكس الفكر الإرهابي المتأصل في مشروع الحركة الصهيونية للاستيطان في فلسطين.
وارتكبت هذه العصابات مذابح ومجازر شهيرة في التاريخ الفلسطيني، منها مجازر دير ياسين، والطنطورة، وبلد الشيخ، وأبو شوشة، بهدف تهجيرها. وهي العقلية ذاتها التي نفذت مجزرة كفر قاسم في العام 1956 لترويع الفلسطينيين في منطقة المثلث، وإجبارهم على الهجرة للأردن.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأوريان 21: الجيش والمستوطنون والإرهاب اليهودي.. تحالف حديدي ضد الفلسطينيين
حرب الزيتون.. الفلسطينيون يردون “بالفزعة” على “عصابات تدفيع الثمن” التي تستهدف أشجارهم
هل اقتربت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة؟ وما علاقة المستوطنين بإشعال شرارتها؟
ولعقود طويلة، وظفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة جماعات المستوطنين للنشاط بالضفة الغربية والقدس المحتلتين، حيث وفرت لهم الغطاء القانوني والدعم المالي والسياسي. كما حظيت هذه الجماعات بدعم الحاخامات، وارتكبت الجرائم بلا عقاب.
وأظهرت معطيات الشرطة الإسرائيلية أن 3.8% فقط من ملفات اعتداءات المستوطنين ضد فلسطينيين انتهت بلوائح اتهام. إذ أكدت منظمة "ييش دين" الحقوقية أن "جهاز إنفاذ القانون الإسرائيلي يسمح على مر السنين باستمرار بانفلات المستوطنين، وسط فشل الشرطة الإسرائيلية في معالجة عنف المستوطنين ضد فلسطينيين".
ومنذ المواجهات الواسعة مع الاحتلال في القدس والضفة الغربية والداخل في مايو/أيار 2021، والعدوان العسكري الأخير على قطاع غزة، صعّدت عصابات المستوطنين من هجماتها على القرى والمنازل والممتلكات الفلسطينية.
ويقود هذه الهجمات الناشطتان اليمينيّتان البارزتان يهوديت كتسوفر ونادية مطر، ومعهما رئيس مجلس المستوطنات بشمال الضفة الغربية يوسي دغان.
نشأة إرهاب المستوطنين بالضفة
في 12 أبريل/نيسان 1968 سُجّل أول اعتداء مُنظم من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين، وذلك عندما قامت مجموعة منهم بقيادة الحاخام المتطرف موشيه ليفنغر باقتحام فندق "النهر الخالد" وسط مدينة الخليل للاحتفال بعيد الفصح العبري.
رفض ليفنغر إخلاء الفندق المملوك لعائلة القواسمة للاحتفال بعيد الفصح، وبقي فيه مع مجموعة من المستوطنين المدججين بالسلاح، وشكّلت هذه الحادثة عمليا موطئ القدم الأولى للاستيطان في الخليل وجنوب الضفة الغربية.
لتوسيع المشروع الاستيطاني
وظّف الحاخام ليفنغر العربدة وترويع الفلسطينيين بالخليل بحماية من جيش الاحتلال لتوسيع المشروع الاستيطاني هناك. وبعد حوالي 10 سنوات من زرعه بقلب الخليل القديمة والسيطرة على الفندق، ومع تولي حزب الليكود برئاسة مناحيم بيغن السلطة في إسرائيل، منح الاحتلال التسهيلات لمجموعة المستوطنين بقيادة ليفنغر للسيطرة على العقارات وممتلكات الفلسطينيين في شارع الشهداء الشهير بالمدينة.
ودفعت حكومة بيغن في العام 1980 أشد المستوطنين تطرفا للاستيطان في قلب الخليل بعد السيطرة على مبنى "الدبويا" الذي سمّاه المستوطنون "بيت هداسا"، وهو ملاصق للمسجد الإبراهيمي الشريف.
ووفرت حكومة الاحتلال الغطاء القانوني والدعم المالي والأمني للمستوطنين الذين تمادوا في الاعتداءات والتضييق على الفلسطينيين لإجبارهم على الهجرة القسرية، وسلب ممتلكاتهم وعقاراتهم في شارع الشهداء، حيث عصب الاقتصاد الخليلي، حتى أغلق الشارع بأوامر عسكرية.
التنظيم اليهودي السري
شكّل مطلع الثمانينيات محطة مفصلية في الإرهاب المنظم الذي قاده المستوطنون، إذ كشف النقاب عن "التنظيم السري اليهودي" الذي انطلقت نواته من قلب الاستيطان في الخليل، وكان في عضويته صهر الحاخام لفنيغر.
بدأت فكرة التنظيم كـ"جماعة أهلية" تابعة لحركة "غوش إيمونيم"، التي تنشط في دعم المستوطنين وتوسيع المشروع الاستيطاني، واندرج تحت لوائه 27 مسلحا، غالبيتهم العظمى شغلوا مناصب عليا في الحركة وبمنظمات استيطانية أخرى، وأُسّس التنظيم السري الثلاثي: مناحيم ليفني، ويهوشع بن شوشان، ويهودا عتصيون.
أتت فكرة تشكيل التنظيم السري الذي نشط حتى العام 1984، ردا على توقيع اتفاقية كامب ديفيد، التي أفضت إلى معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية في العام 1979.
وسعى التنظيم إلى إحباط اتفاقية السلام بين تل أبيب والقاهرة، إذ رأى فيها المقدمة الأولى لإقامة الدولة الفلسطينية بالضفة الغربية وغزة وشرقي القدس، كما أنه هدف لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية والأغوار، وعدم اقتصاره على منطقة الخليل.
أبرز عملياته
وضع التنظيم الإرهابي على أجندته هدفين أساسيين، الأول تفجير مسجد قبة الصخرة في المسجد الأقصى، والثاني وضع برامج لتنفيذ هجمات واعتداءات شاملة وواسعة على الفلسطينيين بالضفة والأغوار والقدس، لترويعهم ودفعهم إلى الهجرة، والاستيطان مكانهم.
في الثاني من يونيو/حزيران 1980، نفذ التنظيم اليهودي السري سلسلة من الهجمات الإرهابية عبر تفجير سيارات ملغومة لمسؤولين فلسطينيين، ومن ضمنهم رؤساء بلديات، والتي أصيب فيها كل من رئيس بلدية نابلس بسام الشكعة، ورئيس بلدية رام الله وكريم خلف اللذان بُترت أطرافهما، في حين نجا رئيس بلدية البيرة إبراهيم الطويل من محاولة الاغتيال.
وناقش التنظيم الإرهابي مخططا لتفجير قبة الصخرة عبر ارتطام طائرة محملة بالمتفجرات، ووضع حجر الأساس مكانه لإنشاء "الهيكل الثالث". ونفذ عناصر التنظيم يوم 23 يوليو/تموز 1983 هجوما مسلحا على طلاب الجامعة الإسلامية بالخليل، مما أسفر عن 3 شهداء و33 جريحا.
عصابة "شبيبة التلال"
تعدّ عصابة "شبيبة التلال" مجموعة استيطانية متطرفة، يعيش معظم أعضائها، وتعدادهم بالآلاف، في بؤر استيطانية وخيام على قمم جبال الضفة، ويسكنون في مزارع ومبان متنقلة ضمن مناطق مفتوحة خارج المستوطنات وفوق أراضي بملكية خاصة للفلسطينيين.
في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1998، أعطى وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون الضوء الأخضر لتأسيس "شبيبة التلال"، وحث شباب المستوطنين على "الاستيلاء على قمم التلال"، وذلك سعيا منه لإحباط محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا سيما تنفيذ اتفاقية "واي ريفر" التي أبرمها منافسه السياسي بنيامين نتنياهو مع السلطة الفلسطينية.
ويؤمن أتباع هذه العصابات، وهي صاحبة فكرة البؤر الاستيطانية ومشاريع الاستيطان الرعوي، بـ"أرض إسرائيل الكبرى"؛ إذ يعتبرون الفلسطينيين دخلاء ويجب طردهم من البلاد للحفاظ على "يهودية الدولة"، وشرعوا في نشاطهم الإرهابي بالضفة ليتوسع لاحقا ويمتد إلى جانبي الخط الأخضر.
عصابات "تدفيع الثمن"
مع توغل المشروع الاستيطاني في الضفة والأغوار والقدس، وهيمنة المستوطنين على معسكر اليمين الإسرائيلي، ومحاولات المجتمع الدولي الدفع نحو حل الدولتين، ظهرت في العام 2008 عمليات إرهابية وهجمات على الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم.
ووقعت الهجمات والاعتداءات تحت اسم "تدفيع الثمن"، وانطلقت من مستوطنة "يتسهار"، إذ أتت انتقاما من الفلسطينيين لدورهم في المقاومة الشعبية أو العمليات المسلحة التي تنفذ ضد الاحتلال، وكذلك سعيا لعرقلة أي توجه لتجديد مسار المفاوضات مع الفلسطينيين.
ومنذ ذلك الحين تُسجل سنويا مئات العمليات الإرهابية والهجمات على الفلسطينيين، وتستهدف أيضا المساجد والكنائس والمقابر والمواقع الأثرية التي يتم تدمير معالمها التاريخية العربية والإسلامية واستبدالها بمعالم توراتية مزيفة.
كما تنشط هذه العصابة التي يُقدر أفرادها بالآلاف، في رشق المركبات الفلسطينية بالحجارة، وإضرام النيران في ممتلكات ومنازل الفلسطينيين، واقتلاع الأشجار وتدمير المحاصيل ورشها بالمبيدات وتسميم المواشي، والسعي لوضع اليد على أراضي الفلسطينيين وإقامة منشآت زراعية وسياحية استيطانية.
الدعم السياسي
تحظى عصابات "تدفيع الثمن" بدعم واسع من المستوطنين عامة، بالإضافة إلى تأييد كبير من الأحزاب اليهودية في معسكر اليمين مثل حزب "يمينا" برئاسة نفتالي بينيت (رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي)، والليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، ورئيس حزب "عظمة يهودية" عضو الكنيست إيتمار بن غفير، وزعيم حزب "الصهيونية الدينية" عضو الكنيست النائب بتسلئيل سموتريتش، وكذلك دعم الحاخامات.
وعلى الرغم من مئات الاعتداءات التي تنفذها عصابات "تدفيع الثمن" سنويا، فإن سلطات الاحتلال تزعم أن الحديث يدور عن تنظيم بقيادة سرية هي التي توجه نشاط وعمليات أفراد العصابات وتحدد أهدافها.