ضرب الزوجة الناشز.. هل المنظور الفقهي أخلاقي أم ذكوري؟ (1)
ربما لم تثر آية من الإشكالات في العصر الحديث مثلما أثارت الآية رقم (34) من سورة النساء؛ فقد جمعت الآية القرآنية بين مسائل كلّ واحدة منها باتت محل نقاش حديث، خاصة في الخطاب النسوي والمنظومة الأخلاقية المحيطة به. وتتلخص هذه المسائل في: القوامة والتفضيل والنشوز والضرب. يقول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا).
ولا يمكن استيفاء النقاش حول جميع هذه المسائل، ولذلك سأقتصر على مسألة الضرب التي أثارت الجدل مؤخرًا؛ خصوصًا أن الله عز وجل لم يأمر في كتابه بالضرب صراحة إلا في موضعين: في حق الزوجة الناشز في هذه الآية (سأرجئ النقاش حول دلالة الأمر إلى مقال لاحق)، وفي عقوبات الحدود.
سيتوزع نقاشي لمسألة الضرب على مقالين:
- المقال الأول -وهو هذا- يوضح كيف أن الإرث الفقهي يقدم تأويلاً أخلاقيًّا متماسكًا لمسألة ضرب المرأة الناشز، وهو منظور مركب، وينطوي على تماسك داخلي يجمع بين اعتبارات عدة فيها النظري والتطبيقي، الأمر الذي يجعل الإذن بالضرب في هذه الحالة المحددة والاستثنائية مشدودًا إلى قيم أخلاقية تتمثل في الإصلاح والتأديب وعدم الإضرار، ومن ثم يبدو الأمر أعقد من الخلاصة السطحية التي لا ترى في الأمر سوى فقه ذكوري!
- أما المقال الثاني فسيناقش تأويل الآية السابقة، والإشكالات التي يثيرها التأويل النسوي الذي يحاول تجاوز مفهوم الضرب، وسأقدم تأويلاً مختلفا يتوافق مع مفهومي الكرامة الإنسانية والمساواة التي تحكم العلاقات الإنسانية عامة لا الزوجية فقط، أي بعيدًا عن المنظور النسوي الضيق.
لستُ معنيًّا في هذا المقال بالدفاع عن شرعية ضرب الزوجة الناشز، خصوصًا أن المنظور الفقهي الذي أشرحه هنا كان يعمل ضمن منظومة قضائية، وفي مجتمع وأعراف مغايرة لواقع الدولة القومية العربية ومجتمعاتها، فضلاً عن أن القوانين الناظمة للعلاقات الاجتماعية اليوم تختلف عنها ما قبل العصر الحديث، والواقع أن الفقه يتم التعامل معه بشكل انتقائي وترقيعي اليوم؛ فهو معزول عن آليات عمل الدولة القائمة ومجتمعاتها، وسبق أن أوضحت في كتابي "العنف المستباح" كيف أن العنف السياسي المعاصر هو نتاج هذه الدولة القائمة وليس نتاج النص الديني، والأمر نفسه ينطبق على العنف الأسري؛ فلا يمكن تحميل النص القرآني بل والفقه مسؤولية هذا العنف، وهو ظاهرة إنسانية عامة لها أسباب متعددة هي بنت الواقع المعاصر، فضلاً عن إشكالية وغموض مفهوم العنف الذي أوضحته في الكتاب المذكور.
يقوم التقليد الفقهي -في هذه المسألة- على رعاية مستويات متعددة تجمع بين ثلاثة أمور رئيسية هي:
- منظومة الحقوق (حقوق الآدميين وحقوق الله)، ونظام الولاية.
- الترابط بين النصي والمصلحي.
- التمييز بين القانوني والأخلاقي.
ويتوزع النقاش الفقهي ما قبل الحديث – بناء على هذه الثلاثية – على محاور رئيسة هي:
المحور الأول: الحكم التكليفي، فالموقف من الضرب يختلف باختلاف أحواله (وبتعبير أدق أسبابه)، فقد يكون حرامًا (في حالة ضرب شخص بريء أو في حالة التعديّ أي الضرب بلا سبب مشروع)، وقد يكون واجبًا (في حالة عقوبات الحدود بشرائطها المعروفة في الفقه)، وقد يكون مباحًا (كما في حالة تأديب الزوج لزوجته الناشز أو تأديب الوالد والمؤدِّب للصبي لمصلحته). أي أن الأسباب التي تُخرج الضرب من دائرة الحظر -وهو الأصل- إلى دائرة المشروعية ترجع إلى أمرين: الحدود والتأديب، وكلاهما جار على مبدأ المصالح. أما الحدود فيطول النقاش فيها (هل الحدود كفارات؟ والزجر والردع، واستيفاء حق الله)، وأما التأديب فالمقصود منه الإصلاح، وفي الحالتين نحن أمام تعدٍّ -وفق المنظور الفقهي- على حق من الحقوق المقررة وفق منظومة التفكير ما قبل الحديث.
الأصل في الضرب أنه مفسدة، وأن إباحته من باب الوسائل لا المقاصد، وأنه واردٌ في حالة مخصوصة في المضروب، وهو نشوز الزوجة فقط، وبقيود في تفاصيل الضرب: كيفيةً ووسائل ومقدارًا ومرتبةً، وأن هذه الوسيلة مرتهنة للمقصد وهو التأديب لا الانتقام أو الإيذاء
المحور الثاني: أدوات الضرب وضوابطه، فالضرب في الحدود يكون بالسوط إلا حد شرب الخمر ففيه خلاف، والضرب في التعزيرات يكون بالسوط واليد، والضرب في التأديب يكون باليد. ولأن الوسائل تتفاوت والتطبيق مفتوح على درجات متفاوتة شدة وضعفًا، فالضابط في ذلك التوسط والاعتدال لتجنب الإيذاء البدني؛ لأن القصد التأديب.
ففي تأديب الصبي قالوا: لا يزيد على ثلاث، وفي جميع الأحوال يجتنب الوجه والمقتل وإسالة الدم. قال العز بن عبد السلام (660 هـ): إن الاقتصاد في الضرب جارٍ في ضرب الصبيان والنسوان عند التأديب والنشوز. ثم إن تحري التوسط والاقتصاد في العقوبات والتأديب يعني أن المصلحة تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والذنب؛ لأن الاعتدال ليس واحدًا في الجميع؛ نظرًا لتفاوت أحوال الناس وأفعالهم، كما يُفهم من مجموع كلام الإمامين الغزالي (505 هـ) والعز بن عبد السلام.
المحور الثالث: تحديد المسؤوليات، وهذا فرعٌ عن منظومة الحقوق والولايات في الفقه، فالحدود والتعزيرات تختص بها السلطة القضائية (من تصرفات الإمامة السياسية)، وتأديب الصبي يختص به ولي أمره القيّم عليه لما فيه مصلحة الولد نفسه، والزوجة الناشز يختص بها الزوج؛ إذ إنه إنما يتدخل هنا بالتأديب؛ طلبًا لحقه الشخصي في النشوز. وتأديب الصبي المتعلم يختص به المعلم بشرط إذن ولي أمره. معنى هذا أن النظر الفقهي يُدير المسألة على أمرين:
- الأول: الولاية (ولي الأمر، والزوج، والأب).
- والثاني: رعاية المصلحة، ولكن هذه المصلحة تتنوع جهاتها؛ فقد تكون لحق الله (كما في الحدود والتعزيرات)، وتختص بها الإمامة السياسية، وقد تكون لحق الغير (كما في تأديب الصبي)، وقد تكون لحق النفس (كما في تأديب الزوج للزوجة الناشزة).
والأصل في الضرب (حتى لو كان غير مبرّح) أنه مفسدة، ولكنه إنما أُبيح لكونه وسيلة إلى مصلحة التأديب، أي أنه صار من "الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد" -بحسب العز بن عبد السلام- فخضع لمبدأ الموازنة. ولأجل ذلك افترض الغزالي في الزوجة الناشز أنها إن كانت لا تنزجر بالضرب اليسير بل بضرب مَخوف فلا يضرب أصلا؛ لأن الضرب المبرّح مؤذٍ أو مُهلك، والضرب الخفيف لا يفيد في هذه الحالة، ونجد نحو هذا عند المالكية أيضًا. وافترض العز بن عبد السلام في الصبي أنه إن كان لا يُصلحه إلا الضرب المبرّح، فلا يجوز ضربه مطلقًا؛ لأن الضرب غير المبرح لا يُجدي نفعًا، والضرب المبرح لا يجوز، أي سقطت الوسيلة (الضرب) بسقوط المقصد (التأديب)؛ إذ الوسيلة إنما تنال شرعيتها لأجل أنها موصلة إلى المقصد.
وبما أن الأصل في الضرب أنه مفسدة، وأن إباحته من باب الوسائل لا المقاصد، وأنه واردٌ في حالة مخصوصة في المضروب، وهو نشوز الزوجة فقط، وبقيود في تفاصيل الضرب: كيفيةً ووسائل ومقدارًا ومرتبةً، وأن هذه الوسيلة مرتهنة للمقصد وهو التأديب لا الانتقام أو الإيذاء، فلا بد من ضبط ثلاث مسائل فقهية هي:
المسألة الأولى: النشوز المسوغ للضرب، وهو مفهوم إشكالي في الفقه، والجمهور على ربطه بمفهوم الطاعة الواجبة للزوج، وبعضهم توسع فيه وبعضهم ضيّق، بل إن تعريف الغزالي له مشكلٌ حين قال: "ألا تمكّن الزوجَ منها، وتعصي عليه في الامتناع عصيانا خارجًا عن حد الدلال"، فإذا كان النشوز هو امتناعها عنه، فلا معنى إذن لكون هجرها في المضجع إحدى وسائل تأديب الناشز! ولكن من المؤكد أن النشوز يختلف عن إيذاء الزوج بالشتم وبذاءة اللسان وغير ذلك، فإن فعلت ذلك فلا تعد ناشزًا، ولذلك قال الغزالي في هذه الحالة: "هل له أن يؤدبها أم يرفع الأمر إلى القاضي؟ فيه تردد". والنشوز قد يكون صفة للزوجة أو صفة للزوج، وإذا كان نشوز الزوجة يتولاه الزوج فإن نشوز الزوج يتولاه القاضي إذا رفعت إليه الأمر كما سأبينه لاحقًا.
وهل يُشترط وقوع النشوز أم يكفي فيه التوقع؟ الذي ذهب إليه الشافعي في (واللاتي تخافون نشوزهن) أن خوف النشوز يجب أن يُبنى على دلائل ظاهرة من قول أو فعل، أو أن المراد إذا نشزن بالفعل. ورأى الطاهر بن عاشور أن معنى تخافون نشوزهن أي تخافون عواقبه السيئة، وهو ما نجده في بعض كتب المالكية. قال ابن عاشور: "فالمعنى أنه قد حصل النشوز مع مخائل قصد العصيان والتصميم عليه، لا مطلق المغاضبة أو عدم الامتثال .. وبذلك يبقى معنى الخوف على حقيقته من توقع حصول ما يضر"، وأنه "لا يجوز الهجر والضرب؛ بمجرد توقع النشوز قبل حصوله اتفاقا".
المسألة الثانية: أن الضرب المأذون به مقيد لا مطلق؛ لأنه مفسدة أبيحت لأجل مصلحة أعلى، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يتم ضبط المفسدة بحدها الأدنى وإلا أربت على المصلحة المرجوة، ومن ثم فلا بد أن يكون ضربًا غير مبرح، وألا يبلغ مبلغ عقوبات الحدود، وأن يجتنب الوجه، وأن يضمن "سلامة العاقبة" -بتعبير الغزالي- وأن يكون مُجديًا في التأديب وإنهاء النشوز، ولهذا قيّد المالكية -مثلاً- الضرب بأنه لا يجوز إلا إذا ظن الزوج إفادته في التأديب؛ وذلك لشدة الضرب. ومن القيود أيضًا ألا يبدأ بالضرب، بل عليه أن يتدرج في المراتب الثلاث المذكورة في الآية، فمهما "حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يَجُز الإقدام على الطريق الأشق" كما أوضح غير واحد منهم الغزالي والرازي وآخرون، ونص عليه المالكية. فالترتيب أُخذ من الغرض الذي سيقت لأجله الآية لا من لفظها كما أوضح إلكيا الهراسي.
المسألة الثالثة: أن الأصل في قواعد الشريعة ألا تسمح بأن يقضي أحد لنفسه، ونظام العقوبات قائم على إناطتها بالقاضي مع وجود البينات والشهود؛ لضمان العدل وعدم التعدي في استيفاء الحق، ولكن أُذن للزوج هنا بأن يباشر تأديب الزوجة الناشز لحق نفسه المترتب على عقد الزوجية؛ للضرورة ولخفاء مثل هذه العلاقات، ولأن النشوز اعتداء على حقه، وله عليها ولاية. ولكن في المقابل، فإن الاعتبارات السابقة نفسها مظنة تجاوز الحدّ من قبل الرجل؛ إذ قلّ من يعاقب على قدر الذنب، ولهذا كله كان لا بد من ضبط العلاقة بين الأخلاقي والقانوني هنا. فالأخلاقي يرجع إلى ضمير الزوج بوصفه مؤتمنًا على الزوجة كما جاء في الأحاديث وفي وصية حجة الوداع، والقانوني يرجع إلى توفر نظام قضائي، ووجود ضمانات في حالة وقوع التعدي أو سوء استخدام لهذا الحق، وهنا نحن أمام احتمالين:
الاحتمال الأول: إعطاء حق تأديب الزوجة الناشز للقاضي، فيُحتمل أن يكون المخاطَب في "واضربوهن" ولاة الأمور كما قال ابن عاشور، ولكن حَصْر التأديب بنشوز الزوجة وربطه بنظام الولاية ومنظومة الحقوق، كل ذلك يؤكد إحالته إلى الزوج على خلاف الاحتمال الذي أورده ابن عاشور. أما في غير النشوز كالشتم والأذى: فهل يباشر الزوج التأديب عليه أم يرفعه إلى القاضي؟ سبق عن الغزالي أن ثمة ترددًا في هذا. والذي قرره عامة الفقهاء أن التأديب في النشوز هو حق الزوج.
الاحتمال الثاني: الإحالة إلى القاضي في حالة نشوز الزوج أو وقوع التعدي منه أو إساءة استعماله للإذن بالضرب، وقد نص الفقهاء على حالات توضح ذلك، منها:
-
نشوز الزوج:
يوضح المالكية -كما نجد في مختصر خليل (776هـ) وشروح الدردير (1201هـ) عليه- أنه إذا تعدى الزوج على الزوجة بما هو خارج عن التأديب المأذون فيه بالقيود السابقة، أو بسبٍّ ولعن ونحوه، وثبتَ ذلك ببينة أو بإقرار منه، فللقاضي مع الزوج الناشز الحق نفسه الذي للزوج مع الزوجة الناشز، وقد عبر عن هذا صراحة الدردير مثلاً. فالقاضي يزجر الزوج الناشز بوعظ أولاً، فإن لم ينزجر هدده، فإن لم ينزجر ضرب القاضي الزوج الناشز إن ظن أن الضرب يفيد في منعه من التعدي على زوجته، فإن ظن أن الضرب لا يجدي نفعًا لم يضرب. أي أن نشوز الزوجة يقوّمه الزوج، ونشوز الزوج يقوّمه القاضي إن رفعت الزوجة الأمر إليه؛ لأنها بحاجة إلى سلطة توازي سلطة قوامة الرجل عليها. وهذا إن اختارت الزوجة البقاء مع الزوج المتعدي، وإلا فلها طلب التطليق لأجل التعدي إذا ثبت، ولا يُشترط تكرر التعدي من الزوج بل يكفي وقوعه مرة واحدة للتطليق. بل إن المالكية فرضوا احتمالاً آخر، وهو أنه إذا ثبت تعدي كل من الطرفين على الآخر: الزوج والزوجة، ففي هذه الحالة يقوم القاضي بوعظهما، فإن لم يُجد الوعظ، ضَربهما معًا باجتهاده.
-
الضرب المبرح:
إذا أفضى ضرب التأديب الذي مارسه الزوج إلى الهلاك، وجب الضمان فيما لو ثبت أنه غير عمد، فإن ثبت أنه عمد محض وجب القصاص كما أوضح الغزالي، وقال الدردير: إن وقع الضرب المبرح من الزوج "فلها التطليق عليه والقصاص".
-
الإسراف في الضرب غير المبرح:
لو لم يقتصد الزوج -كما سبق- اعتُبر مسيئًا. قال ابن رشد الجد: "كذلك إن ضربها مرارًا وإن لم يكن ضربا مُفرطا، فيُحمل ذلك من فعله على الإساءة".
-
الضرب العمد غير المبرح في غير نشوز:
من ضرب امرأته عمدًا قُضي عليه بما جرى من حق، وهو يختلف باختلاف البلدان. وإن اصطلح الزوجان بعد الضرب على أمر أو عطاء فهو لازم للزوج؛ لأن للزوجة حقا. فإن وقع التخاصم بين الزوجين فادعت الزوجة أن الضرب كان عمدًا، وادعى الزوج أنه كان للتأديب، فالقول قول الزوجة قضاءً كما نص على ذلك المالكية، وعند الشافعية قولان حكاهما إلكيا الهراسي. ولكن الغزالي جزم بأنه في حالة تعدي الزوج بالضرب وسوء الخلق فلا سبيل إلا منعه من ذلك حتى يعود إلى حسن المعاشرة، قال: "وإنما يُعَوَّل فيه على قولها أو على قرائن أحوال وشهادات تدل عليه".
-
التخاصم إلى القاضي:
فلو تخاصما إلى القاضي، فإن لم يُعلم السبب الذي أدبها عليه ولم يثبت ذلك ببينة، وأنكرته الزوجة فلا يُصَدق الزوج في ادعائه، والقول قول الزوجة، كما نص على ذلك ابن رشد الجد.
هكذا يتضح أن ثمة اعتبارات ثلاثة حكمت المنظور الفقهي لضرب الزوجة الناشز، وهي: منظومة الحقوق ونظام الولاية، والجمع بين النصي والمصلحي مع إناطة الوسائل بمقاصدها، والتمييز بين القانوني والأخلاقي وإعطاء كلٍّ مجاله بحيث يسد ما قد يطرأ من تعسف في استعمال الحق أو تعدٍّ.
وتوضح هذه الاعتبارات الثلاثة أمرين:
الأول: تركيبية النظر الفقهي؛ فقد كان ثمة ضمانات قانونية لحق الزوجة، بل تم ترجيح قولها قضاء على قول الزوج في مثل هذه الحالات، وهو ما لا تقدر على شرحه مقولة التحيزات الذكورية.
الثاني: أن هذا الإذن على الصفة الموضحة سابقًا لا يعني إطلاق يد الزوج بلا حساب، ولم يتأسس على مجرد التمييز بين المرأة والرجل لأجل الجندر، فالأمر منوط باعتبارات أخلاقية ومصلحية منسجمة مع الأخلاقيات التي كانت حاكمة للعلاقات الاجتماعية في المجتمعات ما قبل الحديثة، والله أعلم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.