هند المفتاح.. أكاديمية قطرية تبشر بحضور أكبر للمرأة في مجلس الشورى المنتخب

هند المفتاح ترى أن دور المرأة في المجلس التشريعي يوازي دور الرجل ولا يقل عنه (الجزيرة)

تعقد عضو مجلس الشورى القطري والأكاديمية هند المفتاح آمالا كبيرة على مشاركة أكثر فعالية للمرأة في أول انتخابات برلمانية منتظرة في قطر، بما يعزز إسهامات المرأة القطرية في الحياة التشريعية، التي ستدشن عهدها الجديد بديناميات أقدر على التعبير عن إرادة الناخبين.

وذكرت المفتاح -في حوار مع الجزيرة نت- أن كثيرا من السيدات القطريات بدأن الاستعداد لخوض العملية الانتخابية، والبحث والتحري عن التجارب السابقة إقليميا، والاستفادة من دروسها لصقل تجاربهن المقبلة.

وتشغل المفتاح حاليا منصب نائب رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، وهي حاصلة على بكالوريوس الإدارة من جامعة قطر، والماجستير في الدراسات التنموية من جامعة لندن، والدكتوراه من جامعة إكستر ببريطانيا، إلا أنها من أشد المدافعين عن اللغة العربية، وعن النهج الذي اتبعه المعهد باعتماد العربية لغة تدريس رئيسة في التعليم والبحث العلمي. وفيما يلي نص الحوار:

كيف تعرف الدكتورة هند المفتاح نفسها في كلمات؟

مسلمة ولله الحمد، عربية تفتخر بعروبتها، وقطرية حتى النخاع وأعتز جدا بوطني وفخورة بالانتماء إليه، وأم، وزوجة، راكمت خبرة مهنية وقيادية وأكاديمية تزيد على 20 سنة، اجتهدت خلالها لخدمة وطني في كل ما كُلفت به، وأشكر كل من دعمني ووثق بي.

هند المفتاح نائب رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا وعضو مجلس الشورى القطري (الجزيرة)

شغلتِ منصب نائب رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا للشؤون الإدارية والمالية 6 سنوات، ما الذي أضافه وجود إدارية نسائية في إدارة المعهد؟

شغلي هذا المنصب في معهد الدوحة للدراسات العليا أتى بحكم خبرتي الطويلة والمتراكمة ومسيرتي الأكاديمية والمهنية والقيادية، لهذا وظفت خبرتي إلى جانب باقي أعضاء أسرة المعهد في تأسيسه إداريا وماليا وأكاديميا، حتى تمكن بفضل الله من حصد ثماره، ولربما لكوني المرأة الوحيدة في قيادة المعهد طوال 6 سنوات مكنني هذا من إضافة "رأي آخر" في صناعة القرارات والسياسات في المعهد.

وكلمة حق أقولها، فإن المعهد أضاف لي الكثير، كونه مشروعا نهضويا بصناعة قطرية، وهوية عربية ورؤية عالمية، وخلق بيئة تعليمية أكاديمية متنوعة الثقافات، حيث أسهم في إثراء خبرتي في الإدارة والقيادة.

هل استطاع المعهد توطين نفسه كوجهة أكاديمية قادرة على تخريج مفكرين ونخب قادرة على المشاركة في بناء مجتمعاتها بفعالية؟

رغم وجود قاعدة متنوعة وقوية في قطاع التعليم العالي في قطر والمنطقة، ورغم حداثة عمر المعهد وصعوبة تقييم مخرجاته، فإنني أعتقد أن المعهد تمكن من توطين نفسه كجهة أكاديمية مميزة ومتخصصة في الدراسات العليا، خاصة في العلوم الاجتماعية، برسالة تنموية نبيلة.

وبحكم علاقتي المباشرة مع الطلبة، فقد رأيت ثمار استثمار المعهد في عملهم وفكرهم، من خلال إنتاجهم البحثي وتأثيرهم في صنع القرارات والسياسات؛ لهذا أؤكد أن المعهد نجح في تحقيق أهدافه، رغم حداثته.

معروف عنك تشبثك الكبير باللغة العربية، بدليل جعلها لغة تدريس رئيسة ضمن برامج معهد الدوحة.. هل اللغة العربية قادرة على مواكبة حركة العلوم والبحث في ظل واقعها اليوم؟

لا أخفيك، من النقاط التي جذبتني لمعهد الدوحة للدراسات العليا حرصه على إعادة الكرامة للغة العربية وإحيائها، ولو عدنا للحضارات السابقة لوجدناها صنعت نهضتها بلغتها الأم وليس بأي لغة أجنبية، وتبني معهد الدوحة للغة العربية لغة رئيسة في التعليم والبحث العلمي لا يشكّل تحديا كبيرا في الحقبة الراهنة، بل دعما لها وإحياء لكرامتها المهدرة، وتعزيزا للثقة بها في الأوساط الأكاديمية والبحثية العربية والعالمية.

وبعيدا عن البكاء على أطلال عصر النهضة والتحسر على الماضي الجميل وما عاشته اللغة العربية من عز وازدهار، فإن التمسك بها كلغة للعلم والعمل لا يتعارض أبدا مع قدرتها على مواكبة التطورات كلها، بدليل تفوق الأمم الأخرى بلغتها.

هند المفتاح (الرابعة من اليمين) تدافع عن رسالة معهد الدوحة ورؤيته في مجال التعليم (الجزيرة)

قبل 4 سنوات تقريبا، وللمرة الأولى، قفزت قطر خطوة كبيرة نحو تفعيل دور المرأة في العمل التشريعي، وكنت إحدى 4 نساء معينات في مجلس الشورى، كيف تقيمين مشاركة المرأة بعد هذه التجربة؟ وما الذي ميز حضور المرأة في عمل اللجان؟

رغم أننا أوشكنا على انتهاء السنة الرابعة منذ دخول المرأة القطرية مجلس الشورى، فإن التجربة ما زالت حديثة نسبيا، ولا يمكن قياس مشاركتنا الحالية أو تقييم أثرها وجدواها، أو حتى تحديد ما نطمح إليه بشكل عام، وربما ننتظر تجربة الانتخابات القادمة، بوعي مجتمعي أكثر ونضج سياسي أعمق وأطول زمنا، وبعد ذلك نحدد طموحاتنا من المشاركة في السلطة التشريعية المنتخبة.

إلا أنه مع اقتراب الممارسة الفعلية للعملية الانتخابية وبدء اتضاح معالم نظام الاقتراع والانتخابات القادمة، فإننا نأمل ممارسة المرأة القطرية المؤهلة حقها في الترشح عبر انتخابات نزيهة، تراعي الجدارة والكفاءة، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى، خاصة الاعتبارات الاجتماعية كتأثير القبيلة والمجتمع الذكوري.

أما عن دورنا في مجلس الشورى، فإننا نقوم بشكل مستمر بطرح بعض القضايا العامة للنقاش والدراسة، وما يسفر عنها من تقديم اقتراحات وحلول، من شأنها معالجة بعض القضايا التي يعاني منها المواطن، ودورنا كعضوات مماثل لإخواننا الأعضاء، نشارك في جميع مناقشات المجلس، ولا نتردد في إبداء الآراء.

هند المفتاح ترى أن تجربتها الحالية في مجلس الشورى أحاطت بالتمثيل الوطني للمجتمع (الجزيرة)

هل يمكن القول إن المرأة القطرية بمشاركتها في الحياة السياسية والتشريعية، استكملت حلقات التمكين المنشودة والتي بدأت في مجالات عديدة من قبل؟

شخصيا، أرى أن تجربتنا الحالية في مجلس الشورى قد أحاطت بالتمثيل الوطني للمجتمع، ليس فقط في الحضور المحلي، بل حتى الدولي، وليست محصورة في مناقشة التشريعات الخاصة بالمرأة والأسرة، بل تعدتها إلى جوانب أخرى، وأنا أؤمن بأن دور المرأة في المجلس التشريعي والتنفيذي يوازي دور الرجل ولا يقل عنه في شيء.

لهذا، يمكنني القول إن حلقات التمكين -كما أسميتها- اكتملت شكليا وقانونيا، لكننا ما زلنا بحاجة لمزيد من الثقة في قدرات المرأة وإمكاناتها في الإدارة والقيادة، وإسهاماتها الفعالة في العديد من المجالات.

الانتخابات البرلمانية المقبلة في قطر مختلفة بقوانين تنظيمية وآليات تشريعية جديدة، فهل ستترشحين لها؟

لا أعلم، حتى هذه اللحظة لم أقرر إذا كنت سأخوض تجربة الانتخابات المقبلة، وسأترك الإجابة للمستقبل، لكنني أرى كثيرا من السيدات القطريات بدأن الاستعداد لهذه التجربة، وبدأن البحث والتحري عن التجارب السابقة إقليميا، للاستفادة من دروسها وعبرها.

هل يتوقع أن تتطور نبرة المرأة داخل المجلس المقبل إزاء القضايا التي سيناقشها مستقبلا؟

كلمة حق لتاريخ المرأة القطرية وتاريخ مجلس الشورى، فإن أصواتنا الحالية كنساء في الشورى لا تقل قوة عن أي عضو من الأخوة الأعضاء، بل سأدهشك بالقول إننا نتشاور نساء ورجالا في بعض القضايا، سواء المطروحة بشكل شخصي أو جماعي.

ورغم أننا حاليا معينات ولسن منتخبات، فإننا نمثل الشعب غير المنتخب عبر تواصلهم معنا بشكل مباشر وغير مباشر، وطلبهم منا مناقشة قضايا معينة، وكل ما طرحناه للمناقشة كان استجابة للمجتمع.

شخصيا، لا أعلم كيف ستكون الحال مع المجلس المنتخب، فالأمر يرتبط بعدة عوامل لا مجال لذكرها هنا، ولكن بالتأكيد سيكون للأصوات المنتخبة تأثير أقوى.

عملت في السابق مستشارة لوزير التجارة والأعمال، وكنت قريبة من إسهامات المرأة القطرية في مجال الأعمال، ما الذي تأخذينه على سيدات الأعمال القطريات ودورهن في الساحة الاقتصادية؟

بعيدا عن مكتسبات المرأة القطرية أكاديميا ومهنيا، والذي انعكس إيجابا على إسهاماتها الفعالة والقوية في ريادة الأعمال وفي مجالات أخرى كانت حتى عهد قريب حكرا على الذكور، فإن مأخذي الوحيد -ربما- على سيدات الأعمال هو عدم تعزيز التواصل المهني بينهن، بما يحقق الاستثمار الأفضل لخبراتهن في كافة المجالات.

أنا أطمح بشدة إلى رؤية المرأة القطرية في مجالات التخطيط والبحث العلمي والاقتصاد وريادة الأعمال، وطموحي أكبر بتقلد المرأة القطرية المناصب القيادية بشكل أكبر.

المفتاح تعقد آمالا كبيرة على مساهمة المرأة الفعالة في العملية السياسية وتمثيل المواطن (الجزيرة)

في عام 2013، صدر لك كتاب "هموم في الإدارة"، ما الذي أهمك في مجال الإدارة؟

كتاب "هموم في الإدارة" لم يكن كتابا أكاديميا يبحث في النظريات الأدبية، لكنه توثيق لواقع عملي لمفهوم الإدارة والقيادة وممارستهما في بيئة العمل، كانت هموما تتحدث عن تحديات حقيقية في بيئة العمل تلامس الموظف العادي والقيادي والإداري، والممارسات الإدارية الخاطئة والصحيحة التي ينبغي التحدث عنها ومناقشتها بشكل صريح ومهني.

ترأستِ المركز الثقافي للطفولة سابقا، كما كنت عضوا في مؤسسة "صلتك" المعنية بتمكين الشباب من النهوض بالمجتمعات، في رأيك ما التمكين المطلوب لجيل الشباب اليوم وغدا؟

يسبق التمكين المطلوب للشباب الإعداد الجيد لهم عبر الاستثمار الأفضل في تعليمهم وتهيئتهم لسوق العمل ومتطلبات التنمية وتحدياتها، ورغم أن شباب اليوم أثبت نفسه كعادة كل جيل جديد من الشباب، يصنع التغيير الذي يريده لنفسه، خاصة في مجالات العلم والعمل وريادة الأعمال، فإنه لا يزال بحاجة للمزيد من الدعم السياسي والاقتصادي، لا سيما في مناطق النزاع والمجتمعات غير المستقرة.

أرى أن التمكين الصحيح غير الشكلي للشباب العربي -إن صح لي الحديث عنهم- يجب أن يبدأ من الإصلاح السياسي في مجتمعاتهم، وتحقيق العدالة المجتمعية، والهوية المستقرة والثابتة، بعيدا عن التحزبات السياسية والطائفية، والمساهمة الفعالة لمؤسسات المجتمع المدني، والقضاء العادل، وغيره من مقومات التمكين الفعلي.

بين ضغوط العمل ومهام مجلس الشورى؟ أين تقع واجبات الدكتورة هند الأسرية؟ وعلاقاتها المجتمعية؟

التوازن بين الحياة الأسرية والمجتمعية ومتطلبات وتحديات العمل والتزاماته المتشعبة ليس بالأمر السهل، ويتطلب بعض التضحيات من حين لآخر، ولا أدعي هنا أنني امرأة مثالية في تحقيق هذا التوازن، بل عانيت الكثير للحفاظ على مستواه الأدنى خلال السنوات الماضية.

إلا أنه ولله الحمد بفضل دعم أسرتي وزوجي، عبرنا هذا التحدي بكل تقلباته، ولهذا أناشد المجتمع بكل أطيافه والمسؤولين أن يرفقوا بالقوارير في العمل، ولا بد من المرونة في التعامل مع ظروفهن الأسرية المتغيرة، وربما يتطلب هذا تبني نظم عمل أكثر مرونة واستجابة لتحديات المرأة العاملة.

المصدر : الجزيرة