"كيف يُجبر إنسان على هدم أحلامه ومستقبله بيده؟".. قانون "كامينتس" الإسرائيلي يقسو على أهالي حي البستان بسلوان

تزعم بلدية الاحتلال في القدس أن نحو 100 منزل في حي البستان بنيت دون ترخيص، ويجب إزالتها لصالح إقامة "حديقة قومية".

جانب من الحارة الوسطى يظهر فيها حيّ البستان ووادي حلوة بسلوان بالإضافة لسور القدس (الجزيرة)

يسلك الزائر لحي البستان -أحد أحياء بلدة سلوان الواقعة جنوب المسجد الأقصى المبارك- طريقا ضيقة، ثم توصله السلالم الأثرية إلى أزقة الحي الذي توحّدت أبواب منازله باللون الأزرق وكُتب بجوار كل باب اسم صاحبه على قطعة خزف فلسطينية.

يعم الهدوء أرجاء الحي المهدد بالهدم لصالح إقامة "حديقة قومية" للإسرائيليين مكانه، لكن خلف كل باب من أبوابه حكاية ألم يعيشها السكان منذ سنوات طويلة.

قبل يومين سلّمت طواقم بلدية الاحتلال في القدس أوامر هدم تستهدف 13 منزلا وأمهلت أصحابها 21 يوما لهدمها ذاتيا، أو تحمل تكاليف ذلك في حال اضطرت البلدية لإرسال طواقمها وجرافاتها لتنفيذه.

نادر أبو دياب واحد ممن تسلموا هذا القرار؛ قال للجزيرة نت إن أمرَي هدمٍ يسريان على منزله أحدهما يتعلق بقانون "كامينتس" والآخر بمخطط "الحديقة القومية"، ويعتقد أبو دياب أن هدم منزله ذاتيا هو أكثر ما ينهكه نفسيا، متسائلا "كيف يُجبر إنسان على هدم أحلامه ومستقبله بيده؟".

ويعيش في منزل أبو ذياب 10 أفراد -بينهم طفلان- ينتظرون جميعا مصيرا قاتما بعد انتهاء المهلة التي حددتها البلدية.

وليس بعيدا عنه، تعيش المقدسية أماني عودة حالة من القلق الشديد على منزلها المكون من غرفتين والذي يأويها وزوجها وطفليهما "آدم وسلوان".

4-أسيل جندي، حي البستان، سلوان القدس صورة من داخل حي البستان تظهر بها منازل الحي
صورة من داخل حي البستان تظهر فيها منازل الحي التي توحدت أبوابها باللون الأزرق (الجزيرة)

مستقبل قاتم

أصبحت عودة مجبرة على تهيئة طفليها بقرب تهجيرهم قسرا من دفيئتهم التي ولدوا وترعرعوا في أكنافها، وقالت "أخبرتهما أننا قد نتعرض خلال الأيام المقبلة لأذى نفسي وجسدي وأننا سنرابط في خيمة الاعتصام ولن نتراجع عن حقنا في العيش بسلوان".

في الوقت ذاته تعمل عودة -وهي طبيبة أسنان وإحدى الناشطات بحي البستان- مع مجموعة من الشباب على تشكيل حملة ضغط ومناصرة لمنع تنفيذ الهدم أو تجميده على الأقل.

وتقول "أنا متضررة بشكل كبير لكنني أرفض فكرة الاستسلام وأحاول إيجاد مخرج مناسب لنا من هذه الأزمة والكارثة الوشيكة".

ورغم مرضها الشديد وقلقها العميق على مصير منزلها ومستقبل أطفالها؛ فإن الابتسامة لم تفارق وجه هذه الشابة المقدسية التي ودعناها وهي توصي طفلها آدم (11 عاما) بالتوجه يوميا إلى خيمة الاعتصام في حي "بطن الهوى" المجاور بمجرد انتهاء امتحانات العام الدراسي الحالي.

وخرجنا من منزل عائلة عودة الذي كتب على الجدار المقابل له "هنا باقون.. حي البستان.. حي الشيخ جراح"، وسرنا صعودا للقاء إحدى أكبر مسنات العائلة "حربية عودة" التي رحبت بنا بهدوء لكنها سرعان ما انفعلت وقالت "ليس لليهود أي أملاك في سلوان.. يسرقون منازلنا وتعب أبنائنا وأحفادنا في بناء منازلهم".

وتذكر المسنة الحياة في حي البستان قديما، فتقول إنه جنة البلدة؛ إذ نعُم السكان على مدار عقود بثمار أشجار التين ذات الطعم الاستثنائي لمجاورتها لعين الماء التاريخية الجارية، وكانت الخضروات بأنواعها تُزرع هنا وتباع في أسواق القدس قبل أن يضيق الاحتلال على الأهالي تدريجيا ويحول حياتهم إلى جحيم.

وبحسب عضو لجنة الدفاع عن أراضي بلدة سلوان فخري أبو دياب فإن مساحة أراضي حي البستان تبلغ 70 دونما، يعيش عليها 1550 نسمة في 109 منازل.

وفيما هدم الاحتلال 10 منازل في الحي حتى الآن؛ ما زال الخطر يهدد البقية مع استمرار مساعي الاحتلال لإقامة "حديقة قومية" باسم "حديقة الملك" تخلد وتحفظ المكان الذي كان -حسب الترويج الإسرائيلي- "بستانا للملك داود".

ويشير أبو ذياب إلى أن 13 عائلة -من أصل 17 ينطبق عليها قانون "كامينتس"- تسلمت أوامر الهدم الاثنين والثلاثاء 7 و8 يونيو/حزيران.

جداريات رسمت على جدران أحياء بلدة سلوان(الجزيرة نت)
إحدى الجداريات في أحياء بلدة سلوان (الجزيرة)

محاربة البناء العربي

ويوضح محامي عائلات حي البستان زياد قعوار -للجزيرة نت- أن قانون "كامينتس" دخل حيز التنفيذ في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، بعد أن تم سنّه من كتل اليمين المتطرف في الكنيست الإسرائيلي، وهدفه المعلن "محاربة البناء غير المرخص"، لكن هدفه الحقيقي محاربة البناء العربي وهدم منازل العرب ووقف عملية التمدد العمراني للفلسطينيين.

وبسنّ هذا القانون تضاعفت المخالفات على البناء غير المرخص بـ6 أضعاف، حسب قعوار؛ إذ أعطى الصلاحية الكاملة لمفتشي البناء التابعين لبلدية الاحتلال في القدس بتحرير مخالفات إدارية بمئات آلاف الشواكل دون الحاجة للتوجه إلى المحكمة التي سُحبت منها أيضا الصلاحية في تأجيل تنفيذ أوامر الهدم.

وبناء على هذا القانون؛ ينعدم أي مسار قانوني يمكن سلوكه لتأجيل أو منع الهدم للمنازل التي بنيت منذ عام 2017 فصاعدا. ويقول قعوار "أنا كمحام أشبه نفسي أمام هذا القانون بالجندي الأعزل في الحرب، فالخصم أمامي مدجج بالأسلحة الحديثة وأنا عار تماما أمامه".

ويعتقد المحامي أن مصيرا قاتما ينتظر المنازل الـ17 في حي البستان المصنفة تحت قانون "كامينتس"، بالإضافة لإجراءات قانونية ضد 90% من مباني الحي.

ويقول قعوار "نجحنا في تأجيل جميع أوامر الهدم ما عدا التي ينطبق عليها قانون كامينتس حتى شهر أغسطس/آب القادم، وفي بداية يوليو/تموز سنقدم طلبات جديدة لمحكمة الشؤون المحلية في البلدية لتأجيل الهدم، في محاولة لتغيير تصنيف الحي من منطقة عامة (حديقة) إلى حي سكني".

لكن المحامي قعوار يعتقد أن إمكانية النجاح في تغيير تصنيف الحي ووقف التهجير القسري منه ضئيلة، لأن المؤسسات الإسرائيلية الرسمية ترضخ لضغوطات المستوطنين المتطرفين وتلغي تعهداتها السابقة التي أعطتها لأهالي حي البستان.

المصدر : الجزيرة