روبرت فالكون سكوت قاد أول بعثة استكشاف بريطانية للقطب الجنوبي ومات في الثانية

أعضاء بعثة الكابتن سكوت إلى القطب الجنوبي (من اليسار إلى اليمين) لورانس أوتس ، إتش آر باورز ، روبرت سكوت ، إدوارد ويلسون وإدغار إيفانز (غيتي)

روبرت فالكون سكوت (1868-1912) ضابط بحري ومستكشف بريطاني، قاد أول بعثة استكشاف بريطانية رسمية إلى القطب الجنوبي. وتم الاحتفال بنجاح وصولها إلى الهضبة الجليدية في أرض فكتوريا، وتعد من أشهر البعثات الاستكشافية في التاريخ المعاصر.

لم يُوفق في رحلته الثانية، فقد وصل المستكشف النرويجي رولد أموندسين قبله إلى القطب الجنوبي بحوالي شهر. وانتهت الرحلة نهاية مأساوية بوفاة سكوت و4 من فريقه داخل القارة القطبية الجنوبية في رحلة العودة. ولم يُعثر على جثثهم إلا بعد حوالي 200 يوم في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1912.

المولد والنشأة

ولد روبرت فالكون سكوت يوم 6 يونيو/حزيران عام 1868، في ديفونبورت في مقاطعة ديفون بإنجلترا. والده جون إدوارد ووالدته هانا، وهو الثالث بين أطفالهما الستة.

وكانت العائلة ثرية، إذ كان والده جون قاضيا ومالك مصنع صغير للخمور في بليموث ورثه عن جده، لكنه أفلس عام 1894، بعد أن استثمر عائدات بيع المصنع بطريقة غير حكيمة.

وتوفي والده بعد أن ساءت حالته الصحية بسبب مضاعفات مرض القلب. وفي خريف عام 1898، توفي شقيقه آرشي نتيجة إصابته بحمى التيفويد، فأصبح روبرت مسؤولا عن إعالة والدته وأختيه.

تزوج روبرت فالكون من نحاتة تدعى كاثلين بروس عام 1908، وأنجبا ابنهما بيتر، الذي كان عمره أقل من عام حين ذهب سكوت في رحلته الاستكشافية الأخيرة.

الدراسة والحياة المهنية

كان سكوت ينتمي إلى عائلة ذات تقاليد بحرية، إذ إن عددا من أعمامه خدموا في الجيش أو القوات البحرية، فانضم هو وشقيقه الأصغر آرشي إلى القوات المسلحة، وأمضى 4 سنوات في مدرسة نهارية محلية، ثم أُرسل إلى مدرسة تُعنى بتحضير المرشحين لامتحانات القبول في سفينة التدريب البحرية "إتش إم إس بريطانيا" (HMS Britannia) في دارتموث. وبعد اجتيازه الامتحانات بنجاح، انضم إلى البحرية البريطانية عام 1880 طالبا عسكريا وعمره 13 عاما.

ثم انضم إلى سفينة "بواديسا" في جنوب أفريقيا ضابط بحرية عام 1883، وعمل بعدها في عدد من السفن البحرية الملكية. واجتاز فحص رتبة ملازم عام 1888.

The Antarctic explorer Robert Falcon Scott (1868-1912). In 1912 his expedition party reached the South Pole, but all died on the return journey. (Photo by © Hulton-Deutsch Collection/CORBIS/Corbis via Getty Images)
مستكشف القطب الجنوبي روبرت فالكون سكوت (1868-1912) (غيتي)

تقدمت حياته المهنية بسلاسة، وتمت ترقيته إلى ملازم أول عام 1889، وبحلول عام 1897 أصبح ضابطا بحريا. ثم أصبح اسمه مرتبطا بالقطب الجنوبي، نسبة إلى مجال العمل الذي التزم به آخر 12 سنة من حياته.

وفي عام 1891، تقدم بطلب للحصول على دورة تدريبية على قوارب التوربيد لمدة عامين على متن سفينة فيرنون. وتخرج بشهادات من الدرجة الأولى في كل الاختبارات النظرية والعملية. وخدم لبعض الوقت في البحر الأبيض المتوسط، ثم عاد لأسباب عائلية إلى شواطئه الأصلية.

كان مساره المهني ناجحا، باستثناء حدث جنوحه أثناء قيادته قارب توربيد في صيف 1893، مما تسبب بتوبيخ خفيف له. وقد اختفى من السجلات البحرية لمدة 8 أشهر عندما كان ملازما، وذلك من منتصف أغسطس/آب 1889 حتى 26 مارس/آذار 1890، ولمّح المؤرخ رولاند هانتفورد إلى تورطه بعلاقة غرامية. لكن كاتب السيرة الذاتية ديفيد كرين قلل الفترة إلى 11 أسبوعا فقط.

أول بعثة استكشاف

في أوائل يونيو/حزيران 1899، أتيحت لسكوت فرصة لقاء المستكشف كليمنتس ماركهام في أحد شوارع لندن، وكان رئيس الجمعية الجغرافية الملكية، وعلم منه ببعثة استكشافية إلى القطب الجنوبي.

وبدعم منه قدم سكوت تقريرا عن رغبته في قيادة هذه الرحلة، وكانت وجهات نظر اللجان متباينة حول نطاق مسؤولياته، لكن ماركهام -الذي كان معجبا بذكاء سكوت وحماسه- أصر على منحه القيادة العامة، وترقيته إلى رتبة قائد قبل أن يبحر إلى القطب الجنوبي.

وفي يونيو/حزيران 1900 تولى سكوت قيادة البعثة الوطنية إلى القطب الجنوبي وهو في الـ33 من عمره. ثم عُيِّن عضوا في النظام الملكي الفيكتوري هدية له، وذلك خلال زيارة الملك إدوارد السابع إلى موقع سفينة (ديسكفري) قبل يوم من مغادرتها جزيرة وايت البريطانية في 6 أغسطس/آب 1901. وكانت (ديسكفري) بنيت خصيصا لهذه الرحلة، وصممت لتكون سفينة أبحاث تمر عبر البحار الجليدية.

وصلت البعثة إلى شواطئ القارة الجليدية في أوائل عام 1902، ثم إلى خليج (روس) واستقر بها المقام في خليج (كوماندور) في فصل الشتاء.

وفي أواخر صيف 1903 وصلت إلى أرض (فكتوريا)، وحصلت في طريقها على الكثير من المعلومات المهمة حول طبيعة المنطقة القطبية والحياة فيها.

سكوت مع رفاقه في الرحلة الاستكشافية (غيتي)

الإنجازات

في فبراير/شباط عام 1904 رجع سكوت إلى وطنه. وكان آنذاك أول بريطاني يصل بفريق البعثة إلى مناطق "أنتاركتيكا"، منذ بعثة جيمس كلارك روس التي سبقتها بـ60 عاما.

ووضعت رحلة سكوت بصمتها في تاريخ استكشاف القطب الجنوبي، فأصبح بطلا شعبيا، وحصل على مجموعة من الأوسمة والميداليات.

كما تمت ترقيته إلى رتبة نقيب تقديرا لكفاءته، ودعي إلى قلعة بالمورال، واستقبله الملك إدوارد السابع. وكانت له لقاءات مع الملكة أميلي أورليان ولويس فيليبي الأمير الملكي من البرتغال، والقائد العام رئيس الأسطول، والأمير هاينريش من بروسيا.

كان مشغولا بحفلات الاستقبال العامة والمحاضرات وكتابة سجل الرحلة لأكثر من عام. وفي يناير/كانون الثاني 1906، استأنف مسيرته البحرية بدوام كامل، مساعدا لمدير المخابرات البحرية في الأميرالية، وفي أغسطس/آب من العام نفسه أصبح قائد علم للأدميرال السير جورج إجيرتون على متن السفينة فيكتوريوس.

ثاني بعثة استكشاف

قامت الحكومة البريطانية والجمعية الجغرافية الملكية بتعيين سكوت قائدا لبعثة ثانية لاستكمال استكشافاته بالمنطقة. وهدفت إلى الوصول إلى القطب الجنوبي، وتأمين شرف هذا الإنجاز للإمبراطورية البريطانية. وقد أمضى سكوت سنوات في جمع الأموال لرحلته، وبلغت تكلفتها الإجمالية 40 ألف جنيه إسترليني.

وفي 24 أكتوبر/تشرين الأول 1911، انطلقت بعثتان، نرويجية وبريطانية، بهدف السبق إلى القطب الجنوبي.

قاد إحداهما النرويجي أموندسن، الذي كان وطاقمه في طريقهم إلى القطب الشمالي، وغيّر مساره فجأة واتجه جنوبا. بينما قاد سكوت بعثة (تيرا نوفا) -اسم سفينة الإمدادات وتعني "الأرض الجديدة"- وبلغت تكلفة شرائها 12500 جنيه إسترليني.

انطلقت البعثة برا من "كاب إيفانز" في أكتوبر/تشرين الأول عام 1911. وكانت تتكون من 65 رجلا، تم اختيارهم من 8 آلاف من المتقدمين، وبعد مسيرة قصيرة تعطلت محركات الزلاقات ثم خارت قوى الخيل فتم إطلاق الرصاص عليها. وعندما وصل الفريق إلى خط العرض 30.80 جنوبا، أعيدت الكلاب.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول، واصلت الحملة مسيرتها بزلاقات ثلاثية. ثم أعاد سكوت 7 من رجاله إلى القاعدة يوم 31 ديسمبر/كانون الأول، واستمر مع 4 منهم، في مواجهة صعود "بيردمور الجليدي" والهضبة القطبية.

والأربعة هم: الفارس أوتس، رئيس البرنامج العلمي ويلسون، مدير الإمداد إيفانز، والبحار باورز، وحين وصلوا إلى القطب الجنوبي في 18 يناير/كانون الثاني 1912، كانوا منهكين من مسيرتهم، وقد قطعوا 1500 كيلومتر في 79 يوما.

لكنهم أصيبوا بخيبة أمل عندما وجدوا أن أموندسن قائد البعثة النرويجية قد سبقهم إلى القطب الجنوبي بحوالي 34 يوما، أي أنه وصل في 14 ديسمبر/كانون الأول 1911.

وصول سكوت ورجاله إلى الخيمة التي تركتها البعثة النرويجية قبلهم وعليها علم النرويج (غيتي)

الوفاة

عمّ الجو السيئ طريق رحلة العودة إلى المعسكر الرئيسي، وقد كتب سكوت يوم 19 يناير/كانون الثاني 1912 في مذكراته "أخشى أن تكون رحلة العودة متعبة ومملة بشكل مخيف".

توفي أول رجل في البعثة إدغار إيفانز في 17 فبراير/شباط، نتيجة لإصابته بالإسقربوط (مرض نقص التغذية). وبعد شهر واحد توفي لورانس واتس بعد إصابته بالغرغرينا، التي أدت إلى تآكل خلايا جسمه وتحطم أنسجته وانتشارها تدريجيا في جسمه، وحتى لا يعيق مسيرة باقي رفاقه، زحف خارج الخيمة واختفى في العاصفة الثلجية في 17 مارس/آذار 1912.

بينما كافح سكوت، ووإدوارد أدريان ويلسون، وهنري روبرتسون بويرس. وقطعوا مسافة 16 كيلومترا تقريبا حتى صدتهم عاصفة ثلجية قوية على بعد 18 كيلومترا من مخزن للمؤن به طن من الأغذية والوقود. وحوصروا داخل خيمتهم 9 أيام بانتظار الموت.

وتشير مواقع الجثث في الخيمة عندما تم اكتشافها بعد 8 أشهر، إلى أن سكوت كان آخر الثلاثة الذين ماتوا، ففي 29 مارس/آذار كتب السطور الأخيرة في مذكراته يشير فيها إلى عجزهم عن الحركة نتيجة للعاصفة رغم اقترابهم من طريق العودة، وتوفي عن عمر ناهز 44 عاما.

وكانت فرق البحث قد وجدت بعض النماذج الجيولوجية التي جمعتها البعثة من (بيردمور) وسجلات سكوت ويومياته. وكان معسكرهم الأخير هو قبرهم. حيث تم إنزال سقف الخيمة فوق الجثث ونصب فوقها قبة عالية من الثلج. بينما لم يتم العثور على جثة الكابتن أوتس.

وعلى الرغم من أن سبب وفاتهم بدقة، بقي موضوعا لكثير من النقاش؛ فإن الباحثين رجحوا أن يكون الجوع والإرهاق والبرد القارس والإسقربوط أسبابا أسهمت في وفاة سكوت ورجاله.

ويعتقد بعض العلماء الموجودين في محطات التجارب في القارة المتجمدة الجنوبية، أن قبرهم موجود حاليا على عمق 50 قدما تحت سطح الجليد مما يدل على أن تراكم الجليد قد ارتفع في المكان إلى 50 قدما منذ عام 1912.

المستكشف الفرنسي القائد جان بابتيست شاركوت بجانب النصب التذكاري لروبرت فالكون سكوت بالقطب الجنوبي (الفرنسية)

بطل قومي

أبلغ العالم بالمأساة عندما وصلت "تيرا نوفا" إلى "أومارو" في 10 فبراير/شباط 1913. وأصبح سكوت رمزا وطنيا، وأعظم بطل في البحرية الملكية.

وقد أثارت قصة الفريق المأساوية تعاطفا كبيرا في لندن. وتمت الدعوة إلى تدريسها لتلاميذ المدارس، لتتزامن مع حفل تأبين في كاتدرائية سانت بول في 14 فبراير/شباط.

في السنوات التي أعقبت تلك المأساة، تم إنشاء أكثر من 30 نصبا تذكاريا. بما في ذلك تمثال نحتته أرملة سكوت لقاعدته النيوزيلندية في كرايستشيرش.

كما تم تأسيس معهد سكوت بولار للأبحاث في كامبردج. وبعد الذكرى 50 لوفاته، تم عرض فيلم (سكوت القطب الجنوبي) في دور السينما عام 1948.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية