فلاديمير بوتين.. ثاني أطول زعماء الكرملين بقاء بالسلطة

فلاديمير بوتين، زعيم سياسي روسي، اشتغل عميلا لجهاز المخابرات الروسية. تولى رئاسة بلاده ولايتين متتاليتين، ثم منصب رئيس الوزراء في عهد الرئيس ديميتري مدفيديف، قبل أن يعود مرة ثالثة لسدة الرئاسة، ويفوز بولاية رابعة عام 2018، أعاد لبلاده الكثير من قوتها الدولية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. ويعد ثاني أطول زعماء الكرملين بقاء في السلطة بعد جوزيف ستالين الذي ظل في الحكم 29 عاما.

دخلت القوات الروسية في عهده إلى إقليم كوسوفو عام 1999 لكنها خرجت سريعا، ثم غزت روسيا الشيشان في العام نفسه وسيطرت عليها وضمتها للاتحاد الفدرالي الروسي، واحتلت أجزاء من جورجيا عام 2008، وفي عهده أيضا ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014.

وصف مسؤولون كبار سابقون بوتين بأنه شخصية خجولة ولديه شكوك في كل المحيطين به، حتى من كبار مساعديه ممن عملوا معه سنوات طويلة، في حين ذهب آخرون إلى القول إن نشأة بوتين منذ مولده عام 1952 جعلته يؤمن بقوة بالاتحاد السوفياتي ويعتبره فكرة وقيمة ومكانة فقدتها روسيا بعد انهياره عام 1990.

المولد والنشأة

ولد فلاديمير فلادميروفيتش بوتين يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 1952 في لينينغراد (سانت بطرسبرغ لاحقا) التي شارك والده في الحرب العالمية الثانية دفاعا عنها.

يعد بوتين الابن الأصغر من بين 3 أطفال للوالد فلادميروفيتش سبيريدونوفيتش بوتين والأم ماريا إيفانوفنا بوتينا.

وسبقت ولادته وفاة شقيقين له هما فيكتور وألبرت، ولدا في منتصف الثلاثينيات، حيث توفي ألبرت في طفولته وتوفي فيكتور بسبب مرض الدفتيريا أثناء حصار القوات الألمانية النازية لينينغراد في الحرب العالمية الثانية.

كانت والدة بوتين عاملة في مصنع وكان والده مجندا في البحرية السوفياتية، وخدم في أسطول الغواصات في أوائل الثلاثينيات.

في وقت مبكر من الحرب العالمية الثانية، خدم والده في كتيبة التدمير التابعة للمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية، ونقل بعدها إلى الجيش النظامي وأصيب بجروح بليغة عام 1942.

قُتلت جدة بوتين لأمه على يد الألمان عند سيطرتهم على منطقة "تفير" عام 1941، واختفى أعمامه على الجبهة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية.

كان سبيريدونوفيتش بوتين (جد فلاديمير بوتين) طباخا شخصيا لفلاديمير لينين وجوزيف ستالين.

تزوج فلاديمير بوتين من المدرسة لودميلا بوتينا في 28 يوليو/تموز 1983، ثم انفصلا بعد زواج استمر نحو 30 عاما، ووصفته زوجته السابقة بأنه مدمن عمل.

إحدى بنات بوتين، وتدعى كاتيرينا، تشغل منصبا إداريا رفيعا في جامعة موسكو الحكومية، كما أنها راقصة تشارك في عروض "الروك أند رول" الأكروباتية.

أما ابنته الكبرى ماريا فهي أكاديمية متخصصة في طب الغدد الصماء.

الدراسة والتكوين

بدأ بوتين الدراسة في المدرسة رقم 193 في باسكوف لين في الأول من سبتمبر/أيلول 1960، وكان واحدا من قلة من التلاميذ في الفصل الذين لم يكونوا أعضاء بعد في منظمة الشباب الرواد (الشيوعية).

تخرج من كلية الحقوق عام 1975 متخصصا في العلاقات الدولية. كما حصل على الدكتوراه في فلسفة الاقتصاد، ويجيد كلا من اللغتين الألمانية والإنجليزية.

وعلى المستوى الرياضي اهتم بوتين في شبابه كثيرا بفنون الدفاع عن النفس، ففي عام 1973 أصبح أستاذا في لعبة السامبو، التي تعد من الفنون الروسية للدفاع عن النفس، وتحول بعدها إلى لعبة الجودو التي حصل فيها على الحزام الأسود.

التجربة السياسية

جاسوس للاستخبارات

انضم بوتين إلى لجنة أمن الدولة وتدرب في لينينغراد عام 1975، وبعد التدريب، عمل في المديرية الثانية (مكافحة التجسس)، قبل أن يتم نقله إلى المديرية الأولى، حيث عمل في مراقبة الأجانب والمسؤولين القنصليين في لينينغراد.

تم إرسال بوتين إلى موسكو لمزيد من التدريب في معهد يوري أندروبوف ريد بانر في سبتمبر/أيلول 1984، وعام 1985 عمل عضوا في الاستخبارات السوفياتية "كيه جي بي" (KGB) في درسدن بألمانيا الشرقية مستخدما هوية مترجم.

العودة إلى سان بطرسبرغ

عام 1990 عاد بوتين إلى بلاده وشغل منصب مساعد رئيس جامعة سان بطرسبرغ للشؤون الخارجية، وفي بداية عام 1991 ترأس لجنة الاتصالات الخارجية في بلدية سانت بطرسبرغ، وأصبح فيما بعد نائبا لمدير الشؤون الإدارية في الرئاسة الروسية عام 1996.

واصل التدرج في المناصب الإدارية في أجهزة الدولة الروسية، حيث عين نائبا لمدير ديوان الرئيس عام 1997، ثم مديرا لجهاز الأمن الفدرالي عام 1998، فأمينا لمجلس الأمن في روسيا عام 1999، وهو العام الذي تقلد فيه أيضا منصب رئيس الوزراء.

بوتين رئيسا

وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 1999، تولى مهام رئيس روسيا الاتحادية بالوكالة بعد تنحي الرئيس السابق بوريس يلتسن، ثم فاز بانتخابات الرئاسة عام 2000، وأعيد انتخابه 2004 لولاية رئاسية جديدة.

شهدت فترة ولاية بوتين الأولى -التي استمرت 4 سنوات- إجراء تعديلات في النظام السياسي أحكم بفضلها سيطرته على القرار السياسي والاقتصادي في روسيا.

أمر في 2001 بانسحاب الجيش الروسي جزئيا من الشيشان -التي دخلها الجيش عام 1991 بأمر من يلتسين- مقابل منح صلاحيات واسعة لأجهزة الاستخبارات السرية التي كلفت بتصفية المعارضين، بعد أن شكلت موسكو إدارة تابعة لها لتحكم الشيشان بقيادة ستانيسلاف إلياسوف.

عام 2004 أعيد انتخابه لولاية رئاسية جديدة، وفي عام 2008 انتخب ديمتري ميدفيديف رئيسا لروسيا لفترة واحدة، وعين بوتين رئيسا للوزراء وأجريت في عهده تعديلات دستورية تقرر بموجبها تمديد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات.

وعرفت الحرب في الشيشان نهاية رسمية عام 2009، بتصفية جل المعارضين وتنصيب موسكو حاكما ذا صلاحيات واسعة على الشيشان وإنغوشيا وأوسيتيا الشمالية وداغستان.

انقضت فترة الولاية الرئاسية الثانية، وهي الحد الأقصى لتولي الرئاسة على التوالي دستوريا، وتبادل بوتين الأدوار مع مدفيديف الذي نجح في انتخابات الرئاسة، وعلى الفور عُين بوتين في منصب رئيس للوزراء، ومن ثم استمر قابضا على السلطة إلى أن عاد إلى الرئاسة مرة أخرى.

فاز بوتين في 4 مايو/أيار 2012 بالانتخابات الرئاسية بحصوله على 63.6% من أصوات الناخبين، وسط احتجاج من المعارضة الروسية وبعض المنظمات الدولية التي رأت أن الانتخابات شابتها خروقات.

وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت في 18 مارس/آذار 2018 فاز بوتين بولاية رابعة مدتها ست سنوات، حيث حصل على أكثر من 70% من الأصوات، وهي نسبة تفوق بكثير تلك التي حصل عليها في انتخابات 2012.

في 18 مارس/آذار 2018 فاز بوتين بولاية رابعة مدتها 6 سنوات إثر تعديل الدستور، حيث حصل على أكثر من 70% من الأصوات، وهي نسبة تفوق بكثير تلك التي حصل عليها في انتخابات 2012.

عام 2020 أُجري استفتاء مثير للجدل على إصلاحات دستورية منحت الرئيس بوتين فرصة البقاء في منصبه بعد انتهاء فترة رئاسته الرابعة في عام 2024، ما يعني أنه قد يمكث في الكريملين حتى عام 2036.

وفاز أيضا بولاية خامسة يوم 18 مارس/آذار 2024  بنسبة 87% من الأصوات، تمتد لـ6 سنوات حتى عام 2030، وتعتبر النسبة التي فاز بها هي الأعلى في روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

سياسته الداخلية والخارجية

عمل بوتين داخليا على تعزيز السلطة المركزية وإحداث التوازن في العلاقات بين أجهزة الدولة، وركز على إصلاح الاقتصاد وتحقيق نمو اقتصادي مستقر، وقد حقق نتائج إيجابية على هذا الصعيد حيث زاد إجمالي الناتج المحلي لروسيا بحوالي 30%، واستمر انخفاض التضخم والبطالة، وارتفع الدخل الفردي مستفيدا من ارتفاع مداخيل البلاد من المحروقات.

وعلى صعيد العلاقات الدولية، انتقد بوتين سياسة الولايات المتحدة الأميركية في محطات عديدة، وقد كان ضد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بدون موافقة مجلس الأمن. كما أنه عبر عن معارضته لاستقلال كوسوفو عن صربيا واعتبره غير شرعي.

وأعلن موقفه الرافض لقيام حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالتمدد شرقا وضم دول مثل أوكرانيا وجورجيا، واعتبر ذلك تهديدا لروسيا، بالإضافة إلى موقفه الرافض كذلك لنظام الدرع الصاروخية الأميركية الذي اعتبره تهديدا قريبا من حدود روسيا.

مع بداية هبوب رياح الربيع العربي، عارض بوتين التدخل الغربي في ليبيا، وساند بقوة نظام الرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة الثورة الشعبية ضد نظام حكمه، واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) عدة مرات اعتراضا على صدور قرارات من مجلس الأمن الدولي تدين النظام السوري.

وبعد اندلاع الأزمة السياسية في أوكرانيا عام 2013، ازدادت حدة الخلافات السياسية بين بوتين وزعماء الدول الغربية، مما قاد هذه الدول لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا شملت عشرات الشخصيات الرسمية والشركات الروسية الأمر الذي أثر سلبا على أداء اقتصاد بلاده.

كما حدثت خلافات بين بوتين والزعماء الغربيين على خلفية التدخل العسكري الروسي في سوريا في سبتمبر/أيلول 2015.

بوتين والغرب

يرى بوتين، وهو الابن البار لجهاز الاستخبارات السوفياتي السابق "كيه جي بي"، أن العالم الغربي له زعيم واحد هو الولايات المتحدة الأميركية، ويؤمن بأن واشنطن، سواء تحت حكم الجمهوريين أو الديمقراطيين، تنظر لروسيا بوصفها خطرا وعدوا لا يمكن تجاهله.

البروفيسور الشهير جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة شيكاغو يقول إن حسابات بوتين تحكمها نظرة ثلاثية الأبعاد متكاملة ومترابطة، يبدأ أولها بفكرة توسع حلف شمال الأطلسي "ناتو" وامتداده شرقا في اتجاه حدود بلاده، وثانيها توسع وتمدد الاتحاد الأوروبي، وآخرها التبشير بحتمية تحقيق الديمقراطية الليبرالية على النسق الغربي في كل دول القارة الأوروبية.

من هنا يعتقد بوتين يقينا بأن هدف إسقاط نظام الحكم المركزي القوي في موسكو يبقى المحرك الأساسي لكل السياسات الغربية منذ انتهاء الحرب الباردة في أوائل تسعينيات القرن الماضي.

وبخصوص توسع حلف الناتو وتمدده شرقا، يؤمن بوتين بأن الغرب خالف تعهداته بعدم التمدد شرقا ولا لبوصة واحدة كما جاء على لسان وزير الخارجية السابق جيمس بيكر في بداية تسعينيات القرن الماضي.

كما يؤمن بأن واشنطن استغلت ضعف بلاده وحالة الفوضى التي ضربتها في بداية القرن الـ21، ووسعت حلف الناتو لدرجة ضم جمهوريات سوفياتية سابقة ودول من أوروبا الشرقية تجمعها بروسيا حدود طويلة مثل بولندا.

ويرى بوتين أن الغرب تجاهل منذ عام 2008، بعد تبنيه سياسة الباب المفتوح لتوسيع حلف الناتو بما يشمل أوكرانيا وجورجيا، كل المخاوف الروسية من وصول الحلف لحدود روسيا القريبة سواء شرقا في أوكرانيا أو جنوبا في جورجيا.

كما ينظر بوتين لتمدد الاتحاد الأوروبي بما يشمل مظلة اقتصادية مالية جمركية واحدة تستثنى منها روسيا بمثابة خطوة عدائية أخرى من الغرب.

ومن وجهة نظره يعتقد بوتين أن الدعوات الأميركية لدعم وتمويل عمليات الانتقال الديمقراطي في دول أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفياتية السابقة تمثل تهديدا كبيرا للدولة الروسية القوية والمركزية، وأن هدفها في النهاية إسقاط نظام الحكم في موسكو، واستبدال نظام صديق لواشنطن والغرب به.

واعتبر أن مؤتمر الديمقراطية الذي استضافته إدارة بايدن في ديسمبر/كانون الأول 2021 كان بمثابة إعادة تقسيم أميركي للعالم وعودة لمناخ الحرب الباردة وخطوة عدائية تضع واشنطن بها موسكو وبكين في جانب آخر.

ينتقد بوتين مرارا ادعاء واشنطن والغرب احترامهما القانون الدولي، ويُذكّر بأن غزو أميركا للعراق والضربات الجوية لقوات حلف الناتو على ليبيا وصربيا، لم يصاحبهما أي التزام أو اكتراث من قبل دول الغرب بمسألة القانون الدولي واحترام سيادة وحدود الدول حين يتعلق الأمر بمصالحها.

فكره وعقيدته

تأكَّد حضور الرؤية الدينية أو "الروحانية" في السياسة الروسية، وهو الوصف الذي استخدمه الرئيس بوتين في أكثر من مناسبة، منها: نشر العديد من وكالات الأنباء الروسية والعالمية في فبراير/شباط 2012 خبرا بأن بوتين -وكان حينها رئيسا للوزراء- وعد خلال لقائه مع قادة الكنيسة الأرثوذكسية بالدفاع عن المسيحيين الذين يتعرَّضون للظلم في كل أنحاء العالم، وجعل هذا من مهام السياسة الخارجية الروسية.

وأكَّد بوتين في لقاء آخر مع قادة الكنائس المحلية في يوليو/تموز 2013 أن العلاقة بين الدولة والكنيسة بلغت مستويات متقدمة، وقال: "علينا أن نعمل كشركاء حقيقيين لمعالجة القضايا الداخلية والدولية الأكثر إلحاحا وتطوير مبادرات مشتركة لصالح وطننا وشعبنا".

وفي خطابه السنوي أمام مجلس الاتحاد بديسمبر/كانون الأول 2013 انتقد الرئيس بوتين النزوع نحو ما وصفه بتدمير القيم التقليدية باسم حرية الفكر والرأي، رغم أن غالبية الناس ترفض هذه الاتجاهات، وذكر أن هناك تأييدا لتوجُّه روسيا لحماية القيم التقليدية التي تُعَدُّ الأساس الروحي والأخلاقي للحضارات.

وقال في خطابه "نحن نُقدِّر الأسرة التقليدية والحياة البشرية الحقيقية بما في ذلك الحياة الدينية لشخص ما وليس فقط وجوده المادي، ونُقدِّر أيضا القيم الروحية الإنسانية والتنوع في العالم".

Russian President Vladimir Putin meets with delegation of African leaders in Saint Petersburg
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي وفدا من القادة الأفارقة في سانت بطرسبرغ (رويترز)

الوظائف والمسؤوليات

  • عمل بوتين عضوا في الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) سابقا في ألمانيا الشرقية خلال 1985-1990، ثم عاد إلى بلاده وشغل منصب مساعد رئيس جامعة سانت بطرسبورغ للشؤون الخارجية.
  • من عام 1995 حتى يونيو/حزيران 1997 كان زعيما لفرع الحزب في سان بطرسبرغ.
  • أصبح نائبا لمدير الشؤون الإدارية في الرئاسة الروسية عام 1996.
  • عام 1997 عين نائبا لمدير ديوان الرئيس يلتسن.
  • تولى رئاسة روسيا ورئاسة الوزراء عدة مرات.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان