شعار قسم مدونات

أشرف مروان.. جاسوس برتبة رئاسية!

blogs اشرف مروان

صدر في أغسطس 2017 ترجمة للكتاب الإسرائيلي "الملاك.. الجاسوس الذي أنقذ إسرائيل" لمؤلفه يوري بار جوزيف باللغة العربية، الكتاب الذي صنع ضجة في الأوساط الإعلامية والسياسية، تناول شخصية مصرية ثقيلة الوزن في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، والذي تربطه صلة المصاهرة، فالملاك الذي تفتخر به إسرائيل هو زوج ابنة الرئيس السيدة منى عبد الناصر، ومساعد الرئيس في نفس الوقت، البطل الإسرائيلي هو أشرف مروان الرجل اللغز الذي سقط أو أُسقط من شقته في لندن، بسيناريو مماثل للفنانة سعاد حسني.

بعد أن هدأت ضجة الحروف، وسد الصمت آذان الجانب المصري، ها هي إسرائيل اليوم تكرم بطلها الفذ بفيلم نشرت برمو عنه تحسبا لنزوله في شهر سبتمبر، الفيلم من إنتاج شركة نتفليكس بمشاركة عربية، فالبطل الذي سيجسد شخصية أشرف مروان هو الممثل الهولندي من أصل تونسي مروان كنزاري، أما في دور جمال عبد الناصر فيجسد هذه الشخصية العملاقة عربيا الممثل الأمريكي من أصل فلسطيني وليد زعيتر، وتحتكر الفنانة الفلسطينية ميساء عبد الهادي شخصية منى عبد الناصر، في الحين الذي تجسد فيه الممثلة الإسرائيلية سابير عزولي دور الفنانة سعاد حسني، فيما سيقوم بدور السادات الممثل الإسرائيلي من أصل عراقي ساسون جاباي، والمثل الفرنسي من أصل جزائري سليمان دازي في دور سامي أشرف سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر، ولهذه الساعة مازالت مصر تعاني من مرض الصمم في الدفاع أو التأكيد.

حرب أكتوبر، ونقطة الصفر، جعلت الرأي العام ينقسم، بين جاسوس إسرائيلي، وعميل مزدوج ضاعت الحقيقة، فالرجل الذي هاتف إسرائيل عارضا عليها التعاون، سافر ليلة الحرب بمعلومات حقيقية عن موعد ضرب إسرائيل ليبلغ الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي ببدأ الحرب، لتشاء الأقدار ويحدث سوء تفاهم بين وزير الدفاع المصري والسوري حول التوقيت، ليتدخل يومها الرئيس الراحل حافظ الأسد معلنا أن ساعة الصفر هي الساعة الثانية ظهرا، هذه النقطة التي كانت محل خلاف في قضية الجوسسة، فالمعلومات التي قدمها حسمت التفوق للجانب المصري وهذا ما جعلهم يعبرون قناة السويس ويسيطرون على جزء من سيناء، الرجل قدم معلومات صادقة للجانب الإسرائيلي، ولم يقصد تمويههم، بل خدمهم بأمانة وصدق.

 

غياب الرواية المصرية عن الحدث يجعل من الرواية الإسرائيلية في كتاب الملاك التي تتحدث بدقة متناهية، وبوثائق ودلائل رسمية تميل إلى تصديقها، وتوثيقها، السكوت يعني القبول، فضلا عن رأي الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل الذي طالب في العديد من الوقفات إجراء تحقيق رفيع ورسمي عالي المستوى في كل هذه الحقائق الواردة، وموقفه من أشرف مروان الذي سرده في كتابه مبارك وزمانه، واللقاء الذي جمعه بالراحل في لندن، وهو الذي كان عرابا للرئاسة المصرية، لكن كان هذا الطلب ضرب من الجنون في عهد مبارك نتيجة العلاقة الأسرية والاقتصادية والتجارية التي كانت تربط العائلتين، مما جعل مروان يتسلم من الرئيس حسني مبارك وسام الشرف، ويلقبه بالوطني المخلص في بيان بعد مصرعه.

ليس بالجديد في تاريخ الدول أن تتعرض في عز الحروب إلى خيانات، وتحالفات مع العدو، فقد حدث ذلك مع أعظم الدول كالولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي سابقا، لكن في قضية أشرف مروان هي خيانة توسدت الآمان جعلت من جنازته حدث عظيم في مصر حيث علق الكاتب الإسرائيلي يوري بار جوزيف عن ذلك قائلا "لم يكن الرجل الذي شيع جنازته المصريون في 1 من يوليو 2007 وطنيا مصريا على الإطلاق، بل كان أكبر خائن في تاريخ أمتهم".

تاريخ الدول العربية لو ينبش فيه بظفر حكيم لسقطت أضخم الأسماء من عروش التبجيل والتكريم، فكم من خائن في رتبة زعيم، وكم من بائع أرض وعرض بشهادة وطني أصيل، وكم من مروان باسم مختلف لكن بجينات الولاء للعدو المشترك إسرائيل، رحم الله من مات ولم يترك وراءه علامات استفهام تأرق شاب هتف يوما مفتخرا بالجيل القديم، معجبا ببطولات صنعتها إرادة الصهاينة، ونفذتها فلذات الوطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.