شعار قسم مدونات

القدس تصنع الرجال!

JERUSALEM, ISRAEL - JULY 21: (ISRAEL OUT) Palestinian worshippers are seen during a pray in Ras el-Amud Area outside the Old City on July 21, 2017 in Jerusalem, Israel. Following last Friday terror attack at the holy site of Al Aqsa mosque Israeli police barred men under 50 from entering the Old City for Friday Muslim prayers as tensions rose and protests erupted over new security measures at the highly sensitive Al-Aqsa mosque compound. (Photo by Lior Mizrahi/Getty Images)

المعركة اليوم لنا! لأبناء الشوارع المعذّبة بالانتظار! المعركة اليوم لأرواحنا التي احترقت ظلما وقهرا واحتضار.. لن تثنينا  البنادق المرتعشة عن التقدّم، لن توقفنا الكلمات المغمّسة بالدم، فالموت كما نعرفه، وكما التاريخ يصفه.. هو قطع شريان القدس، وتركها مذبوحة بين يدي الجلاد..

 

القدس زهرةٌ للنار! تُرسل شذاها دفئا لأبنائها، لكنّها تشتعل في كفّي عدوّها، وتحاصره باللهب! القدس تفاصيل ثورة حملت ملامح السماء! في القدس صلّى كل الأنبياء! فخذ من نار غضبتها جذوتك، وسرْ خلف التسبيح حاملا كُتُب السماء، وترنَّم داخل أسوارها بذكرها، فأحمد العربي وليُّها، وبالتكبير ستحيا رغما عن الطغاة ييوتها، وبآيات الله ستطمئن شوارعها..

 

وما الحمق الأمريكي سوى مسامير تُدَق في نعش الاحتلال، صلف القوي لا يمنحه الحق في استعباد الأحرار، لا يمنحه الحق في تغيير هويّة مكانٍ لا ينتمي له، فالتاريخ إنْ غُزلت بالأكاذيب خيوطه، بيد الصدق تقطّعت، وتبدّدت بالبرهان!

 

القدس في قلوبنا! وبعزّها تهدأ ضمائرنا.. ولن نصير بأمرٍ مِن سفيهٍ يستخف بنا امتدادا لعدوّنا، لن نصير رئةً له ولسان، لن نغادر كرامتنا كشظايا مكسورة! أو كألسنة دخانٍ لنار أكلت نفسها، ولم تخلّف غير رماد يستر جمرها.. لم تُنضج خبزا للجائعين، وأنضجت جلودهم بِحرِّها..

 

القدس تصنع الرجال، فجرّب ساعدك في ساحاتها! لا تكن حرفاً مشتّتاً في فضاء لغة مقهورة.. كن كلمةَ المقاومة!
القدس تصنع الرجال، فجرّب ساعدك في ساحاتها! لا تكن حرفاً مشتّتاً في فضاء لغة مقهورة.. كن كلمةَ المقاومة!

 

تتوجّع حبّة الرمل وهي تحترق حتى التوهّج! تتوجّع كي لا يسهل قطعها، وتتألم البذرة وهي تشق الأرض لكنّها لا تتوقّف! فهي تعرف بأنها تحمل ملامح الحياة.. ولن نعجز أيّها الطغاة أنْ نكون حبات رمل تتوهّج في ساحات قدسنا، أو بذار عزّ في حضن التراب!     

 

القدس بوّابة للسماء، وبوّابتنا لعراق ملتئم الجرح والخريطة، القدس بوّابتنا لمصر التي يمكنها أن ترسم التاريخ، مصر التي أطعمت الناس وما جاعت، وصنعت بكفّ صبرها وجرأتها عباءة عزّها.. القدس بوّابتنا لشامٍ تروي الأرض عطرا وعلما وجمال.. شامٌ تتناغم تفاصيل عروبتها ودينها، وتنام قريرة العين في حضن البساتين والجبال.. القدس بوّابتنا للتاريخ! وبلا عُمْر سنحيا دونها، ستنسلّ الألوان من أجسادنا والكون، وسنصبح في الصفحات المضيئة العتمةَ وظلال..

 

لن يأت النصر على أجنحة الكلمات الناعمة وقد تغلّفت بصيغ المصالح المتبادلة، لن تصنعه مغازلة الأقوياء، أو استدرار عطف الآخرين

القدس تصنع الرجال، فجرّب ساعدك في ساحاتها! لا تكن حرفاً مشتّتاً في فضاء لغة مقهورة.. كن كلمةَ المقاومة! وازرع نفسك باليقين وأنت تعمل في سبيل طهرها، فتلك فلسطين وجهة مَن يريد الله والوطن والهويّة! وكل مَن ينادي بالتكبير على أسوار المسجد الأسير.. القدس وجهة الأحرار، والثوّار، وارتعاش الحلم على أهداب الطفل الصغير.. القدس عروس غال مهرها، وعصيّة على الفك جدائلها، فلتكن لك على جبين عشقها القُبلة الأولى، فمن أحق منك أنْ يقبّلها؟!   

 

القدس وجهتنا! والحرّية غايتنا! ثوّارٌ تنضمُّ شرارة أرواحهم لمزيد من الثوّار! فإن كان  قَدَرنا أنْ نولد في زمنٍ يحكمه االحمقى والسفهاء، فقدرنا كذلك أنْ نقاوم مَن يستخفّ بنا، مَن يمنح نفسه الحق في رسم مصائرنا، مَن ينقل سفارته لقدسنا، لتتوالى بالنقل السفارات.. معلنةً صورة جديدة من القهر.. يتهدّم فيها أقصانا، وتُخرس فيها مآذننا، وتخلو من لغة القرآن الطرقات.. ضمائرنا هي المستهدفة! فلا جيوش في مواجهة المحتلّ ولا قادة ولا نفير.. ليس إلّا هذه الذاكرة، وهذه الجباه التي لا تزال ترفض أن تنحني، فطوبي لمن لم يتعفّر جبينه بغبار أحذية الغزاة! طوبى لمن حملت روحه زيتا يضيء بناره شوارع الرفض، ويشدّ بالإصرار على خيوط الذاكرة.. طوبى للأحرار والمؤمنين في كل الأرض، وطوبى لمن ساوي في الطهر بين التراب والدماء! فذلك هو عهد الثورة، وذلك هو عهد الشرفاء!

 

فلسطين وقد تقطّعت خريطتها، ومزّقت الفرقة أواصرها.. آن لها أنْ تضمّ بذراعي الثورة أبناءها.. آن لها أنْ تجمع شتات الفصائل في سبيل الذود عن قدسها.. لن يأت النصر على أجنحة الكلمات الناعمة وقد تغلّفت بصيغ المصالح المتبادلة، لن تصنعه مغازلة الأقوياء، أو استدرار عطف الآخرين ليعترفوا بحقك ويقفوا معك، النصر من عند الله.. وتصنعه بطهرها الدماء! النصر مددٌ إنْ أذن الله تأتيك به من فورها السماء، إنْ صدقت الله وأنت تُكبّر لحرّيتها، مشدود الصدر، منتصب القامة، ترفض الذلّ لعصا الظلّام، وترفض بعزّة المؤمنين الانحناء!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.