بين مهازل واتهامات بالفساد.. التحكيم الأفريقي "الفاضح" في قفص الاتهام

Africa Cup of Nations 2019 - Semi Final - Algeria v Nigeria
النجم الجزائري بونجاح يعترض على غاساما بمباراة نيجيريا في نصف نهائي أمم أفريقيا 2019 (رويترز)

لا تمر بطولة أو حتى جولة من جولات المسابقات الأفريقية إلا وتشهد أزمة تحكيمية واتهامات بتحيز الحكم قد تصل إلى وصمه بالفساد، وليس ببعيد اعتراضات الرجاء المغربي على حكم مباراته مع الأهلي المصري، واتهامات الجزائر لحكم خسارتها بطاقة التأهل للمونديال لصالح الكاميرون.

اعترض الرجاء على قرارات جان جاك نادالا حكم مباراته التي انتهت بفوز الأهلي 2-1، السبت الماضي بالقاهرة، في ذهاب الدور الربع النهائي لبطولة دوري أبطال أفريقيا.

ونشر الحساب الرسمي لنادي الرجاء الخطابات الرسمية التي وجهها للاتحادين الدولي والأفريقي لكرة القدم، ووصف قرارات نادالا بـ"المهزلة التحكيمية".

لغز غاساما

وليس ببعيد تقديم الاتحاد الجزائري لكرة القدم طعنا رسميا للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) نهاية مارس/آذار الماضي ضد ما وصفه بـ"التحكيم الفاضح" من الحكم الغامبي بكاري غاساما، الذي تسببت قراراته التحكيمية -على حد وصف الاتحاد الجزائري- في الخسارة 1-2 بمباراة الإياب الفاصلة مع الكاميرون، التي تأهلت لكأس العالم في قطر، وطالب الخضر بإعادة المباراة.

وفي تصرف فريد، رفض منتخب مصر أن يتولى غاساما إدارة مواجهته مع الكاميرون أيضا في نصف نهائي كأس أمم أفريقيا الأخيرة، وذلك عبر تقديم احتجاج رسمي ضد تعيينه للاتحاد الأفريقي "كاف".

ويرجع رفض الاتحاد المصري لغاساما في أمم أفريقيا بالكاميرون -التي بلغت المهازل التحكيمية فيها ذروتها- إلى أنه متهم بالتحيز للفريق صاحب الملعب -حسب الصحف المحلية المصرية- كما حدث مع الأهلي في دوري أبطال أفريقيا عام 2019 أمام صن داونز في جنوب أفريقيا، حيث ألغى غاساما هدفا لأغاي مهاجم الأهلي.

لكن خطأه الأكبر الذي تسبب في مهزلة وأزمة كبرى استمرت لعدة أشهر كان في 2019 أيضا، عندما ألغى هدفا صحيحا للوداد المغربي كان كفيلا بفوزه بدوري أبطال أفريقيا على حساب الترجي (صاحب الملعب) الذي فاز بمساعدة هذا القرار الذي اتخذه الحكم المساعد بأن الهدف جاء في وضعية تسلل، مع أن الإعادة أكثر من مرة أكدت عدم وجود أي تسلل، وأيد غاساما القرار بحجة أن تقنية حكم الفيديو المساعد "فار" (VAR) لا تعمل، وهو ما أثار الريبة للوداد في سوء النية المبيتة، خاصة أنه تعرض لظلم تحكيمي على ملعبه رغم وجود الفار.

وذلك غيض من فيض لمواقف تحكيمية مثيرة للجدل تسبب فيها غاساما، من قرارات تحكيمية تميل لصالح أصحاب الملعب، رغم أنه يفلت دائما من العقاب بشكل غريب ومريب بل ويتم اختياره ضمن حكام البطولات الكبرى وآخرها كأس العالم في قطر.

سيسيه: فضيحة ونخاف التحدث

ورغم تتويج منتخب بلاده بكأس أمم أفريقيا وتأهله لمونديال قطر، فإن أليو سيسيه مدرب منتخب السنغال، انضم لقائمة منتقدي الحكام بسبب أدائهم وأخطائهم المؤثرة على نتائج العديد من المباريات، ووجه انتقادات لاذعة للتحكيم في أفريقيا.

وأجاب سيسيه -في تصريحات لصحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية- عن سؤال حول العائق الذي يقف أمام تقدم الكرة الأفريقية، وقال "إنه التحكيم، التحكيم فضيحة في القارة الأفريقية. نحن لا نعرف كيف نتعامل مع هذه القضية. حتى أولئك الذين يعدّون حكاما جيدين يخيبون آمالنا. سأذهب إلى أبعد من ذلك: لماذا لا نبحث عن حكام في أوروبا؟".

وأيد المدرب السنغالي الاحتجاج المتكرر من مدرب منتخب الجزائر جمال بلماضي عن التحكيم، وقال "أنا أفهمه لأنني أعيش ذلك مثل غيري من المدربين. مشاكل التحكيم هذه لها عواقب على مستوى لعبنا؛ السنغال تحب اللعب بحدة، خصومنا يعرفون ذلك، وخلال المباريات، يفعلون كل شيء لكسر وتيرة اللعب ويلجؤون لارتكاب الأخطاء. لكن الحكام لا يعاقبونهم أبدا وهذا يمنعنا من تطوير أفضل كرة قدم لدينا. في كأس العالم، سترى شيئا آخر، لن يكون الحكام بهذا المستوى".

وأشار سيسيه إلى أنه يتلقى طلبات بعدم الحديث عن الحكام، وقال "يطلبون مني ألا أتحدث عن التحكيم، لئلا يستهدف الحكام منتخب السنغال. لكن من سيقوم بذلك؟ لن أقلل من احترامي لأي شخص، أنا أفريقي وأريد أن تتقدم كرة القدم، لكن من أجل ذلك، يجب أن يتم الاستماع إلينا".

الهدايا والأظرف الممتلئة

يقول طارق الديب مدير إدارة تكنولوجيا المعلومات السابق بالاتحاد الأفريقي، للجزيرة نت، "الحكام.. الفساد والأداء، فعندما كانت تشتكي غالبية الفرق من فساد الحكام في أفريقيا كان العديد من تلك الفرق تحاول إما رشوة الحكام أو إرهابهم ليتحول الحكم إلى اللاعب رقم 12، وأصبحت الهدايا وأحيانا الأظرف الممتلئة بالأموال جزءا من عادات استقبال الفرق للحكام، خاصة أن الفريق المستضيف هو من يدفع إقامة الحكام وبدلاتهم المادية وتذاكر الطيران".

ويضيف الديب "يصعب على الحكم رفض طلب ضربة جزاء للفريق المستضيف أو التغاضي عن أخطائه وهكذا.. وانتشرت شائعات عن تلقي بعض مسؤولي الحكام الهدايا من الحكام ليتم تعيينهم أو إدراجهم ضمن البطولات الكبري!.. ورغم محاولات الإصلاح المتكررة من الكاف، مثل أن يدفع الكاف مباشرة للحكم البدلات وترتيبات السفر والإقامة حتي يقلل التعامل المالي بين الفرق والحكام، فإن عادة الهدايا استمرت حتي وإن تغيرت صورتها من أظرف مالية إلى ترقية غرفة الفندق إلى جناح أو بعض المميزات والهدايا.. فهي عادة وتحتاج إلى شخصية قوية من الحكم ليرفضها، وتدخل قوي من الكاف والفيفا لحماية الحكام الشرفاء الذين يرفضون الانصياع لتلك الضغوط".

ويتابع المسؤول السابق، الذي كان قريبا من صناع القرار بالكاف، توصيف أزمة التحكيم "المشكلة التي لم يجد لها الكاف أي حلول هي اعتماده على الاتحادات المحلية في ترشيح الحكام، رغم ضعف قدرات بعضهم للدورات الأفريقية التي تؤهلهم لإدارة المباريات الحساسة والبطولات الكبري.. وكذلك مجاملة الإدارات المتعاقبة للكاف، خاصة بعد عصر عيسى حياتو (رئيس الكاف السابق)، للاتحادات المحلية بتعيين حكام من بلادهم رغم ضعف الأداء أو ترشيح حكام طبقا لنظام الترضيات لتلك الدول.. خاصة أن كثيرا ممن يدير لجان الحكام المحلية لديهم المشاكل والضعف الفني والإداري نفسه".

وباستثناء بعض الحالات النادرة، اعتادت الفرق والمنتخبات الأفريقية على التخوف من الحكام في المباريات التي يخوضونها خارج الديار، ولا تتورع بعض الفرق والاتحادات عن الاحتجاج بشكل علني، مع أنهم لا يحتجون على الحكم نفسه إذا أدار مباراة لهم بملعبهم، وذلك قد يكون اتهاما مبطنا لهذه الفرق بأنهم يعرفون كيف تتم الاستمالة المزعومة -حسب وصفهم- لهذا الحكم من صاحب الملعب عن طريق خبراتهم السابقة في التعامل معه.

ويوضح طارق الديب ذلك بقوله "صاحب الأرض لا بد أن يكسب، هي مقولة تحولت إلى رواسخ في أذهان الكثير من الحكام.. إما لترضية الفريق المستضيف ليحصل على مزيد من الهدايا عند سفره بعد المباراة، أو خوفا على حياته إذا غضب منه الفريق المستضيف وجماهيره.. أعتقد أنه يجب على الكاف والفيفا عند اختيار حكام المباريات الهامة أن يتم تطبيق قاعدة 50/50، أي شخصية الحكم وقوته النفسية بالتوازي مع إدارته الفنية وتحركاته في الملعب، مع إعطاء الحكام كافة الضمانات والدعم ليتم تصحيح الأخطاء التي حدثت مؤخرا".

  • حكم دولي سابق

 

المصدر : الجزيرة