تحركات أمنية بإقليم أمهرة الإثيوبي واعتقال الآلاف.. ما الذي يجري؟

أديس أبابا- ما إن تهدأ الأوضاع في أمهرة شمال إثيوبيا، إلا تبرز مشكلة جديدة في إقليم لم يعرف الهدوء، ويصنفه المراقبون بالإقليم الملتهب دوما، حيث تقطنه "الأمهرة" ثانية أكبر قوميات البلاد بعد أورومو.
ومؤخرا شهدت مدينة غوندر إحدى أكبر مدن الإقليم التاريخية أعمال عنف طائفية أسفرت عن مقتل أكثر من 30 شخصا، وعشرات الجرحى، مما فجّر غضبا في عدد من المدن خاصة العاصمة التي خرجت فيها مظاهرات منددة بالعملية ومطالبة بالقبض على الجناة.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsتكتيك جديد أم توجّه فعلي للتفاوض مع آبي أحمد؟ تراجع جبهة تيغراي يثير الأسئلة
معركة آبي أحمد والتيغراي.. هل ينفرط عقد إثيوبيا؟
وكانت قوة العمل الأمنية المشتركة الإثيوبية قد أعلنت عن اعتقال 280 مشتبها في تورطهم بأعمال العنف في غوندر، ولفت البيان إلى أن "هناك قوى -لم يسمها- تعمل بغطاء ديني لزعزعة استقرار البلاد".
وأمهرة ضمن الأقاليم الإثيوبية الـ 11، ويتمتع بحكم شبه ذاتي ضمن النظام الفدرالي المتبع في البلاد، يمتاز بموقعه الإستراتيجي حيث يحاذي دولتي السودان وإريتريا، كما يتاخم إقليم تيغراي الذي شهد مؤخرا حربا بين أديس أبابا وما تسمى جبهة تحرير تيغراي.
وبعيد أعمال العنف التي شهدتها غندر، أطلقت سلطات إقليم أمهرة حملة مداهمات لمواقع الجماعات المسلحة وما تصفها بالمجموعات الخارجة عن القانون، اعتقلت خلالها أكثر من 4 آلاف مشتبه به ضمن عملية إنفاذ القانون، وقد فسر مراقبون الخطوة بأنها استهداف لجماعة "فانو" المسلحة.

فلتان أمني
ووصف مراقبون القرار بالجريء والمحفوف بالمخاطر في ظل الهشاشة الأمنية بالإقليم، وإن كان الحكومة تبرر الحملة بحالات الفلتان الأمني ومخالفات القانون والقضاء على بؤر الفساد والأسلحة غير المقننة.
وكانت حكومة الاقليم أعلنت عن اعتقال نحو 4 آلاف مشتبه به في جرائم مختلفة بينها قتل ومخالفات قانونية، وبحق عناصر من قوات الأمن بالإقليم "لعدم قيامهم بمسؤولياتهم" مؤكدة أن الاعتقالات استهدفت الجماعات المسلحة والمجموعات الخارجة عن القانون.
وقال رئيس الوزراء آبي أحمد- عن الخطوات التي تقوم بها حكومات الأقاليم لإنفاذ القانون- إن الجميع يريد إحلال السلام والاستقرار بإثيوبيا، والخطوات التي تمت بإقليم أمهرة لم تسعد (أهل) أمهرة وحدهم وإنما جميع الإثيوبيين.
وأوضح آبي أحمد الثلاثاء، أمام البرلمان متحدثا حول الوضع الراهن، أن حكومات الأقاليم تدير عملياتها بنفسها في حين تقدم الحكومة الفدرالية المساعدة الفنية عند الضرورة، مشددا على أهمية تكثيف حملة إنفاذ القانون في جميع المناطق.
ولفت إلى أنه على مدى الشهرين الماضيين، تم اعتقال المئات من قادة حزب الازدهار الحاكم وتم خفض رتبهم، مضيفا "يتعين علينا تنظيف عملنا أولاً" وقال إن هذه العمليات (إنفاذ القانون) للقضاء على الجماعات الخارجة عن القانون والتي أصبحت تهدد الأمن والاستقرار، مؤكدا أنها لم تكن استهدافا لجهات بعينها.

انتقاد ومخاوف
الخطوة انتقدها حزب حركة أمهرة الوطنية، معبرا عن قلقه إزاء حملة الحكومة بالإقليم، وقال في بيان "رغم التزام حزبنا بدعم سيادة القانون ودعم جهود إنفاذ القانون في الإقليم وجميع أنحاء البلاد، فإن الحملة صاحبها استهداف لأحزاب سياسية وعقائدية ونحوها بينهم قادة وأعضاء بالحزب" مشيرا إلى أن هذه الحملة أثارت انتقادات من مختلف شرائح المجتمع.
وأرجع الحزب عدم الاستقرار، وانعدام الأمن في المنطقة، إلى عدة أسباب بينها ما أطلق عليهم "بعض الأفراد والجماعات في الداخل والخارج مساندة للأعداء" بجانب الانقسامات داخل الحزب الحاكم بالإقليم، وفق بيان حزب حركة أمهرة الوطنية.
ويرى الباحث السوداني بالشؤون الأفريقية عباس محمد صالح عباس أن أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الفدرالية هو الصراعات والجماعات المسلحة، وقال -في حديثه للجزيرة نت- إن العملية التي نفذتها حكومة إقليم أمهرة تأتي ضمن تحركات الحكومة المركزية في أديس أبابا لإحكام سيطرتها على الأوضاع خاصة الأقاليم الهشة، بالتالي فرض القانون والنظام في مواجهة المجموعات المسلحة التي تتحدى سلطتها الأمنية، على غرار ما حدث مع جبهة تيغراي في أعقاب إطلاق عملية فرض القانون والنظام في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وتابع عباس أن أديس أبابا ترى أن مجموعات "فانو" باتت تشكل تهديدا أمنيا خطيرا، وبالتالي (جاء) التحرك ضدها بهدف نزع أسلحتها ومنع صعودها كمنظمة أكثر خطورة يمكن أن تهدد الأمن والاستمرار على نطاق أوسع.
و"فانو" مليشيات عسكرية غير رسمية تنتشر بإقليم أمهرة شمال إثيوبيا، وسبق أن شاركت إلى جانب الجيش الفدرالي الإثيوبي والقوات الخاصة للإقليم ضد جبهة تحرير تيغراي في الحرب الأخيرة.
وكانت هذه المليشيات مثلت النظير الشبابي لحركة قيرو الأورومية التي قادت الحراك الشعبي المناهض لحكم الائتلاف السابق "الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية" التي حكمت البلاد (1991-2018).
وبنظرة مغايرة، يرى الكاتب والباحث الإثيوبي، على عمر، أن حملة إنفاذ القانون حالة صحية ضد الجماعات الخارجة عن القانون، وإنهاء فوضى السلاح التي خلفتها الحرب الأخيرة، وقال إن المخاوف تكمن في استغلال الحملة لتصفية الحسابات السياسية، في ظل التباين الواضح في المواقف داخل الحزب الحاكم بإقليم أمهرة.
وأوضح عمر -في حديثه للجزيرة نت- أن الاتجاه القائل إن الحملة تستهدف جماعة "فانو" ما هو إلا محاولات شيطنة وتشويه فانو وقومية الأمهرة بصفة عامة، متهما جبهة تيغراي بالوقوف خلف هذه "الشائعات".
ولفت أن جماعة "فانو" حركة شبابية حققت الكثير ودافعت بقوة عندما توغلت جبهة تيغراي داخل الإقليم بالحرب الأخيرة، مشيرا إلى أن مشاركتها كانت استجابة لنداء أطلقه حينها رئيس الوزراء، ومثلوا قوة رديفة ومساندة للجيش والقوات الأمنية وفق تعبيره.
ويتابع عمر بأن فهم طبيعة "فانو" حيوي وأساسي، فهي ليست كياناً مليشياوياً، والتعامل معها يجب أن يكون على هذا الأساس، مضيفا أن المعالجة يجب أن تكون في دمجهم ضمن القوات النظامية على أساس فردي، وليس كمجموعات، لمعالجة مشكلة التيارات المتعددة.

شرارة تمرد
وحول تحرك حكومة أمهرة ضد ما تصفها بالقوى المسلحة غير النظامية، وأثرها على أمن واستقرار الإقليم، لم يستبعد عباس أن تكون لها عواقب وخيمة إذا لم تحقق الحملة أهدافها بالقضاء على مستويات التهديد الذي تشكله المجموعات المستهدفة بهذه العملية، مضيفا أنها قد تكون شرارة لتمرد ذي طابع ريفي خاصة في ظل حملة القوات الفدرالية على عناصر "فانو" بالمدن والمراكز الحضرية الكبرى.
وتابع صالح أن الحكومة ربما تهدف إلى قطع الطريق على نشوب تمرد أكبر يمكن أن تترتب عليه تعقيدات أمنية محلية وإقليمية خطيرة، وأضاف أن صعود "فانو" يعني للحكومة صعودا لتيارات التطرف القومي، وبالتالي إمكانية إعادة إنتاج المحاولة الانقلابية ضد قيادة إقليم أمهرة في يونيو/حزيران 2019 في سياق أكثر خطورة الوقت الحالي.
ومازالت محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدها الإقليم قبل 3 سنوات ماثلة للأذهان، والتي أسفرت عن مقتل 7 بينهم حاكم الإقليم الأسبق واعتقال 178 متورطا، عندما حاولت مجموعة من العناصر المسلحة غير المعروفة الاستيلاء على المقر الرئيسي لحكومة الإقليم، وفق بيان حكومي.