المقدسيون في مواجهة قانون أملاك الغائبين

نبيل السهلي - عنوان المقال: المقدسيون في مواجهة قانون أملاك الغائبين



– قانون الغائب خطر على القدس

إفراغ المدينة لاستكمال التهويد
قرار ضم القدس هو البداية
استخلاصات

تسعى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -في سباق مع الزمن- إلى تهويد مدينة القدس مستغلة الانقسام الفلسطيني وعدم ارتقاء العرب والمسلمين في دعمهم السياسي والمالي للمقدسيين إلى مستوى التحدي الذي تواجهه المدينة.

فبعد قطع شوط كبير من بناء الجدار العازل حول القدس، تبنت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا قرارا صادرا منذ أكثر من ستة عقود للشروع في تطبيق قانون أملاك الغائبين الذي يشمل الممتلكات المحجوزة من قبل المؤسسات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه تم استصدار قانون أملاك الغائب عام 1950، وكان محاولة لإضفاء الصفة القانونية على سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية تدريجيا، حيث يمنح "القانون" الوصي الإسرائيلي على أملاك الغائب "الحق" في الاستيلاء عليها وإدارتها والسيطرة على الأرض التي يملكها أشخاص يعرَّفون بـ"غائبين".

ويمكن القول بأن الإصرار الإسرائيلي على تطبيق قانون الغائب في مدينة القدس يندرج في سياق منهجية حكومة نتنياهو للإطباق على المدينة وتهويد كل مناحي الحياة فيها، وصولا إلى الإخلال بالتوازن الديموغرافي لصالح اليهود في المدينة، وبالتالي نسف الحلم الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

وسيشهد المتابع استصدار قرارات إسرائيلية وإحياء أخرى لجهة فرض الأمر الإسرائيلي الواقع على المدينة.


قانون الغائب خطر على القدس
في سياق سياستها لتهويد معالم مدينة القدس، أكدت حكومة نتنياهو مؤخرا أنها تبنت قرارا للشروع مجددا في تطبيق قانون أملاك الغائبين ليشمل الممتلكات المحجوزة في القدس الشرقية المحتلة.

"
الهدف من البدء في تطبيق القرار هو جعل العرب المقدسيين أقلية في القدس، لا تتجاوز نسبتهم 12% من سكان المدينة في العام 2020
"

ويمكن القول بأن تطبيق قانون أملاك الغائبين قد أدى إلى سيطرة إسرائيل على القسم الأكبر من الأراضي الفلسطينية التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين الذين هاجروا إلى خارج فلسطين إثر نكبة عام 1948، وكذلك الغائبون الحاضرون، وهم اللاجئون المحليون الذين يقيمون داخل الخط الأخضر في قرى ومدن غير قراهم ومدنهم الأصلية، حيث يمنح القانون المذكور الوصي الإسرائيلي على أملاك الغائب "الحق" في الاستيلاء عليها وإدارتها والسيطرة على الأرض التي يملكها أشخاص يعرَّفون بـ"غائبين".

و"الغائب" حسب دراسات مختلفة هو أي فلسطيني هُجر إلى خارج فلسطين في الفترة من 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 إلى 18 مايو/أيار 1948 عن تلك الأقسام من فلسطين التي أقيمت عليها إسرائيل.

وفي آخر الأمر حولت الأراضي الفلسطينية التي استولي عليها وفقا لهذا القانون بعد العام 1948 من الوصي إلى سلطة التطوير الإسرائيلية أو الصندوق الوطني اليهودي واستخدمت لتوطين اليهود فقط.

بعبارة أخرى، أضفى القانون "الصفة القانونية" على مصادرة الممتلكات الفلسطينية وحوّل تلك الأرض لاستخدام اليهود فقط، ولم يُدفع أي تعويض للمالكين الفلسطينيين الأصليين.

ويعد تطبيق إسرائيل للقانون المذكور على القدس الشرقية المحتلة مدخلا للإعلان عن أي ممتلكات فلسطينية في القدس الشرقية يقطن أصحابها في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو أي بلد عربي بأنها "متروكة".

وبذلك تفتح الطريق أمام مصادرتها وتطويرها للاستخدام الإسرائيلي فقط، دون دفع أي تعويضات لمالكيها الفلسطينيين.

والهدف من البدء في تطبيق القرار هو جعل العرب المقدسيين أقلية في القدس، لا تتجاوز نسبتهم 12% من سكان المدينة في العام 2020.

أما مخاطر تطبيق قانون الغائبين على مدينة القدس، فإن المؤسسات الإسرائيلية بات بمقدورها -بتنفيذ القانون المذكور- مصادرة الأرض الواقعة إلى الغرب من الجدار وعدم دفع أي تعويضات لمالكيها الفلسطينيين.

ولا تعرف مساحة الأراضي التي ستتأثر بتطبيق قانون أملاك الغائب، لأن الحكومة الإسرائيلية استولت على سجلات كل الأراضي الفلسطينية المستأجرة في القدس بعدما أغلق بيت الشرق في أغسطس/آب 2001.

لكن توجد المعلومات التالية عن استخدام الأراضي في القدس الشرقية، حيث صودر 43.5% من الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية واستخدمت لبناء المستعمرات الإسرائيلية فقط.

وأعلن عن 41% من الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية "منطقة خضراء"، وهي بذلك تخضع لقيود بناء مشددة وضعتها الحكومة الإسرائيلية، فضلا عن ذلك يسمح للفلسطينيين باستخدام 12.1% فقط من مساحة القدس الشرقية، 50% منها، أي 6% من مجموع مساحة القدس الشرقية، هي أملاك "غائبين". وبذلك من الممكن مصادرتها وفقا للقانون الجديد.

وتقوم إسرائيل باستخدام 4.3% من مساحة القدس الشرقية للمرافق العسكرية الإسرائيلية، والطرق وغير ذلك من البنى التحتية الإسرائيلية.

وفيما يتعلق بأراضي "المنطقة الخضراء"، تتلاعب الحكومة الإسرائيلية بقانون عثماني قديم ينص على أن الأراضي التي لا تتم فلاحتها لمدة ثلاث سنوات يمكن أن تصادرها الدولة وتعلنها "أراضي دولة".

وفي ظل وجود القيود الإسرائيلية الحالية على الحركة الفلسطينية والاستمرار في بناء الجدار، بات المزارعون الفلسطينيون يواجهون صعوبات جمة في الوصول إلى أراضيهم.

ونتيجة لذلك، تواجه كل أراضي هذه "المنطقة الخضراء" خطر المصادرة، وليست فقط المساحة التي يملكها أصحاب الأراضي "الغائبون هي المعرضة للمصادرة.


"
سعت السلطات الإسرائيلية إلى القيام بعملية إفراغ المدينة من خلال تطبيق قوانين سحب الهوية الإسرائيلية من المقدسيين الذين يقيمون لأكثر من عام خارج مدينة القدس، والذين حصلوا على جنسيات أخرى في دول العالم
"

إفراغ المدينة لاستكمال التهويد
طبقت السلطات الإسرائيلية قوانين عنصرية جائرة على أهالي القدس وأرضهم، فبالإضافة إلى استخدام قانون الغائب للسيطرة على أراضي المقدسيين الموجودين خارج مدينة القدس، سعت السلطات الإسرائيلية إلى القيام بعملية إفراغ المدينة من خلال تطبيق قوانين سحب الهوية الإسرائيلية من المقدسيين الذين يقيمون لأكثر من عام خارج مدينة القدس، وكذلك هي الحال للعرب المقدسيين الذين استحوذوا على جنسيات أخرى في دول العالم.

وتبعا لذلك ثمة خمسون ألف مقدسي مهددون بسحب هويتهم وطردهم والسيطرة على عقاراتهم وأرضهم في السنوات القليلة القادمة.

وفي إطار السياسات الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس كثفت حكومة نتنياهو من مخططاتها لفرض الأمر الواقع في مدينة القدس، فهناك مخطط للقيام بعمليات جرف وتدمير لآلاف المنازل، لكسر التجمع العربي داخل الأحياء العربية في مدينة القدس مثل حي الشيخ جراح والعيزرية.

ونتيجة تلك المخططات فإن 35 ألف مقدسي مهددون بالطرد إلى خارج مدينة القدس.

وبعد استصدار القانون الإسرائيلي القاضي بتهويد قطاع التعليم العربي في مدينة القدس، خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، فإن شبح الترانسفير يلاحق ثلاثين ألف فلسطيني من القدس للاستئثار بفرص التعليم في بقية مدن الضفة الغربية.

وكانت إسرائيل قد طردت خمسة عشر ألف مقدسي أثناء احتلالها للقدس الشرقية عام 1967، ناهيك عن طرد نحو ستين ألفا من المقدسيين المسلمين والمسيحيين عام 1948 بفعل المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في قرى قضاء القدس مثل قرية دير ياسين وغيرها.


قرار ضم القدس هو البداية
لم تكن القوانين الإسرائيلية بشأن تهويد مدينة القدس حديثة العهد، فبعد أن أعلنت السلطات الإسرائيلية ضم القدس الشرقية في 30 يوليو/تموز 1980، سعت إلى الاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية وضمها إلى القدس من خلال استصدار قوانين تشرع ذلك.

فقدرت مساحة المدينة بنحو 108 آلاف من الدونمات، ثم توسعت إلى القدس الكبرى، حتى وصلت مساحة المدينة إلى 123 ألف دونم، وهناك مخططات استيطانية لرفع نسبة أراضي القدس الشرقية وحدها لتصل إلى ربع مساحة الضفة قبل انطلاق أي مفاوضات حقيقية لما يسمى قضايا الحل النهائي التي تشمل المفاوضات على القدس واللاجئين.

فضلا عن ذلك تجري محاولات إسرائيلية حثيثة لتطبيق سياسة سكانية مبرمجة لتهويد القدس خلال السنوات القادمة، وذلك في سياق سياسة ديموغرافية تعتمد أساسا على طرد أكبر عدد من العرب الفلسطينيين من المدينة تحت حجج مختلفة، وجذب أكبر عدد من المهاجرين اليهود إليها.

والهدف من ذلك كله محاولة فرض الأمر الواقع الديموغرافي اليهودي، وتدمير حضارتها التي ما زالت من أهم الدلائل على تاريخ الإنسان العربي وجذوره فيها.

"
تجري محاولات إسرائيلية حثيثة لتطبيق سياسة سكانية مبرمجة لتهويد القدس خلال السنوات القادمة، وذلك في سياق سياسة ديموغرافية تعتمد أساسا على طرد أكبر عدد من العرب الفلسطينيين من المدينة بحجج مختلفة
"

وتشير الدراسات والمعطيات إلى أنه، مع حلول الذكرى الثلاثين لضم القدس الشرقية الذي يصادف 30 يوليو/تموز 2010، استطاعت إسرائيل مصادرة أكثر من 70% من مساحتها.

وثمة تركيز للنشاط الاستيطاني داخل الأحياء العربية القديمة في مدينة القدس بغية تهويدها عبر الزحف الديموغرافي، وإحلال مزيد من المهاجرين اليهود فيها عبر الإغراءات المالية والمساعدات الضخمة، ناهيك عن الإعفاءات الضريبية للمستوطنين اليهود سواء داخل المستوطنات التي تحيط بالقدس من جميع الاتجاهات -وعددها 26 مستوطنة وفيها 180 ألف مستوطن- أو أولئك الذين أقاموا في أحياء يهودية في داخل مركز المدينة أو بالقرب من الأحياء العربية القديمة.

كل ذلك يحصل في ظل غياب عربي وإسلامي واضح لدعم وتثبيت المقدسيين في مدينتهم لمواجهة السياسات الإسرائيلية العاتية.


استخلاصات
بعد الخوض في مخاطر تطبيق قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي على مدينة القدس، يمكن تسجيل الاستخلاصات التالية:

أولا: بعد قطع شوط كبير من بناء الجدار العازل حول القدس، تبنت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا قرارا صادرا منذ أكثر من ستة عقود للشروع بتطبيق قانون أملاك الغائب الإسرائيلي ليشمل الممتلكات المحجوزة في القدس الشرقية.


ثانيا: استصدر قانون الغائبين الإسرائيلي في العام 1950 في محاولة لإضفاء الصفة القانونية على سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا إلى خارج فلسطين وكذلك الغائبون الحاضرون.


ثالثا: إضافة إلى استخدام قانون الغائب للسيطرة على أراضي المقدسيين الموجودين خارج مدينة القدس، سعت السلطات الإسرائيلية إلى القيام بعملية إفراغ المدينة من خلال تطبيق قوانين سحب الهوية الإسرائيلية من المقدسيين الذين يقيمون أكثر من عام خارج مدينة القدس.


رابعا: صودر 43.5% من الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية واستخدمت لبناء المستعمرات الإسرائيلية فقط، كما أعلن عن 41% من الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية "منطقة خضراء".


خامسا: يعد قرار ضم القدس الشرقية في 30/7/1980 إلى إسرائيل نقطة البداية لتهويد المدينة، في حين استصدرت قوانين جائرة فيما بعد للإطباق على المدينة وتهويدها.

وفي هذا السياق يندرج القرار الإسرائيلي بتطبيق قانون أملاك الغائبين على مدينة القدس وأملاك المقدسيين من عقارات ومحال تجارية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.