مقاطعة بضائع المستوطنات وإدانة الفصل العنصري.. مواقف تاريخية للأحزاب البريطانية تدعم القضية الفلسطينية

Student protest march in London for Palestinian people
مسيرة احتجاجية وسط لندن تطالب الحكومة بحظر الاستثمار بالمستوطنات الإسرائيلية (الأناضول)

لندن – عاد الملف الفلسطيني وبقوة لطاولة الأحزاب البريطانية التي أعلن بعضها عن مضامين تاريخية لصالح القضية الفلسطينية، وذلك على الرغم من كل الجهود التي يقوم بها اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا لتقليص الدعم لفلسطين في أوساط الأحزاب السياسية.

خلال أسبوع واحد أقر كل من حزب العمال، والحزب الليبرالي الديمقراطي، اعتماد مواقف مؤيدة للحق الفلسطيني وتدين الاحتلال وجرائمه بحق الفلسطينيين، وذلك خلال أشغال مؤتمر الحزبين السنوي الذي يعتبر الموعد الأهم لكل حزب في بريطانيا.

وظلت الأعين معلقة على مؤتمر حزب العمال بشكل خاص، لمعرفة التغيرات التي ستحدث في موقفه من الملف الفلسطيني، بعد تنحي الزعيم السابق جيرمي كوربين الذي كان من أشد المدافعين عن الملف الفلسطيني، ووصول كير ستارمر لقيادة الحزب معلنا سياسة أكثر ميلا للاحتلال.

The 2021 Labour Conference - Day Two
البيان الختامي لحزب العمال البريطاني طالب بفرض عقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكاتها ضد الفلسطينيين (غيتي)

إعلان تاريخي

أيد البيان الختامي للمؤتمر السنوي لحزب العمال اقتراحات تقدم بها عدد من المندوبين، تدعو إلى دعم فرض عقوبات على إسرائيل بسبب "أفعالها غير القانونية"، كما دعت نفس الوثيقة إلى وقف تجارة الأسلحة مع الاحتلال، وإنهاء التعامل التجاري مع المستوطنات المقامة بشكل غير قانوني على الأراضي الفلسطينية.

ودفع أصحاب الاقتراح بالتقارير الحقوقية الدولية التي تظهر "بشكل لا لبس فيه أن إسرائيل ارتكبت جريمة الفصل العنصري كما هي متعارف عليها بالأمم المتحدة كما تشير لذلك منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش" وهو ما اعتمده المؤتمر في ختام أعماله.

ويدعم البيان الدعوات القادمة من المنظمات الحقوقية والمدنية الفلسطينية إلى المزيد من الإجراءات الفعالة ضد بناء المستوطنات، والمطالبة بإنهاء احتلال الضفة الغربية والحصار المفروض على قطاع غزة، وحق العودة.

هذه المضامين لو كانت في عهد كوربين لاعتبرها كثيرون عادية، بالنظر لدعم هذا الزعيم السياسي الواضح والمعلن للملف الفلسطيني، إلا أنها تأتي في ظل قيادة جديدة أظهرت منذ اليوم الأول أنها تريد التخلص من تركة كوربين بما فيها تلك المتعلقة بدعم فلسطين.

رغم ذلك مر مقترح ذكر الملف الفلسطيني في البيان الختامي بسهولة بعد التصويت عليه بأغلبية مريحة، مما يظهر أن الدعم للقضية داخل حزب العمال المعارض مازال جيدا.

وعلقت حملة التضامن مع فلسطين على صفحتها في تويتر بأن هذا البيان "تاريخي" لأنه يعتبر أن "إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري (الأبارتايد)".

في المقابل، لم تخف مجموعة "أصدقاء إسرائيل" داخل حزب العمال غضبها من هذا البيان، وقالت إن الشق المتعلق بالملف الفلسطيني "تمت صياغته بشكل غاضب جدا ويعبر عن وجهة نظر واحدة ولا يبحث عن إقرار السلام".

وقد حاولت قيادة الحزب الجديدة النأي بنفسها عن هذا البيان، حيث قالت وزيرة الخارجية بحكومة الظل ليزا ناندي "الحزب سيبقى على موقفه الداعي لحل الدولتين وحماية المدنيين من الطرفين والبحث عن إطلاق عملية السلام من جديد".

ليلى موران مسؤولة العلاقات الخارجية بالحزب الليبرالي تحمل على عاتقها الدفاع عن الملف الفلسطيني بالبرلمان البريطاني (الجزيرة)

داعم جديد

في سابقة من نوعها، حضر الملف الفلسطيني في أجندة المؤتمر السنوي للحزب الليبرالي الديمقراطي (الحزب الثالث بالبرلمان البريطاني) وصوت أعضاؤه وبأغلبية ساحقة لصالح دعوة الحكومة "حظر تجارة المملكة المتحدة مع المستوطنات غير القانونية والمقامة على الأراضي الفلسطينية".

وبعد نقاش طويل وحاد بين أعضاء الحزب، أيد المؤتمر السنوي اقتراحا يلزم قيادة الحزب بالاعتراف بحل الدولتين بحدود آمنة والاعتراف بدولة فلسطين على حدود سنة 1967.

وركز البيان الختامي على ملف المستوطنات، حيث أكد أن "هذه المستوطنات غير القانونية تمثل ضما فعليا للأراضي الفلسطينية وأنها تعتبر العامل الرئيسي وإن لم يكن الوحيد الذي يجعل من البحث عن مسار للسلام أكثر صعوبة من أي وقت مضى".

ويعود الفضل، في هذا التطور النوعي لموقف الحزب من الملف الفلسطيني، للقيادية الشابة ليلى موران، ذات الأصول الفلسطينية، والتي تشغل منصب مسؤولة العلاقات الخارجية، والمعروفة بأنها تحمل على عاتقها الدفاع عن الملف الفلسطيني داخل البرلمان.

وتركز وسائل الإعلام المؤيدة للطرح الإسرائيلي على موران، بعد أن أصبحت من الوجوه القيادية للحزب وأيضا لكونها نجحت في فرض الملف الفلسطيني كأولوية داخل حزبها الذي سبق وكان شريكا بحكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الائتلافية سنة 2010.

عقد المحافظين

هذه المواقف القوية والداعمة، من طرف حزبي العمال والديمقراطي الليبرالي، تعبر عن تطور كبير في دعم الملف بين صفوف النخبة السياسية البريطانية، لكنها تبقى بعيدة عن التأثير الفعلي على السياسة الخارجية البريطانية التي تتحكم فيها عقيدة راسخة منذ عقود، ويعززها وجود حزب المحافظين على رأس السلطة.

ويعتبر حزب المحافظين المفضل لتل أبيب بالنظر لمواقفه من الملف الفلسطيني، إضافة لكونه يتمتع بأغلبية مطلقة داخل البرلمان. وتشير التوقعات إلى أنه قد يبقى في الحكم حتى بعد الانتخابات المقبلة بسبب أزمة يعيشها حزب العمال داخليا وفقدانه لعدد من مواقعه التاريخية.

المصدر : الجزيرة