من "النهار" إلى فضاء يوتيوب.. محمود سعد يغادر مغضوبا عليه أم طالبا المزيد؟

محمود سعد هجر البرامج السياسية إلى الاجتماعية في السنوات الأخيرة (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة ـ لحق الإعلامي المعروف محمود سعد بآخرين من الإعلاميين الذين وجدوا أنفسهم ممنوعين من الظهور على الفضائيات ومطرودين خارج أسوار وأنوار مدينة الإنتاج الإعلامي الواقعة غرب القاهرة.

وأثار هذا النبأ المفاجئ تساؤلات حول أسباب المغادرة المفاجئة، وعزاها مراقبون إلى رسائل سياسية مضمرة تم تقديمها خلال برنامجه الذي كان يغلب عليه الطابع الاجتماعي، خاصة في حلقته الأخيرة التي عظم فيها من شأن ثائر مصري ضد الفرنسيين أعدمه الوالي محمد علي منذ قرنين ليكون عبرة لسائر المصريين رغم أن هذا الثائر كان ممن ساندوه في الوصول إلى الحكم.

وفي رسالة فهمها متابعوه بأنها "مقصودة وموجهة" طالب سعد بأن يحكي الآباء لأبنائهم نموذج حجاج الخضري (الثائر ضد الفرنسيين ثم ضد محمد علي) لكل الأجيال، لأنه عاش أكثر من قاتليه.

وثمّن متابعون لسعد على صفحته الشخصية وأسفل فيديو الحلقة على يوتيوب ما قاله المذيع الشهير، ولا سيما حينما كرر عبارة "في سالف العصر والأوان، ليس أكثر من هذا" أكثر من مرة، مضيفا "كل من ساند محمد علي قام الوالي الجديد بالتخلص منه، ومنهم حجاج الخضري".

 

 

وقال سعد في فيديو بثه على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك ونقلته عنه مواقع إخبارية وقنوات يوتيوب إن رد الفعل الكبير والمساند من قبل الجمهور جعله غير حزين على مغادرة قناة النهار التي كان يبث من خلال شاشتها برنامجه الاجتماعي "باب الخلق".

وأضاف "ربنا فتح لنا طاقة جديدة بالحديث مباشرة للناس، لم أكن أعرف أن لدي هذه القدرة في عمر الـ66″، مطالبا جمهوره الذي كان يتابعه على "النهار" بالاستمرار في متابعته عبر يوتيوب.

وقال "لم أعرف أن باب الخلق له هذه القيمة إلا لما قرأت ردود الفعل بعد توقف البرنامج، وإذا كان فيه قيمة للبرنامج فهي قيمة الناس في الشارع الذين شرفوني وفتحوا قلوبهم.. محبة كبيرة لهم ولكم".

استبعاد أم إبعاد؟

وكشفت مصادر إعلامية في قناة النهار للجزيرة نت أن سعد لم تجر "الإطاحة" به، ولكنه "أُبلغ" بقرار توقف برنامجه لأنه لم يكن يحقق العدد المستهدف من المشاهدات، بدليل أن عدد مشاهدي الحلقة الأخيرة المثارة حولها "ضجة غير مبررة" لم يتعد 10 آلاف مشاهد، وهو رقم "ضئيل" جدا مقارنة بالمبلغ الذي كان يحصل عليه سعد.

وتردد أن المذيع كان يحصل على نحو 15 مليون جنيه سنويا، (الدولار يعادل 15.7 جنيها تقريبا)، وهو مبلغ يحصل على مثله أو قريب منه عدد من الإعلاميين المشاهير.

ونفت المصادر أن يكون محتوى الحلقة هو السبب في وقف برنامجه بدليل أن "رابط الحلقة موجود على قناة النهار على يوتيوب، كاملة دون حذف، ولو كان محتواها مزعجا لإدارة القناة لقامت بحذفها فورا".

وتابعت المصادر أن محمود سعد مستمر في التعاون مع القناة عبر أذرعها على التواصل الاجتماعي والإنترنت، لكنه لن يظهر على شاشة القناة مجددا إلا من خلال إعادة بث حلقات برنامجه السابقة، خاصة أنها غير مرتبطة بحدث، وذلك "إلى حين إيجاد بديل جاذب للمشاهدات والإعلانات".

لكن ما فهم من تنويه سعد في حلقته الأخيرة -بأنه سيركز على مثل هذه الرسائل المتعلقة بالنماذج الوطنية- هو أنه مستمر في التعاون مع القناة ببث رسائل عن نماذج مثل حجاج الخضري، مما يعني أن الإطاحة به كانت مفاجأة له شخصيا ولمتابعيه الذين أبدوا غضبا على توقف برنامجه وقلقا على حياته.

ورغم حالة المساندة والتعاطف الواسعة التي حظي بها محمود سعد عقب وقف برنامجه على النهار فإن آخرين أبدوا شماتة به، سواء لكونه ساند النظام الحالي في بدايته ضد حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، أو لأن بعض مؤيدي النظام الحالي استدعوا مواقف قديمة له مؤيدة لثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك بعد 30 عاما قضاها في السلطة.

تجارب غير مبشرة

وسبق سعد إلى يوتيوب المذيع أسامة كمال الذي فوجئ قبل عامين وهو في طريقه إلى مدينة الإنتاج الإعلامي لتقديم برنامجه المسائي بقناة "دي إم سي" (DMC) بقرار وقفه، وحلول مذيع آخر محله، فاتجه لتقديم برنامج على يوتيوب بنفس أدوات التلفزيون وشكل برامجه، لكنه لم يلق مشاهدات كبيرة كما كان يأمل، فعاد للظهور على شاشة قناة المحور.

وتبدو المعضلة هنا أمام مذيعين مشاهير يتوقعون نفس النجاح والذيوع على منصات الإنترنت، غير أنهم يتفاجؤون بقلة التفاعل والمشاهدات مقارنة بما حققته لهم الفضائيات، لأن "الجمهور مختلف، وذائقته وطريقة تقبله للمحتوى متباينتان" بحسب خبراء في الإعلام.

وتحدث عاملون في الإعلام عن أن الإعلام الحديث على الإنترنت فضح الوزن الحقيقي لهؤلاء الإعلاميين، وأن وجودهم على الفضائيات رهن بعوامل أخرى غير القبول والتأثير، وهي عوامل تتعلق بنجاحهم في العلاقات العامة، خاصة مع القائمين على أمر هذه الفضائيات.

وتشير نتائج مشاهدات برامج مشاهير الإعلاميين إلى عدد محدود لا يتعدى بضعة آلاف مشاهدة، وهو رقم ضئيل مقارنة بمدونين وصناع محتوى على يوتيوب يحققون مئات آلاف المشاهدات في كل حلقة.

ولدى محمود سعد تحديدا نحو 200 ألف مشترك فقط في قناته الجديدة على يوتيوب، والتي يبث من خلالها برنامجه الجديد تحت اسم "ونس"، وهو رقم لا يبشر بتحقيق عوائد جيدة من يوتيوب، كما لا يتناسب مع حجم شهرته الواسعة، ويبدو رقما متواضعا مقارنة بصناع محتوى معارض مثل عبد الله الشريف الذي لديه أكثر من 3 ملايين مشترك.

وعزا مراقبون وقف برامج عدد من الإعلاميين المعروفين مثل خيري رمضان ومجدي الجلاد ولميس الحديدي وإبراهيم عيسى وآخرين إلى الأزمة المالية التي تضرب قطاع الإعلام عموما، غير أنه في حالة أسامة كمال تردد أن وراءها عدم انصياعه لتعليمات المسؤولين عن إدارة ملف الإعلام في مصر.

وجاءت عودة بعض المذيعين بعد استبعاد ليغلب عليها الهدوء والمهادنة للسلطة باستثناءات بسيطة، منها ما جرى مع الإعلامي وائل الإبراشي الذي انتقد عبر القناة الأولى في التلفزيون الرسمي وزير النقل اللواء كامل الوزير، ثم توقف المذيع عن الظهور وقيل إن السبب إصابته بفيروس كورونا، لكنه ما زال غائبا منذ عدة شهور.

المصدر : الإعلام المصري