استبعدت رحيل السيسي.. إسرائيل تراقب بصمت مظاهرات مصر

Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (R) speaks with Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu (L) during their meeting as part of an effort to revive the Middle East peace process ahead of the United Nations General Assembly in New York, U.S., September 19, 2017 in this handout picture courtesy of the Egyptian Presidency. The Egyptian Presidency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY
من لقاء سابق بين السيسي (يمين) ونتنياهو في نيويورك (رويترز)

محمد محسن وتد-القدس المحتلة

تلتزم إسرائيل الرسمية الصمت حيال المظاهرات التي تشهدها المدن المصرية والداعية إلى إسقاط ورحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي الحليف الإستراتيجي لإسرائيل.

ويقدر محللون وباحثون إسرائيليون أن تجدد الحراك الثوري كان مجرد مسألة وقت، ويرجحون أن الجيش المصري سيبقى المسيطر مهما كانت التطورات، ويستبعدون رحيل السيسي في هذه المرحلة.

وتناقلت وسائل إعلام إسرائيلية أخبار وتطورات المظاهرات بميدان التحرير والمدن المصرية بوصفها أخبارا اعتيادية، إذ هيمن على المشهد الإعلامي الإسرائيلي حسم الصندوق لانتخابات البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) الـ22، وهوية رئيس الوزراء المقبل، واحتمال تشكيل حكومة وطنية بين قائمة "كاحول-لافان" برئاسة بيني غانتس وحزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، الداعم الأكبر لنظام السيسي.

وعلى الرغم من استنتاج مراكز الأبحاث الإسرائيلية اندلاع مظاهرات بمصر عقب وفاة الرئيس المنتخب محمد مرسي في سجون النظام، فإنها تشكك في أن تمهد المظاهرات للإطاحة بالسيسي.

وتجزم مراكز الأبحاث أنه حتى لو تحقق سيناريو رحيل السيسي، فإن الجيش المصري سيبقى صاحب القول الفصل، بحيث تستبعد عودة جماعة الإخوان المسلمين للحكم أو حتى أي شخصية مناهضة لإسرائيل.

مسألة وقت
ويعتقد تمار برس، وهو مراسل الشؤون العربية في صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من رئيس الوزراء نتنياهو، أن تجدد المظاهرات في مصر والإضرابات ضد نظام السيسي كانت مجرد مسألة وقت، وعزا ذلك لتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة وتضييق الخناق على المواطنين.

وتحت عنوان "بعد ثماني سنوات سيئة، سئم الشعب المصري"، كتب برس مقالا استعرض من خلاله سنوات حكم السيسي، معتمدا في تقييمه على ست زيارات قام بها للقاهرة.

وكانت زيارته الأولى للقاهرة في العام 2014، بعد حوالي عام على الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، وكانت بمثابة ترحال في المدن المصرية الرئيسية والعاصمة التي كانت خالية من السياح الأجانب.

ووصف المراسل للشؤون العربية الأوضاع في مصر وانطباعه عن زيارته الأخيرة للقاهرة في العام 2018 بـ"يوم عسل ويوم بصل"، يمكنك القول إن "هناك أشياء قد تحسنت منذ ذلك الحين، وأشياء أخرى قد تغيرت، وظلت أخرى تحت الرادار والرقابة".

وجزم بأن الحراك الشعبي والمظاهرات ضد نظام السيسي ليست بالأمر المفاجئ وكانت مجرد مسألة وقت، وفيديوهات رجل الأعمال محمد علي بمثابة القشة التي كسرت ظهر البعير.

فزاعة الإرهاب
ورجح أن ما أجّل اندلاع الإضرابات هو قيام نظام السيسي بالقمع والترويج لفزاعة الإرهاب في سيناء وتنفيذ اعتقالات جماعية للمصريين وصدور أحكام قضائية بحق المئات وصلت إلى حد الإعدام بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وبيّن أن الشعب المصري خلال سنوات حكم السيسي بالنار والحديد التزام الصمت، وأراد أن يأخذ قسطا من الراحة ويستجمع قواه بعد ثماني سنوات لينطلق مجددا نحو الحراك الشعبي لإسقاط النظام.

وخلص للقول "بعد عقود من الإحباط، والسنوات السيئة لحكم السيسي، كانت دعوة مقاول البناء كافية لجلب الآلاف إلى ميدان التحرير لأول مرة منذ ثماني سنوات. يعلم المصريون أن نهاية هذه المظاهرات قد تكون مثل المظاهرات السابقة. لكن المصريين سئموا السيسي".

الحدث المتفجر
الموقف ذاته توقّعه الباحثان أوريت برلوف وأوفير فينطر، من مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إذ توقعا حدوث إضرابات في مصر عقب وفاة الرئيس مرسي في سجون نظام السيسي، وأوضحوا أن ذلك مجرد مسألة وقت، حتى وإن كانت وفاة مرسي أظهرت مجددا حالة الاستقطاب في الشارع المصري.

ولفت تقدير الموقف لمركز الأبحاث القومي إلى أن نظام السيسي تمكّن من احتواء الحدث المتفجر بوفاة مرسي ونجله عبد الله لاحقا.

لكن في الوقت نفسه، يؤكد الباحثان أن الخطاب المؤيد للإسلاميين في منصات التواصل الاجتماعي، ورغم عدم ترجمته إلى أعمال احتجاجية واسعة النطاق، بمثابة تذكير بأن جماعة الإخوان المسلمين لا تزال تمثل جزءا مهما من الرأي العام المصري.

ويوضح الباحثان أن إسرائيل الرسمية كانت على حق عندما التزمت الصمت ولم تعقب على وفاة مرسي بالمعتقل، إذ إن إسرائيل على قناعة بأن المفهوم لتعزيز السلام الإسرائيلي المصري والتقارب بين الشعوب في الشرق الأوسط وإسرائيل منوط بإضعاف وتفتيت الحركات والقوى الإسلامية، وتعزيز دور ومكانة القوى السياسية والمدنية البراغماتية والليبرالية على حساب الإخوان المسلمين.

وعلى الرغم من السلوك البراغماتي لجماعة الإخوان المسلمين خلال ولاية مرسي، فمن المشكوك فيه يقول تقدير الموقف أن "عداءهم الأساسي تجاه إسرائيل كان سيسمح بالحفاظ على اتفاقية السلام بين تل أبيب والقاهرة بمرور الوقت، وغيابهم عن الحكم سهل تعزيز التعاون المزدهر في فترة السيسي بشأن القضايا الإستراتيجية للأمن والطاقة واحتواء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

دعم إسرائيل
ويتعزز الطرح الإسرائيلي بقدرة نظام السيسي على الحفاظ على الاستقرار في مصر، مثلما عبرت عنه ورقة بحثية صادرة عن معهد "القدس للدراسات الإستراتيجية والأمنية" حيث قالت "من بعض النواحي، أصبحت فرص السيسي في تحقيق الاستقرار في مصر أفضل مما كانت عليه قبل عامين".

وعزا معدّ الورقة البحثية الدكتور عيران ليرمان نائب مدير "معهد القدس" ذلك إلى الدعم المتواصل الذي تقدمه إسرائيل للسيسي ونفوذ تل أبيب لدى واشنطن واستغلال ذلك لتعزيز التحالف الإستراتيجي بالشرق الأوسط والدعم المالي والعسكري للقاهرة، مع تجديد الإمارات والسعودية ضخ الأموال ومساعدة الاقتصاد المصري.

ورغم ذلك يعتقد الباحث ليرمان أن أكبر التحديات التي تواجه السيسي هي تجدد المظاهرات والحراك الثوري، وأيضا مكافحة الإرهاب وخاصة في سيناء، وكيفية استمرار وتسارع النمو الاقتصادي، وتطوير موارد الطاقة في بلده فيما يتعلق بمبادرات أخرى في شرق البحر المتوسط بالتعاون مع إسرائيل، وتشجيع المشروعات الوطنية الكبرى.

وبالنظر إلى البدائل عن السيسي حتى لو كانت تحت مظلة الجيش، والتي لا يمكن التقليل من خطورتها وتداعياتها الإقليمية، يقول الباحث ليرمان "من مصلحة إسرائيل وحلفائها في المنطقة الاستمرار في مساعدة السيسي في استقرار النظام المصري".

وفي الوقت نفسه يعتقد أنه "من الأفضل للحلفاء تقديم النصائح للسيسي حتى وإن كانت سرية أحيانا لتشجيعه على الاستمرار بالحكم وتخفيف آليات القمع التي يعتمدها النظام ضد الشعب، والتي قد تشير إلى توترات داخل المؤسسة العسكرية الحاكمة".

المصدر : الجزيرة