شاعر الثورة والعودة.. وفاة الأديب الفلسطيني هارون هاشم رشيد

الشاعر الفلسطيني الراحل: هارون هاشم رشيد
الشاعر الفلسطيني الراحل هارون هاشم رشيد نشر العديد من الدواوين الشعرية والمسرحيات (مواقع التواصل الاجتماعي)

توفي اليوم في كندا الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد عن عمر جاوز 93 عاما، أثرى فيه الشعر العربي والقضية الفلسطينية وحق العودة.

ولد الشاعر الراحل في مدينة غزة عام 1927، وكان واحدا من "شعراء النكبة" أو "شعراء العودة"، وكتب منذ الخمسينيات قصائد شعرية تغني للثورة الفلسطينية وحق العودة، وغنت اللبنانية فيروز كلماته التي قال فيها:

سنرجع یوما إلى حیّنا … ونغرق في دافئات المُنى

سنرجع مهما یمر الزمان … وتنأى المسافات ما بیننا

فیا قلب مهلاً ولا ترتمي … على درب عودتنا موهنا

یعز علینا غدا أن تعود … رفوف الطیور ونحن هنا

كما غنت المطربة المصرية فايدة كامل إحدى قصائده وهي "لن ينام الثأر".

وولد الشاعر رشيد في حي الزيتون بمدينة غزة عام 1927، وأنهى دراسة الثانوية العامة فيها سنة 1947، وبعدها حصل على الدبلوم العالي لتدريب المعلمين من كلية غزة، وظلّ يعمل في سلك التعليم حتى عام 1954، وفي العام نفسه انتقل للعمل مديرا لإذاعة صوت العرب في القطاع.

وفي بداية سنة 1967 اختارته منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً لها داخل قطاع غزة، وفقا لما ورد في دراسةٍ نشرتها الباحثة نجية الحمود عام 2013، وتناولت صورة اللاجئ في أعمال رشيد.

وأشارت الباحثة الأكاديمية إلى أن إسرائيل أجبرت الشاعر رشيد بعد حرب يونيو/حزيران 1967 على مغادرة القطاع، فاتجه للقاهرة حيث عمل ممثلا لفلسطين بجامعة الدول العربية، وبعد ذلك شغل منصب مدير تحرير مجلة "شؤون عربية" الصادرة عن الجامعة، إضافة لمشاركته في تحرير عدد آخر من الصحف العربية والفلسطينية.

وصدر للشاعر عشرات الأعمال الأدبية، تنوعت بين دواوين شعرية ومسرحيات ودراسات وأبحاث، ومنها: "ديوان الغرباء" عام 1954، و"عودة الغرباء" 1956، و"حتى يعود شعبنا" 1965، و"طيور الجنة" 1998، ومسرحية "السؤال"، ومسرحية "سقوط بارليف" سنة 1973، ونُشرت له دراسات متعددة منها "الكلمة المقاتلة في فلسطين".

شاعر غزة الأول

يقول الباحث في التاريخ والسياسة عزيز المصري إن الشاعر هارون رشيد عاصر الانتداب البريطاني والنكبة، وشارك في استقبال المهاجرين من أراضي عام 1948 إلى قطاع غزة عند شاطئ البحر متطوعا، وبعدها شارك في أعمال مجتمعية متعددة.

وذكر المصري في حوار خاص لوكالة الأناضول "رشيد شاعر جعل من اللجوء والهجرة وحق العودة قضية أساسية انطلق منها في أعماله، كشاعر وصحفي ودبلوماسي، واستطاع أن يضع الشعر في خدمة القضية وليس العكس كما فعل بعض الشعراء".

وأضاف "أعتبر رشيد شاعر غزة الأول، وأحد حراس معبدها التاريخي، وهو شاعر القرار 194 الخاص بالعودة لفلسطين، حيث أطلقه عليه الشاعر عز الدين المناصرة لكثرة حديثه عن مفردات العودة في قصائده".

وخلال رحلته الأدبية الطويلة، حصل رشيد على عدد من الجوائز، التي كان أبرزها وسام القدس عام 1990، والجائزة الأولى للمسرح الشعري من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) 1977، والجائزة الأولى للقصيدة العربية من إذاعة لندن 1988، ولُقب بشاعر "العودة".

حضور مميز

وخصّص باحثون وأكاديميون فلسطينيون عديدون دراساتهم وأبحاثهم لتحليل وتفسير أعمال الشاعر الراحل، ومن بينهم الباحثة صفاء دويكات التي تطرقت إلى تأثير "المكان" في أعمال الشاعر، والباحثة سناء بياري، إذ عرّجت ضمن بحثها على الأبعاد الفنية والموضوعية في شعر الرشيد.

ورأى أستاذ اللغة العربية بجامعة القدس المفتوحة سعيد الفيومي أن الشاعر رشيد استطاع من خلال أعماله الشعرية أن يعيد التوازن النفسي والوعي لأبناء الشعب الفلسطيني، لا سيما أن أعماله بدأت تبرز مع حلول النكبة الفلسطينية، ونما انتشارها مع ازدياد الاعتداءات الإسرائيلية على الحقوق الفلسطينية.

وأضاف الفيومي في حديثٍ لوكالة الأناضول "أعمال رشيد تخطت حدود فلسطين بسرعة، وصارت تتردد على الألسنة العربية من قِبل العامة والفنانين والنخب الثقافية والأدبية، وذلك لما اتسمت به من لغة مباشرة وشعبية، ولجمعها بين المنطق والعاطفة، بصورة فريدة شكلت لوحدها حالةً شعرية خاصّة".

وأشار إلى أن أعمال الشاعر كان لها دور كبير في بناء الشخصية الفلسطينية، وإمدادها بالمعلومات والمعارف الوطنية، حيث إن المناهج الدراسية التي يتعرض لها الطلبة في المدارس والجامعات، احتوت على عدد من قصائده، التي علقت في أذهان الجميع وانتشرت بشكل واسع.

ووفقا لحديث الفيومي الذي تناول شخصية وأعمال الراحل في رسالة الماجستير الخاصة به، فإن الشاعر كان له إسهامات كبيرة خلال الانتفاضة الأولى والثانية أيضا، حيث إن الثوار والعامة كانوا يستخدمون قصائده في المظاهرات وللكتابة على الجدران في المخيمات والمدن.

وحرص الشاعر رشيد في قصائده على استعمال أسلوبي الشرط والنداء، والتكرار في الكلمات والعبارات الوطنية، للتأكيد على ولوجها للنفس، كما يوضح الفيومي، وعلى ذلك يسوق مثالا قصائد "فلسطيني" و "سنعود" و"غرباء"، التي صورت حياة الفلسطينيين في الغربة والشتات.

من جانبه، قال الروائي الفلسطيني يسري الغول إن رشيد ساهم برفقة مجموعة من الشعراء الكبار في "إيصال الرسالة الفلسطينية للعالم عبر ما قدموه للمكتبة العربية والدولية من أدبٍ مقاوم يسعى لإبراز الحقيقة، وطبيعة الحياة في الأرض المحتلة".

وأضاف في حوار مع وكالة الأناضول "رحيل رشيد يزيد من إصرار أهل الأدب الفلسطيني على الاستمرار في الإبداع والكتابة لمواجهة الاحتلال والحصار، وللتغلب على أشكال المعاناة كافة".

المصدر : الجزيرة