اغتيال الرنتسي فصل جديد في استهداف قادة حماس
سياسة الاغتيالات ليست جديدة على إسرائيل، فتاريخها السياسي يحمل قائمة طويلة لهذه العمليات قبل قيام الدولة عام 1948 وحتى الآن.
لا تزال الذاكرة تعي أسماء سياسيين وعلماء ومفكرين راحوا ضحية هذه السياسة بأساليب وطرق مختلفة من أمثال اللورد برنادوت وعالمي الذرة المصريين سميرة موسى ويحيى المشد والقائد الفلسطيني في حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) خليل الوزير والأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي والأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبوعلي مصطفى.
ويعد اغتيال قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي يوم 17أبريل/نيسان 2004 آخر حلقة في سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية.
التقرير التالي يستعرض بعض محاولات الاغتيال الناجحة والفاشلة التي تعرض لها قادة حماس تحديدا من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
عبد العزيز الرنتيسي
جاء اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ليدخل حركة حماس في مرحلة جديدة في تعاطيها مع سياسة الاغتيالات فقد اغتيل في 17 إبريل/ نيسان بعد أقل من شهر من اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وأصبح الرنتيسي الذي شارك في تأسيس حماس واحدا من اثنين تولوا قيادة الحركة بعد اغتيال الشيخ ياسين.
وكان الشهيد الرنتيسي قد نجا من محاولة اغتيال سابقة عندما رصدته طائرة أباتشي وأطلقت على سيارته صاروخا أسفر عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين بينهم امرأة وطفلة وإصابته هو بشظايا في ساقه اليسرى. وتعهد الرنتيسي وهو لم يفق تماما من تأثير مخدر العملية الجراحية بمواصلة المقاومة.
أحمد ياسين
رغم إصابته بالشلل التام وفقدانه البصر في عينه اليمنى والضعف الشديد في العين اليسرى فإن القوة الروحية والمكانة الأدبية التي يتمتع بها مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وزعيمها الشيخ أحمد ياسين الذي اغتالته إسرائيل جعلت منه واحدا من أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني.
اغتيل الشيخ ياسين فجر يوم 22 مارس/آذار 2004 ليمثل ذلك ذروة عمليات الاغتيالات التي وقعت للوطنيين الفلسطينين.
حيث أطقلت مروحية إسرائيلية كانت تترصده صواريخها على مقعده المتحرك فمزقت جسده هو وبعض رفاقه الذين كانوا يصطحبونه لصلاة الفجر في مسجد قريب من بيته.
إسماعيل أبو شنب
يعد المهندس إسماعيل أبو شنب أحد أبرز مؤسسي وقياديي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قضى عشر سنوات كاملة في سجون الاحتلال بتهمة قيادة تنظيم حماس خلال الانتفاضة الأولى، واعتبر من أبرز قيادات الحركة في قطاع غزة.
عرف أبو شنب بالاعتدال في مواقفه وآرائه، وكان له دور مهم في إنجاح مبادرات الحوار الوطني الفلسطيني والذي أسفر عن إعلان هدنة شهدتها الساحة السياسية.
رصدته إسرائيل ونجحت في اغتياله يوم 21 أغسطس/آب 2003 بإطلاق صواريخ على سيارته فاستشهد هو واثنان من مرافقيه وكان لذلك تداعيات مهمة على المسيرة السياسية للقضية الفلسطينية آنذاك.
صلاح شحادة
كان صلاح شحادة هدفا دائما لأجهزة الأمن الإسرائيلية منذ نشاطه الكبير في انتفاضة عام 1987 وقيادته لكتائب عز الدين القسام بعد ذلك.
ويعد شحادة مؤسس الجهاز العسكري الأول لحركة حماس والذي عرف باسم "المجاهدون الفلسطينيون"، وكان قائداً لكتائب عز الدين القسام، ومن الطبيعي أن يكون هدفاً لسياسة الاغتيالات التي اعتمدها شارون لقمع الانتفاضة الفلسطينية.
ورغم اعتقاله أكثر من مرة فإن إسرائيل اختارت تصفيته جسديا، وتم لها ذلك باستخدام طائرات الأباتشي يوم 23 يوليو/ تموز 2002 في قصف المبنى الذي كان فيه بحي الدرج المكتظ بالسكان في غزة، مما أسفر عن استشهاده وزوجته وعدد من المدنيين معظمهم من الأطفال.
إبراهيم المقادمة
عضو القيادة السياسية لحركة حماس وأحد أهم الشخصيات التي التي أسست النواة الأولى للجهاز العسكري الخاص للإخوان المسلمين في غزة والمعروف باسم "مجد"، وصاحب كتاب "الصراع السكاني في فلسطين".
سجنته إسرائيل عام 1984 لمدة 8 سنوات، ثم سجنته السلطة الفلسطينية عام 1996 لمدة ثلاث سنوات تعرض خلالها -كما تقول حماس- لتعذيب شديد أفقده نصف وزنه.
في صبيحة الثامن من مارس/ آذار 2003 تعرضت سيارته لصواريخ أطلقتها طائرات الأباتشي الإسرائيلية الأميركية الصنع أدت إلى استشهاده هو وثلاثة من مرافقيه وطفلة صغيرة كانت تمر قريبا من سيارته.
محمود أبو هنود
اشتهر محمود أبو هنود بخبرته في إقامة المختبرات القادرة على صناعة متفجرات محلية. وكان من أشهر عملياته هو وخمسة من أبناء قريته عصيرة الشمالية، عملية التفجير الشهير في القدس الغربية عام 1997 والذي أسفرت عن مقتل 19 إسرائيليا.
اعتبرته إسرائيل هو والقيادي الفلسطيني محيي الدين الشريف المطلوبين رقم واحد، وقد تعرض في أغسطس/ آب 2000 لمحاولة اغتيال في سجنه بنابلس إلا أنه نجا بأعجوبة. بعدها بقليل تعرض لمحاولة اغتيال ثانية استهدفت سيارته بطائرة إف/16 غير أنه نجا من هذه المحاولة أيضا في حين استشهد 11 فلسطينيا.
كررت إسرائيل المحاولة مرة ثالثة يوم 23/11/2001 ونجحت في اغتياله بعد قصف سيارته بصواريخ أطلقتها طائرات الأباتشي فاستشهد عن عمر يناهر 34 عاما.
جمال منصور
حفلت حياة جمال منصور بالكثير من الأحداث أهمها كثرة مرات اعتقاله سواء في سجون الاحتلال الإسرائيلي التي بلغت 8 مرات أو في سجون السلطة الفلسطينية بعد دخولها إلى نابلس.
كان جمال منصور رئيسا للكتلة الإسلامية أوائل الثمانينيات في جامعة النجاح التي تخرج فيها حاصلا على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، وبدأ نجمه يظهر أكثر في وسائل الإعلام بعد إبعاده إلى جنوب لبنان عام 1992 ثم اختياره متحدثا باسم حركة حماس في الضفة الغربية فرئيسا للوفد الذي ذهب للحوار مع السلطة الفلسطينية قبل اغتياله.
بعد دعوته السلطة الفلسطينية تقديم العملاء المحتجزين في سجونها إلى المحاكمة وبعد تهديده الذي أطلقه عقب اغتيال زميله صلاح دروزه بأن جرائم إسرائيل لن تمر دون رد، كان الرد الإسرائيلي إليه أسبق.
ففي 31/7/2001 تلقى مكالمة هاتفية في مكتبه بنابلس في الضفة الغربية انتحل خلالها المتحدث شخصية أحد المذيعين في هيئة الإذاعة البريطانية ليتأكد من وجوده وبقائه هناك، وعلى الفور قصفت طائرة أباتشي مكتبه بصواريخ قضت عليه هو الشيخ جمال سليم وبعض مرافقيهما.
جمال سليم
كان من أبرز ما اشتهر به جمال سليم قدرته على تحريك الشارع الفلسطيني بخطبه الحماسية وأفكاره الجريئة خاصة في ما يتعلق بقضيتي القدس واللاجئين. وتميز على المستوى الحركي بآرائه التي يؤكد من خلالها أهمية ممارسة الحركة الإسلامية للديمقراطية داخل أطرها التنظيمية.
ولم يختلف الحال كثيرا بالنسبة للشيخ جمال سليم فقد كان هدفا للتصفية الجسدية قبل أجهزة المخابرات الإسرائلية بعد أن كان نزيلا في سجونها لسنوات طويلة.
ظهر يوم الثلاثاء الذي وافق اليوم الأخير من شهر يوليو/ تموز 2001 استهدفت طائرة أميركية الصنع يقودها طيار إسرائيلي مكتبا كان يجلس فيه الشيخان "جمال منصور" و"جمال سليم" فاستشهدا على الفور ومعهم صحفيان وطفلان.
خالد مشعل
كانت محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمان يوم 25 أيلول / سبتمبر 1997 واحدة من أشهر محاولات الاغتيال الفاشلة التي قام بها جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي المعروف باسم (موساد).
في ذلك اليوم حاولت إسرائيل إسكات صوت مشعل الذي يعد من أشهر سياسيي حماس في السنوات العشر الماضية، وذلك عن طريق مادة قاتلة أفقدته الوعي بعد ساعات من المحاولة.
واستطاع حارسه الشخصي وسائقه محمد مبدع أبو سيف مطاردة عميلي الموساد وإلقاء القبض عليهما ثم تسليمهما للشرطة.
وعلى الفور سافر رجل الاستخبارات الإسرائيلي ورئيس الموساد فيما بعد إسحاق هليفي إلى عمان لمقابلة الملك الأردني السابق حسين بن طلال والتفاوض معه لتسليم العميلين.
وتمت الصفقة بإطلاق سراح العميلين الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من السجون الإسرائيلية وتقديم العلاج لخالد مشعل.
محمود الزهار
ترجع شهرة الدكتور محمود الزهار إلى قدراته المتعددة في المجال الدعوي والحركي، فهو إلى جانب كونه أحد أبرز قادة حماس السياسيين في غزة فإنه مفكر ألف العديد من الكتب ويرأس حاليا مركز النور للدراسات والبحوث في قطاع غزة.
اشتهر الزهار إعلاميا أثناء إبعاد إسرائيل لبعض قادة حماس في مرج الزهور بلبنان عام 1992.
في صباح يوم الأربعاء 10 أيلول/سبتمبر 2003 تعرض الدكتور محمود الزهار لمحاولة اغتيال حيث ألقت طائرة (إف 16) قنبلة على منزله في حي الرمال بمدينة غزة، نجمت عنها إصابته بجروح طفيفة، واستشهاد نجله البكر خالد، ومرافقه وإصابة زوجته وابنته، وهدم منزله كاملا.
وهكذا تتعدد الأساليب وتختلف الأهداف وتطول قائمة المغتالين وتبقى إستراتيجية التصفية الجسدية لمن تعتبرهم إسرائيل مصدر تهديد عسكري أو سياسي أو علمي واحدة لا تتغير مع تغير الأزمنة والأمكنة، الأمر الذي يطرح جدلية إمكانية قبول إسرائيل للآخر رغم مشاريع التسوية التي تروج في المنطقة العربية حاليا.
_____________
الجزيرة نت