أطعمة طبيعية للتخلص من التوتر وتحسين المزاج
نحن ندرك بالفعل أن ما نأكله يؤثر على أجسامنا، ولكن هل للطعام الذي نتناوله ذلك التأثير الكبير على مزاجنا وصحتنا النفسية؟
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن خياراتنا الغذائية اليومية تلعب دورا محوريا في صحتنا النفسية، إذ تساهم في تحسين المزاج، وتقليل القلق، والوقاية من الاكتئاب. ويبرز مجال الطب النفسي التغذوي أهمية العناصر الغذائية في دعم وظائف الدماغ، وخاصة في إنتاج النواقل العصبية المسؤولة عن الشعور بالراحة والرفاهية.
وتؤكد الدراسات أن التنوع الغذائي وتناول أطعمة غنية بالمغذيات يعززان الحالة المزاجية، ويحسنان الإدراك، ويخففان من أعراض القلق والاكتئاب، وهذا يبرز تأثير النظام الغذائي المتوازن على صحة العقل، تماما كما يؤثر على صحة الجسم.
كيف تتحدث أمعاؤك إلى دماغك؟
أوضحت الدكتورة أوما نايدو، مختصة التغذية النفسية ومديرة قسم التغذية ونمط الحياة بمستشفى ماساتشوستس العام، أهمية النظام الغذائي في دعم الصحة العقلية والتخفيف من القلق، حيث تصفه كأداة قوية لتهدئة العقل وتحسين المزاج. في كتابها "تهدئة عقلك بالطعام" (Calm Your Mind with Food)، تتناول نايدو العلاقة بين الدماغ والأمعاء، مشيرة الى ارتباط الجهاز الهضمي ارتباطا وثيقا بالجهاز العصبي المركزي، والذي يُفسر لماذا قد تظهر مشاعر القلق على شكل اضطرابات في المعدة.
كما تشير إلى أن إنتاج السيروتونين، وهو ناقل عصبي حيوي لتنظيم المزاج، يتم غالبا في الأمعاء، وهذا يعزز دور الأمعاء كـ"الدماغ الثاني" في الجسم. هذا يعني أن صحة الأمعاء وبيئتها الدقيقة، مثل توازن البكتيريا المفيدة فيها، يمكن أن تؤثر مباشرة على الحالة النفسية للفرد.
نظام غذائي مضاد للقلق
إن الأطعمة التي نتناولها يمكن أن يكون لها تأثير عميق على الميكروبيوم (البكتريا والفيروسات والفطريات التي تعيش في أمعائنا). ويقترح الطب النفسي التغذوي نظاما غذائيا يحتوي على أطعمة تساعد في تهدئة العقل والتقليل من التوتر. إليك بعض الأمثلة المفصلة عن هذه الأطعمة وفوائدها النفسية:
الشوكولاتة الداكنة
يمكن لمكعبات الشوكولاتة الداكنة أن تحسن حالتك المزاجية بشكل ملحوظ، فهي غنية بالحديد والبوليفينول، وهما مركبان نباتيان يقدمان العديد من الفوائد الصحية. وتظهر الدراسات وجود ارتباط بين نقص الحديد وزيادة القلق، بينما يثبت الكاكاو تأثيره الإيجابي على تحسين الحالة المزاجية. ولضمان امتصاص أمثل والاستفادة القصوى من الحديد، يُنصح بتناول الشوكولاتة الداكنة مع الفواكه الحمضية، حيث تحتوي على فيتامين سي الذي يعزز امتصاص الحديد. ابحث عن الشوكولاتة الطبيعية بنسبة كاكاو 75% أو أكثر، فهي الأكثر فائدة لصحتك.
الخضروات الورقية
الخضروات الورقية، مثل الكرنب والسبانخ والبروكلي، تعد مصدرا غنيا بالعناصر الغذائية الضرورية لصحة الدماغ، حيث تحتوي على فيتامين "كيه"، واللوتين، وحمض الفوليك، وبيتا كاروتين، وجميعها تساعد في إبطاء التدهور المعرفي.
كما أن هذه الخضروات غنية بالألياف والحديد ومضادات الأكسدة، بما في ذلك اللوتين الذي أظهرت بعض الدراسات تأثيره في تقليل الاكتئاب لدى الفئران. وتوصي الدكتورة أوما نايدو بإدراج الخضروات الورقية بألوان متنوعة في النظام الغذائي، إما بإضافتها للسلطات أو بطهيها على البخار، كما يمكن استخدامها في الحساء، لتحقيق أقصى استفادة لصحة الدماغ والمزاج.
الشاي الأخضر
أوضحت الدكتورة أوما نايدو أن شرب الشاي الأخضر يوفر تأثيرا مهدئا يمتد إلى ما هو أبعد من الشعور الفوري بالاسترخاء الناتج عن احتساء مشروب دافئ. يعود هذا التأثير إلى احتواء الشاي الأخضر على مضادات أكسدة قوية، مثل الـ"إبيجالوكيتشين غالات" والثيانين، وهو حمض أميني ثبتت فعاليته في تقليل التوتر والقلق وتحسين الاسترخاء.
ووجدت دراسة يابانية أن مكملات الثيانين تقلل من الأعراض المرتبطة بالقلق، مثل الاكتئاب، بينما كشفت دراسة أجريت في 2017 أن تناول 200 مليغرام من الثيانين يعزز الشعور بالهدوء ويقلل من التوتر. ورغم احتوائه على كميات منخفضة من الكافيين (حوالي 30-50 مليغراما لكل كوب)، فإن نايدو تنصح بالحفاظ على استهلاك الكافيين تحت 400 مليغرام يوميا لتجنب أي زيادة في التوتر، وتجنب تناوله في وقت متأخر لضمان نوم جيد.
الأفوكادو
يحتوي الأفوكادو على مجموعة من العناصر الغذائية الأساسية، بما في ذلك الألياف، والبوتاسيوم، وفيتامين "إي"، والمغنيسيوم، الذي يرتبط نقصه أحيانا بالاكتئاب. وتشير بعض الأبحاث إلى أن المغنيسيوم قد يساعد في تخفيف أعراض القلق، وينصح الخبراء بتناول ربع إلى نصف حبة أفوكادو صغيرة عدة مرات أسبوعيا، ويمكن الاستمتاع بها بإضافتها إلى البيض المخفوق أو تحضير خبز محمص بالأفوكادو. ووفقا للدكتورة نايدو، يعتبر الأفوكادو "غذاء قويا" لتوفيره كميات كبيرة من المغذيات الدقيقة والعناصر الضرورية بكمية صغيرة.
أوميغا 3
تعتبر الأحماض الدهنية أوميغا 3 ضرورية لصحة الدماغ، حيث تعمل على تقوية الأغشية الخلوية وتعزيز الاستجابة العصبية، وتلعب دورا في تقليل الالتهابات وتحسين التركيز وتقليل أعراض القلق والتوتر.
يمكن الحصول على أوميغا 3 بشكل طبيعي في مصادر غذائية عديدة مثل الأسماك الدهنية (مثل السلمون)، وبذور الشيا، وبذور الكتان، والجوز، وهي مصادر يوصى بتناولها بدلا من الاعتماد على المكملات الغذائية، إذ تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الفوائد المكتسبة من أوميغا 3 تكون أكثر تأثيرا عند الحصول عليها من الأطعمة الكاملة.
وللحصول على الجرعة المثلى من هذه الأحماض الدهنية، يوصي الخبراء بإدراج السلمون ضمن النظام الغذائي لمحبي الأسماك، بينما يمكن للنباتيين إضافة ربع كوب من البذور، مثل الشيا أو الكتان، يوميا إلى السلطات، والعصائر، أو دقيق الشوفان للحصول على الفوائد المتعددة لأوميغا 3.
اختيار الأطعمة المناسبة لكل وقت في اليوم
تُظهر الدراسات أن توقيت تناول الطعام يلعب دورا هاما في تعزيز الصحة النفسية، حيث يمكن للأطعمة المختلفة أن تساهم في تحسين المزاج والتركيز حسب وقت تناولها على مدار اليوم.
صباحا، يوصى بتناول أطعمة غنية بمضادات الأكسدة والكافيين المعتدل، مثل الشوكولاتة الداكنة أو الشاي الأخضر، إذ تساعد هذه المكونات في بدء اليوم بتركيز عالٍ وحالة ذهنية هادئة.
أما في فترة الظهيرة، فيُفضّل تناول وجبات غنية بالخضراوات الورقية التي تحتوي على حمض الفوليك والمغنيسيوم، ما يسهم في استقرار المزاج خلال اليوم.
أما في المساء، فيوصى بأطعمة مهدئة مثل الأفوكادو وبذور الشيا، التي تحتوي على الأوميغا 3 والمعادن المهدئة، وهذا يساعد على الاسترخاء والتهيئة لنوم مريح.
في النهاية، يعد الاهتمام بالتغذية العقلية من أهم الخطوات نحو تعزيز الصحة النفسية. وباتباع نظام غذائي متوازن وغني بالعناصر الغذائية المفيدة، يمكن تحسين المزاج وتقليل التوتر والقلق بشكل طبيعي، وهذا يساهم في حياة يومية أكثر راحة وطمأنينة.