تحولات القوى الشيعية في العراق

تحولات القوى الشيعية في العراق



– انسحاب الفضيلة من الائتلاف
– تحولات الصدريين والعلاقة مع إيران
– المجلس الأعلى ومرجعية السيستاني
– القوى الشيعية ومستقبل العلاقة مع واشنطن

تابعنا خلال الأسابيع الأخيرة جملة من التحولات المتعلقة بالقوى الشيعية في العراق من بينها انسحاب حزب الفضيلة من الائتلاف الشيعي، لكن أهمها هو انسحاب التيار الصدري من حكومة المالكي، إضافة إلى تغيير المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم اسمه ومرجعيته.

لا شك أن لكل من هذه التطورات ظروفه الخاصة، لكن ذلك لا ينفي بحال أن ثمة قدرا من الصلة فيما بينها يتعلق بمجمل التحولات التي تشهدها الحالة العراقية بشكل عام، والشيعية منها على نحو خاص.


"
لا يبدو من الممكن الحديث عن تحولات التيار الصدري الأخيرة بعيدا عن الصراع الإيراني الأميركي على الساحة العراقية من جهة، والتحضير للعدوان الأميركي على إيران وتداعياته على الساحة العراقية من جهة أخرى
"

انسحاب الفضيلة من الائتلاف
ربما قيل إن انسحاب حزب الفضيلة من الائتلاف الشيعي كان ذا صلة بالخلاف على اقتسام الكعكة داخل الائتلاف تبعا للاستخفاف به في سياق توزيع الوزارات والمناصب، وهو قول صحيح، لكنه لا ينفي أيضا أن ثمة قدرا من الخلاف حول الشأن السياسي، فضلا عن الخلاف حول توزيع الغنائم.

في سياق توزيع الكعكة السياسية، كان واضحا أن القسمة الرئيسية في الائتلاف قد توزعت بين المجلس الأعلى والتيار الصدري، إضافة إلى حزب الدعوة.

وحين اختلف الحلفاء حول اسم رئيس الوزراء، وطرح المجلس الأعلى اسم عادل عبد المهدي الذي فضله الأميركيون، قام التيار الصدري بدعم مرشح حزب الدعوة (نوري المالكي)، فكان أن فاز بفارق صوت عن منافسه، وهو ما عكس نفسه في توزيع الوزارات التي تركزت بين هذه القوى مع بعض المستقلين.

لكن حزب الفضيلة لا يخفي من جهة أخرى خلافه مع المجلس الأعلى حول فدرالية الجنوب، إذ يعارضها على النحو الذي يطرحها الحكيم وجماعته عليه، ويطالب في المقابل بفدرالية المحافظات، كما أنه يتبنى خطابا أقل طائفية من الناحية العملية.

هناك بالطبع الخلاف حول توزيع الغنائم الواقعية، كما هو الحال في مدينة البصرة، المدينة الأكثر أهمية من الناحية الاقتصادية، والتي يهيمن عليها حزب الفضيلة إلى حد كبير؛ ينافسه بالطبع المجلس الأعلى والتيار الصدري.

وتندلع على هذه الخلفية الكثير من المعارك بين هذه القوى، لا تتوقف عند البصرة بل تمتد لتطال محافظات الجنوب بأسرها، وإن بدا حزب الفضيلة أقل نفوذا من الآخرين في تلك المحافظات.

الملفان الآخران هما الأكثر أهمية في واقع الحال، وبالطبع نظرا لحضور التيار الصدري الكبير داخل الائتلاف الشيعي إلى جانب المجلس الأعلى، ومعلوم أن للفريقين ما يقرب من نصف أعضاء الائتلاف في البرلمان (لكل منهما 30 عضوا من مجموع الأعضاء 128، بينما يتوزع الباقي على الأحزاب الأخرى: 15 للفضيلة ومثلها لحزب الدعوة)، إلى جانب أحزاب صغيرة أخرى ومستقلين.


تحولات الصدريين والعلاقة مع إيران
بالنسبة للتيار الصدري، لا يبدو من الممكن الحديث عن تحولاته الأخيرة بعيدا عن الصراع الإيراني الأميركي على الساحة العراقية من جهة، والأهم في سياق التحضير للعدوان الأميركي على إيران وتداعياته على الساحة العراقية من جهة أخرى.

نتذكر هنا تلك التحولات التي مر بها التيار منذ مقاطعة العملية السياسية ومن بعدها المقاومة المسلحة، مرورا بما يسمى المقاومة السياسية، ومن ثم الدخول في الائتلاف الشيعي بدفع من إيران والمشاركة تاليا في الحكومة، ووصولا إلى الانسحاب الأخير منها بدعوى رفضها المطالبة بجدولة انسحاب القوات الأميركية من العراق.

تشير التحولات المذكورة إلى ارتباك كبير في أداء التيار، الأمر الذي يعكس بدوره هشاشة التجربة السياسية لقائده من جهة، وعدم وضوح البوصلة بالنسبة لقيادته عموما من جهة أخرى، لا سيما أنها قيادة شابة ليس من بينها من يملك تجربة سياسية ثرية.

وقد وفرت هذه المعادلة لكثير من السياسيين الآخرين فرصة التلاعب بخيارات التيار بين حين وآخر، بينما وفرت للإيرانيين تاليا (يقال أحيانا بأن ذلك قد تم من خلال حزب الله) فرصة التحكم في خيارات التيار، لا سيما بعد توفير أدوات الدعم المالية الضرورية.

كان المسار الأسوأ في حياة التيار الصدري هو تحوله إلى واحدة من أهم أدوات الحرب الطائفية من خلال فرق الموت التابعة له، والتي يصعب الجزم بتوقفها عن العمل، إذ لا تزال الجثث المجهولة توجد على نحو واسع في مناطق بغداد، وإن أعلن التيار براءته مما يجري على هذا الصعيد.

من الصعب الجزم بوقوف قيادة التيار مباشرة خلف هذا النوع من النشاطات، لا سيما أن كثيرا من التصريحات التي صدرت عنهم ترفضها، لكن ذلك لا يعفيها بالتأكيد من إثم ما جرى ويجري.

في هذا السياق يمكن الإشارة إلى طبيعة بعض المنتسبين للتيار من ذوي الخلفيات الإجرامية، الأمر الذي يدفع بعضهم نحو تنفيذ أعمال إجرامية، ولكن ضمن مضمون سياسي، لا سيما أن أجواء الحشد الطائفي متوفرة إلى حد كبير بعيدا عن التيار وفي داخله.

ولا ننسى هنا أن العمليات التي تطال المدنيين الأبرياء وتنسب للعرب السنة أو للقاعدة لا تزال تساهم في جلب الأعمال الانتقامية من الطرف الآخر.

"
الحكيم قرأ تحولات الموقف الأميركي الذي يمكن أن يذهب أبعد في سياق التحالف مع العرب السنة والأكراد وبعض علمانيي الشيعة، وأراد أن يقول إنه الأفضل والأكثر ولاء
"

في الآونة الأخيرة بدا أن التيار الصدري قد وضع أوراقه في سلة إيران على نحو حاسم، وبات تبعا لذلك حربتها الأهم في سياق التحذير من عدوان أميركي عليها، وبالطبع على خلفية التخلص من مشروعها النووي الذي يشكل مطلبا إسرائيليا لا تنازل عنه بحال من الأحوال.

على هذه الخلفية أخذ التيار ينشط سياسيا على نحو مخالف للائتلاف الشيعي، إذ لا يكتفي بالدعوة إلى علاقات أفضل مع العرب السنة، كما عكس ذلك من خلال العديد من البيانات والتصريحات ومن بينها إدانته الاقتتال الطائفي والمحاصة الطائفية وقبلها فرض الفدرالية، بل ينشط أيضا على صعيد مناكفة الأميركيين فيما يتعلق بوجودهم في العراق.

وبعدما أعلن أن انسحابه من حكومة المالكي قد تم على أساس رفضها المطالبة بجدولة انسحاب القوات الأميركية من العراق، عاد وتمكن من حشد 144 توقيعا من نواب البرلمان على عريضة تطالب بجدولة انسحاب تلك القوات، وهو رقم كبير ولافت للانتباه في واقع الحال، إذ يمثل 52% من عدد النواب، أي ما يزيد عن نصف أعضاء المجلس، وهو ما يشكل إحراجا للأميركيين وتشكيكا في قولهم إن وجودهم مطلب عراقي.

الآن يمكن القول إن التيار الصدري قد أخذ يسعى للعودة إلى المربع القديم، أعني مربع المقاومة السلمية، مع التحضير لمقاومة من نوع آخر ستكون برسم العدوان الأميركي على إيران، في حين تقول دوائر حزب الله اللبناني إن ثمة مقاومة شيعية موجودة على الأرض، وهي مقاومة، إن صح وجودها، لن تكون بعيدة عن عناصر التيار.

في هذا السياق أكد الأمين العام لحزب الله وجود مقاومة شيعية، كما ورد ذلك في سياق تصريحات مشابهة للمرجع الشيعي اللبناني الكبير السيد محمد حسين فضل الله، الأمر الذي برز من خلال عدد من العمليات المتفرقة هنا وهناك، فضلا عن بروز مجامع تحمل أسماء ذات دلالات شيعية.

كل ذلك في سياق التأكيد على مقولة المقاومة الشيعية، في حين تبدو في سياق آخر شكلا من أشكال التحذير المتواصل لإيران، مع العلم أن الدوائر الأميركية والبريطانية لا تكف عن اتهام إيران بالوقوف خلف الكثير من الأعمال المسلحة، فضلا عن مد مجامع المقاومة بالسلاح.

أيا يكون الأمر، فإن ما يجري يعد في نظر الكثير من المراقبين إيجابيا إلى حد كبير، بصرف النظر عن الهدف النهائي من ورائه، لا سيما إذا انطوى سلوك التيار الصدري على موقف إيراني جديد من وضع الاقتتال الطائفي السائد في الساحة العراقية، فضلا عن أن يكون إشارة إلى أن التيار قد غير وجهته على هذا الصعيد ولم يعد يشارك في عمليات القتل الطائفي كما كان يفعل من قبل.


المجلس الأعلى ومرجعية السيستاني
في مقابل التحول الجديد للتيار الصدري، يأتي التحول الآخر للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم، وإن كان على نحو مغاير إلى حد كبير.

فهنا يلغي المجلس المذكور من اسمه كلمة الثورة ليصبح المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وليتحول أيضا من التعامل مع مرشد الجمهورية الإيرانية خامنئي بوصفه مرجع التقليد -كما يفعل حزب الله- إلى التعامل مع السيستاني، بينما يبقى الصدريون مقيمون على مرجعية الحائري (الموجود في إيران) بحسب وصية والد مقتدى محمد صادق الصدر.

معلوم أن المجلس الأعلى كان منتجا إيرانيا ليس له في الواقع المحلي العراقي الداخلي أية امتدادات تذكر، أقله قبل التأسيس، خلافا لحزب الدعوة صاحب التراث الكبير في النضال ضد حكم صدام حسين، مع العلم أن التيار الصدري يعتبر نفسه الوريث الشرعي لتراث حزب الدعوة، لا سيما أن السيد مقتدى هو صهر الصدر الأول (محمد باقر) مؤسس الحزب، وابن الصدر الثاني (محمد صادق).

"
المحاور التي ينبغي أن يجمع عليها العراقيون هي رحيل الاحتلال وهوية العراق العربية الإسلامية مع رفض الطائفية، وحين تقر إيران بهذه العناصر فسيكون بالإمكان التفاهم معها على ما يصون حاضر العراق ومستقبله
"

ولما كان المجلس منتجا إيرانيا كان من الطبيعي أن يقلد أتباعه المرشد الإيراني خامنئي، أقله من الناحية النظرية وكحالة جمعية، بصرف النظر عما إذا كان الأفراد أو الأتباع يفعلون ذلك على نحو عملي أم لا.

ولعلنا نشير هنا إلى أن تقليد حزب الله لخامنئي لا يعني أن جميع أتباعه وأنصاره يفعلون ذلك، إذ إن كثيرا منهم يقلدون فضل الله، وربما آخرين مثل السيستاني أيضا.

في هذا السياق تبدو خطوة عبد العزيز الحكيم بتغيير اسم فصيله ومرجعيته الدينية كما لو كانت إنهاء لزمن الارتباط العضوي بإيران مقابل الارتماء أكثر في الحضن الأميركي، وربما رسالة لواشنطن مفادها أنه لا يبدل ولاءه لها بأي ولاء آخر، الأمر الذي يأتي في سياق استقطابها أو كسب ودها من جديد، خاصة أنها راحت تدير الظهر للائتلاف الشيعي وتتحالف مع العرب السنة، أو قواهم السياسية بتعبير أدق، إضافة إلى الأكراد؛ الحلفاء الدائمين.

كل ذلك يؤكد ما كان يقوله الإيرانيون لبعض ضيوفهم الموثوق منهم بأنهم لا يثقون كثيرا في عبد العزيز الحكيم، ولا حتى إبراهيم الجعفري، أعني حزب الدعوة، وتاليا نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي.

والخلاصة أن الحكيم قد قرأ تحولات الموقف الأميركي الذي يمكن أن يذهب أبعد في سياق التحالف مع العرب السنة والأكراد وبعض علمانيي الشيعة (إياد علاوي)، وأراد أن يقول بالفم الملآن للأميركان: إنني الأفضل لكم والأكثر ولاء؛ والسياسة ولاء في نهاية المطاف.


القوى الشيعية ومستقبل العلاقة مع واشنطن
تبدو هذه المعادلة بالغة الأهمية في سياق قراءة المستقبل في حال قرار الأميركان العدوان على إيران، إذ لا يستبعد أن يواصل الحكيم وجماعته التحالف مع الأميركان، بينما يذهب التيار الصدري في اتجاه الصدام معهم.

أما في الوقت الحاضر، فليس من المستبعد أن يعاد النظر في التركيبة الحالية للحكومة على نحو يحسن وضع العرب السنة على أمل إقناعهم بالكف عن المقاومة، في حين تتحول زعامة الشيعة إلى المجلس الأعلى مع تأكيد تحالفهم مع الولايات المتحدة بصرف النظر عن موقفهم من إيران.

أيا يكون الأمر، فإن المهم بالنسبة للعراق ومستقبله هو استمرار المقاومة، ومعها الأصوات المطالبة برحيل الاحتلال، إلى جانب الأصوات الوحدوية القادرة على تبني خطاب يرفض الطائفية.

والخلاصة أن المحاور التي ينبغي أن يجمع عليها العراقيون هي رحيل الاحتلال وهوية العراق العربية الإسلامية مع رفض الطائفية، وحين تقر إيران بهذه العناصر فسيكون بالإمكان التفاهم معها على ما يصون حاضر العراق ومستقبله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.